2004-06-12
د.سليمان صويص
رئيس الجمعية الاردنية لحقوق الانسان
قبل عقدين من الزمن تقريبا" اجتمع نحو مئة من المفكرين العرب من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية في مدينة ليماسول القبرصية، وذلك لبحث " أزمة الديمقراطية في الوطن العربي" (أ). وبعد تحليل عميق لهذه الازمة،توصل المجتمعون في تلك الندوة الهامة الى خلاصة جوهرية مفادها ان تفاقم الازمات الوطنية والقومية والاجتماعية للبلدان وللشعوب العربية، وصلبها المتمثل بغياب الديمقراطية في هذه البلدان، سببه الاساس هو عدم ممارسة المواطن العربي لحقوقه كإنسان. وعليه، اتفق المجتمعون على تأسيس "المنظمة العربية لحقوق الانسان" التي انتشرت فروع لها في اقطار عربية عديدة بعد العام 1983.
واليوم، بعد اشتداد المآزق العربية على مختلف الصعد، وتحديدا" الانكشاف المدوي لعجز الدول العربية عن حل اي من التحديات الداخلية او الخارجية التي يواجهها المواطن العربي، ناهيك عن تقاعسها المخزي عن حماية الحد الادنى من كرامة هذا المواطن، يتأكد من جديد ـ وبقوة أكبر ـ ان استمرار حرمان المواطن العربي من ممارسة حقوقه، بالاضافة الى تفاقم التبعية والتجزئة، هو من بين الاسباب الرئيسة، المسلم بصحتها، التي تحول بين المواطن العربي وبين تحقيق الاستقلال الحقيقي والديمقراطية والتقدم.
لكن الفارق بين تأكيد هذه الحقيقة اليوم، وعما كان عليه الوضع بالامس ـ في أعقاب الاحتلال الاسرائيلي لبيروت ـ هو ان الدعوة للديمقراطية ولإحترام حقوق الانسان جاءت آنذاك على يد مفكرين عرب وبإرادة عربية ذاتية، في حين ان الدعوة للاصلاح الديمقراطي تأتي اليوم ـ بعد احتلال العراق ـ من خارج المنطقة والارادة العربية الحرة!
وسواء استجابت الحكومات العربية لنداءات الداخل او لضغوطات الخارج، فإن الحقيقة المؤكدة هي ان دور مؤسسات المجتمع المدني ـ وبخاصة الاحزاب السياسية ـ سيظل اساسيا" في عملية نشر وإرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الانسان في المجتمعات العربية. ومن هنا، تأتي دراسة العلاقة بين الاحزاب السياسية العربية وحقوق الانسان، في الظروف الراهنة، لتعيد تسليط الضوء على اهمية ذلك الدور، وللتذكير بان مؤسسات المجتمع المدني كانت وستظل الرافعة التاريخية لتحقيق التغيير، وللتقدم على طريق الديمقراطية وحقوق الانسان. ولن يغير من هذه الحقيقة ما سنلمسه بعد قليل من مسحات التشاؤم او الاحباط.
الوضع الحزبي في الدول العربية
قبل ان نتناول مواقف الاحزاب العربية تجاه قضايا حقوق الانسان وموقعها في برامج ونشاطات هذه الاحزاب، يجدر بنا ان نتوقف اولا" عند الإطار الدستوري والقانوني للاحزاب العربية وتبيان واقعها العملي. فكيف يمكن ان نحلل مواقف وبرامج تجاه حقوق الانسان في بلدان عربية لا يزال الحق في التجمع السلمي وتشكيل الاحزاب محظورا"، كما في السعودية وعمان وقطر والكويت وليبيا والامارات والبحرين (ب)، اي ثلث الدول العربية ؟!
تنص دساتير 11 دولة عربية، بالاضافة الى الدستور الفلسطيني المؤقت على الحق في التجمع السلمي وفي تشكيل الاحزاب السياسية. وقد استثنينا العراق الذي يعاني من احتلال اجنبي منذ اكثر من سنة ؛ واستثنينا ايضا" الصومال الذي يعيش وضعا" استثنائيا" منذ سنوات عديدة. وعليه فإن دساتير الدول التالية تسمح بقيام الاحزاب السياسية وهي : الاردن، تونس، الجزائر، جيبوتي، السودان، سورية، لبنان، مصر، المغرب، موريتانيا، اليمن. لكن هذا الحق الدستوري يتم تحجيمه عندما يتحول الى قانون بحيث تتضمن قوانين الاحزاب السياسية في العديد من الدول العربية قيودا" متنوعة بحجة حماية "الوحدة الوطنية" او "النظام السياسي" او غيرها.
ولا يعني الاقرار بوجود الاحزاب، من خلال القانون الخاص بذلك، ان الترخيص لحزب ما اصبح مضمونا"، او أنه "تحصيل حاصل"، كما يقال ؛ إن بعض القرارات والاجراءات الادارية والتنظيمية يمكن ان تشكل "مصفاة" للحيلولة دون منح الترخيص، او على الاقل عرقلته. ففي الجزائر، على سبيل المثال، لا تزال السلطات تلتزم بموقف رفض الترخيص لبعض الاحزاب، مثل " حزب حركة الوفاء والعدل " بزعامة أحمد طالب الابراهيمي، و"حزب الجبهة الديمقراطية" بزعامة سيد غزالي. وفي السودان، يستمر تقييد الحق في التنظيم بقانون الاحزاب والتنظيمات السياسية الذي يشترط تسجيل الاحزاب قبل ممارسة نشاطها الكامل، مما ادى الى إبعاد الاحزاب الكبيرة الرافضة له عن المشاركة بفعالية في الحياة السياسية، واقتصر النشاط السياسي على الحزب الحاكم والاحزاب الصغيرة غير المؤثرة والمسجلة. وفي المغرب، استمر الحظر المفروض على "جماعة العدل والاحسان" والملاحقة لبعض رموزها. أما في جيبو