دولــــــة الإســــــلام المدنيــــــة

2009-10-31

الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولم تكن هناك دولة دينية إسلاميّة في التاريخ منذ وجد الإسلام. وإنّما فكرة الدولة في الإسلام تقوم على أساس مدني، يستند إلى إطار مرجعي قيمي مستمد من الإسلام. فالإسلام أوجد إطاراً فكرياً واسعاً، وأرسى مجموعة مبادئ عامة وخطوط عريضة، وبنى منظومة قيم ثابتة، لهداية العقل البشري الجمعي نحو تحقيق المصلحة العامة للإنسانية، لتنعم بالأمن والحرية والرفاه والتعاون على البر، والتسامح في مواطن الاختلاف.

الإسلام يرفض ظاهرة رجال الدين، ويرفـض فكرة احتكار الوصاية على الدين لفرد أو مجموعة أو حزب أو عائلة قوميّة محددة. بل ما هو محل الإجماع الذي لا خلاف فيه أو الوصاية للأمة جميعها، لجميع أفرادها وبالتعبير الفقهي «مجموعة المكلفين»، والمكلفون جمع مكلف، والمكلف هو كل إنسان بلغ السن المعهود عاقلاً راشداً.بمعنى كل العقلاء الراشدين يشكلون «الأمة» وهم جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات، كما جاء في الحديث: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم».

وجوب إقامة الدولة في الإسلام
قيام دولة للمسلمين واجب بإجماع جميع مذاهب الأمة وفرقها، كما يقول ابن حزم: «اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأنّ الأمة يجب عليها الانقياد لإمام عادل».

أدلة الوجوب

1 - أدلة نقلية (نصية)، وهي كثيرة، منها:
قال تعالى: }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ{. هذه الآية توجب الطاعة لولي الأمر، ووجوب الطاعة يقتضي وجوب ايجاد ولي الأمر المطاع.
قال رسول الله: «لا يحل ثلاثة أنفار، يكونون بأرض فلاة إلاّ أمّروا أحدهم». فالأمر المتوجه للجماعة المكونة من ثلاثة أفراد بوجوب تنصيب أمير، فهو للجماعة الأكثر أشد وجوباً. الدليل الآخر من السنة فعله الرسول، فقد أقام دولة وكان هو ولي أمرها.

2 - أدلة عقلية:
وهي كثيرة، منها ما نقل عن الإمام الغزالي:
«إنّ الفوز بسعادة الآخرة متوقف على أداء الواجبات الدينية كاملة، وأداؤها كاملة متوقف على نظام دنيوي مستقر، يأمن فيه المرء على نفسه وماله ومسكنه وطعامه، ولا يتحقق ذلك إلاّ بسلطان مطاع، من كافة أفراد الأمة».
يقول عضد الدين الابجي: يتعين نصب الإمام دفعاً للضرر المظنون بعدم نصبه، ودفع الضرر المظنون واجب شرعاً وإجماعاً. وبيان الضرر: أنّ الناس لا يستطيعون العيش منفردين، لأنّ الإنسان اجتماعي بالطبع وهم مع الاجتماع مظنة اختلاف الأهواء وتشتيت الآراء، وما بينهم من الشحناء، وقلما ينقاد بعضهم لبعض، فيقضي إلى التنازع وربما أدى إلى هلاكهم جميعاً، ويشهد لذلك التاريخ والتجربة ... ففي نصب الأئمة دفع مضرة لا يتصور أعظم منها».(المواقف: 346)

الإسلام والمواطنة
أقام الرسول دولة الإسلام الأولى في المدنية المنورة، وقد اكتملت أركانها:
الركن الأول: الشعب، وهم مجموعة المكلفين الذي يتحملون عبء حماية الدولة ورعايتها، وحفظها وصيانتها، وايجاد الإمام (ولي الأمر) وطاعته ونصرته، ويقيمون على إقليم من الأرض محدد المعالم والحدود. وشعب دولة الإسلام مكون من فئتين:
الفئة الأولى: المسلمون الذين يقيمون على إقليم الدولة، إقامة دائمة ومستمرة. أمّا المسلمون الذين يقيمون خارج حدود الدولة ويتبعون دولة أخرى، فهؤلاء ليسوا مواطنين ولا رعايا، وليس لهم حقوق المسلمين وواجباتهم. قال تعالى: }وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا {.الفئة الثانية: من غير المسلمين، سواء كان من اليهود أو النصارى، أو المجوس، أو الصابئة.. الذين يقيمون على أرض دولة الإسلام إقامة دائمة ومستمرة، فهؤلاء يعدوا من مواطني دولة الإسلام بالعهد. وهذا (العهد) كان يبرمه الرسول أو خلفاؤه من بعده مع غير المسلمين الذين يودون العيش مع المسلمين تحت سلطانهم سالمين آمنين. وهذا العهد يقوم مقام عقد الجنسية في الدولة الحديثة، لأنّ الآثار المترتبة على هذا العهد تتساوى مع المواطن المسلم تماماً، كما نقل عامة الفقهاء قول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال بشأنهم: «لهم ما لنا، وعليهم ما علينا» أي لهم ما لنا من الحقوق وعليهم ما علينا من الواجبات. ولو استعرضنا الحقوق المترتبة على هذا العقد نجدها كما يلي:

أولاً: الحقوق الدينية: فهم يتمتعون بحريتهم الدينية من عبادة وطقوس، بحماية الدولة وأمنها
ثانياً: الحقوق المدنية: من حق العيش والتنقل والتملك، والتجارة والتعلّم وغيرها
ثالثاً: الحقوق السياسية: مثل المشاركة السياسية في الوظائف والأعمال وإدارة الدولة وحريّة الرأي والتجمع وهي على قدم المساواة مع المسلمين المواطنين، أمّا الواجبات، فهي كما يلي:
- واجبات مالية: يدفعوا جزءاً من أموالهم لخزينة الدولة
- واجبات عسكرية: الاشتراك في الدفاع عن أرض الدولة وحمايتها والذب عنها وقتال أعدائها
- واجبات قانونية: تتمثل بالخضوع لقوانين الدولة النافذة التي تنظم حياة الناس في كل شؤون الحياة

باستثناء ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق والشؤون الدينية الخاصة، فلكل فئة ما ينظم شؤونها تحت إشراف الدولة العام إنّ ما سبق لا يُعد تنظيراً فقهياً جديداً، بل هو ما عليه غالبية فقهاء المذاهب الإسلامية، وما تمّ تطبيقه فعلاً وواقعاً بلا خلاف على مدار التاريخ، فمنذ اليوم الأول لمولد دولة الإسلام، كان فيها مواطنون من غير المسلمين، عاشوا مع المسلمين في السراء والضراء يتمتعون بالحماية والأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، كما المسلمون، منذ زمن الرسول محمد، وحتى يومنا هذا.

المقومات القانونية لدولة الإسلام الدينية
1 - وجود الدستوروجود قانون أساسي للدولة، يشكل قواعد آمرة عليا، يكون مرجعاً لسن القوانين وإطاراً للسياسات القائمة، ويعد ضرورة وواجباً من أجل استقرار مؤسسيّة الدولة، وتلبية لحاجات المواطنين في الوضوح والشفافية، ووضوح اللوائح والأنظمة والإجراءات والتعليمات التي تنظم حياة الناس اليومية في مختلف المجالات.
والدستور في دولة الإسلام هو في حقيقته تشريع ينتسب إلى مصادر الفقه الإسلامي المعروفة: القرآن، السنة، أقوال الصحابة وأفعال الخلفاء، العقل (الاجتهاد).
ومن هنا فإنّ الرسول وضع الوثيقة الدستورية الأولى التي تنظم حياة الناس في الدولة الإسلامية الرئيسية في المدينة، والتي تتكون من (47) مادة.

2 - التدرج القانوني
ويقصد بالتدرج القانوني، أنّ كل قاعدة قانونية محكمة، تستند إلى قاعدة أعلى منها، لا تعارضها ولا تناقضها. فالدستور أولاً، ثم القانون، ثم النظام، ثم التعليمات ثم القرارات.

هذا يعني أنّ كل قرار إداري يصدر من أي موقع مسؤولية، يجب أن يستند إلى تعليمات مكتوبة وصحيحة وواضحة، وهذه التعليمات يجب أن تشتق من نظام مدون وشرعي متفق عليه، وأي نظام يجب أن يستند إلى قانون ملزم صادر عن الهيئة التشريعية المختصة، والقانون الملزم يجب أن يستند إلى (الدستور) ويحقق روحه دون تعارض أو تناقض شكلي أو جوهري، وكل ذلك يجب أن يستند إلى قواعد الشريعة العامة ومبادئها الأساسيّة. وهذا مأخوذ من منهج الفقهاء في التشريع، بأن يرد الفرع إلى الأصل، والحادثة إلى القاعدة، والظني إلى القطعي، والتحسيني إلى الحاجي، والحاجي إلى الضروي، والمتغير إلى الثابت. ومن المعروف أن القطعيات معدودة ومحدودة، ويترك المجال الفسيح للعقل في القياس والاستنباط، مع اشتراط العلم والفقه والمعرفة والخبرة.

3 - الاعتراف والإقرار بالحريات العامة والحقوق الفردية
من البديهيات الشرعية أنّ الله عز وجل خلق الإنسان حرّاً، مكرّماً، ولو كان مقهوراً مقيد الإرادة، لانتفى التكليف وانعدم الابتلاء. فالتكليف والابتلاء مقترن بالعقل والحرية.

لذلك فإنّ الدولة والسلطة تتجه نحو تحقيق أكبر غاية لوجودها، وهي حفظ الأنفس والعقول والحريات والأعراض والأموال، حتى يتمكن الناس من الاختيار الذي يحقق معنى التكليف والابتلاء المأخوذة من قوله تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً { [الملك: 2]

وأول هذه الحريات هي حرية التديّن، المنبثقة من الحريات الفكرية. قال تعالى: }لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{. وقال تعالى:}وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{.ثمّ تأتي الحريات الاجتماعيّة والاقتصادية، المنبثقة من حق الحياة، وحق التنقل وحق التملك، وحق العمل، وحق الزواج وحق التعليم. ثم الحقوق السياسية، مثل حق الترشيح وحق الانتخاب، وحرية التعبير وحرية الرأي، وحريّة التجمع والتحزب.

من أهم قواعد الحكم في الإسلام:

1 - السلطة للأمة
الأمة هي التي تمنح السلطة - بمعنى مصدر السلطات - وتتمثل سلطة الأمة باختيار ولي الأمر، بمعنى أنّه لا يجوز لأحد أن يستلم السلطة، التي تلزم الناس بالطاعة لما يصدر عنها من أمر ونهي إلاّ من خلال تفويض الأمة بطريقة صحيحة.وهذا ما عبّر عنه سيدنا عمر رضي الله عنه بوضوح: (من تأمّر عليكم من غير أن تؤمّروه، فاقتلوه بالسيف، كائناً من كان)، وقوله في موضع آخر: (لا ولاية لأحد من غير مشورة من المسلمين). واستدل الفقهاء على ذلك من خلال:

أولاً: عموم الخطاب التشريعي الذي جاء في كل نصوصه يخاطب الأمة كلها ثانياً: تشريع البيعة، وهي العقد بين الأمة والإمام الذي يصبح به الإمام إماماً، ومن غير البيعة فلا إمامة ولا طاعةوالبيعة عقد اختياري شوري من الأمة ينشئ السلطة، ولا يجوز أن تكون البيعة بالإجبار والإكراه، وليست البيعة شكلية بروتوكولية كما حدث في بعض فترات التاريخ.

ثالثاً: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة وأول معروف هو تعيين الإمام.

رابعاً: تشريع الرقابة على الحاكم: قال أبو بكر رضي الله عنه: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم). وقال عمر رضي الله عنه:(إذا رأيتم فـيّ اعوجاجاً فقوّموني)خامساً: الإجماع، هذا ما نقله الإمام الجويني في غياث الأمم.

2 - الشورى
الشورى هي حق الأمة على الإمام في الرجوع إليها في الأمور العامة. فكما الشورى واجبة على الإمام بقوله تعالى: }وشاورهم في الأمر{، فهو حق الأمة المعبر عن سلطتها العامة في تعيين الإمام ومراقبته وعزله.
والشورى حتى تكون محققة للغاية التي وجدت من أجلها، فينبغي تحقيق جميع شروطها وفاعليتها فيجب:

أولاً: ايجاد أهل الشورى «مجلس الشورى» الممثل للأمة كلها، بحيث يكون أهل الشورى مقام الأمة في انفاذ أمرها وتحقيق سلطتها الدائمة والمستمرة، وهي أعلى سلطة قائمة في الدولة.

ثانياً: يجب تمكين أهل الشورى من ممارسة حقهم في التشريع والاختيار والمراقبة والتقويم نيابة عن الأمة

ثالثاً: طريقة ايجاد أهل الشورى، الاختيار من الأمة بمعنى الانتخابات، حتى يحوزوا على شرط التمثيل للأمة، مع بيان الشروط الواجب توافرها في أهل الشورى، من العلم والخبرة والعدالة والأمانة والسن والمواطنة.

3 - العدل:
من غايات وجود الدولة حماية الحقوق بالعدل، ونفي الظلم عن جميع المواطنين على السواء. والعدل فريضة محكمة بالنصوص القاطعة: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ {، }وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ{.

4 - المساواة، ويقصد بها:
- المساواة أمام القانون: فلا فرق بين شريف وضعيف وبين مسؤول وفرد وبين غني وفقير
- المساواة في الحقوق والواجبات العامة
- المساواة في الدماء والكرامة الآدمية، دون تمييز يقوم على اللون أو العرق أو الجهة أو الجنس. }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ{ [الإسراء: 70]، }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا { [الحجرات: 13]

وظائف الدولة في الإسلام 
أولاً: وظيفة كونية عامةتتعلق بالأمانة العظمى التي حمّلها الله للإنسان بصفته الإنسانية، وتعنى بكل موجودات الكون وجميع المخلوقات والعوالم فيه. }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا{. [الأحزاب: 72] والأمانة هنا تقتضي حفظ موجودات الكون من الفساد والانقراض من مياه وغازات وأحياء وجمادات، وحفظ التوازن الذي يقوم عليه قانون الكون، الرفق بالحيوان والعناية بالنبات، الحفاظ على الموارد بلا إفساد أو تبذير.

ثانياً: وظيفة إنسانية عامةتقوم بجوهرها على حفظ مقاصد الشارع الكريم في الإنسان والتي تتمثل بحفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال
- حفظ الحياة والإنسان، وتحريم القتل والإيذاء، وتهيئة مقومات الحياة وديمومتها
- حفظ العقل الإنساني وتغذيته بالعلم، ومنع إيذائه وعدم الاعتداء عليها بالمخدرات والخمور
- حفظ الإرادة الإنسانية لتكون منطلقة حرة في التنقل والتملك والإبداع
- تحرير الإنسان من الخوف والرق والخرافة والأوهام
- حفظ كرامة الآدمي، ذكراً وأنثى، صغيراً وكبيراً مؤمناً وغير مؤمن، حياً وميتاً
- إرساء قواعد الإخوة الإنسانية المفضية إلى التسامح والتعارف وعدم النزاع
- تحقيق التنمية البشرية المستدامة

ثالثاً: وظيفة إيمانية عقلية فكريةجمع الناس على الإيمان بالله الواحد الخالق، وإيجاد مرجعية إيمانية واحدة للبشرية من أجل إيجاد عوامل التقارب وتقليل التنافرعن طريق الحوار العقلي والبراهين، والأدلة المنطقية القائمة على الحوار والجدال بالتي هي أحسن.

رابعاً: وظيفة علميّة - نشر العلم، ومحاربة الجهل والأمية
- رفع مستوى العقل البشري نحو الإبداع والتطوير
- تعليم الإنسان اكتشاف نواميس الكون وخفاياه وأسراره
- تشجيع البشرية على العلم المفيد النافع الذي يحقق الانجازات الخيّرة، وعدم توجيه العقل نحو التدمير والشر والقتل والفتك بالحياة وإفساد الكون.
- توظيف العلم بالإنجاز الحضاري الذي يؤدي إلى إعمار الكون

خامساً: وظيفة أخلاقية قيميّة تعمل الدولة على إرساء منظومة القيم التي تقوم على الخير والفضيلة وتحارب الرذيلة والانحطاط من خلال:
- الأدب الإنساني الراقي والهادف
- معاني الجمال الحقيقي
- مراعاة الذوق البشري الأصيل
- الإبقاء على خلق الحياء والحشمة

سادساً: وظيفة دولية عامة - التعاون الدولي على نشر الخير وخدمة البشرية.
- التعاون على نصرة الحق ومقاومة الظلم والطغيان والعدوان.
- التعاون على محاربة قوى الشر والبغي والضلال والإفساد.
- ايجاد الروابط الإنسانية الأخوية، القائمة على التعارف الثقافي والتعاون الحضاري.
- ايجاد العلاقات الحسنة بين الشعوب، وتشجيع الحوار بين الحضارات، والتقارب بين الأمم بما يخدم الحق والعدل.
- التعاون على إقامة السلم العالمي العادل.

نظرة الإسلام إلى الحريةالحرية مركوزة في فطرة الإنسان منذ خلقه الله، فهو يتوق إلى الحرية كما يتوق إلى الطعام والشراب، بل توقه إلى الحرية أشد، ولأجل ذلك فالحريّة ضرورة، يمكن أن تضاف إلى الضرورات الخمس في الفقه الإسلامي، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والسادسة الحرية. وعلى ذلك نستطيع أن نقرر أنّ الحرية مقصد من مقاصد الإسلام الضرورية وهي من أعلى المراتب.

الحرية هي مناط الابتلاء، وقد خلق الله الإنسان وخلق الموت والحياة من أجل إتمام عملية الابتلاء.
قال تعالى: }إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً{[الإنسان: 2]. وقال تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً{ [الملك: 2]، ولا يتحقق الابتلاء إلاّ إذا كان الإنسان عاقلاً حرّاً.

فلا يعقل أن يختبر الإنسان وهو مقهور مسلوب الإرادة، فهذا يتنافى مع عدل الله. وهذا يؤدي حتماً إلى القول بأنّ الحرية منحة من الله، فهي حق مقدس لا يجوز لأحد مصادرتها أو تغييبها، وهي ليست منحة من أحد مهما علت منزلته، ولا يجوز لأحد أن يمنّ بها.

السلطة والحرية بناءً على التأصيل السابق لأهمية الحرية في الإسلام، ينبني على ذلك حتماً أن تشريع السلطة وإيجادها في الإسلام يكون من أجل حراسة الحرية الإنسانية، لإتمام الغاية التي وجد الإنسان من أجلها على وجه الأرض، ولا تتحقق هذه الغاية إلاّ بتوفير الحرية بكل أبعادها.

ولذلك وظيفة السلطة في الإسلام حراسة الحريّة وصيانتها وليس قهرها أو مصادرتها أو التضييق عليها، فالحريّة مقصد والسلطة وسيلة وأداة، وما وجدت الوسيلة إلاّ لتحقيق المقصد، ومن هنا يمكن قياس نجاح السلطة في النظام السياسي الإسلامي بقدر ما تستطيع تأمين ضرورات الناس وحاجياتهم، وحراسة حرياتهم وأعراضهم وأموالهم. فالسلطة ينبغي أن تكون مصدراً للأمن والراحة والسكون والعون لعامة الناس.

القانون والحرية فلسفة التقنين تنبثق من الحاجة إلى ايجاد مرجعية تحظى بتوافق الأغلبية الساحقة من أصحاب العقول، من أجل حسم الخلاف وتنظيم الحياة في التجمع البشري، وبمعنى آخر فإن القانون وجد لحراسة الحرية العامة والحق الفردي من الاعتداء أو الانتقاص، ولا يمكن أن تكون غاية القانون مصادرة الحرية أو التضييق عليها، والقانون الذي يصادر حريّة الأفراد هو باطل لمصادمته لأصل كبير، يشكل قاعدة دستورية عليا، والقاعدة القانونية المعروفة أن القانون الذي يناقض الدستور باطل.

فلسفة العقوبة في الإسلامنظام العقوبات موجود في كل الشرائع على الإطلاق، ولا يخلو بلد أو مجتمع بشري قديماً وحديثاً من وجود نظام عقوبات فاعل، لكن ما نود الوقوف عليه أن العقوبة لها غاية تتمثل بحراسة الحياة الإنسانية وتأمين سلامة البشر وضروراتهم وحاجاتهم. ولا يقول أحد بأنّ العقوبة تقصد الايذاء، أو انتهاك كرامة الأفراد، أو بقصد التضييق ولذلك يجب إنعام النظر في أصل تشريع العقوبة في الإسلام أنها شرعت لحماية الإنسان من القلة الخارجة على النظام بغية العدوان.
- عقوبة على من اعتدى على الحياة الإنسانية بالقتل أو الإزهاق أو الإيذاء.
- عقوبة على من يعتدي على الدين.
- عقوبة على من يعتدي على العقل.
- عقوبة على من يعتدي على العرض والنسل.
- عقوبة على من يعتدي على المال.
- عقوبة على من يعتدي على الأمن والاستقرار.

فالأصل أن يكون الإنسان آمناً على نفسه ودينه وعلى عقله وعلى عرضه ونسله وعلى ماله. وهذا حق لجميع بني البشر بلا خلاف، ويجب على المجتمع أن يصون أفراده من العابثين الذين يبغون في الأرض الفساد، وهم عادةً قلةٌ في كل مجتمع لكن أثرها يكون مدمراً إن لم يتم الأخذ على أيديهم.

فكرة الإصلاح عند الحركة الإسلامية
تنبثق فكرة الإصلاح الجوهرية في برنامج الحركة الإسلامية، من نقطة مركزية تتمثل بتمكين الشعب أو الأمة، أو المجتمع البشري المتضامن من اختيار السلطة والحاكم، بطريقة عادلة ونزيهة وتمثل الهيئة الناخبة تمثيلاً صحيحاً سليماً من كل الوجوه. ثم بعد ذلك تمكين الشعب من امتلاك حقه في المراقبة والمحاسبة والتقويم للحاكم، من خلال مجلس أو هيئة تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً وتاماً.وتمكين الشعب أيضاً من امتلاك القدرة على عزل الحاكم عندما يستحق العزل، بطريقة سلميّة بعيدة عن العنف والقتال وسفك الدماء. وتمكين الشعب من امتلاك حقه في التشريع.

وترى الحركة الإسلامية أنّ الحرية فريضة وضرورة، ويجب تمكين الشعب وكل فرد فيه من الدفاع عن حريته، وتمكينه من ممارسة حريته على الوجه التام، وأن النظام السياسي يجب أن يستند إلى قواعد الشورى والعدالة والمساواة. كما ترى الحركة الإسلامية أن جميع (المكلفين) هم الأوصياء على الدين والسلطة والحق، دون تمييز يقوم على الجنس أو العرق أو اللون أو المذهب أو الطائفة.

كما ترى الحركة الإسلامية ما يلي:
- المرأة والرجل سواء في أصل الخلقة والتكليف وعموم الحقوق والواجبات.
- غير المسلمين ممن يقيمون في المجتمع الإسلامي أعضاء فاعلون في هذا المجتمع لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
- التعاون مع جميع الأمم والشعوب لما فيه الخير والمصلحة للبشرية وضرورة التعارف والتواصل والحوار.
- الحرية الشخصية مقدسة ومصونة ابتداء من حريّة التدين وما دونها، والحساب في الآخرة عند الله.
- جميع الأفراد تحت مظلة القانون سواء.


* ورقة بحثية قدمت في ورشة عمل "نحو علاقة صحية بين الدين والدولة .....الاردن نموذجا"، التي نظمها مركز القدس بالتعاون مع دار الندوة في بيت لحم في 31 تشرين أول / أكتوبر 2009 في عمان.
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=769