2016-06-03
في الثالث والرابع من حزيران/يونيو 2016، التأمت في بيروت ورشة العمل الإقليمية بعنوان " تعزيز دور المجتمع المدني في الوساطة والتفاوض وبناء التوافقات وحل النزاعات"، بمشاركة أكثر من ثلاثين ناشطاً وناشطة في مؤسسات المجتمع المدني وخبراء وأكاديميين، جاؤونا من إحدى عشرة دولة عربية.
ولقد روعي عند تصميم برنامج عمل الورشة، توزيع الدول المشاركة إلى ثلاثة فئات: دول النزاعات المسلحة (سوريا، العراق، اليمن وليبيا)، دول الاستقرار الهش أو شبه المستقرة، أو دول النزاعات الباردة كما وصفها مشاركون، والدول المستقرة، وجرى التركيز إلى أكثر ما تميزت به تجارب المجتمع المدني في هذه الدول، وما تميزت تبعاً لاختلاف الظروف والشروط المحيطة بعملها.
فمن اليمن وسوريا، جرى اختيار تجربة "دور المجتمع المدني في لجان الحوار والمفاوضات"، ومن المغرب والجزائر، جرى التركيز على "دور المجتمع المدني في العدالة الانتقالية والوئام الوطني"، ومن فلسطين وتونس، جرى إبراز تجربة "المجتمع المدني في الوساطة وبناء التوافقات الوطنية"، كما جرى إفراد محور خاص بتجربة "المصالحات المحلية" بالاستناد إلى التجربتين والسورية.
المشاركون في الورشة، في غالبيتهم العظمى، كانوا ممن انخرطوا في تجارب فعليه في بلدانهم حول العناوين المذكور، وتميز النقاش فيما بينهم، بتقديم عروض لهذه التجارب، عناصر قوتها وضعفها، نجاحها وفشلها، قبل أن يجري المشاركون، بمساعدة خبراء وأكاديميين، استعراضاً لأهم الدروس والخلاصات المستفادة من هذه التجارب وما أعقبها من مقاربات وقراءات من المشاركين كافة، وبصورة لا تخلو من الجرأة في ممارسة النقد الذاتي للتجربة:
# وقد سجل المشاركون جملة من الملاحظات، تتصل بوضعية المجتمع المدني العربي، ما يتوفر عليه من عناصر قوة، وما يعتريه من نقاط ضعف، ومنها:
• لاحظ المشاركون بكثير من الارتياح التزايد المتسارع في أعداد المنظمات والمؤسسات التي تنتمي للمجتمع المدني العربي، وإن أكدوا أن كثرتها ليست بالضرورة دلالة صحة ولا هي في الوقت ذاته علامة ضغف، الأمر يعود في التقيم الأخيرة، إلى قدرة هذه المؤسسات على إحداث التأثير في السياسات وصنع القرارات والتشريعات، القلة من هذه المنظمات هي التي تضطلع بادوار متميزة، أما غالبيتها فليست سوى صور مستنسخة عن بعضها البعض.
• للمجتمع المدني العربي في دول النزاعات المسلحة وغيرها، دور كبير بنشر القيم المدنية وحقوق الانسان، والترويج لقيم التسامح وثقافة والشفافية ومحاربة الفساد، وهذا بحد ذاته دور أساسي لبناء ونشر السلام، والتخفيف من حدة النزعات واحتواء آثارها الكارثية.
• توقف المشاركون باهتمام تنامي دور المنظمات المدنية العابرة لحدود الطوائف والمذاهب والهويات الفرعية الأخرى في عدد من المجتمعات العربية المنقسمة، وإن لاحظوا أن كثرة من المنظمات المدنية، ما زالت تعاني مشكلات ضعف الحكامة والشفافية، وتكاد تتماهى مع الانقسامات المجتمعية فتصبح جزءاً من المشكلة بدل أن تكون جزءاً من الحل.
• بيّنت تجارب المشاركين، حتى من الدول التي نجحت فيها الثورات في تغيير أنظمة الحكم، أن السلطة أو "الدولة العميقة" ما زالت قوية، بل وما زالت الفاعل السياسي الأقوى في بلدانهم، كما بيّنت دول الانقسامات الطائفية والمذهبية، أن نظام المحاصصة الطائفية، ما زال عصياً على التطويع، وأنه ما زال قادراً على صد حراكات الغضب والاحتجاج المدنية التي تصاعدت في مواجهته، وأن المجتمع المدني العربي، الذي يواجه في بعض البلدان "مجتمعاً عميقاً"، يجب أن يكون أكثر حنكة وذكاء وجاهزية، للنجاح في تحقيق أهدافه وتطلعاته.
• نجح المجتمع المدني في بعض تجارب دول النزاعات، في انتزاع حضوره في لجان الحوار وعلى موائد التفاوض، وهذا امر يسجل له، لكنه في المقابل، لم يكن جاهزاً للتقدم بمبادرات ناضجة وشاملة، واقتصر دوره على النقد والتحليل والاعتراض، وأحياناً بصوت خفيض، وارتضى القبول بقواعد اللعبة وسقف الشروط التي حددتها السلطة، سلطة الدولة أو الحزب أو الطائفة.
• وضع المجتمع المدني لنفسه هدف انتزاع السلطة السياسية به وبدوره، وسجل على طريق، نجاحات متفاوتة من بلد لآخر، بيد أنه لم يضع نصب عينيه، هدف انتزاع "الاعتراف المجتمعي" به وبدوره وبشرعيته، وتصرف كما لو أن هذا الاعتراف مضموناً أو أنه سيأتي من باب "تحصيل الحاصل"، وهذا لم يحدث، ما فتح الباب لتكاثر المؤسسات المدنية ذات البنى العائلية والعشائرية والطائفية والمحلية، وقاد ذلك إلى نجاح البنى التقليدية والقبلية في المجتمعات العربية المتنازعة، للقيام بأدوار وساطة ومصالحات محلية، وتسوية مشكلات المختطفين والمفقودين، أكثر نجاعة مما قامت المؤسسات المدنية، التي ركزت عملها على اقتباس تجارب ونماذج غربية وخاريجة للوساطة وفض النزاعات، وإسقاطها على مجتمعات تقليدية.
• تكشفت النقاشات عن الاعتراف بخطأ فرضية أخرى، يعتمدها المجتمع المدني بوصفها أمراً مسلماً أو بديهية، ألا وهي أنه يحوز على دعم الأكثرية الصامتة من الشعب، تدعم مشاريعه الإصلاحية في شتى المجالات، ليكتشف في حمأة الجدل حول القوانين والتشريعات والسياسات الواجب اعتمادها، أنه لا يتوفر على كتلة صلبة من المجتمع تدعم إطروحاته.
• وفي سياق "النقد الذاتي" اعترف المشاركون والمشاركات، أن كثير من مؤسسات المجتمع المدني يفترض مخطئاً، أن ما يطرحه من أفكار ومبادرات أفضل بكثير ودائماً، مما يطرحه أركان السلطة، خصوصاً في الحقل السياسي، فلا يكفي التقدم بمشاريع مستوفية للمعايير الدولية في كل مناحي الحياة، فالأهم هو القدرة على انتاج مشاريع قابلة للتحقق، ومدروسة من منظور توازنات القوى وحساباتها، وتعقيدات المشهد الوطني في كل دولة من الدول، طالما أن المجتمع المدني يجترح حلول إصلاحية ولا يقترح حلولاً ثورية، سابقة لأوانها، ولا تتسم بالنضج الكافي.
• لاحظ المشاركون أن السلطة في دول النزاعات أو شبه المستقرة، تلجأ أحياناً سواء بدافع منها أو رغماً عنها إلى تفويض نشطاء وقيادات مدنية وسياسية، واحياناً قوى قبلية أو تقليدية، القيام بدور الوكيل أو المفوض أو الراعي للتوسط في تهدئة منسوب العنف في بعض المناطق، مشددين على وجوب أن يكون المجتمع المدني، جاهزاً لاعتنام هذه الفرصة، للقيام بدوره وفقاً لمعايير الصالح العام وحفظ الاستقلالية والنزاهة.
• شدد المشاركون على أن مؤسسات أو منظمات أو هيئات المجتمع المدني على اختلاف مسمياتها ليست بديلة عن هيكل الدولة، خاصة فيما يخص امهمة بناء السلم الداخلي، فالمهمة الرئيسة للمجتمع المدني، والفاعلين الرئيسين، هي الحفاظ على الدولة ومنع انهيارها.
• ثمة حاجة لدارسة المعايير والضوابط الحاكمة التي يجري على أساسها اختيار منظمات ومؤسسات مدنية بعينها للمشاركة في الحوارات والوساطات والمفاوضات، وهي مسألة هامة تقرر ما إذا كان دور هذه المنظمات، إيجابياً وفاعلاً في حل النزاهات، أم أنها ستصبح طرفاً فيه، ومسؤولة جزئياً عن عرقلة مساراته.
• ثمة حاجة لبناء أوسع الائتلاف المدنية، على أرضية مشتركة “Commom Ground”، خصوصاً من المنظمات ذات العضوية الجماهيرية الوازنة، كالنقابات والاتحادات العمالية والطالبية والشبابية والنسائية، لكي يكتسب حضورها في جهود الوساطة وغرف التفاوض، ثقلاً وازناً، يصعب تجاوزه، ولكيلا تصبح مشاركة ممثلين عن المجتمع المدني، ليست سوى مشاركة رمزية – ديكورية زائفة.
• أحد معايير نجاح منظمات المجتمع المدني في أداء دورها بكفائة، يتعلق بكثافة رأس المال الاجتماعي التي يتولد لديها “Social Capital” وهو الذي يرجح إلى أي مدى وصلت أو تحققت مصداقية تلك المنظمة، بناء على تلك النسبة تستطيع أن تنجح في عقد مصالحات محلية أو الحد من عمليات تؤثر سلبياً على المجتمعات العاملة فيها.
• لاحظ المشاركون والمشاركات، ضعفاً بنيوياً في قدرات مؤسسات المجتمع المدني العمل في الحقل السياسي قياساً بقدراته المتقدمة على العمل في الحقول الاجتماعية والثقافية والإغاثية والخيرية، وإحداث التمازج بين السياسي والاجتماعي، في سياق ما بات يعرف بـ "تحويل النزاعات"، وقيادة حوار اجتماعي موازٍ للحوار السياسي الرامي لإنجاز التسويات
• لاحظ المشاركون بكثير من الاهتمام، وبعد أن استمعوا لتجارب مشاركين من دول عدة، أهمية القيام بمبادرات محلية، من شأنها درء النزاعات، وتخفيف حدة آثارها، وحل مشكلات المختطفين والمفقودين، وتقديم الإغاثة الإنسانية لمستحقيها، وإجراء مصالحات بين المكونات الاجتماعية في مناطقهم، بوصفها مبادرات كفيلة بحقن دماء وإنقاذ أرواح كثير من المواطنين، وتوطئة للسلم الأهلي حين يحين وقت إجراء المصالحات والتسويات الوطنية الشاملة.
رابط الصور:
https://goo.gl/photos/UEkR8iqNk1DG68R77