الهوية والحريات...إستثمار القيم الرمزية في مجتمعات "اقتصاد المعرفة" من أجل الديمقراطية

2007-09-01

ملخص الورقة
 
تحاول هذه الورقة مسّ ثلاثة مجالات أساسية، الأول الإسلام والهوية وتجدّد التأويل والقراءة لهما في مجتمعات جديدة تصير المعرفة والمعلومة فيها اقتصاداً جديداً، وكيف يمكن لمجتمعاتنا التي تواجه هذا التحدي والتخلف في تكوين "مجتمع المعرفة" أن توطن هذا المجتمع في بلدانها مع بقاء مطالب الديمقراطية والحريات جزء من التحديات القديمة الجديدة وهذا العنصر الثاني في المساهمة، أما ثالثاً فهو السؤال عن كيف لمجتمعاتنا أن تستثمر القيم الرمزية والثقافية المشتركة في ترسيخ الحريات والديمقراطية وفي تكوين دستور اسلامي ديمقراطي، وتشريعات فيها عنصر الهوية حاضراً مع رؤية جديدة لقضايا المواطنة والحريات.
 
تتوجه اليوم بعض البحوث والدراسات إلى كون الرمز والقيم الثقافية جزءاً من عملية التقدم والتطور، بمعنى أن المنظومة الثقافية التاريخية لأي شعب هي المحدّد في بعض الأحيان لتقدم وتقبل قيم جديدة تتعلق مثلاً بالديمقراطية والحريات أو قيم إنسانية وتشريعات التي تبرز مع التطور التاريخي للشعوب، وهنا نتذكر ربط ماكس فيبر العالم الأجتماعي الألماني بين نجاح الرأسمالية وظهور البروتستانتية كتأويل جديد للمسيحية، وقد لا حظ ألكسيس دي توكفيل في القرن التاسع عشر أن نجاح الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى القيم الثقافية الموروثة التي ساعدت على ذلك، غير أن ما يلاحظ أن بعض هذه الدراسات في محاولة ربط التقدم بالقيم الثقافية تتناسى تماماً أن تخلّف الشعوب التي تسم ثقافتها بأنها لا تساعد على التنمية والتقدم هي في الغالب شعوب عاشت منهوبة الحرية والأرض في العهد الاستعماري ولا زالت هيمنة الغرب جزءاً من عوامل تخلفها اليوم، كما أن هذه الرؤية الانثربولوجية تجد من يعطي لها تاويلاً جديداً في فهم الصراع العالمي اليوم مع الارهاب كموقف صموئيل هانتينغتون الذي يصور لنا أن حدود العالم هي حدود دموية بسبب الخلاف الديني والحضاري، وقد تكون رؤيته مفسّرة لبعض الظواهر الصراعية الدموية لكنه عامل ليس كافياً وحده لفهم ظاهرة الإرهاب والعنف.
 
منذ أن طرح أبو الأعلى المودودي فكرة الدستور الإسلامي إلى اليوم شهد الحقل الإسلامي الجركي تطورات فكرية وسياسية تسمح له اليوم على أن يقدم رؤية أكثر تقدماً واجتهاداً وهو تلاق هنا مع تيارات فكرية كانت تلغي الطرح الإسلامي كلية من إهتمامها ولا تلقي له أي بال وبل تعتبره عدواً للديمقراطية والحريات، إن التجرية التاريخية الغنية للتراث الفقهي والكلامي والعلمي للحضارة العربية ـ الإسلامية يسمح لنا اليوم بالتوجه نحو معالجة تأويلية جديدة ليست توفيقية أو تلفيقية، ولكنها تبدع من داخل القيم الثقافية المشتركة التي يشكل الدين أرضيتها مع اعتبار أن التطورات التي حصلت في تاريخ المسلمين هي مصبوغة بالوقائع التي عاشتها الأمة في كل عصر، أو ما يسميه بعض الفقهاء بالنوازل[1]، وهي ترتبط بأصول المصالح المرسلة والمقاصد التي إتحذ منها الإمام عبده وعلال الفاسي في المغرب متكئاً في مجابهة المشايخ التقليديين.
 
إن فهم العملية التجديدية التي كانت تتم داخل المنظومة الثقافية العربية ـ الإسلامية وفهم المتغيرات العالمية اليوم يسمجان بتجاوز على المستوى السياسي والتواصلي بزوال حالة الشقاق بين المنتمين للتيارات الإسلامية والتاريخية والرمزية من جهة والديمقراطييين والحداثيين والليبراليين من جهة أخرى، وعن عملية فضّ الشقاق في حدّ ذاتها تحتاج إلى سوسيولوجيا معرفية جديدة اليوم في العالم لأن الشقاق وليس الخلاف سواء على المستوى العقدي ـ الثقافي أو السياسي حالة ترهن العقل وتكبل العملية الإجتهادية، ومن هنا فالقول بدسترة القيم الرمزية أو التراث المشترك الذي يتجلى في الدين الإسلامي يكون من نتيجته من جهة أولاً أنه يمكن التلاقي والإتفاق مبدئياً حول الحريات الاساسية التي تكون قاعدة للإجتهاد في قضايا فرعية، والحريات الأساسية والقول بالواطنة وبالمجتمع المدني هي في جوهرها تطورات كانت حصلت عبر تجربة تاريخية منذ عصر الأنوار كبداية لدسترتها وكمؤسسات ولكنها في الواقع هي إمتداد ديني وتاريخي وفلسفي فيها ما هو من الإغريقي وما هو من الديني ثم أصبغ بعد ذلك بمدنية أعطت فضاءا ثقافياً كان يجد بالخصوص في البروتستانتية مرجعه الرمزي والتأويلي
 
الإسلام والحريات في مجتمعات المعرفة
تتميز الصناعة السمبعبصرية اليوم بالتنوع كما أنها تتمتع بالحيوية كصناعة النشر مثلاً "من الكتاب إلى أرقى الألعاب الكمبيوترية"، كما أنها صناعة فكرية وجماعة فنية ديناميكية تتسم بقوّة الإبداع، إن التحولات الجارية اليوم في دول غربية وآسيوية تتجه نحو ما يسمى "اقتصاد المعرفة" حيث يصير التطور في مجالات الصناعة السمعبصرية جزء من العملية الاقتصادية وهذا ما يدعو إلى إعادة الرؤية والفهم لمعاني الثقافة والعملية الإبداعية، ففي المراحل التاريخية السابقة كان المصنع أو المعادن أو الشركات الاقتصادية العابرة للقارات هي جوهر العملية الاقتصادية والبنية التحتية الأساسية، أما اليوم فالمعرفة هي المصنع الجديد الذي يتسم بالخصائص التالية:
 
1 ـ ذو طبيعة جمالية، غير أن هذه الطبيعة الجمالية لا تقاس بالتقييم التقليدي والنقدي الذي يخضع للنظريات الجمالية ولكنه يخضع لعمليته الإبداعية المرتبطة بإنشاء أشكال جمالية جديدة لها مردودها الاقتصادي والتأثير السياسي والاجتماعي وعلى الرأي العام، ومن هنا لن يعود للقيم الموروثة سواء من الدين أو من الفلسفات والإيديولوجيات الأخرى من معنى إ ذ لم تكن مصحوبة بالإبداع والإجتهاد.
 
2 ـ إن سمة المعرفة الجديدة التي ترتكز على المعلومة والمعلوماتية أنه يمكن أن تعاد وتستهلك أكثر من مرّة، وفي ذلك تأخذ طابعها الاجتماعي وقدرتها الدينامية .
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=639