جدل المادة (23) من مشروع قانون هيئة مكافحة الفسادبين خطين أحمرين: حرية الصحافة واغتيال الشخصية

2011-10-06

إعداد: مرصد الإعلام الأردني

مع إقرار مجلس النواب الأردني للمادة 23 من مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد اصبح مصطلح " اغتيال الشخصية " واحد من اهم المصطلحات التي يتداولها الإعلام الاردني . فالمادة المثيرة للجدل تقول " كل من اشاع او عزا او نسب دون وجه حق الى احد الاشخاص او ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت ايا من افعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون ادى الى الاساءة لسمعته او المس بكرامته او اغتيال شخصيتة عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين الف دينار ولا تزيد عن (ستين الف دينار" . وتظهر المادة القانونية هنا ارتباط مفهوم " اغتيال الشخصية " بإتهامات الفساد .
 
والواقع انه ومنذ انطلاق الحراك الشعبي المطالب بتحقيق إصلاحات سياسية في الأردن بداية العام الحالي ترددت الكثير من اتهامات الفساد بحق بعض الشخصيات ، حتى ان اسماء تلك الشخصيات كانت على السنة المتظاهرين في المسيرات التي شهدتها المملكة.
 
لم تكن الصحافة بعيدة عن قضايا الفساد خلال الشهور الماضية وركزت الصحافة لاسيما الإلكترونية منها على هذا الموضوع بشكل لم يسبق له مثيل مما خلق حالة غضب حكومية على وسائل الإعلام واتهامات لها بعدم المهنية وممارسة اغتيال الشخصية لتصفية الحسابات .. لتاتي المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد كمحاولة حكومية للحد من ظاهرة اغتيال الشخصية في الأردن .. وهنا بدأ الحديث عن إصطدام حرية الإعلام بهذا المفهوم .
مفهوم اغتيال الشخصية :
لا يوجد في القوانين الأردنية تعريف محدد لمفهوم " اغتيال الشخصية " الا ان مختصين إعلاميين يعرفونه بأنه " اسناد تهمة الفساد لشخص دون بينات سواء بقصد ولغايات مختلفة وهذا وارد في أساليب العمل السياسي أو الصحفي أو بدون قصد بأن يتم تداول اسم يرد في التحليل الأولي لمجرد أنه في موقع قرار أو مسؤولية لكنه بريء ولا علاقة له بالقضية" .
 
قانونيا يقول المحامي المتخصص في قضايا الإعلام محمد قطيشات " يكثر حاليا استخدام مصطلح اغتيال الشخصية حتى من بعض رجال القانون في حين إذا نظرنا إلى التشريعات الإعلامية التي تطبق على الصحفيين والإعلاميين نجد أن هذا المصطلح لم يرد في التشريعات وبالتالي لا يمكن أن تطبق على الإعلام والإعلاميين وبالتالي لا ترقى إلى أن تكون جريمة فلا جريمة ولا عقوبة إلا في النص ".
 
ويضيف "عندما يجرم المشرع فعل معين فهو يريد أن يحمي مصلحة أو حرية معينة وعندما يجرم فعل قدح أو ذم فإنه يريد أن يحمي المذموم أو المقدوح في شرفه وسمعته وكرامته. لكن ما ورد في المادتين 188 و189 و190 من قانون العقوبات والمتعلقة بتعريف الذم القدح والتحقير نجد أن هذا التعريف بعيد عن المعيار الدولي لحماية الحياة الخاصة وحق السمعة".
 
يتحدث قطيشات عن الشخصيات العامة وجواز تعرضها للنقد في وسائل الإعلام فيقول ان القانون فرق بين الشخصيات الرسمية والعامة وبين الاشخاص العاديين فالموظف العام مهما كان منصبه حتى لو كان رئيسا للوزراء .. والنواب والإعلاميون والفنانون .. هذه الشخصيات وبحكم مواقعها عرضه للنقد ضمن شروط معينة تتمثل في أن تكون الواقعة ثابتة وحقيقية وعلى النيابة العامة أن تثبت عدم الصحة وأن يكون النقد موجه للأداء أو السلوك أو الرأي وليس موجها إلى الحياة الخاصة إلا إذا أثرت حياته الخاصة على أدائه أو على وجوده كقدوة في هذا المنصب ويجب أن يكون النقد متلائم مع الموضوع، وأخيرا أن يكون النقد بحسن نية أي أن يكون الموضوع ذي أهمية عامة.
 
يؤكد قطيشات ان بعض وسائل الإعلام تمارس اسلوب " اغتيال الشخصية " لدوافع واعتبارات سياسية غير انه يقول أن القضاء لا يتعامل على أساس المعادلات السياسية وإنما على أساس واقعة قانونية مستقلة مهما تعددت الأفعال من بعدها وقبلها. ويستشهد بالمادة 263 من قانون العقوبات التي أشارت إلى أن الباعث على ارتكاب الفعل لا يعتبر ركنا من أركان الجريمة بل قد يكون سببا لتبرير العقوبة.. تخفيفها أو تشديدها. يتابع قطيشات بالقول من تجربتنا فإن القضاء يتعامل مع كل قضية على حده، حتى لو تضمنت الواقعة الواحدة أكثر من مادة منشورة من قبل شخص واحد ضد شخص واحد فإن القضاء يناقش كل منها كواقعة مستقلة عن الأخرى.

الإعلام الأردني واغتيال الشخصية :
مع اقرار مجلس النواب للمادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد انطلقت حملة اعلامية مضادة ، حيث ترى الاوساط الإعلامية ان إقرار هذه المادة جاء ليفرض قيدا جديدا على القيود المفروضة على الحريات الإعلامية خاصة وان الصحافة لاسيما المستقلة منها لعيت خلال الفترة الماضية دورا رئيسيا في الكشف عن العديد من قضايا الفساد ،
 
وحفلت المواقع الإخبارية الإلكترونية بتقارير تتحدث عن وجود فساد في هيئات ومؤسسات حكومية وتورط مسؤولين في تلك القضايا وان كانت هذه المواقع لم تشر اليهم بالإسم الا انها سمحت للجمهور ومن خلال التعليقات بتداول اسماء بعض الشخصيات ولم تمارس هذه المواقع الرقابة على تعليقات الجمهور .
 
يعترف نقيب الصحافيين طارق المومني بوجود ممارسات خاطئة ارتكبتها بعض وسائل الإعلام وبعض الإعلاميين في تناول قضايا الفساد دون تحقيق او تمحيص ويقول "نعم حدثت اخطاء في هذا المجال تسبب بها بعض الإعلاميين الذين لم يمارسوا دورهم بمهنية وموضوعية لاسباب مختلفة ولكن ليس معنى ذلك ان يؤخد الإعلام باسره بجريرة هؤلاء .. ومهما كانت اخطاءهم في هذا المجال فإنه من الخطأ التعميم على الإعلاميين ككل " .. ويؤكد المومني رفض نقابة الصحافيين توجيه الإتهام لاي كان دون دلائل ويقول نحن نعتبر حدوث مثل هذا الامر خروج على قواعد المهنة وميثاق الشرف الصحافي . غير أن المومني يؤكد ان من حق الصحافة ان تكشف عن قضايا الفساد ضمن معايير المهنية والموضوعية المتعارف عليها والتي لا تحتاج الى تاويل او تفسير .
 
وقال" كنا نتمى ألا تعيد الحكومة القانون بوجود المادة ٢٣ إلا انني استغرب من اصرارها رغم وجود عقوبات في قانون المطبوعات و النشر تصل فيها التعويضات الى ٢٠٠ الف بينما في القانون المقترح من الحكومة فانها تصل الى ٦٠ الف دينار كغرامات.وشدد نقيب الصحفيين على أن النقابة تسعى دائماً الى حماية حرية الصحفيين وصون المهنة وتقدمها الى عودتها الى الخلف وحصرها بقوانين تمنع تقدمها. وتابع بالقول نحن مع التعويض المدني والقضاء يحكم للاشخاص المتضررين بالتعويض وهذا رادع كاف. وانتقد المومني بشدة عدم وجود تعريف واضح لكلمة اغتيال الشخصية التي وردت بالمادة ٢٣ من قانون هيئة مكافحة الفساد.
 
سلامة الدرعاوي مدير الدائرة الإقتصادية في صحيفة " العرب اليوم " المستقلة ، كان له السبق في الكشف عن العديد من قضايا الفساد التي اصبحت حديث الاوساط السياسية والراي العام ككل . فهو اول من كشف عن قضية كازينو البحر الميت التي وصفت بأنها اهم قضية فساد في الأردن على مدار السنوات الثلاثة الماضية بما احدثته من تداعيات على حكومة رئيس الوزراء معروف البخيت واتهام لجنة تحقيق نيابية له ولوزراء في حكومته بالمسؤولية عن مخالفة الدستور في ملف هذه القضية وصولا الى التصويت على اتهامه في البرلمان وتبرئته واركان حكومته الاولى من القضية . والدرعاوي هو اول من كشف عن وجود رجل الاعمال المدان بقضية فساد، خالد شاهين في لندن وليس في الولايات المتحد للعلاج كما اعلنت الحكومة الأردنية وهي القضية التي ارتقت الى مستوى فضيحة لحكومة البخيت وادت لإستقالة وزيرين من حكومته .
 
يقول الدرعاوي ان جميع قضايا الفساد الحكومية التي كشفها ونشر عنها خلال السنوات الماضية كانت موثقة بحيث لم تستطع اية جهة حكومية ملاحقته او تكذيبه . ويتحدث الدرعاوي عن الالية المهنية التي يستخدمها في متابعة قضايا الفساد فيقول " اتبعت الاسلوب الإستقصائي عالي المستوى في كل القضايا التي تابعتها واعتمدت على اكثر من مصدر في الحصول على المعلومات وراقبت مدى مطابقة هذه المعلومات بما املكه من وثائق .. كما اعتمدت على توثيق ما احصل عليه من تصريحات بتسجيلها وكانت الشهادات الحية ركن اساسي في عملي " .
 
ويؤكد ان الدرعاوي ان المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد لن تكون قيدا عليه لانه لن يتخلى عن اسلوبه المهني الذي يقوم على الإستقصاء في الكشف عن قضايا الفساد ويدلل على ذلك بالقول .. "كل ما نشرت عنه كان صحيحا ولم يحمل تشهير او اغتيال لاي شخصية عامة".
 
ويرى الدرعاوي ان المادة مثار الجدل لن تؤثر على حرية الصحافة متسائلا " متى كانت الصحافة تخوض في قضايا الفساد بإستثناء صحيفة العرب اليوم ؟ .. يغيب نهج الإستقصاء عن عمل معظم الصحف لذلك لا نجد كشفا لقضايا الفساد في الصحافة المحلية " . وهو يعتقد ان هذه المادة ستصبح قيدا فقط على من يستخدمون اسلوب الإبتزاز وتصفية الحسابات في الوسط الإعلامي الأردني مشيرا في هذا الصدد الى وجود قلة من الإعلاميين ممن لهم ممارسات خاطئة بهذا المجال داعيا الدولة الى ان لا تقيس بذات المسطرة.
 
تسابقت المواقع الاخبارية الإلكترونية خلال الاشهر الماضية في الحديث عن قضايا فساد طالت بعض المؤسسات والمسؤولين فيها، بعض هذه المواقع كان ينشر ما لديه من وثائق تؤكد صحة طرحه، والأكثرية من هذه المواقع اوردت اتهامات بالفساد دون بينات وكان واضحا للمتابعين ان الهدف تصفية حسابات مع بعض الشخصيات وان كان على حساب المهنية والمصداقية .
 
يقول مدير تحرير موقع "خبرني" محمد الحوامدة ان بعض المواقع الإلكترونية اعطت ذرائع للحكومة بإصدار مادة مقيدة للحريات الإعلامية مثل المادة 23 ويوضح " بعض اصحاب هذه المواقع استغلوا الإنتشار الواسع للمواقع الإلكترونية لتصفية حسابات خاصة مع بعض الشخصيات السياسية والإعلامية بما خلق انطباع سيىء عن المواقع الإلكترونية ". ويضيف الحوامدة ان التركيز على النماذج السيئة في الصحافة الإلكترونية لا ينبغي ان يكون حالة عامة مشيرا في هذا الصدد الى الدور الذي لعبته بعض المواقع الإلكترونية المهنية في الكشف عن قضايا الفساد .
 
ويضيف بعيدا عن النوايا السيئة هناك بعض المواقع الإلكترونية التي تقع في اخطاء بتوجيه الإتهامات لبعض الشخصيات والسبب في ذلك رغبة هذه المواقع في تحقيق سبق صحافي ، عندها تكون المصداقية والمهنية هي الضحية .
 
ويؤكد الحوامدة ان موقع "خبرني " استغنى في العديد من الحالات عن فكرة تحقيق السبق الصحافي على الرغم من اهمية ذلك له كموقع اخباري يعتمد على السرعة في عمله وتابع .. "الموضوعية وتوخي الدقة وعدم الوقوع في فخ اتهام الناس دون اثباتات كافية هو ما جعلنا نستغني عن تحقيق سبق صحافي في العديد من الحالات .. عندما نتابع قضية فساد نضع نصب اعيننا المصداقية والمهنية وسمعة الناس ومصالح الوطن ".

هل تضع الماد 23 حدا لإغتيال الشخصية ؟
الغرامات الباهظة التي تفرضها المادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد على من ينشر اخبار تتعلق بالفساد دون بينات يمكن ان تضع حدا لمغتالي الشخصية وهذا ما يؤكده عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد الدكتور فياض القضاة الذي يقول أن اهمية وجود المادة23 من القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد يأتي نظرا لأن «مكافحة إغتيال الشخصية هي من أهداف مكافحة الفساد سندا للمادة(4/د) من القانون الأصلي.
 
وأشار القضاة بمجمل تعليقه على ورود المادة بالقانون المعدل الى انه لم يرد اي نص في القانون الاصلي يحدد معنى «إغتيال الشخصية»أو العقوبة المترتبة على ممارستها.
 
واوضح ان المادة (7/ج) من قانون الهيئة اجازت «تحويل مقدم الاخبار الكاذب او الكيدي الى الجهات القضائية المختصة وفقا للاصول القانونية المتبعة» ولم تحدد ما هي العقوبة التي يمكن ان توقع على هذا الشخص ، مبينا ان هذا النقص التشريعي بحاجة الى إجابة لأن هيئة مكافحة الفساد لن تقوم بتحقيق هذا الهدف والذي هو هدف موجود أصلا في القانون الأصلي دون ايراد نص يحدد أركان الجريمة والعقوبة المفروضة.
 
وأوضح القضاة ان نص المادة ليس موجها الى الصحافة او الصحفيين بقصد ما هو موجه الى «كل من يشيع» بين الناس خبراً غير مبني على أساس من الواقع بان «أحد الناس» هو شخص فاسد بارتكابه لفعل من افعال الفساد المجرمة بموجب المادة (5) من قانون هيئة مكافحة الفساد شريطة أن تأخذ هذه الاشاعة صفة «العلنية».
 
وبيّن القضاة أنه يجب على كل من يرد اليه خبر او معلومة حول «أحد الاشخاص» التثبت من صحة هذه المعلومة لا أن يساهم في بثها وتسويقها وهو يعلم بعدم صحتها، مشيراً الى انه بمثل هذا الأمر وقف لإغتيال شخصية الشرفاء من الناس الذين لا يثبت انهم ارتكبوا اي فعل من افعال الفساد وليس حماية للفاسد، لأن القانون الجزائي لا يحمي الفاسد بدليل ان قانون العقوبات لا يعاقب أصلاً على نشر أي مادة تكون ذماً أو قدحاً ولا يعتبر ذلك نشراً غير مشروع اذا كان موضوع الذم او القدح «يعود بالفائدة على المصلحة العامة» سندا للمادة (198/1) من قانون العقوبات.
 
وأشار القضاة الى انه لا يمكن لأي شخص ان يتوقع حجم الضرر النفسي والمعنوي (وربما المادي ايضا) الذي يمكن ان يلحق بشخص ما يتهم زورا وبهتانا بانه فاسد وهو من هذا الفساد براء، مشيراً الى ان تعريض مثل هذا الشخص لمثل هذه الاشاعة في وقتنا الحالي قد يكون صعب التعويض لأن هذه الاشاعة تلتصق بذهن السامع ومن الصعب محوها من مخيلة المجتمع حتى ولو صدر حكم قضائي بالبراءة، لذا كان لا بد من وزن مصلحة المجتمع في عدم تدمير شخوصه الابرياء وبين محاولة كشف الفساد بطريق خلفي بدل اللجوء الى الطريق المفتوح وهو إخبار الجهات صاحبة الصلاحية سواء أكانت هيئة مكافحة الفساد أو الادعاء العام المختص الذي له مطلق الحق في تلقي الاخطارات حول الجرائم التي يختص بالتحقيق فيها.

حرية الصحافة: مخاوف مشروعة
المخاوف من تأثير حقيقي وسلبي للمادة 23 من قانون هيئة مكافحة الفساد على الحريات الإعلامية هي مخاوف حقيقية لدى قطاع واسع من الإعلاميين .
 
يقول مدير مركز حماية وحرية الصحافيين نضال منصور "أقل ما توصف به هذه المادة انها انتكاسة جديدة لحرية الإعلام " وتابع "الغرامات المالية المغلظة ليست أقل خطراً من عقوبة السجن لأنها في نهاية المطاف تدفع الصحفيين وراء القضبان إن لم يقدروا على سداد هذه الغرامات" .
 
واستغرب منصور التوجه نحو إقرار تشريع لهيئة مكافحة الفساد يقيد دور الصحافة في مساندة الجهود المبذولة لمحاربة الفساد منبها الى أن ذلك يتعارض مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي تؤكد ان الإعلام الشريك الأساسي في الحد من الفساد والتوعية ضده". وقال منصور "أن إقرار المادة 23في قانون هيئة مكافحة الفساد إلى ابعاد الصحفيين عن الكتابة في قضايا الفساد".
 
عضو مجلس نقابة الصحافيين السابق ومدير التحرير في صحيفة "الغد" ماجد توبة وصف المادة (23) بأنها مادة عرفية تقر في زمن ربيع العرب وثوراتهم، وقال "من وضع هذه المادة وهي الحكومة، ومن أقرها وهو مجلس النواب، كانوا جاهلين تماما بتداعيات الربيع العربي ونجاح الشعوب العربية في كسر كل القيود".
 
واعتبر توبة أن إقرار مثل هذه المادة أصبح يشكل رعباً للصحف والإعلاميين من الخوض بقضايا الفساد مشيراً إلى أن الغرامات المالية الباهضة التي تفرضها المادة بدلاً من عقوبة الحبس، كانت بمثابة استغفال للرأي العام، فمن لا يستطيع دفع هذا المبلغ حتما سيكون مصيره السجن داعياً مجلس الأعيان الى عدم تمرير هذه المادة .
 
خلاصة:
في الجدل حول المادة (23) من مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد، تمتلك كل وجهة نظر حيثياتها ووجاهتها...فمن جهة ثمة سلوكيات في "بعض" الوسط الإعلامي، أقرب ما تكون للقرصنة والابتزاز، تتميز بانعدام المهنية والصدقية، ومن جهة ثانية، ثمة تجارب مريرة من انعدام الثقة برغبة الحكومات المتعاقبة في إطلاق حرية الصحافة والتعبير والإعلام...من جهة ثمة مسؤولية تقع على عاتق الوسط الصحفي في "تنظيف" بيته الداخلي، وإعادة الاعتبار للمهنية...ومن جهة ثانية، ثمة مسؤولية كبرى تقع على كاهل الحكومات، الحالية والقادمة، في التزام معايير حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام، لتمكينها من القيام بدورها الرقابي، الذي طالما أثبت جدواه.
 
يستمر الجدل ويحتدم، لكن المهم، أن تضطلع أطرافه، كل من موقعه، بمسؤولياته في صون حرية الصحافة واستقلاليتها وتطوير دورها، ووقف عمليات التعدي على كرامات الناس ومحاولات اغتيال شخصياتهم، والابتعاد عن لغة الاتهام السهل والسريع، بل والرخيص أحياناً...وكلما سارع الصحفييون والإعلاميون بأخذ زمام حريتهم ومهنيتهم بأيديهم، كلما كان ذلك في صالح المهنة والمهنيين، وكلما أسهم ذلك في فتح المزيد من النوافذ أمام "نسمات ربيع العرب" لتتغلغل وتنتشر على صدر صفحات جرائدنا وشاشاتنا وأثيرنا.
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=838