ورشة عمل: اللامركزية المالية في حقل التطبيق ... التجربة الأردنية الناشئة

2019-03-25

بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية، عقدت في عمان أمس ورشة عمل بعنوان "اللامركزية المالية في حقل التطبيق ... التجربة الأردنية الناشئة"حيث عرضت الباحثة الرئيسة الدكتورة رنا الأكحل نتائج وخلاصات وتوصيات ورقة سياسات التي حملت العنوان ذاته، والتي أعدها المركز بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وبعد أن قدمت الدكتورة الأكحل للمفاهيم والمنهجيات المستخدمة في إعداد الورقة، عرضت لمراحل تطور تجربة الأردن الناشئة في اللامركزية، وتوقفت بشكل خاص عند المشكلات والتحديات على مستوى التخطيط والتنفيذ، التي برزت في خلال هذه التجربة القصيرة نسبياً، سواء على مستوى الإدارات المحلية ومجالس المحافظات أو على الصعيد الحكومة المركزية والبرلمان، والكيفية التي جرى التعامل فيها مع هذه التحديات.

وأولت الورقة اهتماماً خاصاً بالجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين سواء في تشكيل الأجهزة والإدارات ذات الصلة، أو عند إعداد الموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعي. وخلصت الورقة إلى عدد من التوصيات التي من شأنها وضع التجربة الأردنية في "اللامركزية المالية" على سكة التقدم والنجاح.

وقد صنفت الورقة هذه التوصيات إلى فورية ومتوسطة المدى وبعيدة الأجل، في الأولى شددت على ضرورة تدعيم القدرات واللوجستية (مقرات موازنات تشغيل، كادر وسائط نقل) في كل محافظة لتدعيم المجالس، وتشجيع التعاون وتقسيم العمل بدل التنافس والتزاحم، بين أدوار مجلس المحافظة ونوابها والمجالس البلدية، واعتماد خط ساخن لتلقي شكاوى أعضاء مجالس المحافظات، وضمان تنفيذ المشاريع ذات الأولوية.

وعلى المدى المتوسط، دعت الورقة إلى تحديد الأنظمة التي تتعارض مع عمل مجلس المحافظة واللامركزية وتعديلها بالتشاور مع الأجهزة المحلية، ونقل جزء من موازنة عطاءات وزارة الأشغال إلى المجالس، والتحقق من قدرات المكاتب الهندسية وبناء قدراتها، ووضع معايير لقياس أثر اللامركزية على الخدمات العامة، والشروع المتدرج في إدراج بعض الموارد المحلية من ضمن صلاحيات واختصاصات مجالس المحافظات.

أما على المدى البعيد، فقد أوصت الورقة بمواصلة تعديلات الأنظمة والتشريعات التي تعطل فرص نجاح التجربة، وبناء قواعد بيانات للتشغيل ومختلف أوجه التنمية الخاصة بالمحافظة، وبناء قدرات النساء على المستوى المحلي في القيادة والإدارة، وتدعيم أليات الرقابة والمساءلة من قبل المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني

وكانت ورشة العمل قد بدأت بكلمة افتتاحية ألقاها مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، تناول فيها الأهداف الرئيسة لورقة السياسات قيد البحث، والتي تأتي من ضمن برنامج دراسات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي يعمل عليه المركز منذ عدة سنوات.

وقال الرنتاوي إن اللامركزية تشكل فرصة ذهبية للأردنيين لتحويل اللامركزية إلى حقيقة فعلية على الأرض، وتطوير هذه التجربة وتسليحها بالأدوات التي تحتاجها، فطريق اللامركزية تمثل مسيرة في اتجاه واحد، وخياراً لا رجعة عنه. وشدّد على أن اللامركزية بما تنطوي عليه من مضامين وآفاق، هي بوابة الأردن وطريقه نحو تكريس وتعميق الديمقراطية، داعياً إلى الثقة باللامركزية والإيمان بقدرتها على توسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار التنموي والخدمي.

وأضاف الرنتاوي بأننا يجب أن نحدد النقاط الجوهرية التي تحتاج إلى إصلاح، وفي مقدمتها تعديل قانون اللامركزية لتقوية مجالس المحافظات، وتعزيز صلاحياتها. لافتاً إلى أن الحكومة ينبغي أن لا تنظر للامركزية ضمن نطاق محدود، حيث مجالس المحافظات بحاجة إلى أن توسع اهتماماتها ومسؤولياتها بما يتجاوز قضايا الصحة والتعليم إلى قضايا البنية التحتية على اتساعها وإلى القضايا التنموية التي تشغل بال المجتمعات المحلية كالطاقة وغيرها. 

وبرغم الانتقادات التي تسجلها مجالس المحافظات للتجربة ولعلاقاتها مع المجالس التنفيذية، أوضح الرنتاوي بأننا يجب أن نؤمن بهذه التجربة، وما تمثله من فرص للتشاركية، وندرك بأننا إزاء تجربة بحاجة إلى تطوير في جانب التشريعات والممارسة، وبحاجة إلى تكاتف جهود المواطنين جميعاً بما فيهم النساء والشباب الذين ينبغي أن يُتاح لهم أن يلعبوا أدوراً أكبر.

وشارك في الورشة الأمين العام لوزارة الداخلية الدكتور رائد العدوان متحدثاً عن "تجربة الحكام الإداريين في إدارة المجالس التنفيذية... الدروس المستفادة"، وقال إن مشاركتنا في هذا الحوار لا يستهدف إقناع المواطنين بوجهة نظر محددة بقدر ما نحن معنيون بالحوار الوطني والتشاركية لتطوير مسيرتنا الإصلاحية، وصولاً إلى أفضل التوصيات.

وأشار العدوان إلى أن اللامركزية تجربة جديدة علينا، لافتاً إلى أن عقل الدولة الأردنية تأسس على أساس مركزي خلال القرن الفائت، وبالتالي فإن التحول إلى اللامركزية يحتاج إلى وقت لوضع التشريعات والهياكل اللازمة. وأضاف بأن المملكة تعمل منذ العام 1995 وفق قاعدة "مركزية الإيرادات، ولامركزية النفقات"، وأنه أصبح لدينا الآن مجالس محافظات منتخبة، ويتعين علينا أن نطور اللامركزية المالية، لافتاً إلى أن المجالس التنفيذية تُعدّ بيوت خبرة.

وأعرب العدوان عن قناعته بأن مستوى انتشار الخدمات مهم، ونسبق به بعض الدول المتقدمة، لكن التحدي الذي يواجهنا يتعلق بتجويد الخدمات، وهذا يرتبط بتوفير المصادر اللازمة لذلك. وأفصح عن أنه يتم العمل حالياً على استحداث وحدتين في المحافظة؛ واحدة للشؤون المالية، وأخرى للرقابة الداخلية. واختتم العدوان مداخلته بالتشديد على أن اللامركزية ليست مسألة فشل أو نجاح، بل هي تجربة قيد التطور، وأن لكل بلد ظروفها الخاصة، ولذا لم يكن ممكناً أن نقتدي بنموذج معين لنعمل مثله.  

وشاركت في الورشة أيضاً النائبة وفاء بني مصطفى منسقة كتلة مبادرة في مجلس النواب، فأشادت بمداخلتها بتجربة اللامركزية باعتبارها علامة مهمة في الإصلاح السياسي، ودعت إلى النظر إليها كأولوية وطنية، وإلى رعايتها.

وفي مقاربة للعلاقة بين البرلمان واللامركزية، قالت بني مصطفى إن نجاح اللامركزية مهم جداً، لأنه قضية الخدمات التي تربك العمل البرلماني ستنتقل تحت مظلة مجالس المحافظات، بما يسمح لأعضاء مجلس النواب بالتركيز على مهامهم الرئيسية ذات الطابع الشمولي ارتباطاً بالمصالح العليا للدولة الأردنية، وبالتحديات التي تواجه الدولة. ودعت إلى وجود ضابط ارتباط في مجلس المحافظة مع نواب المحافظة من أجل التواصل والتعاون. وذكرت بني مصطفى بأن أي ترتيبات تزيد المشاركة العامة في صنع القرار مهمة، فبمثل هذه المشاركة يحتل الناس المكانة التي يستحقونها في إطار الدولة.

وأضافت بني مصطفى بأن معظم أعضاء مجالس المحافظات ذوي تعليم عال، ما يستلزم أن يكون جميع أعضاء مجالس المحافظات منتخبين. وانتقدت محدودية التمثيل النسائي في مجالس المحافظات برغم استهداف الاستراتيجية الوطنية للمرأة تمثيل النساء بنسبة 30%.  وشرحت بني مصطفى دور مجلس النواب في تطوير قانون اللامركزية وبخاصة في اتجاه الاعتراف بالاستقلال المالي والإداري لمجالس المحافظات، وأعربت عن قناعتها بضرورة أن لا يكتفي البرلمان بإقرار القانون بل يجب أن يُراقب على تنفيذه.

كما شارك في الورشة نبيل أحمد مدير وحدة اللامركزية في وزارة المالية وتحدث عن تطور مفهوم اللامركزية في الأردن، وعن الأهداف الرئيسية للامركزية، وقال إن الهدف الأساسي من اللامركزية المالية هو ضمان توفر الموارد المالية الكافية لتمين المحافظات من القيام بالصلاحيات والمهام المناطة بها. وأضاف بأن وحدة اللامركزية المالية في وزارة المالية تُعدّ مركز التنسيق في الوزارة لجميع القضايا الخاصة باللامركزية المالية والتنسيق مع كافة الجهات ذات العلاقة.

وشرح أحمد بأن عمل اللامركزية المالية يتمحور حول أربعة مكونات أساسية، هي: تحديد أوجه الإنفاق، التمويل، تخطيط وإعداد الموازنات، وتنفيذ الموازنات والرقابة. واستعرض إنجازات اللامركزية المالية، وفي مقدمتها إصدار ورقة سياسات بعنوان "اللامركزية المالية في الأردن-تعزيز دور المحافظات في تحسين الخدمات العامة"، وتعتبر بمثابة خارطة طريق لتطبيق اللامركزية المالية في المملكة. كما استعرض النشاطات قيد التنفيذ في مجال اللامركزية المالية من مثل حصر الصلاحيات التي يمكن تفويضها إلى المديريات في المحافظات، وحصر وتحديث التشريعات المالية التي تحتاج إلى تعديل. وأوضح أحمد أنه ما زال هناك حاجة للمزيد من الخطوات المستقبلية لتطوير اللامركزية المالية.  

كما تحدث من وزارة المالية د. محمد العقيلي مدير قطاع البنية التحتية والتنمية المحلية في الوزارة حول آليات إعداد الموازنة وإقرارها في ضوء تجربة اللامركزية. فاستعرض المراحل الزمنية لإعداد الموازنة بدءاً بمراجعة السقوف الأولية للوزارات والدوائر والوحدات الحكومية والمحافظات، وتحديث المؤشرات الاقتصادية الكلية في شهر نيسان من السنة المالية، مروراً بقيام مجالس المحافظات بإقرار مشاريع موازنات المحافظات المحال إليها من المجالس التنفيذية، وتزويد دائرة الموازنة العامة والوزارات والدوائر الحكومية بها في منتصف شهر آب، وانتهاء بتقديم مشروعي قانون الموازنة العامة وقانون الوحدات الحكومية لمجلس الوزراء لمناقشته وإقراره في منتصف شهر تشرين الثاني. ثم تقديم هذين المشروعين إلى مجلس الإمة ومناقشتهما وإقرارهما بحسب القنوات الدستورية.

وشرح العقيلي آلية تحديد سقوف موازنات المحافظات، بتحديد السقف الرأسمالي الإجمالي لكافة المحافظات بما نسبته 3% من الإيرادات المحلية، وتوزيع هذا السقف وفق معايير تشتمل على حصة متساوية لجميع المحافظات بنسبة 30%، ثم توزيع 70% وفق معايير عدد السكان ومعدل الفقر والبطالة والمساحة وعدد المنشآت الاقتصادية. وختم العقيلي مداخلته بشرح الإجراءات الخاصة بإعداد موازنة المحافظات.

وشارك في أعمال الورشة أيضاً د. علي الخوالدة الأمين العام لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، وتناول في مداخلته حول "قانون اللامركزية ... آفاق التطوير والتعديل"، عن الحاجة لتطوير قانون اللامركزية والأنظمة التابعة له، وقال يوجد تعليمات عديدة، بحاجة لتغيير أيضاً. وأضاف أن من الواضح أننا قد تعودنا على المركزية، وبالتالي علينا أن نعالج الملاحظات الموجودة على التشريعات والأداء، لافتاً إلى ضرورة الاعتراف بالفرق التنموي ما بين المركز والمحافظات المتأخرة.

وأشار الخوالدة إلى الصلاحيات التي نحتاجها لتطوير التجربة وعن المنهجيات اللازمة لذلك. وأعرب عن قناعته بأن العلاقات بين مجالس المحافظات والمجالس البلدية غير واضحة، وتحتاج إلى شغل كثير. ودعا إلى الوصول إلى نموذج ناجح للعمل والتواصل والتشاركية بين سائر المؤسسات ذات الصلة لتطوير عمل مجالس المحافظات. وأوضح بأن أليات التواصل بين مجالس المحافظات والحكومة لا يجب أن تقتصر على المحافظ، بل يجب أن تصبح المؤسسات الرقابية على الحكومة مثل البرلمان وديوان المحاسبة جزءاً من آليات التواصل. 

وأضاف الخوالدة بأن المركزية المالية ذات أبعاد تقنية جداً، وأشار إلى أن كثيرين طالبوا بمزيد من التدريب لمجالس المحافظات، فقال يجب أن نعترف أيضاً أن كثيرين من الموظفين الحكوميين بحاجة إلى تعميق معرفتهم باللامركزية واحتياجات تطبيقها.

وجرى في ختام العرض وتقديم المداخلات، نقاش عام، شاركت فيه عشرات الخبراء والمختصين والمسؤولين في الدوائر الحكومية ذات الصلة، وعدد من النواب وقادة الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وأكاديميين مختصين.

جدول العمل

جلسة الإفتتاح: كلمة ترحيبية، وعرض نتائج توصيات ورقة السياسيات.
- الاستاذ عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية.
- الدكتورة رنا الأكحل، وباحثة وخبيرة في الإدارة اللامركزية.

استراحة قهوة

الجلسة الثانية: اللامركزية المالية في حقل التطبيق ... التجربة الأردنية الناشئة. 

المتحدثون:

تجربة الحكام الإداريين في إدارة المجالس التنفيذية... الدروس المستفادة
- عطوفة الدكتور رائد العدوان، أمين عام وزارة الداخلية
اللامركزية المالية في الأردن من منظور برلماني.
- سعادة النائبة وفاء بني مصطفى، عضو مجلس النواب الأردني.
قانون اللامركزية... أفاق التطوير والتعديل.
- عطوفة الدكتور علي الخوالدة، أمين عام وزارة التنمية السياسية.
تجربة اللامركزية في السياق الحكومي ... آليات وضع الموازنة وإقرارها مع دخول الأردن تجربة اللامركزية.
- الاستاذ نبيل أحمد، مدير وحدة اللامركزية المالية في وزارة المالية
- الدكتور محمد العقيلي، مدير قطاع البنية التحتية والتنمية المحلية في دائرة الموازنة العامة.

مناقشة عامة

رابط الصور:

https://photos.app.goo.gl/4xjPUsHNnNchXYHr7

https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=2434