الحزب الإسلامي وتحدّيات الديمقراطية في زمن الاحتلال

2006-05-28

المقدمة :
بغض النظر عن موقف فقهاء الشريعة الإسلامية من الديمقراطية إلا انه من المنطقي أن نقر بوجود مساحات واسعة مشتركة بين البرنامج الإسلامي والبرنامج الديمقراطي في التغيير والإصلاح . وعلى الأقل فإنّ الإسلاميين يعتبرون الديمقراطية واحدة من الوسائل العملية لتوفير بيئة لحرية الإصلاح والإبداع والتنمية والتي تعتبر من أساسيات البرنامج الإسلامي السياسي.

ذلك البرنامج الذي يسعى إلى الحرية المنضبطة ويعمل على تنقيتها من كل ما يمكن أن يؤدي إلى احتمالية الصدام المصطنع بين تلك الحرية وبين المشروع الإسلامي الحضاري المنفتح على العالم وثقافاته وتجاربه وانجازاته. وأن يكون ذلك النهج بمثابة المفتاح والجسر لإقامة صلة حقيقية وتفاعل حي بين المجتمعات الإسلامية وبقية المجتمعات الإنسانية وفي مقدمتها المجتمعات الغربية.
 
ديمقراطية الغزاة : لعلّ الكثير من إخواننا في الداخل والخارج قد خُدعوا لأول وهلة بأن الغزو الأمريكي هو الذي أدخل الديمقراطية إلى العراق ثم تبيّن لهم بعد ذلك حقيقة الدواعي لذلك الاحتلال. لقد كانت النخب السياسية ومعظم المثقفين يدركون ومنذ وقت مبكر من أيام الاستبداد أنّ التغيير ضروري وأنّ الحكم في العراق لا بدّ أن يكون شورياً وأن تمنح مساحة أكبر من الحريات وإلّا فإنّ المغامرات التي جرّت البلد إلى الحروب من غير مسوّغ شرعي أو قانوني ومن دون مشاورة حتى لأعلى مراكز صنع القرار كانت وبالاً علينا دفعنا ثمنها من أرواح أبنائنا وتدهور اقتصادنا وتأخر ثقافتنا وصنعنا أعداء جدد لنا وكانت النتيجة تسويغ احتلال بلدنا تحت شتى الذرائع.

وعليه فنحن ندرك أن الديمقراطية كمفهوم لم تكن طارئة على ثقافة شعبنا وإنما كانوا يفتقرون إلى التفاصيل والممارسة.
وحين دخل مصطلح الديمقراطية مع الاحتلال فإنه دخل مشوَّهاً. فسلطة الاحتلال وجنودها هم أدوات الديمقراطية وقد ارتكبوا الجرائم تلو الجرائم تحت مبرّر محاربة الإرهاب والسعي لإقامة الديمقراطية مما جعلها مصطلحاً ممجوجاً ومرفوضاً لدى كثير من شرائح الشعب العراقي . ويمكن تقسيم ردود فعل المجتمع تبعاً للمكوّنات الثلاثة الرئيسية ولكن من دون تعميم على كل أفراد ذلك المكوَّن. فمثلاً :
المجتمع الكردي في شمال العراق :
وعلى سبيل المثال في محافظة السليمانية ، حيث ظهرت الصورة لديه بعد الاحتلال على النحو الآتي:
• زوال الاستبداد.
• زوال الخوف والتهجير والمقابر الجماعية والكيمياوي .
• زوال الحروب مع دول الجوار.
• لا وجود عسكرياً أمريكيا مؤذياً في المحافظة.
• لا دمار ولا قتل ولا تخريب.
• مشاريع إعمار جديدة.
• أمل منشود في قيام فدرالية وربما دولة كردية
فالنتيجة : نعم للديمقراطية

المجتمع العربي الشيعي في جنوب العراق :
وعلى سبيل المثال محافظة ذي قار.
• زوال الاستبداد والخوف والتهجير والمقابر الجماعية والحروب مع دول الجوار.
• وجود عسكري بريطاني أو أوروبي أو ياباني غير مؤذي.
• دمار أو تخريب محدود.
• موارد نفطية هائلة وكذلك موارد مائية.
• لا مشاريع للاعمار.
• أمل منشود في قيام فيدرالية شيعية أو هيمنة على الحكم تحت مظلة المرجعية الرشيدة.
النتيجة : نعم لأمل الديمقراطية

المجتمع العربي السنّي في وسط وغرب العراق :
وعلى سبيل المثال محافظة الانبار.
• زوال الاستبداد الفرد وظهور استبداد المجموعة مع بقاء الخوف والحروب.
• وجود عسكري أمريكي مؤذي جداً.
• دمار وقتل وتخريب واعتقالات واجتياح مدن كاملة.
• لا مشاريع للاعمار.
• لا مرجعية تسوّق للديمقراطية.
فالنتيجة: لا وألف لا لديمقراطية الغزاة.

ولا يعني التقسيم الذي ذكرناه أن الصورة واحدة لدى جميع القطاعات فثمة كثير من الأخوة الكرد والشيعة يرفضون هذا النوع من الديمقراطية كما أن ليس كلّ السنة سواء، وثمة أيضا محافظات مختلطة مثل بغداد وبابل وكركوك والموصل والبصرة وصلاح الدين.

ومن الأمور الغريبة التي عبّرت وبوضوح عن حالة الاحتقان والتباين الواضح إزاء الديمقراطية أن 90% من المحافظات الكردية والشيعية صوتت بنعم للدستور و 90% من السنّة رفضوا الدستور، مما يشير وبوضوح إلى التناقض في التصورات بين قطاعات الشعب المختلفة ، والى طائفية ذلك الدستور.
 
الحزب الإسلامي العراقي والديمقراطية :
تفرّد الحزب الإسلامي بنظرة سياسة اختلفت في كثير من تفاصيلها عن رؤى معظم الأحزاب الأخرى . ففي الوقت الذي استطاعت المرجعية الدينية الشيعية ضم جميع الفصائل السياسية تحت مظلتها ولم يظهر السيد السيستاني على الشاشة مصرحاً كي لا تُحسب عليه تلك التصريحات وإنما كان يُكتفى بأن تصدر البيانات من مكتبه وتُعَدّ ملزمة ًَ لأتباعه . وكانت المرجعية في كثير من الأحيان تكتفي بالصمت إزاء ما يدور في الساحة من عنف أمريكي باتجاه العراقيين على اعتبار أن التصريح ضدّها قد يضرّ بالمسيرة الديمقراطية والتي تضمنت مرحلتين من الانتخابات وكتابة للدستور الدائم . وحين يعترض بعض الإخوة الشيعة على ما يجري تتم تسوية الأمور بطريقة دبلوماسية . في حين أن الأحزاب الكردية هي التي تحكم في المحافظات الشمالية وتملك أدوات السلطة والإعلام كاملة ً ولا يصعب عليها إقناع الشعب بضرورة السير الحثيث نحو ديمقراطية الغزاة لأنها فرصة ثمينة قد لا تتكرر.أما نظرة الحزب الإسلامي العراقي فإنها كانت أكثر توازناً بسبب أننا قرأنا المشهد السياسي من كل جوانبه وجمعنا بين الاعتبارات الآتية:

كي نبني مشروعنا السياسي بأفضل صورة :
1- ليس لدينا مخاوف ولا عقد تاريخية ونحن نعتقد انه في النهاية لا يصحّ إلا الصحيح، ونؤمن تماماً بالقاعدة الأصولية (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه) ولذا فإننا تجنبنا الهرولة غير المدروسة وتريّثنا كي نصل إلى الأهداف بطريقة سليمة.

2- إننا نؤمن أن الجيش الأمريكي ومن معه قد دخلوا إلى العراق غزاةً محتلين لا فاتحين ولا محرّرين وقد صرحنا بذلك منذ اليوم الأول، وأنّ أمامهم مشاريع إستراتيجية طويلة الأمد في المنطقة وعليه فإنَّ خيار المقاومة يبقى خياراً أصيلاً لا مناص عنه. ولأننا أدركنا ومنذ البداية أن المقاومة خيار يمكن أن يتشكّل بطريقة منظمة أو عفوية لأنه خيار شرعي وقانوني وفطري ووطني أما الخيار السياسي فإنه يحتاج إلى حنكة ومهارة ووقت طويل لبناء المؤسسات لذا فإننا أكدنا على الخيار السياسي الذي لم نجد من يشغله ويأخذه بحقّه، فطرحنا أنفسنا كمشروع سياسي وطني كي نجمع شتات الشعب. وعندما قررنا ذلك فإننا تحملّنا آلاف السهام من إخواننا وأصدقائنا الذين اتهمونا بالعمالة وبمخالفة الشريعة وغير ذلك وقدمنا شهداء لا يقلون عدداً ولا نوعاً عن شهداء المقاومة الباسلة، إلا أننا كنا مدركين تماماً لما نفعل.

3- وفي نفس الوقت فإننا آمنا بأحقية خيار المقاومة واحترمناه ولم نتعرض بسوء إلى أيٍّ من الفصائل وكنّا ولا نزال ندين الأعمال الإرهابية من أي جهة صدرت ضد العراقيين الأبرياء، وفي نظرتنا المتوازنة إلى ضرورة اعتماد الخيارين معاً كان ينبغي أن نراعي الجماهير التي لم تكن تؤيد سوى هذا الخيار ولا سيّما أن بعض المراجع الإسلامية كانت تؤكد دائماً على بطلان العملية السياسية تحت مظلة الاحتلال ومن دون تخصيص لعملية سياسية دون غيرها . ولذا فإنّ موقفنا كان دقيقاً من أجل أن لا نخسر جماهيرنا ليس فقط من أجل الانتخابات ولكن كي لا تخسر تلك الجماهير نفسها وتتحول إلى آخر الركب.
ويوماً ما التقيت بأحد أعضاء التفاوض مع الأمريكان أيام معركة الفلوجة الأولى حين ردّد بألم: أخشى أن يتحوّل أبناء الفلوجة إلى باعة سيكاير على قارعة الطريق في الوقت الذي سيتفوق علينا كثير من أبناء المحافظات الأخرى. ولذا فإننا كنا نريد أن لا ننأى بجماهيرنا عن أهمية الالتفات إلى مستقبل أولادهم كي يعمّ الخير إلى جميع أبناء الوطن في وقت لا نهمل فيه التضحية بالمال والدم من اجل الوطن.

4- أدركنا أيضا أن تحرير الوطن لا يمكن أن يتم على يد فئة واحدة من أبنائه ولا يمكن أن يقتصر الجهاد على أبناء السنة لأن العراق وطن الجميع. وان دخولنا إلى العملية السياسية يخدم كثيراً في تقريب وجهات النظر ويعطي تصوّراً للآخرين أنَّ تبني الخيارين ممكن في نفس الوقت. وكنّا نحسب الأمور بشكل دقيق أن طول فترة الاحتلال سوف يكوّن قناعات لدى جميع أبناء الشعب أنّ على الجميع استحقاق وطني في أن يشاركوا في إخراج المحتل.

التحديات التي واجهتنا :
1- التهميش المبيّت من الأمريكان والفرقاء السياسيين .
2- إلحاق الأذى بنا في وقت مبكر وشن الحرب الإعلامية علينا .
3- ضعف الإمكانيات المادّية .
4- فرض المحاصصة الطائفية والتي هي ليست من صالحنا ولا من صالح الشعب .
5- عدم إدراك جماهيرنا لما نفعل وكذلك سلبية بعض المراجع الإسلامية تجاهنا .
6- شن الحملات العسكرية المتتابعة على مناطقنا .
7- شن حملات الاعتقال والاغتيال لأعضائنا ومؤيدينا وجماهيرنا .
8- محاربة وسائلنا الإعلامية على قلتها .
9- الجهد المضني الذي يبذله أعضاء حزبنا إزاء كل هذه التحديات.
10 – دخول شركاء وطنيين معنا في الجبهة كانوا بحاجة إلى وقت للنضج السياسي .
11- محاربتنا حتى من قبل وسائل الإعلام الوطنية وبعض القوى الوطنية التي لم تستوعب مشروعنا.

الفرص المتاحة لنا :
1- كون الحزب الإسلامي العراقي عريقاً تأسس منذ عام 1960 وفيه قيادات ذات خبرة.
2- الإخوة الذين عملوا في المهجر وأقاموا علاقات مع الفرقاء السياسيين وكان لديهم تصوّر أثناء فترات القمع ومنع السفر التي مرت على بلادنا.
3- القاعدة الشعبية الواسعة للحزب . لدينا 27 فرع و 435 شعبة.
4- موقفنا الواضح من الاحتلال.
5- موقفنا المؤيد أو المحايد للمقاومة.
6- موقفنا الرافض للإرهاب.
7- موقفنا الواضح من الوحدة الوطنية وتشكيكنا بالفيدراليات الطائفية.
8- موقفنا الرافض للدستور والموافق لتمريره بشرط الإصلاح والتغيير.
9- واقعيتنا في التعامل مع المشاكل اليومية وتقديم الحلول العملية وعدم الاكتفاء بمجرد الرفض والشجب.
10- نصرتنا للمظلومين ويكفينا الموقف إزاء معركتي الفلوجة والنجف ، وإقامة التظاهرات والاعتصامات امام سجن أبو غريب ووزارة الدفاع ودفاعنا عن آلاف المعتقلين وإطلاق سراح المئات منهم.
 
الدور الاقليمي والعربي الاسلامي المطلوب في انجاح تجربة الديمقراطية في العراق
1- ضرورة التواصل التام مع جميع العراقيين من خلال الزيارات والاتصالات وتبادل المعلومات.
2- الموقف الإعلامي المؤازر للمشروع الوطني السياسي فضلاً عن مؤازرة خيار المقاومة الوطنية الراشدة.
3- الموقف الرافض للإرهاب بكل أشكاله سواء جاء من المليشيات أم من الدولة أم من قوات الاحتلال ، مع عدم مداهنة فئة دون أخرى.
4- بذل الجهود الحقيقية للمصالحة الوطنية مع المتابعة الفعلية للإجراءات المترتبة عليها.
5- تكثيف الزيارات لدول الجوار 
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=309