أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة؛
السيدات والسادة؛
في البداية ... اسمحوا لي أن أنقل لكم تحيات دولة رئيس الوزراء الأفخم ... الذي كلّفني أن أنوب عنه في افتتاح هذا المؤتمر .. وقد كان يتمنّى أن يكون بينكم ... ولكن بسبب التزامات رسمية ... لم يتمكّن من مشاركة هذه النخبة الحوار ... حول "الأردن في بيئة متغّيرة ... وسيناريوهات المرحلة المُقبلة".
الفاضلات والأفاضل؛
ولأن الحديث عما يجري في المنطقة .. ينطلق من اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية .. وأمنية وإنسانية ووطنية .. فأود أن أقول بادئ ذي بدء .. بأن الأردن وبحمد الله بخير .. وشعب الأردن بخير .. بفضل قيادة حكيمة .. وحكومة مُلتزمة بالتوجيهات الملكية السامية .. ومؤسسات تعي دورها الوطني ... وشعب يقف بشموخ في خندق الوطن .. ويحتمل كل التحديات والصعاب بقلب يؤمن .. بأن الأردن هو الخيار "الأوحد" في حياته .. هذا إلى جانب أن المؤسسات الأمنية والقوات المُسلحة الأردنية .. تعمل بشكل تكاملي على حماية أمن وسلام المملكة.
ورغم أن المنطقة تمرّ بمرحلة سيئة .. وتعاني من القتل والموت اليومي والدمار والحروب الأهلية .. والإرهاب الذي طغى وتجبّر .. هذا إلى جانب ضبابية المواقف السياسية الدولية والإقليمية والمحلية .. إلا أن الأردن يرى طريقه جيداً .. وأرجو أن أكون دقيقاً .. حتى لا يساء فهم كلامي .. بأننا نرى طريقنا بشكل واضح .. حتى وإن كان طريقاً وعراً وشاقاً ومتعرجاً ومؤلماً .. لهذا نحاول أن نخرج بأقل الخسائر .. من كلّ ما يجري في الدول المجاورة .. أو على مقربة من حدودنا .. في حروب وأحداث مأساوية فُرضت علينا وعلى غيرنا .. ولم يعد باستطاعة أحدٌ السيطرة عليها .. لأن مرجعيات الذين يُضرمون النيران فيها مُستعدة للحرب حتى آخر رصاصة .. وآخر جندي .. وآخر مدني .. وحتى آخر جدار لا يزال صامداً في وجه الحرب.
لهذا فإني أرى بأن المنطقة مُقبلة على المتغيّرات التالية:
- استمرار الحروب الأهلية والداخلية؛ بسبب وجود جهات حريصة على إذكائها من الداخل والخارج.
- خطر التقسيم؛ جرّاء الحروب الطائفية والعِرقية والإثنية؛ وهناك مؤشرات في بعض الدول بأنها تسير نحو التقسيم.
- تعاظم مشكلة اللاجئين والنازحين؛ داخل تلك الدول أو الدول المجاورة؛ أو حتى للدول البعيدة؛ كما يحدث حالياً في الدول الأوروبية؛ وسيكّون من الصعب حلّها.
- تسلل التيارات والمجموعات الإرهابية والمُتطرفة إلى تلك الدول أكثر وأكثر.
- تردي الأوضاع الأمنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في تلك الدول.
- ضعف الانتماء الوطني في هذه الدول؛ وبروز الولاءات الدينية الضيّقة والطائفية والإقليمية إلى غير ذلك.
- سيطرة الفئات غير المُتعلّمة والمُهمّشة والمنبوذة على السلاح؛ وبالتالي السيطرة ع صناعة القرار.
- تحويل موازنات الدول المحيطة بها كالأردن إلى قطاع الأمن بالدرجة الرئيسية؛ على حساب القطاعات الأخرى؛ سواء كان ذلك على الأمن الداخلي أو على أمن الحدود؛ وهذا يعني تراجع أداء هذه القطاعات؛ وتحوّلها إلى عبء بدل أن تكون عامل دعم للموازنات.
- استمرار تدخّل الدول والجهات الخارجية في شؤون المنطقة إلى أجل بعيد؛ للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية.
- تزايد العداء بين أبناء الشعب الواحد في الدولة الواحدة .. وكذلك بين شعوب دول المنطقة مع بعضها.
- تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب المركزية؛ بسبب بروز قضايا أخرى دفعت هذه القضية للوراء ولم تعد على جدول الأولويات.
- هذا علاوة على تدمير كلّ مقوّمات التنمية المحلية أو القُطرية أو الإقليمية.
- هناك بكل أسف فهم خاطئ لدى بعض الشعوب العربية لموقف الأردن مما يجري في المنطقة؛ لأنها تعرّضت لعملية غسل دماغ مُبرمجة من إعلام أنظمتها؛ ونحن على ثقة بأنه حال زوال تأثير ذلك الإعلام عنها ستُدرك ولو متأخراً بأنها كانت مخدوعة.
إذاً .. فالمتغّيرات كثيرة.
والسؤال الذي يطرحه الجميع .. أين نحن في الأردن من كلّ ما يجري حولنا؟؟؟
وللإجابة على السؤال .. أقول: نحن بخير.
ولدينا حواجز صد تُخفف عنّا المخاطر والتحديات .. وستصمد وتستمر بعون الله؛ لأسباب عديدة أهمها:
- لدينا "قيادة".. تستخدم كلّ حواسها لخدمة الوطن .. والشعب الأردني .. لهذا فإن الفجوة بين النظام والشعب تكاد تكون معدومة.
- إن فوهّات البنادق الأردنية (للجيش والأجهزة الأمنية) موجهة لحماية الحدود من الخطر الخارجي؛ وليست موجهة إلى صدور الشعب.
- رغم كلّ الثروات والفوائض المالية في بعض الدول .. إلا أنها كانت وبالاً عليها .. في حين أن هذه الدولة التي تُعاني من شح الموارد والإمكانيات استطاعت أن تستفيد من الموارد المحدودة .. ومن المساعدات وأن تحوّلها إلى حماية الوطن والتنمية التي تنعكس بشكل مباشر على المواطن.
- ورغم مشكلتي الفقر والبطالة .. إلا أن الأردن يسعى بكلّ جهده لتخفيف وطأتهما على الاقتصاد وعلى المواطن.
- هناك من يُشيع بوجود تيارات مُتطرّفة منظمّة في الأردن؛ من خارج الأردن؛ والسبب باعتقادي هو محاولة هذه الجهات والدول تصدير حروبها الأهلية وأزماتها للدول المجاورة ومن بينها الأردن؛ لتخفيف معاناتها؛ ولكن هيهات .. فالأردن يعي ذلك والشعب الأردني لن يقبل بأن يكون أداة لهذه الأنظمة والجهات .. وقد أثبت الأردنيون عند استشهاد الطيار معاذ الكساسبة رفضهم للتطرّف والإرهاب الذي يُمارس باسم الدين الإسلامي.
- وهناك من يُريد أن يُحمّلنا في الأردن خطأه العسكري والسياسي في التعامل مع أبناء شعبه.
- هناك بكل أسف قصر نظر قد يصل إلى مرحلة العمى أحياناً لدى بعض جيراننا؛ في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية؛ وهذا يُضاعف جهودنا في توضيح الصورة للعالم.
- إن ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا بشكل رئيسي .. وفي مصر وتونس ولبنان بشكل فرعي يؤكد بأن بعض الشعوب العربية قد تمتلك قرار (التغيير) ولكنها لا تمتلك قرار المحافظة على حماية (الدولة)؛ وهذا ما جعل البعض يقفز إلى سدّة الحُكم على أكتاف الشعب؛ ثم سقط بأيدي الشعب .. وهناك من استغل الفوضى ليعيث إرهاباً وقتلاً وتدميراً في تلك الدول.
- وأخيراً فإن الدولة التي تحترم نظامها وشعبها هي التي تصمد حتى النهاية.
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة؛
السيدات والسادة؛
أتمنى أن أكون قد وضعت بين أيديكم بعضاً من المحاور التي قد تثري الحوار؛ والتي تؤكد بأن الأردن قد أُسس على الدرب الصحيح.
شكراً لكم على طيب استماعكم.
كما وأشكر مركز القدس للدراسات على عقد هذا المؤتمر في هذا المرحلة.
وأتمنّى تزويدنا في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية بالنقاشات والحوارات والتوصيات للاستفادة منها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته