أثار تقرير بثته محطة "سي بي إس" الأمريكية في 24-3-2009 حول قصف إسرائيل لشاحنات في شمال شرق السودان بالقرب من الحدود المصرية يعتقد أنها كانت تحمل أسلحة لحركة حماس، سيلا من القراءات والتكهنات لم ينقطع بعد، دفع بالخرطوم للكشف عن بعض المعلومات المتضاربة عن العملية، التي أشارت تقارير أنها وقعت في ذروة عملية "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية على قطاع غزة خلال شهري يناير وفبراير 2009. وقد أكدت واشنطن وقوع الهجوم وحمّلت إسرائيل المسئولية عن تنفيذه. وكانت الخرطوم قد أعلنت في وقت سابق أن طائرات أمريكية نفذت العملية وقتلت عدداً من الأشخاص كانوا في عداد قافلة شاحنات. غير أن الخرطوم عادت لتقول أن هناك شكوكاً بأن إسرائيل هي من نفذ هذه الغارات في العمق السوداني وان التحقيقات تجري بهذا الخصوص.
تلميح إسرائيلي :
الحكومة الإسرائيلية وكعادتها في مثل هذه الحالات لم تنف أو تؤكد مسئوليتها عن العملية، غير أن رئيس الوزراء المستقيل أيهود اولمرت، ألمح إلى ضلوع إسرائيل بالهجوم وقال في خطاب له بهرتسيليا في 26-3-2009، أن إسرائيل تعمل "حيثما نستطيع" لضرب أعدائها"، وتابع "أننا نقوم بالعمل في أي مكان نستطيع فيه ضرب البنية التحتية للإرهاب في أماكن قريبة وليس بالضرورة قريبة جدا"، وأضاف "أننا نضربهم بطريقة تعزز الردع وصورة الردع وهي أحيانا لا تقل أهمية لدولة إسرائيل."
وقال "لا جدوى من الخوض في التفاصيل.. كل شخص يستطيع أن يستخدم خياله... ومن ينبغي أن يعرف فليعرف انه لا يوجد مكان لا تستطيع دولة إسرائيل العمل فيه". ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية تصريحاته بأنه تلميح بضلوع إسرائيل في الغارة على السودان.
تفاصيل العملية: المعلومات من تل أبيب والخرطوم وواشنطن حول العملية تؤكد وقوع غارتين جويتين، الأولى في شهر يناير والثانية في شهر فبراير، كما تؤكد هذه المعلومات وقوع ضحايا وان كان هناك تفاوت في العدد بين ما تذكره المصادر الإسرائيلية والمصادر السودانية وتتضارب المعلومات حول حمولة الشاحنات وعددها.
المعلومات التي تواترت من تل أبيب بعد الكشف عن وقوع العملية تقول أن طائرات هاجمت أهدافا في السودان، الهجوم الأول وقع في شهر كانون ثاني/يناير وكان الهدف قافلة من الشاحنات تحمل سلاحا مهرباً من إيران عبر السودان إلى غزة، والثانية وقعت في شباط/فبراير / قبل ثلاثة أيام من وقف الهجوم الإسرائيلية على غزة والهدف كان سفينة متجهة إلى مرفأ بورسودان، وفي رواية أخرى أنها كانت ترسو في المرفأ.
ونقلت تقارير عن مصادر أمنية في إسرائيل، قولها أن جهاز "الموساد" حصل على معلومات دقيقة من مصادره في طهران وغزة عن السلاح الإيراني الذي تم تدميره على الأراضي السودانية وكان بينه صواريخ من طراز «فجر» ومداها 70 كيلومترا، وقد صنعت بطريقة تتيح تفكيكها إلى قطع حتى يتاح تهريبها من سيناء إلى غزة عبر الأنفاق المحفورة في منطقة رفح.
وقالت هذه المصادر إن «الموساد» تزود بمعلومات دقيقة من جهات تعتبر رفيعة وضالعة بالمعلومات الحساسة الخطيرة في قيادة كل من طهران (قيادة حرس الثورة) وقطاع غزة (حماس). واحتوت هذه المعلومات على تفاصيل حول الأسلحة، اتضح منها أنها صنعت خصيصا لحركة حماس. كما احتوت على صواريخ حديثة لاختراق الدبابات الإسرائيلية المتطورة، التي كانت إيران قد زودت بها حزب الله اللبناني في صيف 2006.
وادعت هذه المصادر أن هدف هذه الصواريخ كان تمكين حماس من قصف مدينة تل أبيب وضواحيها، عندما تحتاج إيران إلى ذلك. وذكرت أن هذه الفكرة تندرج في خطة إيرانية تحدث عنها علنا المسئول الإيراني محمد علي جعفري لصحيفة «جيم جم» الإيرانية في 28 يونيو/حزيران 2008، فقال: «إذا اختار الغرب خيارا عسكريا ضد إيران، فإننا سنغلق الخليج العربي أمام ناقلات النفط وسنضرب العمق الإسرائيلي وسنفعل حزب الله وحماس شمالي وجنوبي إسرائيل». ولذلك جاء القرار بتوجيه الضربة لتدمير الشحنة، وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن 17 شاحنة دمرت في الصحراء وأن سفينة دمرت على مشارف ميناء بور سودان.
وحسب معلومات أوردتها "يديعوت احرنوت" فإن الضربة التي لحقت بالقافلة في السودان كانت مفاجئة لحركة حماس خلال عملية "الرصاص المصبوب" حيث كان قادة الحركة قد طلبوا إمدادا سريعا بأسلحة لم تكن متوفرة لديهم حتى ذلك الحين، ومنها صواريخ ذات مدى يتجاوز الـ 40 مترا. وهذه الصواريخ يجب أن تهرب بصورة مجزأة عبر الإنفاق التي لا تتسع لاستيعابها كاملة بالإضافة إلى ذلك طلبوا صواريخ مضادة للدبابات من الطراز المتطور "ماتيس" و "كورنيت" واجهزة رؤية ليلية متطورة وصواريخ مضادة للطائرات لتشكل خطرا وتحديا لسلاح الطيران الإسرائيلي.
الرواية السودانية حول ما جرى تحدث بها عدد من المسئولين السودانيين، فقد قال وزير المواصلات مبروك سليم، أن طائرات "من إنتاج الولايات المتحدة" هاجمت في السودان مرتين. في المرة الأولى في يناير، هوجمت قافلة من المركبات، وفي الثانية، في فبراير، هوجمت سفينة. الوزير السوداني قال بأنه في القصف قتل وأصيب حوالي 800 شخص. وبالمقابل أفادت تقارير أمريكية أن عدد القتلى بلغ 39 سودانيا قتلوا في قصف سلاح الجو للقافلة.
غير أنه بعد وقت قصير "عدل" الوزير سليم أقواله. وصرح بان الحديث يدور بالفعل عن قصف قافلة سيارات كانت تنقل سلاحا معدا للتهريب، وانه نتيجة الهجوم قتل "عشرات الأشخاص".
وفي وقت لاحق عاد الوزير السوداني وناقض نفسه. وقال أن الإرساليتين كانتا بريتين. وحسب أقواله، الإرسالية الأولى التي هوجمت ضمت 16 شاحنة نقلت نحو 200 شخص كانوا سيهربون إلى مصر وكذا بعض بنادق كلاشينكوف، وقال علي الصادق المتحدث باسم وزارة الخارجية "الاعتقاد الأول كان هو أن الأمريكيين هم من فعلوا ذلك وأن السلطات السودانية اتصلت بالأمريكيين فنفوا بشكل قاطع أن يكونوا ضالعين في الأمر". وتابع أن السلطات ما زالت عاكفة على التحقق من الأمر. ورجح أن يكون الأمر له علاقة بإسرائيل .وقال إن السودان يجمع الأدلة من موقع الهجمات ولن يرد على الهجمات بينما التحقيق يجري. وأضاف أن القوافل التي تعرضت للهجمات من المرجح أن تكون لتهريب البضائع وليس السلاح.
وصرح الصادق بأنه إذا كانت إسرائيل هي المتورطة فهي قد تحركت بناء على معلومات خاطئة مفادها أن العربات كانت تحمل سلاحا .وتحدث عن عدم شرعية التعدي على سيادة دولة أخرى. وقال أن السودان لن يرد على الهجمات بينما التحقيق جار. وأضاف أن السودان يحتفظ بحق الرد لاحقا وانه حتى ألان لم يتأكد أن الفاعل هو إسرائيل.
من جهته كشف مسئول في حزب «الأسود الحرة» (من شرق السودان) المشارك في حكومة الوحدة الوطنية، أن حزبه يدرس تقديم طلب بإجراء تحقيق دولي في الحادث بمشاركة الأمم المتحدة، مشيرا إلى وجود غارة وقعت في تلك الفترة ضد 4 زوارق سودانية في البحر الأحمر تم تدميرها جميعا. وقال إن الزوارق تعود إلى فقراء يائسين من أبناء شرق السودان.
واشنطن تؤكد: إسرائيل من شن الهجوم ومع رفض السودان الجزم بأن إسرائيل هي من نفذ الهجوم، وإبقاء هذا الأمر في دائرة الشكوك ، أكد مسئولون أمريكيون أن إسرائيل تقف وراء القصف.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المسئولين قولهم أن طائرات إسرائيلية أغارت على القافلة في إطار مساعيها لوقف تدفق الأسلحة إلى غزة خلال الحرب الأخيرة التي شنتها على القطاع.
وقال مسئولان أمريكيان مطلعان على تقييمات استخباراتية سرية أن إيران تورطت في تهريب الأسلحة إلى غزة، ولفتوا إلى وجود تقارير استخباراتية تقول أن عميلاً في الحرس الثوري الإيراني زار السودان لتنسيق الجهود في هذا الصدد. ولكن مسئولا سابقاً في الإدارة الأمريكية قال أن مصدر الأسلحة التي كان يتم تهريبها عبر السودان لم يكن واضحاً.
كما نفى المتحدث باسم القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا فينس كراولي أن تكون القوات الأمريكية قصفت السودان، مؤكداً أن بلاده لم تنفذ أي قصف ولم تطلق أية صواريخ ولم تنفذ عمليات قتالية في السودان أو حوله منذ تشرين الأول/أكتوبر 2008 عندما أصبحت القيادة الأمريكية في إفريقيا مسئولة رسمياً عن القوات الأمريكية في إفريقيا. وقال مسئول عسكري أمريكي لنيويورك تايمز أن غارة كانون الثاني/يناير كانت واحدة من ضمن سلسلة من الهجمات ضد عمليات تهريب وشحن الأسلحة إلى غزة.
تقدير إسرائيلي: إيران تزحف نحو "القرن" و"الأحمر"ركزت التقارير الإسرائيلية على اتهام إيران بالوقوف وراء عملية نقل الأسلحة عبر السودان لقطاع غزة، كما أسهبت هذه التقارير في الحديث عن العلاقة الإستراتيجية التي تربط طهران بالخرطوم منذ سنوات.
تقول صحيفة هارتس في تقرير لها نشر يوم 27-3-2009 "هل الشاحنات التي شقت طريقها من بور سودان، نحو مصر كانت تحمل سلاحا من إيران، الصين أو روسيا، موردات السلاح الثلاثة الأكبر للسودان؟ الاشتباه الأساس يقع على إيران، التي منذ الثورة التي أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير في 1989، تعزز علاقاتها مع الخرطوم.
وتربط الصحيفة بين الاتهامات لإيران بأنها المزود لشحنة السلاح، وبين الزيارة التي قام بها للخرطوم خلال الشهر الحالي وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد النجار الذي وقع مع نظيره السوداني على سلسلة من الاتفاقات للتعاون العسكري، تتضمن تدريب الجيش الإيراني لوحدات عسكرية سودانية وتزويد السودان بسلاح متطور.
وتلفت الصحيفة أن هذه ليست العلاقة العلنية الأولى بين الدولتين. ففي العام 2006 زار البشير إيران، وأعلن بان الجيش السوداني "مستعد لان يضع نفسه تحت تصرف المدربين الإيرانيين". فيما قالت صحيفة معاريف أن "الإيرانيين يسعون إلى إقامة قاعدة صواريخ في جنوب إسرائيل تغطي غوش دان من ناحية الجنوب.. "نظرية الالتفاف" لدى دولة إسرائيل، من الجنوب ومن الشمال، تجعل إيران عدوا حقيقيا وليس نظريا. لن يكون ممكنا مواصلة اتهام حزب الله وحماس كل الوقت من دون تحميل إيران المسؤولية".
وتضيف الصحيفة :الإيرانيون يستثمرون ليس فقط في المجال غير التقليدي، بل وأيضا في المجال التقليدي، لتصفية دولة إسرائيل أو على الأقل لتحويل الحياة فيها إلى أمر لا يطاق " ويعتقد في إسرائيل أن إيران اتخذت من السودان ساحة لتهريب الأسلحة وتدريب النشطاء من حماس منذ فترة التسعينات، وانه ومن خلال الأراضي السودانية تم تهريب كميات من الأسلحة إلى مصر والأراضي الفلسطينية وتحديدا إلى غزة. كما تشير المعلومات الإستخبارية الإسرائيلية إلى أن السودان كان مسرحا مبكرا لنشاط تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن.
يقول رونين بيرغمان المراسل العسكري في صحيفة يديعوت احرنوت أن الشحنة التي تم اعتراضها في يناير من قبل طائرات سلاح الجو لم تكن الشحنة الأولى، وحسب بيرغمان، أرسلت إيران إلى بورسودان طوال التسعينيات كميات كبيرة من السلاح وبعضها نقل لتنظيمات داخل السودان فيما بعضها الآخر تم تهريبه إلى مصر والمناطق الفلسطينية. وان عشرات من معسكرات التدريب استخدمت لإعداد وتأهيل مئات النشطاء الإسلاميين من الدول الإفريقية والعربية في دورات تدريب مدتها شهر واحد تتضمن الاستطلاع والتدريب على المتفجرات والتخريب واستخدام الأسلحة الخفيفة ما إلى ذلك. وان الإيرانيين قاموا بالإرشاد والتدريب.
ووفق بيرغمان ،فمنذ عام 1989 تراكمت في إسرائيل معلومات بان أتباع حماس من المناطق (الفلسطينية) يتدربون في السودان فبدأت شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" و"الموساد" و"الشاباك" باستخدام مصادر بشرية والكترونية تابعة لها في المنطقة. حيث جمعت معلومات كثيرة أدت إلى اعتقال جزء من أولئك الذين تلقوا تدريبات في السودان وإحباط بعض العمليات.
ويضيف، قررت إسرائيل استغلال العلاقات بين أجهزتها الأمنية أيضا من اجل التحقيق في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا عام 1995 وان العمل المشترك بين الموساد والوحدة 504 من شعبة الاستخبارات العسكرية أدى للوصول إلى معلومات مفادها، أن إيران قد تحالفت وتآمرت مع أطراف إسلامية متطرفة برئاسة أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الذي لجأ للسودان وخطط مع أسامة بن لادن لعملية الاغتيال. ويؤكد انه وبفضل النشاط الاستخباري الإسرائيلي في السودان كان الموساد أول من شكل قسما باسم "الجهاد العالمي" ووضع اسم أسامة بن لادن على قوائمه.
ويعتقد بيرغمان أن انجرار السودان وراء إيران كان له ثمن: أمريكا فرضت مقاطعتها على السودان وأدخلته في قائمة الدول المؤيدة للإرهاب وأن مصر لطخت صورة السودان من خلال حرب نفسية أشبه بتلك التي تمارسها إسرائيل ضد إيران. وعلى اثر الضغوط سعى السودان للبرهنة انه بعيد عن الأطراف المتطرفة وأمر بن لادن وأتباعه بمغادرة أراضيه، حيث توزع قادة التنظيم في خمسة دول: اليمن، باكستان، أفغانستان، إيران ولبنان".
مخاوف إسرائيلية: أنباء الهجوم الإسرائيلي على أهداف شرق السودان، والمعلومات الإسرائيلية التي تحدثت عن تورط إيران بعمليات تهريب الأسلحة من المنطقة إلى غزة، دفع محافل إسرائيلية للقول بصراحة أن هناك مخاوف في إسرائيل من توثيق العلاقات الإيرانية مع دول القرن الإفريقي، وان هذه المخاوف مبررة.
وتنقل صحيفة معاريف بتاريخ 29-3-2009 معلومات مفادها أن إيران التي تطور علاقات وثيقة مع السودان، جيبوتي، الصومال واريتريا أقامت قاعدة عسكرية قرب ميناء أساب في قاطع صحراوي منعزل في ارتيريا بجانب الحدود مع جيبوتي. وان إيران نقلت إلى هذه القاعدة، جنودا بالسفن والغواصات، كما نقلت معدات وصواريخ باليستية بعيدة المدى.
يذكر أن الميناء الذي تشير إليه الصحيفة الإسرائيلية يقع أمام مضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر، حيث تمر مسارات التجارة الدولية ونحو 40 في المائة من النفط الذي يحمل في ناقلات من الخليج. ووفق الصحيفة فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى من أن يكون الميناء يستخدم من الإيرانيين لتهريب السلاح لحماس وحزب الله وانه عند الطوارئ فإن بإمكانهم إغلاق المضيق، وشل التجارة الدولية وتشويش النشاط البحري الإسرائيلي. تخوف آخر تتحدث عنه التقارير الإسرائيلية، هو أن تقيم إيران في القاعدة منظومة لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى، التي يمكنها أن تصل حتى إسرائيل. وفي مثل هذه الحالة ستضطر إسرائيل إلى أن توجه منظومة الدفاع ضد الصواريخ في اتجاه القرن الإفريقي أيضا. وحسب التقارير، فان الإيرانيين يستخدمون في المنطقة طائرات صغيرة بدون طيار أيضا لأغراض الحراسة.
الطبيعة الجغرافية والديمغرافية لمنطقة العملية:
تقول مصادر سودانية إن عمليات التهريب على ساحل البحر الأحمر تنشط على طول سواحل جيبوتي واريتريا والسودان ومصر، في 3 مجالات هي: السلاح، والمهاجرون، والبضائع. وتوضح هذه المصادر، إن القرن الإفريقي المليء بالنزاعات ساهم بشكل كبير في ازدهار تجارة السلاح، كما أن الأوضاع المتردية امنيا واقتصاديا، ساهمت في تجارة تهريب البشر، حيث يتم تهريبهم عبر أثيوبيا واريتريا والسودان إلى مصر ومنها إلى أوروبا بحثا عن أوضاع أفضل لحياتهم. ولم تستبعد المصادر تهريب البشر من القرن الأفريقي من اجل تجنيدهم «كمرتزقة» لصالح الدول الغربية في مناطق النزاعات التي يتواجدون فيها. اما عن تهريب البضائع فهي الأخرى شائعة، خاصة في مواد مثل السكر والأقمشة والبن، وغيرها من البضائع من الدول الإفريقية إلى دول الخليج ومن الخليج إلى الدول الإفريقية.
ويمتد الساحل السوداني على البحر الأحمر بطول 980 كيلومترا منها نحو 270 كيلومترا واقعة في مثلث «حلايب» المتنازع عليه مع مصر. ويطل على الساحل مدن «طوكر، وسواكن، وبورتسوان، واوسيف، عقيق، وقباتيت». وداخل المثلث، هناك مدن مثل «حلايب وشلاتين وابو رماد». ويعرف شرق السودان بثلاثة ولايات هي: «البحر الأحمر» على ساحل البحر الأحمر، وولاية «كسلا» جنوب البحر الأحمر ومطلة على الحدود مع اريتريا، وولاية «القضارف» وهي جنوب ولاية كسلا تشرف على الحدود مع أثيوبيا المجاورة.
ويسكن شرق السودان خاصة ولايتي البحر الأحمر وكسلا قبائل «البجة»، وهي تتكون من 5 قوميات أي نظارات وهي «الهدندوة والامرار، والبشاريين، البني عامر والحباب، والحلنقة»، وبينهم قوميات صغيرة تسمى عموديات وهي: «الإشراف وكيلاب وملحتكناب وشاياب»، وقبائل الرشايدة. وفي ولاية القضارف تجد «الحلفاويين والشكرية والضباينة واللحويين»، وتتخلل هذه القبائل قبائل أخرى من كل بقاع السودان. ويمتهن سكان شرق السودان المتاخمون للبحر الأحمر مهنة صيد الأسماك والعمل في المواني البحرية والتجارة، فيما يمتهن سكان «كسلا والقضارف» الزراعة والرعي وتجارة الحدود مع كل من أثيوبيا واريتريا. وتشق سلسلة جبال البحر الأحمر شرق السودان بمسافة أكثر من 800 كيلومترا، وهي مناطق وعرة، ولكنها تتسم بالمناخ المعتدل طول العام والأمطار الشتوية، فضلا عن وجود أودية موسمية تنحدر من الجبال.
وشهد شرق السودان تمردا مسلحا على الخرطوم منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي بقيادة المعارضة السودانية بزعامة كل من محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، والصادق المهدي زعيم حزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني ومجموعات أخرى كانت تنطلق من داخل الأراضي الاريترية تتحصن في جبال وأودية شرق السودان وتدير من هناك معاركها ضد الجيش السوداني، فيما ظهرت «جبهة الشرق» المسلحة، وتنظيم «الأسود الحرة» عناصرهما من أبناء شرق السودان كقوتين مسلحتين في الشرق ضد ما يطلقان عليها التهميش في شرق السودان، ودخلتا في تحالف عسكري مع التحالف المعارض المعروف بـ «التجمع السوداني» ضد الخرطوم. وانهارت القوى المسلحة التي تتبع للتجمع لكن التنظيمين واصلا نشاطهما العسكري ضد الخرطوم من الشرق إلى أن جرت بينهما وبين الحكومة مفاوضات انتهت باتفاق سلام عرف بـ«اتفاق سلام الشرق» اشترك بموجبها التنظيمان في الحكومة الحالية في الخرطوم، ويقود التنظيمان موسى محمد موسى رئيس «جبهة الشرق»، ويشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية، ومبارك سليم مبروك رئيس «الأسود الحرة»، يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الطرق.