أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة
أصحاب الغبطة والنيافة
الأصدقاء الأفاضل ... الصديقات الفضليات
أسعد الله صباحكم جميعاً، وأهلا وسهلاً بكم في مستهل أعمال المؤتمر الثاني "المسيحيون وربيع العرب"، واسمحوا لي بادئ ذي بدء، أن أرحب بضيوف المؤتمر والأردن، القادمين من دول مصر ودول المشرق والهلال الخصيب، الذين تجشموا مشقات السفر ليكونوا بيننا اليوم، فنبحث وإياهم واحدة من أهم القضايا التي تتصدر أجندة دولنا والإقليم، وأعني بها قضية المسيحيين العرب والمشرقيين.
وقبل أن نشرع في الحديث عن أجندة المؤتمر وغاياته، اسمحوا لي أن أضعه في سياقه، فكثيرون منكم كانوا ضيوفنا قبل عام أو أزيد قليلاً، في المؤتمر الأول الذي عقد بتنظيم مشترك بين مركز القدس للدراسات السياسية ومؤسسة كونراد أديناور، في شهر أيلول / سبتمبر من العام الفائت ... يومها استعرض المشاركون والمشاركات، الدور النهضوي التأسيسي لمواطنينا المسيحيين، في صوغ تاريخ الأمة وبناء مشروعها النهضوي والتنويري، وتوقفوا مطولاً أما حاضر المسيحيين في المنطق ومستقبلهم، قرأوا في ثنايا الدساتير والتشريعات النافذة، كل ما يمس حقوقهم وحرياتهم ومواطنتهم المتساوية والفاعلة، وتأملوا ملياً في خطاب الحركات الإسلامية، من سلفية وإخوانية، في موقع المسيحيين في هذا الخطاب، وأوصوا بنبذ التكفير والإقصاء، وطالبوا بتبديد المساحات الرمادية في خطاب المعتدل من هذه الحركات، كما استعرضوا واقع العلاقات الداخلية في المجتمعات المسيحية، وما يتفاعل في داخلها من آراء وتباينات، وما يحكم العلاقة بين الكنائس المختلفة، وما يعتور العلاقة بين الكنيسة والرعية من اختلالات وفجوات... ليصلوا إلى جملة من التوصيات والمقترحات، نعمل اليوم على تظهيرها وتنقيحها، لكي نجعل منها خطة عمل أو خريطة طريق لمستقبل أفضل لمسيحيي أوطاننا وبلداننا، وبصورة تعزز الصالح العام، وتخدم التطلعات الكبرى والآمال العراض لشعوبنا ومجتمعاتنا.
لقد أوصى زملاء وزميلات لكم، بعضهم يجلس معنا الآن حول هذه المائدة، وبعضهم حالت ظروف قاهرة دون تواجدهم معنا اليوم، بأن يقوم مركز القدس للدراسات السياسية بتنظيم سلسلة من المؤتمرات الوطنية، في دول الانتشار المسيحي الست، للوقوف عن كثب على تشخيص أدق للمشكلات والتحديات التي تجابه هذا المكوّن الرئيس من مكونات مجتمعاتنا وشعوبنا، وللخروج بخلاصات ونتائج، تخدم هدف بناء توافق مسيحي – مسيحي حول المستقبل من جهة، وبما يسهم في بناء توافقات وطنية أوسع وأعرض من جهة ثانية.
وإذ أخذ المركز وشركاؤه، شركاؤنا في تنظيم هذا المؤتمر، على عاتقهم أمر تنفيذ هذه التوصية، فقد نجحنا في تنظيم ثلاثة مؤتمرات، وأخفقنا في تنظيم ثلاثة أخرى ... ففي آذار مارس من العام الجاري، التقت عشرات الشخصيات الروحية والسياسية والأكاديمية ونشطاء يمثلون المجتمع المسيحي من داخل سوريا وخارجها، للبحث فيما يجبههم من تحديات، ولقد حرصنا على إشراك قيادات من المعارضة السورية بمن فيها التيارات الإسلامية، في محاولة لبناء توافق أعرض حو حاضر المسيحيين في سوريا ومستقبلهم.
وفي أيار/ مايو الفائت، التقت عشرات الشخصيات الروحية والسياسية والمدنية، من نواب وأعيان وأكاديميين ورجال دين وسياسيين ونشطاء أردنيين، في مؤتمر وطني في عمان، خصص للبحث في استئناف الدور النهضوي للمسيحيين في الأردن، واستعراض ما يعترض هذا الدور من عوائق وتحديات، ليخرج المجتمعون بدورهم، بسلسلة من الأفكار والمقترحات.
وفي حزيران / يونيو الفائت، وقبل يومين من اجتياح "تنظيم الدولة الإسلامية" للموصول، تداعت عشرات الشخصيات المسيحية، من روحية وسياسية، نواب وأكاديميون، رجالاً ونساء، حقوقيون ونشطاء مجتمع مدني، إلى مؤتمر غير مسبوق في أربيل، للبحث في أزمة الوجود المسيحي في العراق، وإذ مثّل المشاركون طيفاً واسعاً من القوى السياسية، وسبق مؤتمراً أوسع لقراءة المشهد العراقي في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في البلد الشقيق، فقد خرج المؤتمرون بجملة توصيات كان يمكن أن تشكل بداية طريق للخروج من المأزق، لولا أن ضُرب العراق بزلزال "داعش"، ليواجه مسيحيو العراق بعد ذلك، واحدة من أصعب الأزمات في تاريخهم الحديث والقديم، وليتقاسموا مع إخوانهم الأزيديين والمسلمين، عرباً وكرداً، سنة وشيعة، من النتائج الكارثية لذاك الزلزال.
ولقد تعذر علينا بسبب مصاعب الوضع الداخلي في مصر، من تنظيم مؤتمر مماثل، فاستعضنا بتكليف أصدقاء لنا، تنظيم سلسلة من اللقاءات واجتماعات التركيز مع نخبة واسعة من ممثلي المجتمع المسيحي في مصر، وكذا الحال بالنسبة لفلسطين، حيث حالت تعقيدات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته دون تمكننا من تنظيم المؤتمر، ففعلنا في فلسطين، مثل ما فعلنا في مصر من قبل.
أما في لبنان، فإن ظروف الانقسام الحاد في أوساط المسيحيين، أحبطت مسعانا، حيث أفضت الاستشارات التمهيدية التي أجريناه إلى تثبيط عزيمتنا، حتى أننا حرصنا في المؤتمر الحالي على أن نأتي بممثلين عن كل ألوان الطيف المسيحي، ولكننا لم ننجح، حيث ستلاحظون غياب ممثل التيار الوطني الحر، الذي جهدنا من أجل حضوره وضمان مشاركته من دون جدوى، ولا يفوتني هنا أن أشكر السادة أعضاء مجلس النواب اللبناني، ممثلي تيارات مسيحية وازنة، على استجابتهم للدعوة للمشاركة في المؤتمر، والحديث في جلسة ستخصص للبحث في فرص بناء توافق مسيحي – مسيحي في لبنان، بات يعتبر حجر الزاوية لبناء توافق وطني لبناني أعمق وأصلب.
أصحاب المعالي والسعادة
أصحاب الغبطة والنيافة
إن الهدف من انعقاد هذا المؤتمر، قد تحدد في المؤتمر الأول، وهو استعراض نتائج وخلاصات وتوصيات المؤتمرات الوطنية لمسيحيي البلدان العربية الستة، وهذا ما سنفعله اليوم وغدا، وسنعرض عليكم نتائج التقريرين المعدين في فلسطين ومصر، وسنعطي الأولوية بعد عرض التقارير للمشاركين والمشاركات من الدولة المعنية، قبل أن نفتح الباب للنقاش العام، والمأمول أن نتطلع في مناقشاتنا للمستقبل، فقد أشبعنا التحديات والمشكلات الراهنة بحثاً وتحليلاً في المؤتمر الأول والمؤتمرات الفرعية التي أعقبته، وقد آن أوان النظر للأمام.
دعونا نتطلع للمستقبل، وأن نحدد سوية معالم الطريق التي ستقودنا إليه، وسنعرض عليكم في سياق أشغال هذا المؤتمر، ما يمكن أن نطلق عليه "خريطة طرق لمستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية" مستمدة من خلاصات المؤتمرات والتقارير السابقة، وسنكرس لمناقشة مضمونها، جلسة خاصة، على أمل الوصول إلى توافق مسيحي عام، حول عناوين المرحلة المقبلة والمهمات التي تنتظرنا.
إننا نتطلع للخروج بوثيقة توافقية مشتركة، نستميحكم الإذن في إن نطلق عليها اسم "إعلان عمان"، وتشكيل لجنة متابعة من بينكم، لضمان تنفيذ أفضل لأفكاركم ومقترحاتكم، وسيظل مركز القدس وشركاؤه على الدوام، في خدمة الأهداف العادلة والمشروعة لهذا المكون الرئيس من مكونات مجتمعاتنا، ومن منطلق الإصرار والالتزام العميقين، على دفع عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في دولنا ومجتمعاتنا، وصولاً للدولة المدنية – الديمقراطية، دولة المواطنة المتساوية والفاعلة، دولة جميع أبنائها وبناتها من دون تمييز، دولة العدل والحرية وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.
أصحاب المعالي والسعادة
أصحاب الغبطة والنيافة
إذ أجدد الترحيب بكم، وبضيوف الأردن الكرام، اسمحوا لي أن أتوجه بجزيل الشكر لشريكنا الاستراتيجي في هذا النشاط وعشرات الأنشطة غيره، ومنذ سنوات طوال، مؤسسة كونراد أديناور ممثلها بمدير مكتبها الإقليمي في عمان الدكتور أوتمار أورينع وطاقم المؤسسة وكوادرها، وأن أتوجه بالشكر والتقدير لشريكنا الجديد، مؤسسة دانميشين، التي تعمل من ضمن مبادرة الشراكة العربية – الدانماركية، على تطوير حوار الثقافات والحضارات والأديان وتقريب المسافة بين الشعوب والمجتمعات.
وأختم بتوجيه جزيل الشكر والامتنان لزملائي وزميلاتي في مركز القدس للدراسات السياسية في عمان وبيروت، على جهودهم الموصولة من أجل النجاح في تنظيم هذا المؤتمر
أتمنى لضيوفنا طيب الإقامة بين أهلهم وفي بلدهم الثاني الأردن، مثلما أتمنى لمؤتمرنا النجاح والسداد
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.