ايران والحرب في العراق

2004-06-15

ديفيد ميناشري

سيكون للحرب على العراق انعكاسات بعيدة المدى على سياسة ووضع ايران في المنطقة، فهذه الحرب حدثت في دولة مجاورة لايران مصالح حيوية فيها، وقد شنت من قبل العدو الرئيسي لايران وهو الولايات المتحدة وتمثل الحرب ايضا تحديات خطيرة تعتمد على الهوية واستقرار وسياسة النظام الجديد في العراق، وكذلك تعتمد على وضع الشيعة والاكراد في عراق ما بعد الحرب، ودرجة التورط الامريكي والتاثير على سوق النفط. لذلك فاقم مسار الحرب المخاطر بينما نتج عنها القليل من الفوائد المحتملة وبات من الواضح ان الواقع على حدود ايران قد تغيرت بشكل كبير ليس لمصلحة ايران حتى الان.

لم تتاثر ايران بشكل كبير بسبب صدام حسين والعداء مع العراق الذي خاضت معه حربا دموية طويلة على الرغم من ان الحرب ضد العراق كانت مناسبة في اعين الايرانيين الا انها شنت من قبل الطرف الخطأ وهو "الشيطان الاكبر" . ما يشكل خطرا حقيقيا هو وضع امريكا كقوة عظمى منفردة وضمها لايران في "محور الشر" في يناير سنة 2002، بالاضافة الى موقف ادارة بوش تجاه ايران. ان الكثير من اهداف الحرب في العراق يمكن تطبيقها على ايران وهذه الاهداف هي القضاء على اسلحة الدمار الشامل، وقمع الارهاب المدعوم من الدولة، وتغيير النظام من خلال التدخل الخارجي، وجلب الديمقراطية بالوسائل العسكرية. وتستمر ايران في سياستها ذات المسارين:الانتقاد القوي للولايات المتحدة، واجراءات ايران البراغماتية لتامين مصالحها بعد الحرب، لقد عملت ايران بجد لتقوية علاقتها بالمعارضة العراقية (الشيعة والاكراد)، ولتعميق حوارها مع اوروبا، وتقوية علاقاتها مع روسيا، وحتى تطمين الراي العام في الولايات المتحدة ، كما احجمت عن تحريض المعارضة الشعبية للحرب: فقد كانت المظاهرات المعادية للحرب في ايران اقل عددا وتشددا من تلك التي حدثت في اوروبا.

مع ان النقد للولايات المتحدة قبل الحرب كان تقريبا دوليا، الا ان الاصلاحيين والمحافظين في ايران تبنوا نبرات مختلفة. استعمل المحافظون اللغة الصريحة وهاجموا الولايات المتحدة لتهديدها بانتهاك سيادة العراق واتهموما بالتامر لسرقة نفط المنطقة، وتجنب الاصلاحيون الغوغائية الايديولوجية واختاروا كلماتهم بشكل اكثر حذرا، وبقي الراي العام الايراني منقسما بشان العلاقات الايرانية -الامريكية . اراد الاصلاحيون تغييراً ولكنهم لم يستطيعوا تحقيقه، بينما شجع المحافظون التغيير ولكنهم لم يظهروا أي اهتمام بعمل ذلك.

مع اقتراب الحرب اصبحت المقارنة بين المصالح الامريكية والايرانية اكثر وضوحا. على العكس من الولايات المتحدة ستفضل ايران نزاعا صعبا وطويلا مما سيؤدي الى اثارة عاصفة من العداء لامريكا في ايران والدول الاسلامية الاخرى وبقية العالم وبالتالي اضعاف الولايات المتحدة والعراق، ارادت الولايات المتحدة ان تلعب دورا مركزيا في اعادة اعمار العراق واملت في تحويله الى جسر للديمقراطية في المنطقة. كانت ايران متخوفة من التوقع بشان وجود امريكي طويل او انتشار الافكار الليبرالية بين الشباب الايراني خاصة من جهة العراق. بالنسبة لايران فان اسوا سيناريو هو تقسيم العراق ، فهي تنظر الى ظهور كيان كردي مستقل على انه خطر كبير جدا. ومع انها كانت اكثر تارجحا بشان فكرة استقلال الشيعة فهناك شكوك لديها ايضا فيما اذا كان الشيعة العراقيون سيخضعون للهيمنة الايرانية. اظهرت التجربة السابقة ان الشيعة يميلون الى التصرف كعراقيين عرب بروح التضامن الشيعي الموالي لايران.

في اعقاب الحرب فان القوة العسكرية الامريكية وانهيار الجيش العراقي والصدمة في الشارع العربي والسكون النسبي في اوروبا (على الاقل في الوقت الحاضر) كل ذلك لا يخدم المصالح الايرانية، وهناك عوامل اخرى ايضا تتمثل في الانتقاد الامريكي لسوريا او اعلان القلق حول برنامج ايران النووي من قبل مسؤولي الادارة حتى خلال القتال . من جانبهم شجب المسؤولون الايرانيون امريكا لاحتلالها العراق والتسبب في الخسائر والصعوبات التي يلقاها المدنيون. تامل ايران في المزيد من التعقيدات في خطة الحرب الامريكية بما في ذلك مقاومة عراقية متزايدة وضغط من قبل اوروبا والامم المتحدة. وقد تصل ايران الى نتيجة مفادها ان القدرة غير التقليدية هي افضل طريقة لحمايتها من قدر مشابه لقدر العراق. ومما يثير السخرية ان التصرف بناء على هذه النتيجة من المرجح جدا ان يثير اقوى رد امريكي.

تعمل ايران حاليا من اجل تاسيس علاقات مع احزاب مختلفة في العراق ولكنها تحجم عن عمل أي شيء يثير الغضب الامريكي، حتى انها تُحدِّث من نبرة خطابها العام. ان بيان الرئيس السابق رفسنجاني حول احتمالية اعادة العلاقات مع الولايات المتحدة بعد استفتاء شعبي هو مثال مثير على ذلك، مع ان رفسنجاني صرح بهذا في مقابلة قبل الحرب الا انه اثار نقاشا حاميا عندما نشر في 12/4. بالرغم من انه من غير الواضح ما وراء هذا التصريح الا ان الحقيقة المهمة هو انه جاء من قبل شخص مثل رفسنجاني وهذا بحد ذاته ذو مغزى. بعد كل هذا، ربما كان رفسنجاني براغماتيا بشان الولايات المتحدة في الثمانينات الا انه اصبح من المحافظين في السنوات الاخيرة، وهذا يوضح ان قادة ايران يقدرون الدرجة التي قد تؤثر بها الحرب في العراق على المنطقة باكملها.

حتى لو كانت سياستها بعد الحرب غير واضحة حتى الان، فان ايران ستستمر بالنظر الى التطورات في العراق على انها تؤثر على مصالحها الحيوية وانه قد يتم قيادتها نحو المصالح الوطنية اكثر من مبادئ الماضي. ان الوجود الامريكي في العراق وافغانستان، ونفود امريكا على طول الحدود الاخرى لايران والمكانة العالمية لامريكا والتصميم الذي اظهرته في الحرب ضد الارهاب لا ينذر بما هو جيد للمصالح الايرانية، لا تقود هذه العوامل الى تغييرات في سياسة النظام او تقوية القوى الاصلاحية في ايران، ولكنها تعني ان الثورة البالغة من العمر 25 عاما سيتم اجبارها اكثر من ذي قبل على اعادة تقييم طريقها والبحث عن روحها.

- المصدر: ديفيد ميناشري (رئيس قسم الدراسات الايرانية الحديثة)/مركز ديان لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا .
- ترجمة: مركز القدس للدراسات السياسية
.

https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=263