الأردن و مستقبل الأزمات الإقليمية – الأزمة السورية
العلاقات الأردنية – السورية في ضوء كل من هذه السيناريوهات، أية عوائق و أية فرص ؟
تناوب المد و الجزر على العلاقات الأردنية السورية على امتداد العقود الستة الماضية من هذا الجوار الأخوي الأبدي وكان ابرز محطات هذه العلاقة:
1- استهداف الاتحاد الهاشمي الأردني العراقي (1958) واستهداف الوحدة العربية المصرية السورية (1958-1961).
2- تدخّل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لمنع تورط سلاح الجو السوري في معركة الدبابات الأردنية - السورية (أيلول 1970).
3- التهديد السوري بالغزو والحشد المتبادل على الحدود (1980) ردا على إيواء الأردن الإخوان المسلمين السوريين.
4- شكّل صدعا بارزا، التمايز الأردني - السوري في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وانضواء سوريا في منظومة حفر الباطن ووقوف الأردن مع الحل العربي ومجموعة "دول الضد".
5- شكّل توقيع اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية (1994) طلاقا سياسيا بين الأردن وسوريا.
6- تميّزت العلاقة في مطلع القرن الجديد، بين الزعيمين الجديدين، الملك عبد الله الثاني والرئيس بشار الأسد، بالصداقة والتنسيق، مما بشر بحقبة تعاون مثمر بين البلدين.
7- تضرر الأمن القومي العربي من العلاقات الإستراتيجية السورية الإيرانية ودعم حزب الله على حساب المكون السني اللبناني.
8- دعم الأردن الاستقلالية اللبنانية ضد "الاحتلال السوري" التي انفجرت احتجاجا على اغتيال رفيق الحريري (2005) ودعم الأردن ثورة شعب سوريا السلمية من اجل الحرية والكرامة التي انفجرت في درعا (2011).
الأولويات والأهداف:
"داعش قبل الأسد" جملة أطلقها الملك عبد الله الثاني تلخص موقف الأردن الاستراتيجي وتحدده و تتعدى إلى التأشير على الموقف المنتظر لحلفاء الأردن من القتال في سوريا. وكان الملك الحسين يرحمه الله قد حذّر عندما أطلقت الولايات المتحدة "الجهاد الأفغاني" (1979) قائلا:"القدس قبل كابول".
تتحدد إذن أهداف الأردن بدقة وبوضوح بأنها الحرب على الإرهاب، أما إسقاط الرئيس بشار الأسد، أو بقاؤه، فهو شأن غير أردني وهدف سيقف الأردن ضده من اجل عدم إعاقة حربه على الإرهاب وعدم تشتيت طاقات التحالف ألأممي لمحاربة الإرهاب وعدم إحداث خلافات جوهرية في صفوفه علاوة على ضبابية كثيفة تلف اليوم التالي بعد بشار الأسد.
إن الذين يسجلون محقين على بشار الأسد أنه دمر سورية وشرد شعبها، من أجل بقائه رئيسا لسورية، لا يفعلون منذ أكثر من أربع سنوات، سوى تدمير الدولة السورية وتشريد شعبها، من اجل تدمير بشار الأسد وإزاحته عن السلطة.
والمفارقة هنا إن معظم الأنظمة التي تعمل على إطاحة النظام الدكتاتوري السوري، هي أنظمة اوتوقراطية، مغرقة في القدامة والخرافة والجهل والفساد، وهي اكبر موئل لإنتاج الإرهابيين وغلاة القتلة، وهي أنظمة الماضي الأسود السحيق، التي ليس فيها أي شكل من أشكال الديمقراطية والكرامة الإنسانية.
واضح لنا في الأردن أن الصراع الطاحن في سوريا يدفعنا إلى تركيز الجهود على هدف استراتيجي وحيد هو: التعاون مع سوريا والعراق للقضاء على الإرهاب.
وحيث أن طيران التحالف الاممي وقصفه الجوي لا يهزم الإرهاب بل تهزمه الحرب البرية، وحيث أن الجيش الأردني لا يمكن أن يخوض حربا برية على الأراضي السورية وان الجيش السوري هو الذي يمكن أن يخوض حربا برية على أراضيه، وان هزيمة داعش في سوريا مستحيلة والإرهابيون يتدفقون وملايين الدولارات تتدفق لتمويل داعش و عشرات الفصائل الإرهابية المسلحة التي تقاتل الجيشين السوري.
أن من شروط نجاح الجيشين السوري والعراقي في الحرب البرية ضد داعش، أن تعاد هيكلة الجيشين ويعاد بناؤهما وتسليحهما.
كما انه لا يمكن القضاء على الإرهاب على الأراضي العراقية بدون الجيش العراقي ولا يمكن كسب الحرب البرية على داعش على الأراضي العراقية إلا بعد كسب المكون السنّي العراقي.
المصلحة الوطنية الأردنية:
إن انهيار سوريا يشكل خطرا كبيرا على الأردن وتأسيسا على ذلك أعلن الملك عبد الله الثاني منذ اندلاع الصراع على سوريا أن الحل هو الحل السياسي الذي يكفل وحدة أراضي سوريا وخيارات الشعب السوري الحرة ولا تفعل الأحداث سوى التأكيد يوميا على وحدانية الحل السياسي الذي يقوم على استحالة الاستسلام الكامل وعلى التنازلات المتبادلة ودليلنا ما نشهده اليوم من اتصالات علنية وسرية سعودية سورية وسعودية روسية لحل الأزمة السورية التي نجم عنها حتى ألان استقبال الأردن نحو 1.6 مليون مشرد سوري القوا أعباء كارثية على القطاعات الأردنية.
1 – نحن لا نستطيع تحرير الشعوب المضطهدة من حكامها المستبدين.
2 – الصراع على السلطة في أي قطر هو شأن داخلي، فالشعوب تحل مشاكلها مع أنظمتها.
3 – مملكتنا أبرز النظم السياسية القائمة على الشرعية، ولذلك فنحن مع الشرعيات المنتخبة.
4- استمرار الصراع في سوريا يعيق برنامج الإصلاح الوطني ومكافحة الفساد ويفسح المجال أمام نهج الأمن أولا وأخيرا في الظروف الراهنة وابرز المؤشرات التمديد للمجالس البلدية لتجنب "العبث بالشارع" ولضمان انضباطه والسيطرة عليه.
5 – مصلحتنا الوطنية أن يتوقف القتال في سورية الآن، ليتوقف طوفان اللاجئين السوريين، وليصبح بالإمكان عودتهم إلى ديارهم.
6 – توقف القتال في سورية من شأنه وقف احتمال امتداد الخطر إلى بلادنا، وسيترتب عليه طفرة لمصانع الحديد والاسمنت ولقطاعات الإنشاءات والمقاولات والزراعة والتجارة والنقل والترانزيت الأردني.
7 – توقف القتال يوفر أفضل الفرص لهزيمة الإرهاب.
8 – استمرار الصراع الاممي على السلطة والنفوذ والموقع والطاقة والسوق السوري، الذي تخوضه بالوكالة، قوى وعصائب وعصابات وكتائب من نحو 80 دولة، يلحق بالأردن أفدح الأضرار الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
9 – استمرار الصراع الاممي على سورية سيمكن إيران من إحكام قبضتها كليا على سورية ولبنان مذهبا وأرضا وجيشا وحكما وموقعا استراتيجيا.
10 – استمرار الصراع الاممي على سورية سيؤدي إلى تقسيمها لدولتين، دولة للعلويين في جبال العلويين ودولة أخرى للسنّة.
11 – سيحصل الشعب السوري – إن نجحت الإطاحة بالأسد – على حكم مجهول الشكل والمضمون، لكنه بالتأكيد حكم على صورة الأنظمة الأوتوقراطية المحافظة المغرقة في الفساد والاستبداد والخرافة والجهل التي تُخَلِّقه، حكم لا حقوق إنسان فيه ولا كرامة، حكم إقصائي متوحش مستبد على لون الحكم المستبد الفاسد الطائفي العراقي.
12 – الصراع الاممي على سورية مرشح للاستمرار والتفاقم والانتشار لعدة سنوات كفيلة بإنهاك بلادنا وإزاحة المزيد من أبنائنا إلى مرجل البطالة الذي هو ابرز تحد يواجهنا اليوم والذي هو ماكينة تفريغ جاهزة لإنتاج الإرهابيين.
13 – مصلحتنا الوطنية الأردنية، شعبا ونظاما، تقتضي الافتراق عن المسار التقليدي لتحالفاتنا القديمة، بحكم المصلحة والضرورة.
14 – توقف الصراع الاممي على سورية من شأنه أن يعيد الأنظار والاهتمام إلى خطر المشروع التوسعي الصهيوني المنفرد بشعب فلسطين الشقيق الرازح تحت الاحتلال.
15- لا يمكن تحجيم الإرهاب وهزيمته في الإقليم، مع استمرار "حرب السُّنة والشيعة" ، التي تتسع وتزداد دموية، يوما اثر يوم، بحيث أصبحت تغطي العراق وسورية واليمن ولبنان والباكستان وأفغانستان والبحرين، وأخذت تتحول إلى حروب أهلية مكشوفة، كما هو حال اليمن وسورية والعراق.
16- إن اضطهاد السُّنة الممنهج، وإقصاء قياداتهم ونخبهم العشائرية والبرلمانية والحزبية، فرّخت فرقا وتنظيمات بالعشرات، بحجة حماية السّنة، كانت "داعش" أكثرها دموية وغلوا وإرهابا، وهاهي المناطق العراقية التي يتم استردادها من "داعش" يجري منع عودة السّنة إليها، لا بل يتم إحراق منازلهم وممتلكاتهم واغتيالهم.
استخلاص
* الأردن وسوريا سيكونان حليفين ضد الإرهاب.
* لا حل قريبا في سوريا بدون تفاهم روسي أمريكي خاصة وان دور روسيا محوري كما يؤكد الملك عبد الله الثاني.
*الأردن في حالة حرب فعلية مع الإرهاب وان كانت الآن على قاعدة "القتال خارج الأسوار".
* درأ الأردن بنجاح خطر النصرة و داعش عن حدوده الشمالية بالتعاون مع الجيش الحر- الجبهة الجنوبية وها هي درعا الأقرب إلى حدودنا آيلة إلى السقوط القريب.
* الإسلام هو الخاسر الأكبر من بروز التنظيمات الإرهابية الأمر الذي يستدعي استنهاض كل المؤمنين الحريصين على الإسلام لمواجهة موجة الغلو والتطرف والإرهاب باسم الإسلام.
* يتحقق الأمن و المصلحة الوطنية في توقف القتال في سوريا ولذا فان الدول التي تمول أمراء الحرب ومرتزقتها المسلحين والإرهابيين في سوريا تعمل ضد الأمن والمصلحة الأردنية بشكل سافر وحاسم وان على الأردن أن يعمل فورا لإبراز هذا الخطر و وقفه.
- معالي الأستاذ محمد داوديه، إعلامي، نائب وسفير سابق/ الأردن
-ورقة عمل قدمت في مؤتمر "الأردن في بيئة إقليمية متغيرة – سيناريوهات المرحلة المقبلة"