حقوق المرأة بين الدين والتشريعات والمواثيق الدولية

2009-10-31

بداية أريد أن أنوه بهذا اللقاء القيم، وبـ «جلسة العصف الذهني»، حيث أننا نتحدث في العديد من المواضيع التي يعتبر البعض أنها تنطوي على بعض الخطورة والحساسية. فمجرد أن نلتقي ونتداول في هذا الموضوع، فهذا يدل على مدى تقدم الفكر العربي الإسلامي، وانفتاحه على الآخر والرأي الآخر، واستعداده أن يناقش بعمق أبعاد مفاهيم حقوق الإنسان، والتي بالضرورة تشمل على كافة حقوق المرأة وحقوق الطفل. لماذا؟ لأننا نعلم جميعاً أن الإسلام في إطار حقبة زمنية معينة، جاء بعد مرحلة الجاهلية، والتي لم تستهدف أحداً كما استهدفت المرأة، فكانت تعاقبها قبل أن تتنفس النفس الأول، بوضعها في حفرة والردم عليها كي لا تتنفس النفس الثاني. فجاء الإسلام لينقذها من الموت بهذه الطريقة، فمنحها الحياة أعطاها الحق بالحياة، والحق في الحياة..هو أبو الحقوق، وهو أول الحقوق، وهو سبب نشوء كل المنظومة الدولية التي نتحدث عنها الآن، ونســتند لـــــــها الآن للدفاع عن حقوق المرأة.

«حقوق المرأة، حقوق الإنسان» هو العنوان الذي ارتأيت أن أضعه في الورقة الآن، عندما استمعت إلى زميلتي الدكتورة ابتسام عطيات، وهي تتحدث بكلمات رائعة وجميلة جداً، عن مفهوم ما يجب أن يولد من رحم الثقافة العربية الإسلامية، للمرأة العربية لأنها أكدت على أهمية أن ننفتح على الآخر، وأن نسمع لكل ما هو إيجابي وما هو سلبي، ولكن أن نعمُل عقولنا في فرز ما نسمع، ونبقى متطلعين دائماً إلى خلفيتنا الثقافية الإسلامية، لأنها تخدم أكثر من غيرها في مجال حماية حقوق كل فئة مستهدفة في البشرية.

هم كثر، عندما نسأل عن مفهوم حقوق الإنسان يرددون: الحرية، المحبة، الكرامة، الحق في التعبير، لكن حقوق الإنسان هي مفهوم يعادل مفهوم الواجب، ودليل ذلك قد يكون أيضاً عبر قراءة الكتب السماوية الثلاث، عندما «قتل قابيل أخاه هابيل»، عندها عاد إلى والده، فسأله والده بكلمة واحدة، أين أخوك؟ فأجاب إجابة واحدة وردت في كل الكتب السماوية، أحارس أنا لأخي؟ إجابة كاذبة، في صيغة سؤال مخادع. أحارس أنا لأخي؟ فتحدث عن مسؤولية منطلقاً من مفهوم الحراسة. هل أنا مُلزم بأخي..هل أنا مسؤول عنه؟ جواب كاذب، ولكن له دلالاته العالميةالمتعلقة بمفهوم الأخوة، فمن هو أخي ومن هي أختي أهي التي من دمي ولحمي، أو من هي قريبتي أو جارتي، أو مدينتي أو الأردن أو العالم؟ من هنا انبثق مفهوم عالمية حقوق الإنسان.

أحاول أن أتذكر ولو بشكل سريع قائمة تطور حقوق الإنسان، لأن الوقت يدركنا، فكل ما سأقوله سيرجعني إلى الأحكام السماوية، فابتداء من قتل قابيل هابيل عرف البشر الجريمة أبشع جريمة، وهي انهاء حياة إنسان، وهو «أخ»، وليس أي إنسان آخر. وتطور العالم بمنظومته من الصيد إلى الرعي إلى الزراعة، ومن ثم إلى الثورة الصناعية، وما تلاها من أمور كثيرة. ودخل العالم في حروب ونزاعات كثيرة، وشهد العالم حضارات عديدة ومن أول ديانة عرفها العالم، «الهندوكية» من 3500 سنة قبل الميلاد، وتحدثوا عن مفهوم عدم جرح الآخر، المهاتما غاندي تحدث عن مفهوم جرح الآخر.

تقدم الفكر البشري هو انعكاس لمدى اتساع مفهوم حقوق الإنسان، فهل مفهوم حقوق الإنسان هو الامتناع عن ارتكاب جريمة بمفهوم القانون؟ عدم اضطهاد فئة بمفهوم القانون، وإلا يمتد لاحترام شعور الآخر كواجب، ويقع ضمن منظومة حقوق الإنسان؟
من هذا المنطلق، إذا أردت الرجوع مرة أخرى إلى استعراض الحضارات وأهمها اليونانية على سبيل المثال، وتباهيها بأنها أصل نشأة الديمقراطية، ثم الرومانية، حتى إدارة القوة وقانون الشعوب، الذي فرض بالقوة لحماية مصالح الدولة الرومانية التي هي قوية أصلا، ثم ما حل بعدها من أوضاع مزرية للقارة الأوروبية، وهي حرب الكاثوليك والبروتستانت لمدة ثلاثين عاماً، كانت خاتمتها بمعاهدة «وست داليا» التي كانت انطلاقة لبدء تقنين مفهوم حقوق إنسان وحقه بالحياة كمبدأ أساس، ثم معاهدات الرق في عام 1815 وإنهاء الرق، ثم الحرب العالمية الأولى، 1914 واستمرت لعام 1918، وانتهت بإنشاء «عصبة الأمم المتحدة» والتي فشلت في مهامها، ونشأت حرب عالمية ثانية، فنشأت الأمم المتحدة التي قامت بصياغة «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، وما تلا إنشاءها من اتفاقيات دولية لحماية حقوق الانسان، ومنها الاتفاقية الدولية التي تحدثت عنها زميلتي الدكتورة ابتسام عطيات، اتفاقية «القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة»، وهي اتفاقية حديثة نسبياً.

الإسلام والمسيحية كدين، أتحدث عنهما على وجه الخصوص، لأنني أتحدث عن المجتمع الأردني. «أحبب زوجتك، كما تحب نفسك»، «ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، واللئيم، كما قال الشيخ احمدالكبيسي، هو الإنسان ساقط الخلق. عما نتحدث نحن نتحدث عن الشرائع عن ما يجب أن يحكمنا إبتداء، وما يجب أن نقتدي به وما يستخدمه الآخرون من خلال تسييس الدين لغايات محاربة أبســط مفاهيم حقوق الانسان. فأين وجهنا من الخالق؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أنا لست في موقع أن أتحدث بعلم عن الدين، أحاول أن أستعين بكلام الله سبحانه وتعالى، فنحن أولياء بعضنا بعضا، لا الرجل ولي المرأة.. ولا المرأة ولية الرجل، فالآية الكريمة واضحة كل الوضوح وليس فيها لُبس. حتى عندما نتحدث عن مفاهيم الطاعة، فهي ليست الطاعة التي تأتي من خوف بل «الطاعة» التي تأتي من المحبة والود المتبادل، لأن مفهوم الأسرة هو «محبة، وود، وسكينة»، ومن هذا المنطلق يطيع الرجل المرأة، وتطيع المرأة الرجل. الطاعة متبادلة. لأن الطاعة محبة وليست نتيجة خوف.

إذا ما أردت الحديث عن علاقتنا بأبنائنا، نرى أجيالنا أو الأجيال التي سبقتنا، والكثير من الناس حولنا، وربما نحن تعرضنا للضرب في مرحلة من المراحل، ونقول لم يصبنا شيء، لا! بل أصابنا شيء، فعندما أرى شباباً لا يستطيعون الوقوف للتحدث ولو لمدة خمس دقائق، دون تأتأة أو دون خوف، أعزائي، لقد أصبنا شيء ما، هناك مشكلة، أتحدث عن أب وأبن وأم وطفل، فما بالكم في العلاقة بين شخصين يفترض أن يكونا متكافئين، وهما عماد الأسرة.

اتفاقية «سيداو» لا تضيف الكثير إلى أحكام شرائعنا السماوية، «سيداو» لا تتعارض مع أحكام شرائعنا السماوية، ويمكن شاهدنا مواجهة شنيعة، وأكلنا بعضنا بعضا على الساحة الأردنية، عندما رفع الأردن تحفظه عن المادة (15) من سيدوا، وبهجومنا على هذا الإجراء، للأسف ألحقنا الضرر بقيمتنا وقيمنا، ومن مدى انفتاح أحكامنا.أعطي مثالاً على ذلك، في كل الأديان من الأصول (الذوق والإدراك) أن تتبع الزوجة زوجها، وأن تساكنه إذا وفر لها «البيت الشرعي»، ومتطلبات ذلك. لكن ليس هناك شريعة من الشرائع السماوية، تجبر إنساناً على أن يساكن إنساناً آخر، هذا هو الأصل، فجاء قانون الأحكام الشخصية الذي هو قانون وضعي، وأخذ في بعض أحكامه من الشريعة الإسلامية بأن أعطى القاضي الحق، في أن يأمر الزوجة بأن تساكن زوجها، إذا ما وفر لها «البيت الشرعي»، لكنه لم يجبرها، يأمر ولا يُلزم، وبالتالي لا يوجد ما يسمى «ببيت الطاعـة». الآن في الأردن وقبل اتفاقية «سيداو»، سؤالي حقيقةً، حتى أقرر بحكمة، ماذا أضافت «سيداو» على القوانين المتعلقة ببعض الأمور، حتى أكون أكثر دقة الأمور التي أخاف أن تتخالف مع أحكام شريعتي؟ لم تضف شيئاً. لا نص في القانون يمنع أو يضع حداً للتنقل، النص الوحيد الذي تحدث عن حق التنقل وكفله للرجال والنساء، انطلاقاً من المادة السادسة في الدستور «الأردنيون أمام القانون سواء، مهما اختلفوا في العرق أو الدين..». أردنيون رجالاً ونساءً، أعطى الدستور الحق في التنقل أيضاً للأردنيين رجالاً ونساءً، دون أن يضع قيوداً إلا بإشارته للقانون والنظام العام، كأداة لتنظيم الحق وليس لتقييده. لأنه إذا جاء القانون ليقيد حقاً فإن هذا يعني أن هذا التقييد غير دستوري، أليس صحيحاً؟ مبدأ دستورية القوانين، لا يجوز لقانون أن يتعارض مع أحكام الدستور، وإذا كان هناك من يدعي أنه تقيد بقانون دون الدستور، ليأتي إلى لنقطع في عدم دستورية هذا القانون.

لا يجوز التقييد أو التعارض مع أحكام الدستور، والإتيان بعدئذ ببعض التفصيلات للتمويه، الدستور نسميه «الخط العام» للدولة، السياسة العامة للدولة، رؤية النظام للسياسات العامة التي هي تعبير عن رؤية هذا النظام، وتعبير عن رؤية الحكومة بالذات.لأن من يقترح القوانين كما كلنا يعرف هي الحكومة. من يقرها هو الشعب من خلال النواب. لكن صاحب فكرة القانون السلطة التنفيذية، وعلى رأسها جلالة الملك.

إذن هذا الحق بالأصل، لم يكن مقيداً بل نظم بقوانين، ولا يوجد نص يضع قيوداً، إلا بما يتعلق - على سبيل المثال - بالمنشآت العسكرية، لكنها ليست مسموحة للرجال وممنوعة على النساء، أو العكس. على كل أردني أن يحترم مثل هذه النصوص. إذن سؤالي لماذا ثارت ثائرتنا على «سيداو»؟ نحن نجيد جلد الذات. ونعطي صورة للآخرين أننا وكل ما نعتمد عليه من منظومة شرعية، يتعارض مع المفاهيم التي يعتبرونها متقدمة لحقوق المرأة والإنسان، في حين نحن متقدمون أكثر منها. لكن لماذا لا نصادق عليها؟ ونحن جزء من المجتمع الدولي. لا يجوز أن ننعزل عن الآخر، فإذا كنا نؤمن أنه ليس لدينا ما نخاف منه. بل بالعكس نتباهى بما لدينا. ورغم تحفظنا على بعض المواد، التي أجد صعوبة في قبولها أيضاًً. ولكن هل كان سبب عدم رفع التحفظ عن المادة (16) من «سيداو» لأنها تتحدث في شؤون الأسرة والحق في عقد الزواج وفسخه، وفي حق الولاية والوصاية؟ بهذا الإطار مضطرة أن أكون واضحة تماماً. هنالك ثوابت نتفق عليها دائماً، لكن الإجراءات يمكن النقاش فيها. ودليل ذلك تعديل «قانون الأحوال الشخصية في 2001. الذي هو ابتداء رفع سن الزواج، ووضع قيوداً وشروطاً على تعدد الزوجات، بحيث أجبر القاضي أن يعلم الزوجة الثانية بالزواج الأول، ووضع شرطاً آخر على القاضي أن يتأكد من إمكانية الكفالة المالية للزوج، وقدرته على دفع النفقة والمهر. إذن أتحدث عن شروط قد لا تؤثر بما يتماشى مع التفسير الآني الحالي، الذي تحدثت عنه زميلتي الدكتورة ابتسام مع نصوص القرآن الكريم، مع وضع نقطة على: ولن تعدلوا! لأنها قابلة أيضاً للنقاش، لأن القرآن الكريم كشريعة سماوية، الصالح لكل زمان ومكان، لا أريد أن أفتح باباً للنقاش في هذه النقطة، لأنني أفهم شيئاً واحداً أشارت له زميلتي الدكتور ابتسام، عن النسوية الإسلامية، التي تدعو المرأة المسلمة إلى أن تقرأ آيات الله العظيمة، في القرآن الكريم وتفهمها جيداً، لأنها لديها العقل لتفهمها، كما يملك الرجل فهمها.وأنا أؤيدها في ذلك.

لكن مرة أخرى، كل ما جاء في أدياننا السمحة يسبق «سيداو» بكثير، دليل ذلك قانون العقوبات الأردني، الذي نص «الزانية، وشريكها» ..استحينا أن نقول الزانية والزاني، وأصبحنا نقول الزانية وشريكها، بمعنى أنها أصل البلاء ثم شريكها، في حين جاء في القرآن الكريم نص على «الزاني والزانية، يعاقبان بالعقاب ذاته، سواء كانا متزوجين، أو لا، من الجلد حتى الموت بالرجم، ومن يوقع العقوبة هو السلطان». في حين جاء القانون الوضعي للعقوبات الأردني، المأخوذ من القانون الفرنسي ليحدثنا عن كل من ضبط زوجته أو إحدى محارمه، متلبسة في جريمة الزنا.. وتم تغييرها إلى كل من فوجىء لأن عنصر المفاجأة عند الرجل وليس عند من فاجأهم، بزوجته أو إحدى محارمه متلبسة في جريمة الزنا فقتلها أو أذاها أو قتلاهما أو أذاهما فيأخذ عذراً محلاً ومخففاً، فتحول النص إلى الأسوأ، من وجهة نظري الشخصية، وقد أكون مخطئة في ذلك. وأضاف نصاً آخر ليقول الزوجة، التي تفاجئ زوجها، في حالة الزاني في بيت الزوجية، تأخذ عذراً مخففاً. أي العذر المخفف ذاته للرجل.

نحن نتحدث عن دولة قانون، بمعنى أنها دولة مشروعية، لا أحد لا حاكم ولا محكوم فوق القانون. هذه هي دولة المشروعية، لكن أن آتي بقانون وضعي مثل قانون العقوبات، وأقول للناس للمستهدفين بأحكام القانون، «إذبحوا بعضكم بعضاً..اقتلوا بعضكم بعضاً»، عندي عذر محل، ومخفف، هنالك نص في قانون العقوبات، ولا أريد أن أُفهم بشكل خاطئ، لا أنكر على البشر سواء كانوا رجالاً أم نساءً، أن يثوروا لأعراضهم وأن يغضبوا. الجريمة قد تقع، وإذا وقعت سواء من قبل رجل أو إمرأة، لكن ما انتقده في التشريع، أن أضع نصاً خاصاً، في حين هناك نص آخر، في قانون العقوبات وهو نص المادة (98)، وتتحدث عن أي جريمة، تقع بسبب ثورة الغضب، فلماذا أخص هذه الحالة بنص خاص. أمر يحتاج إلى إعادة نظر من مشرعنا، طالما أنه بالضرورة لا يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء، ابتداءً، ولا يتماشى مع مبادىء العدل والإنصاف، ولا يتماشى مع مفهوم حقوق الإنسان الذي هو مفهوم يطبق على الرجال وعلى النساء، وعلى كل من يتمتع بالعقل، وعلى كل من يحمل مبادئ الإنسانية.

حاولت أن أعطي بشكل سريع لمحة من واقعنا وقانوننا الأردني، وأريد أن أكمل الفكرة التي تحدثت فيها زميلتي الدكتور ابتسام التي تطرقت إلى البعد الاجتماعي الثقافي، لما هو الحق، وكيف لنا وعلينا أن أن نقرأ ونفهم ما بين أيدينا من تشريعات سماوية، قد تعطينا من الحقوق ما يضمن حقنا في الحياة وما أردت أن أضيفه هي للفكرة العظيمة التي قدمتها وهي واقعنا ماذا يقول بين الشريعة والتشريع الوضعي البشري، والذي دائماً يعطينا القوة لنتحدث بعلمية، وأن نتحدث جميعا بحرية، ومادمنا بشراً فنحن خطاءون، إذن بالعكس من القانون الوضعي، الشريعة تنقذني، وهي أداتي التي افتخر باستخدامها، كثيراً في المطالبة بحقوق المرأة، لأنها تغطي فجوة كبيرة بين ما وضعناه لحياتنا بأيدينا، وبين ما وضعه الأصل الشرعي في الكتب السماوية.

ورقة بحثية قدمت في ورشة عمل "نحو علاقة صحية بين الدين والدولة... الاردن نموذج"
التي نظمها مركز القدس بالتعاون مع دار الندوة في بيت لحم في 31 تشرين أول / أكتوبر 2009 في عمان.
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=771