2017-11-04
معالي الدكتور جواد العناني
نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير دولة لشؤون الاستثمار سابقا/الأردن
أصحاب الدولة والمعالي والسعادة
سعادة السيد عريب الرنتاوي
سعادة الدكتورة انيت رانكو
أيها الحضور الكرام، الشكر كل الشكر لمركز القدس للدراسات ومؤسسة كونراد أديناور التعاون بينهما، والذي أثمر في عقد هذا المؤتمر الهام بعنوان "الاردن في بيئة إقليمية متغيرة... سيناريوهات المرحلة المقبلة 2"، خاصة أنه يأتي لاحقاً للمؤتمر (1) الذي عقد قبل أكثر من سنتين. ولعل الحقائق قد تغيرت أكثر، مما يجعل تخيّل السيناريوهات المحتملة أكثر وضوحاً، أو قل أقل غموضاً مما كانت عليه عندئذ.
وسوف يختص حديثي اليوم في هذه الجلسة الثامنة والأخيرة على تقديم أفكار وتوصيات لتعزيز مناعة الأردن الداخلية في مواجهة تحديات الداخل والخارج من وجهة نظر اقتصادية. ومع أنني كتبت هذه الورقة دون الاستفادة من مداخلات الخبراء في جلسات هذا المؤتمر، والسيناريوهات التي قدموها لأعتمد عليها في اجتراح الحلول والأفكار في المجال الاقتصادي. إلا أنني أرى أنها لم تسقط بعيداً عن الشجرة.
التحدي الأول :
سأبدأ بطرح السؤال الأول: ما هي البدائل الممكنة للتسويات السياسية في المنطقة في بلدان مثل سوريا، والعراق، وكيف ستنتهي الأزمة الخليجية؟ والأهم من ذلك هو التسوية المنتظرة للقضية الفلسطينية. وحيث أن إمكانات التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية الحالية صعبة، فإن هناك أدبيات إسرائيلية من الأحزاب المتطرفة التي ربما تسعى إلى زعزعة الامن الاردني عن طريق تعميق الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الأردن بسبب الظروف الخارجية التي يواجهها، والظروف الداخلية الناشئة عن سلبية التوقعات الاقتصادية في المملكة. وعليه، فإن إسرائيل التي لجأت منذ عام (1967) وحتى الآن إلى السعي لزعزعة الثقة بالاقتصاد الأردني وفق تصريحات وكتابات صدرت عن عملاء الموساد، فإن إبقاء هذه الاحتمالية في الأذهان يجب أن تبقى.
ولذلك، فإن على الأردن أن يبقى يقظاً تجاه هذه الاحتمالية. وذلك عن طريق تحديد نقاط الضعف (كعب أخيل) في الاقتصاد، علماً أن النموذج الذي يجب اختياره لتحديد اولويات أي عدو يسعى بالاقتصاد الاردني شراً تقوم على افتراض اختيار البديل الأقل كلفة على المعتدي، والأكثر فاعلية وأثراً في اقتصاد الجانب المعتدى عليه.
و الاقتصاديان الإسرائيلي والاردني قد باتا الآن أكثر اشتباكاً من السابق، حيث هنالك تبادل تجاري وخدمي مباشر وفي ازدياد، وهنالك عمالة أردنية في اسرائيل، كذلك فإن برامج تبادل المياه، والغاز عبر مشروعين من المفترض أنهما تحت الإنجاز (قناة البحرين واتفاق الغاز مع شركة توبل)، وهنالك أيضاً العلاقة النقدية الناجمة عن وجود فروع للمصارف الأردنية داخل الضفة الغربية. وبسبب عدم تمكن سلطة النقد الفلسطينية من إصدار عملة خاصة بها، فلذلك صات العملات المتداولة في داخل الاقتصاد الفلسطيني هي الدينار، الشيكل، والدولار. ولا ندري تماماً ما حجم الودائع بالدينار في البنوك الفلسطينية، ولكن كثيراً منها ينقل من الفروع العاملة هنالك إلى المراكز الرئيسية في الأردن.
وهذا لا يعني بالطبع أن الدينار غير موجود في المصارف الفلسطينية الوطنية. ولذلك، فإن التزام البنك المركزي الاردني تجاه كل دينار مصدر ينطبق على الدنانير الموجودة داخل الضفة، والتي قد تصل الى اكثر من بليون دينار من أصل (4) بليون. وكذلك، فإن هنالك ودائع تحت الطلب وغيرها بالدينار في بنوك الضفة، والتي قد تصل إلى (5) بليون دينار.
ولذلك، فإن تشابك العلاقات بين الاقتصادين الأردني والإسرائيلي له جوانب مختلفة منها المباشر (التجارة والمشروعات المشتركة) ومنها غير المباشر الناجم عن العلاقات الوثيقة بين الضفتين الغربية والشرقية والتجارة والمصارف والنقد وغيرها). وحيث أن الوضع في المنطقة مضطرب ومتقلب، فإن من نافلة القول أن يبقى الأردن يقظاً حيال إسرائيل وسلوكياتها خاصة بعد المؤتمر الذي عقد في القدس حول الأردن هو الوطن البديل بل والنظام البديل، وكذلك تأزم العلاقة الناجم عن قيام إسرائيل بعمليات قتل على جسر الملك حسين وفي مبنى السفارة الأردنية. وقد وصلت الحالة إلى رفض الأردن السماح بعودة فتح السفارة أو السفير وباقي الموظفين بالعودة إلى عمان. هذا التأزيم الناجم عن سلوكيات حكومة إسرائيل ورئيسها لا يجوز أن تؤخذ على علاتها، إنها ليست جزءٌ من مخطط اكبر. ولذلك، يجب التركيز بقوة من قبل الجانب الأردني على هذا الأمر.
التحدي الثاني :
لا ندري تماماً حتى هذه اللحظة ما هي طبيعة الحلول السياسية التي سوف تسود في كل من العراق وسورية. ولكن الأحداث في الآونة الأخيرة باتت ترجح احتمال النظم الفدرالية في هذه الدول لأنها الإطار الذي يستوعب الجميع تحت سيادة واحدة غير مجزأة، ولأنه يتيح لمختلف مكونات الشعب في البلدين من ممارسة صلاحيات الحكم الذاتي. وإذا صح هذا التنبؤ على أنه هو المرجح في ظل النتائج العسكرية والسياسية التي حصلت مؤخراً في العراق وسوريا من دحر للمنظمات الإرهابية، وإفشال لخطط التقسيم ولو مؤقتاً، فإن المناطق القريبة والملاصقة للأردن ستكون جنوب سوريا ابتداء من الكسوه وحتى درعا على امتداد الحدود الأردنية. وهذه غالبيتها من أهل السنة ومن الطائفة الدرزية. وهي قريبة من الجولان المحتل في سوريا، مما يجعل إسرائيل عنصراً لا بد من أخذه بعين الاعتبار، خاصة وأنها تشجع انفصال جبل العرب (الدروز) وتصمم على استمرار احتلالها للجولان، وتشارك في مياه الأردن واليرموك. ولكن بافتراض استمرار حالة الاستقرار.
فإن إعادة إعمار هذه المناطق، سوف يكون للأردن فيه دور هام، خاصة وأن للأردن استثمارات جامعية في هذه المناطق (5 جامعات خاصة)، وبسبب وجود فروع لمصارف أردنية في دمشق قادرة على التعامل مع هؤلاء. ولو أضفنا إلى هذا كله وجود حوالي (700) الف لاجئ سوري يعيشون في شمال الأردن. وكثير منهم لجأ إليها من الجنوب السوري مما يعطيهم فرصة أفضل للمساهمة في الربط الاقتصادي بين البلدين. وأتوقع أن يعتمد عدد كبير من المواطنين السوريين القاطنين جنوب سوريا في تجارتهم وخدماتهم على الفضاء الأردني براً وجواً.
ومن ناحية أخرى، فإن العراق الذي يواجه مشكلات مشابهة وغير متشابهة بالضرورة، قد يتبنى نفس النموذج من الفدرالية التي تتيح للمناطق أن تتولى شؤونها المحلية.
والأنبار التي يغلب على سكانها المذهب السني والمحافظات التي بجانبها مثل صلاح الدين وديالا قد تجد أن في الأردن متنفساً لها وقريباً منها حكم صلة الدم والنسب، وبسبب وجود عشرات رجال الأعمال العراقيين الذين يتخذون من عمان مركزاً لنشاطاتهم. ولذلك وإذا استعادت حركة النقل زخمها بين البلدين كما كانت قبل انفجار الحرب ضد الإرهاب، وأقيمت مشروعات كبيرة مثل انبوب النفط، أو سكك الحديد، فإن هذا سيفتح آفاقاً للأردن. ولذلك، فإن الفضاء الأردني سيكون أيضاً مجالاً مفتوحاً لكثير من حركة الناس والسلع وبخاصة لأهل غرب العراق.
ولو أخذنا بعين الإعتبار كلاً من سوريا والعراق معاً، وعدد السكان القريبين من الأردن، والذين سيجدون فضاءه الاقتصادي متاحاً لهم، فإن عدد السكان في سوريا والعراق والاردن وفلسطين المعتمدين على الفضاء الأردني سيتجاوز (25) مليون نسمة، وهذا يشكل تحدياً كبيراً للأردن خاصة خلال فترة إعادة الأعمار. ولكنه تحد من النوع المرحب به لأن فيه فرصاً اقتصادية كبيرة للأردن، ولكن نجاح مثل هذا الأمر له شروط واضحة.
أولها : أن يكون الأردن جاهزاً ببناه التحتية والفوقية، واللوجستيكية والأمنية لمواجهة هذا الحجم المتزايد من الإعمار، ومن الحركة. وكذلك لا بد من تطوير بنيته في الاتصالات، الطرق، والموانئ، المطارات لاستيعاب الحركة.
ثانيها: أن يكون الأردن في حالة توافق مع الدول المؤثرة على صنع القرار في العراق وسوريا بشكل خاص وسترى أن هذا يشمل الولايات المتحدة وروسيا.
ولا شك أن سياسة الأردن الخارجية ودبلوماسيته الأنيقة والتي قادها جلالة الملك عبدالله الثاني قد اثرت على الجانبين الأمريكي والروسي.
ولكن العلاقة مع الأطراف الإقليمية مهمة جداً، وبخاصة تركيا وإيران.فمن ناحية تركيا، فإن الامر يبدو حالياً أقل تعقيداً.
أما من ناحية إيران فإن العلاقات في الوقت الحاضر يشوبها الحذر. ولذلك، فلا بد من العمل على هذا الأمر، حتى لا يكون للأمر الإيراني تأثير على فرص تنفيذ مشروعات كبرى مثل انبوب النفط وسكك الحديد التي اتفق الجانبان العراقي والأردني على تنفيذهما.
التحدي الثالث:
الا يكون تركيز الأردن على كل من العراق وسوريا وبسبب البعدين التركي والإيراني سبباً في افساد التوازن في هذه العلاقات مع دول مجلس التعاون.وعند الحديث عن مجلس التعاون، فإن العلاقات الأردنية هي علاقة اقتصادية وسياسية وعسكرية متوطده. ولكنها مثل اي علاقات عربية أخرى تشهد هبوطاً وصعوداً، دفئاً وركوداً. ولكن الأردن كان دائماً مع إخوانه الخليجيين حتى وإن كان مختلفاً معهم في الرأي.
وتمر العلاقة الآن في فترة يسعى الأردن فيها لكي لا يخسر الأطراف المتنازعة، ولا أي واحد منها سواء منها من قاطع قطر، أو قطر نفسها، أو ممن نأى بنفسه عن الأزمة مثل عُمان والكويت. ويتساءل بعض المسؤولين في دول المقاطعة الاقتصادية لماذا لم يتخذ الأردن خطوات مقاطعة أكبر تجاه دولة قطر، واكتفى بإغلاق مكاتب الجزيرة والطلب من السفير أن يغادر دون إغلاق السفارة. اليست السعودية والإمارات والبحرين معاً أهم من قطر اقتصادياً؟ والجواب على هذا السؤال المعقد هو أن الأردن بوضعه الاقتصادي الراهن لا يريد أن يخسر أحداً ، فخسارة قطر إن أرادت قطر أن ترد على الأردن ستكلف الأردن كثيراً في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التي يمر بها، والأردن قد بحث عن صيغة دقيقة موزونة بالذهب لكي يحافظ على علاقاته مع كل دول الخليج.
وترتب دول الخليج حسب أهميتها الاقتصادية بالنسبة للأردن من حيث الاستثمار، المساعدات، والقروض، والتجارة، والتوظيف، كما يلي المملكة العربية السعودية، فالإمارات، فالكويت، فقطر، وعُمان وأخيراً البحرين.
وفي الوقت يجد الأردن أن احتمالات الاستفادة من دول الخليج آخذة في التراجع بسبب ظروف هذه الدول وأعبائها العسكرية، فإن الأردن الذي تحمل الكثير بسبب التدهور الأمني والحرب في كل من العراق وسورية، يتأمل أن يكون له نصيب ودور في عودة الحياة وإعادة الإعمار فيهما قد يجد نفسه مضطراً لتطوير علاقاته مع دول ليس لها علاقة جيدة مع بعض دو الخليج. وأقصد تحديداً إيران.
والنتيجة :
خلاصة الامر ، أن الأردن يجب أن يأخذ قرارات هامة دقيقة في توازنها لكي يخرج من الأزمة الخانقة التي يمر بها، والتي كانت في معظمها خارجة عن حدوده وإرادته. والأردن لا يصنع الأحداث بقدر ما يتعايش معها بنجاح وهذا هو سر استمرار الاردن وأهميته.
-ورقة عمل قدمت في مؤتمر الأردن في بيئة...إقليمية متغيرة سيناريوهات المرحلة المقبلة-"2" الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية خلال الفترة من 4-6 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 في عمان-الأردن فندق رويال عمان.