2006-11-29
ترجمة مركز القدس
ديفيد شين
قال رئيس الوزراء الاثيوبي مليس زيناوي في منتصف التسعينات ان اهم خطر بعيد المدى على الامن الاثيوبي هو الاصولية الإسلامية وفي ذلك الوقت ، كانت المخاطر الرئسية تنبعث من الصومال ، ومن السودان بشكل خاص . لكن القلق من السودان قد تبدد ، على الاقل مؤقتا . ومن جانب اخر، ادت احداث 11 ايلول /سبتمبر إلى جعل اثيوبيا تركز اهتمامها على الصومال ، وبخاصة على الخطر الذي تشكله الجماعات الإسلامية المعادية على الصومال ، وبخاصة على الخطر الذي تشكله الجماعات الإسلامية المعادية مثل "الاتحاد الإسلامي" . وتعتبر اثيوبيا البلد المركزي لافريقيا ، والذي يحدث فيه يؤثر على بقية المنطقة . ولا تجد اهمية الإسلام في اثيوبيا التقدير الكافي لدى الولايات المتحدة ، ولذلك فان على المسؤولين فيها الاهتمام بالاسلام في اثيوبيا وبالطريقة التي تتصرف بها اثيوبيا مع جيرانها من البلدان الإسلامية . وسوف تبرهن هذه المقالة على ان احداث 11 ايلول لم تغير بشكل كبير الوضع الامني لاثيوبيا في مواجهة التهديد القادم من الاصولية الإسلامية . والذي تغير هو اهتمام الولايات المتحدة الجديد وغيرها في احتمال وجود علاقات بين القاعدة والقرن الافريقي ، وبخاصة الصومال ، واحتمال ان تستغل اثيوبيا ، من بين دول اخرى هذا الوضع الجديد . ولكن قبل الوصول إلى نهاية القصة ، من الهام النظر اولا إلى العلاقات التاريخية لاثيوبيا مع مراجعة القرن الاخير من المخاطر الاصولية الإسلامية المنبعثة من السودان والصومال.
بداية سعيدة تتحول إلى بغيضة
تقول القصص المتوارثة ان جماعة من اتباع الإسلام من الجزيرة العربية الذين خافوا من اضطهاد بني قومهم في بداية القرن السابع إلى مملكة الحبشة المسيحية . وقد لقوا معاملة طيبة وسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية .. ولذلك قرر النبي محمد عدم استهداف اثيوبيا في حملات الجهاد . ولكن الحكام المسيحيين لم يشكوا بان الإسلام سيكون نافعا للمسيحية . وظلت العلاقات المسيحية الإسلامية ودية بشكل عام حتى الحقت الغارات الإسلامية المنطلقة من ميناء زيلة الصومالية الدمار بهضبة اثيوبيا في اواخر القرن الخامس عشر. وازدادت خطورة التهديد الاسلامي لاثيوبيا في النصف الاول من القرن السادس عشر عندما حشد احمد بن إبراهيم الغازي جماعة من المسلمين في حملة جهاد لانهاء النفوذ المسيحي على الهضبة. وتمكن الغازي بمساعدة قوات جاءت من ساحل البحر الاحمر فيما يعرف اليوم بارتريا ، من الحاق الهزيمة بامبراطور اثيوبيا واحتل معظم مرتفعات اثيوبيا . وفي تلك العملية ، دمر عددا من مراكز الحضارة المسيحية . وفي 1534 حشدت اثيوبيا جيشا كبيرا هزم المسلمين وقتل الغازي . وفقد الاف المسلمين والمسيحيين ارواحهم في تلك الحروب .
وفي عام 1875 ، جهز خديوي مصر قوة اشتملت على عدة ضباط من الجانبين اللذين خاضا الحرب الاهلية بامريكا ، بهدف غزو مملكة اثيوبيا المسيحية . لكن الاثيوبيين الحقوا بهم هزيمة منكرة بعد ان تقدم المصريون من ساحل البحر الاحمر . وجاء اخر خطر منظم من الإسلام عام 1888 ، عندما استولت قوات المهدي في السودان على العاصمة السابقة غوندار وحرقت الكثير من الكنائس . وفي العام التالي هزم الاثيوبيون قوات المهدي في معركة "متيما"على الحدود الاثيوبية السودانية . ويعكس هذا التاريح التنافس الإسلامي المسيحي للسيطرة على هضبة اثيوبيا ، بدلا من فرض الحكم الاثيوبي الإسلامي . وفي نفس الوقت ، لم ينس غير المسلمين ، وبخاصة الذين كانوا يمارسون السلطة السياسية ، هذه الخلفية وهم يواجهون المخاطر القريبة من الاصولية الإسلامية.
الإسلام في اثيوبياانتشر الإسلام بالتدريج في اثيوبيا ، وبخاصة في الاجزاء المنخفضة من البلاد . وينتمي معظم المسلمين الاثيوبيين لجماعات عرقية محلية وليسوا من اصول عربية . وظل الإسلام دائما يعامل كديانة ثانوية . وقد نشأ الإسلام في ظل المسيحية ، وعانى المسلمون من التمييز . ولكن مرت فترات قصيرة حاول الحكام المسيحيون فيها قمع الإسلام . كما وجدت فترات اخرى ، وبخاصة فترة حكم "غودار" في القرن السابع عشر ، نالت فيها الاقليات المسلمة حكما ذاتيا واسعا . ولكن وقعت ثلاثة تطورات داخلية في القرن العشرين احيت المخاوف المسيحية من الإسلام . فعند الامبراطور منليك عام 1913 ، ورث عرشه حفيده "ليج اياسو".
لكن تمت ازاحة اياسو بعد ثلاث سنوات لانه ابدى ما اعتبرته القيادة المسيحية تقربا من المسلمين ، مما جدد المخاوف من محاولة اتباع الإسلام الاستيلاء على السلطة . وفي اعقاب احتلال ايطاليا لاثيوبيا عام 1936 ، قامت باجراءات لصالح المسلمين على حساب المسيحيين ، وهي السياسة التي قادت إلى بعض الحوادث التي لم ينسها المسيحيون. ففي عام 1961 ، بدات "جبهة تحرير ارتريا" نضالا مسلحا لاقامة دولة ارترية مستقلة . وكانت هذه الحركة إسلامية الى حد كبير واجتذبت مقاتليها من ابناء القبائل المسلمة ، ودعا قادتها إلى "الجهاد" ضد اثيوبيا المسيحية . وانتقلت قيادة حركة الاستقلال الارتري بعد ذلك للمسيحيين الذين ظلت لهم اليد العليا عندما استقلت ارتريا عام 1993. ومع الاحاطة بالامبراطور هيلاسيلاسي عام 1974 ، حارب النظام الحاكم الاشتراكي الدين ونفر منه المسلمون والمسيحيون على حد سواء . وتولت حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية السلطة عام 1991 وشجعت عموما على قيام علاقات مسيحية إسلامية ودية . ولا يعرف وجود انتماء ديني قوي عند الكثيرين من قادة الجبهة ، ولكن يبدو انهم يدركون الحاجة لبناء نظام سياسي مبني على التسامح الديني . ونتيجة للطريقة التي تطور بها الإسلام في اثيوبيا ، ونظرا للجهود الاخيرة المركزة لتجنب صراع ديني ، فان المسلمين الاثيوبيين لا يتقبلون الأصولية الإسلامية ويميل المسلمون في اثيوبيا لتعريف انفسهم اولا حسب انتمائهم العرقي وهم جغرافيا متداخلون مع غيرهم في كامل انحاء البلاد فيما عدا المناطق التي يتركز فيها الصوماليون وعفار .
ورغم ان "المجلس الإسلامي الاعلى" يشكل منظمة هامة ، إلا ان السلطة السياسية غير مركزية عند المسلمين الاثيوبيين . وعلى العموم ، تعتبر الجالية الإسلامية الاثيوبية لطيفة . ويبين تعداد السكان عام 1994 وجود 14.3 مليون مسلم في اثيوبيا وهم يشكلون 29% من مجموع السكان . ويبين نفس الاحصاء ان نسبة الاثيوبيين الارثوذكس نحو 52% . وقد زاد عدد السكان في اثيوبيا بشكل كبير ويقدرون الان بنحو 65 مليونا . ولم يعد معظم المراقبين الاجانب يقبلون بنسبة 29% للمسلمين و 52% للارثوذكس الاثيوبيين. وفي احصاء صدر مؤخرا عن اعداد المسلمين في العالم ، يذكر ان عدد المسلمين في اثيوبيا 29 مليونا . واذا صح هذا الاحصاء فان في اثيوبيا المسيحية مسلمون اكثر مما في السعودية والسودان والعراق وأفغانستان _ كل على حدة وربما يتشكل سكان اثيوبيا اليوم من نحو 45% من المسيحيين الارثوذكس، وما بين 40% و 45% من المسلمين السنة ، ومعظم الباقين من مذهب الارواحية ( مذهب حيوية المادة).
الخطر الاصولي الإسلامي من السودانتربط الجغرافيا اثيوبيا والسودان برباط لا ينفصم اذ يتشارك البلدان في حدود تمتد الف ميل . وقد افاد من ذلك قادة الجبهة الديمقراطية الاثيوبية قبل توليهم الحكم عندما كانوا يلجأون من وقت لاخر إلى السودان ، أثناء صراعهم مع النظام السابق والذي اطاحوا به عام 1991 . وخلال سنوات اللجوء ، تطورت علاقات شخصية بين كبار المسؤولين السودانيين واولئك القادة . وبعد تولي السلطة في اديس ابابا ، وربما اعترافا بالمساعدة السودانية ، حدت الجبهة الاثيوبية من مساندتها لجيش التحرير الشعبي السوداني . وكان هذا التنظيم يعمل انطلاقا من اثيوبيا محاولا الاطاحة بالحكومة في الخرطوم بعد استيلاء الجبهة الوطنية الإسلامية الأصولية على الحكم في السودان عام 1989 ، ولكن الوطنية الإسلامية الأصولية على الحكم في السودان عام 1989 ، ولكن تطور الشعور بالخوف من إقدام السودان على تشجيع الجماعات المعارضة للحكومة في أثيوبيا . وهناك منذ زمن طويل جانب "ضربة مقابل ضربة " في العلاقات الأثيوبية السودانية . فقد تلقى جماعات معارضة للحكومة السودانية ، مثل جيش التحرير الشعبي السوداني والتحالف الديمقراطي الوطني ، ودرجات مختلفة من دعم الحكومة الأثيوبية ، حسب الوضع الاستراتيجي في المنطقة . اما السودان من جانبها ، فانها كانت تقدم بشكل غير منتظم ، وحسب الاهتمامات الاستراتيجية الاقليمية ، الدعم لجماعات مثل "جبهة تحرير اورومو" وجبهة تحرير بنشاغول ، التي تهدف للاطاحة بالحكومة في اديس ابابا. كما يساند السودان "الاتحاد" ، وهو منظمة اصولية إسلامية مقرها الصومال تكرس جهدها للاطاحة بالحكومة الاثيوبية . ومع توالي التسعينات من القرن الماضي ، تدهورت العلاقات بين اثيوبيا والسودان . ( وبين ارتريا والسودان) .
واصبح تدهور العلاقات باديا لاول مرة بين السودان وارتريا عندما شنت جماعة "الجهاد لاسلامي الارتري" ومقرها السودان ، هجمات عسكرية داخل ارتريا بداية من اواخر عام 1993 . وردا على ذلك قطعت ارتريا العلاقات الدبلوماسية مع السودان في نهاية 1994 ، متهمة الخرطوم باعلان الحرب على ارتريا . وفي ذلك الوقت كانت العلاقات وثيقة تماما بين اثيوبيا وارتريا .
وحدثت نقطة التحول بالنسبة لاثيوبيا في 26 حزيران 1995 ، أثناء اجتماع قمة منظمة الوحدة الافريقية في اديس ابابا ، مقر المنظمة . فقد جرت محاولة لاغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك عندما كان متجها من المطار إلى موقع القمة . واتضح فيما بعد ان جماعة ارهابية لها اعضاء يعملون في السودان هي التي دبرت المؤامرة ، وهرب ثلاثة من القتلة إلى الخرطوم عبر الخطوط الجوية السودانية بعد المحاولة الفاشلة . ورغم ان الخرطوم انكرت في البداية أي تورط لها ، اصبح من الواضح انها كانت مشاركة في المحاولة . وتحدث العديد من المتامرين الذين تم القاء القبض عليهم عن مساندة السودان للمحاولة الفاشلة.
ونظرا لتاثير اثيوبيا العميق بهذا الحادث ، اتخذت سلسلة من الخطوات ضد السودان في ايلول 1995 ، فقد اغلقت القنصلية السودانية في غامبيلا بغربي اثيوبيا واغلقت كافة المنظمات غير الحكومية العاملة في اثيوبيا التي تدعمها حكومة السودان دعما كاملا او جزئيا . وخفضت عدد العاملين في السفارة السودانية في اديس ابابا إلى اربعة ، كما خفضت عدد الدبلوماسيين الاثيوبيين في الخرطوم . واوقفت كافة رحلات الخطوط الجوية السودانية والطيران الاثيوبي بين السودان واثيوبيا ، وطالبت جميع المواطنين السودانيين بالحصول على تاشيرات دخول قبل السفر لاثيوبيا ، الذي كان يعتقد بمشاركتهم في محاولة اغتيال مبارك ، ثم صعدت أثيوبيا حدة الخطاب ضد السودان ودعمها لجيش التحرير الشعبي السوداني . وفي المقابل ، اتهم السودان اثيوبيا بشن هجمات عبر الحدود بداية من عام 1996 . وفي نهاية ذلك العام ، دعا القائم بالاعمال السوداني في مقديشو صراحة لجهاد ضد اثيوبيا ، وذلك خلال لقاء مع انصار الاتحاد الإسلامي . وصعد جيش محمد التحرير الشعبي السوداني اعماله من اثيوبيا ضد السودان وفي عام 1997 ، نال دعم القوات المسلحة الاثيوبية في هجوم عبر الحدود قرب الخرطوم.
وهدد رئيس البرلمان السوداني وزعيم الجبهة الإسلامية الوطنية ، حسن الترابي ، بتحريض قوات المعارضة الاثيوبية في السودان للعمل ضد اثيوبيا ان لم توقف الاخيرة نشاطها عبر الحدود وفي بداية عام 1998 ، اتهم وزير خارجية اثيوبيا، مسفين ، السودان بانه يشكل خطرا على استقرار المنطقة ، ويدبر المؤامرات ضد اثيوبيا ، ويساند الإرهاب . وفي شباط 1998 ، اعلنت قوات التحالف السوداني ، يساندها التحالف الوطني الديمقراطي ،ا نها هاجمت حامية جزيرة دون الواقعة جنوبي مدينة القلبات على الحدود الأثيوبية السودانية . وفي بيان ووزعته في أديس أبابا ، قالت وقت التحالف بان ذلك الهجوم شكل تصعيدا في العميلات للقضاء على الجبهة الإسلامية.
بعد ذلك تغيرت ديناميكيات الأمن الإقليمي في القرن الأفريقي . ففي 12 أيار 1998 ، احتلت ارتريا على غير توقع جزءا صغيرا من الأراضي التي كانت تخضع سابقا للإدارة الأثيوبية قرب الحدود بين البلدين . وسرعان ما أدى ذلك إلى صراع خطير دام عامين بين البلدين الصديقين سابقا وكان له تأثير على إعادة تشكيل التحالفات في القرن الأفريقي بكامله. وانطلاقا من مقولة "عدو عدوي صديقي" ، قامت أثيوبيا ببطء وهدوء بالسعي لتحسين العلاقات مع السودان . ومع نهاية 1998 ، بدأت وسائل الإعلام السودانية توحي بان العلاقات السودانية الأثيوبية كانت تتحسن . وأشار وزير الخارجية الأثيوبي "مسفين" إلى ان العلاقات بين البلدين يمكن ان تعود لطبيعتها إذا سلمت الخرطوم لأديس أبابا الإرهابيين الثلاثة الذين حاولا اغتيال الرئيس مبارك . ومن خلف الستار ، خلف السودان وأثيوبيا الماضي من وراء الظهر وبدءا إعادة العلاقات العادية . واستأنفت الخطوط السودانية رحلاتها لأديس أبابا في مطلع عام 1999 .
وارتفعت ارتريا والسودان بعد ذلك على عدد من الإجراءات لتطبيع العلاقات ، ومن ذلك استخدام أثيوبيا لميناء بورسودان ، واقامة منطقة تجارة حرة ، وإجراء تحسينات على السفر البري عبر مدينة قلبات الحدودية . وهدات أثيوبيا من دعمها لجيش التحرير الشعبي السوداني ، بينما فعلت السودان نفس الأمر أو حتى أوقفت مساعداتها للجماعات المعادية لأثيوبيا في السودان . وقام رئيس الوزراء "ميليس" بزيارة رسمية للخرطوم في بداية العام لحالي 2002 وأصبحت العلاقات الآن مطبعة تماما ويتوقع ان تظل كذلك في المستقبل المنظور . كما ان ارتريا طبعت علاقاتها مع السودان ، لكن مستوى الارتياب المتبادل يظل عاليا . وقامت حتى أوغندة ، الطرف الثالث في الترويكا المعادي للسودان معظم فترة التسعينات ، بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع السودان.
الخطر الأصولي الإسلامي من الصومال الصومال ، مثل السودان ، تشارك أثيوبيا في حدود طولها ألف ميل . ولكن علاقات الحدود اكثر تعقيدا ، لان الجزء الجنوبي الشرقي من أثيوبيا ، المسمى جانب كبير منه بإقليم اوغادين ، تسكنه غالبية عظمى من الصوماليين الأثيوبيين . وعلى كلا جانبي هذه الحدود يعتبر الصوماليون منذ قرون من بلد للبلد الآخر . كما ان من الصعب تحديد الجنسية التي يحملها صومالي ما . ويتبنى الصومال سياسة رسمية منذ استقلاله عام 1960 بتضمين أراضيه مناطق يقطنها الصوماليون في البلدان المجاورة جيبوتي وكينيا وأثيوبيا . وأسفرت هذه السياسة عن توترات حدودية مستمرة بين الصومال وأثيوبيا واحتلال الصومال لإقليم اوغادين عامي 1977 و 1978 . وكان انهيار الدولة الصومالية وحده عام 1991 هو الذي أنهى النشاط التحريري الصومالي ضد أثيوبيا .
ولكن لم يكن هناك عنصر إسلامي أصولي واضح في سياسة الصومال في تلك الفترة . وجاء سقوط حكم سياد بري في الصومال ونظام منغستوهايلي ماريام في أثيوبيا ، كليهما عام 1991 ، ليقدم فرصة فريدة لانصار الأصولية الإسلامية في المنطقة . وسمحت حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية الجديدة بتكوين أحزاب سياسية ، ولكنها ضربت فيما بعد الأحزاب التي ذهبت بعيدا عن أهداف الجبهة الأثيوبية . ويقال ان أعضاء الجماعة الأصولية الصومالية ، "الاتحاد" عملوا لفترة وجيزة في مطلع التسعينات كحزب سياسي في إقليم اوغادين الأثيوبي . لكنهم لافتقارهم لدعم العنصر الصومالي لمحلي المناسب ، أو لانهم واجهوا معارضة من الجبهة الأثيوبية ، التحقوا بزملائهم الأكثر عددا في الصومال ، والتي أصبحت دولة ضعيفة وحل بها الفراغ السياسي.ويستخدم "الاتحاد" الدين كأداة لتحقيق القوة السياسية . ويؤثر على فكره المذهب الوهابي السعودي الذي يتعارض مع العقيدة الصوفية في القرن الأفريقي . وقد قام الأصوليون الصوماليون المتطرفون ، الذين حاربوا السوفيت في أفغانستان في الثمانينات ، بتأسيس "الاتحاد" في مطلع التسعينات . ويقال ان كبار قادته تخرجوا من الجامعات الإسلامية في باكستان والسعودية والكويت . ويقوم على تحويل "الاتحاد" شبكة سرية من المنظمات العامة التي تساند الأعمال الخيرية الإسلامية . ويجيء الجانب الأكبر من التمويل من الأسر الفنية والنخب الحاكمة في السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت . وليس من المعروف جيدا تفاصيل برنامجه السياسي ، ولكن يعتقد بأنه يساند إقامة دولة صومالية تحكمها الشريعة الإسلامية وتضم إليها مناطق يقطنها الصوماليون في أثيوبيا ( وربما في جيبوتي وكينيا) . ولا شك في ان "الاتحاد"يشكل خطرا على السلامة الإقليمية لأثيوبيا عندما يتعلق الأمر بالسعي للسلطة.
وليس هناك صلة بين الاتحاد وبين "المؤتمر الصومالي المتحد" التابع لمحمد فرح عيديد الذي كان خصما رهيبا للولايات المتحدة عام 1993 . غير هذه المنظمة التي تأسست في مطلع التسعينات ارتبطت بمصالح مع الاتحاد . وبعدما قتل محمد عيديد عام 1995 ، خلفه ابنه حسين الجندي السابق بالبحرية الأمريكية ، كزعيم للمؤتمر الصومالي المتحد. وحافظ حسين على صلات مع الاتحاد لاسباب انتهازية ، رغم انه الآن من بين اشد المنتقدين للاتحاد . والأقل وضوحا هو الصلة بين عيديد وبين القاعدة وابن لادن الذي كان يعيش في السودان حتى طلبت الحكومة السودانية منع مغادرة البلد في منتصف عام 1996 . ومن المشكوك فيه ان تكون القاعدة قد لعبت الدور الذي ادعاه بن لادن بعد ثلاث سنوات في صراع عيديد مع القوات الأمريكية.
وقد عم "الاتحاد" مركزه في الصومال بعقد صلات مع رجال الأعمال الناجحين وإنشاء أعمال تجارية خاصة به ، وبخاصة في مجالات البنوك والاتصالات الهاتفية والاستيراد والتصدير والمدارس الدينية . وطور ميليشيات خاصة به وعقد صلات صداقة مع المحاكم الشرعية في البلد . واصبح "الاتحاد" ومؤيدوه مصدر استخدام رئيسي في بلد يخلو من الحكومة وكان يرى البعض فيه بديلا للقومية الصومالية الواهنة في فترة ما بعد الاستقلال . ويبدو ان "الاتحاد " في السنوات العديدة الأخيرة مارس توكيدا على تعزيز مفهوم للحياة الإسلامية من خلال التعليم وعلى توسيع نفوذه في قطاع الأعمال.
وهناك شواهد على ان "الاتحاد" له درجة من النفوذ على "الحكومة الوطنية الانتقالية" الجديدة في الصومال ، رغم ان قادة هذه الحكومة يحاولون جادين إبعاد حكومتهم عن منظمة ذات صلة بالإرهاب. وعلى أية حال فان هذه الحكومة تسيطر على منطقة صغيرة جدا .
ولكن ، ما صلة هذا كله بأثيوبيا؟ كان الاتحاد يشكل عاملا فاعلا في الصومال يعاني من نفس المصير الذي لقيته في بيروت عام 1983 . ولذلك التقت أربع منظمات إسلامية صومالية ،ومنها الاتحاد ، في الخرطوم في شباط 1993 ، لمناقشة استراتيجية نشر الأصولية في الصومال . وبعد شهر ، أعلن المتحدث العسكري الأمريكي في مقديشو بان القوات الأمريكية وجدت مخبأ اسلحة في مجمع يخص "الاتحاد" . وفي منتصف العام ، شن الاتحاد حملة دعاية مضادة للغرب وللولايات المتحدة في مقديشو ، داعيا إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة ، لكنه لا يزال يجد مشقة في الحصول على دعم واسع . ومع نهاية 1993 ، حقق الاتحاد تنفيذ غارات هامة في الشمال الشرقي من الصومال قرب ميناء بوسامو ، وبدا شن هجمات صغيرة على القوات الاثيوبية في اوغادين . وفي كانون الاول 1994 ، اعلن عبد المجيد حسين ، صومالي العرق ، ووزير التعاون الاقتصادي الخارجي في اثيوبيا ذلك الوقت ، والممثل الدائم لها في الامم المتحدة حاليا ، بان الاتحاد كان يرغب بأاجزاء من المنطقة الصومالية ، ويجبر الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية على ارسال قوات لاحتواء الموقف.
ورغم ان اعمال الاتحاد التي كانت موجهة لاثيوبيا قد تبددت كما كان يبدو في عام 1995 ، إلا ان العام التالي شهد شيئا مختلفا فقد حدث تفجير في فندق غيون المملوك للحكومة في اديس ابابا في كانون الثاني 1996 ، وتلاه بعد شهر تفجير في فندق راس في مدينة دير داوا ، ثاني اكبر المدن الاثيوبية . وادعى الاتحاد مسؤوليته عن كلا التفجيرين واغتيال الجنرال حيلوم ارايا ، رئيس العمليات في وزارة الدفاع الاثيوبية . لكن السلطات الاثيوبية توصلت بعد ذلك إلى نتيجة مفادها ان رجل اعمال ارتري ليست له علاقة بالاتحاد هو الذي قتل الجنرال حيلوم.
وفي تموز 1996 ، جرت محاولة اغتيال في اديس ابابا استهدفت عبد المجيد حسين ، الذي كان حينها وزير النقل والاتصالات الاثيوبي . وسرعان ما اعلن عبد القادر محمد دقني المتحدث باسم الاتحاد في مقديشو المسؤولية عن الهجوم وكرر اشتراك الاتحاد في حادثي تفجير الفنادق . واضاف دقني بان الاتحاد سيواصل مهاجمة كبار المسؤولين الاثيوبيين ويواصل هجماته الفدائية في اوغادين حتى يتم استقلاله وانفجرت قنبلة في بار وقاعة استراحة في فندق وابي شبيلا المملوك للحكومة في اديس ابابا في شهر آب . واعتقدت الحكومة بان الاتحاد كان مسؤولا عن ذلك وردت على سلسلة بهجوم عسكري على اتباع الاتحاد في لوج واكد وجود بعض الدعم غير الصومالي للمنظمة الاصولية . وادعى الاتحاد في ايلول 1996 ان بعض جنوده وقوات اثيوبية قتلت في مشاجرة صغيرة في مدينة دولو على الحدود الاثيوبية الصومالية وفي كانون الاول اعلنت وزارة الدفاع الاثيوبية عن هجوم شنته قوات الاتحاد على دولو.
وفي نهاية 1996 ، ندد بالاتحاد عالم دين صومالي بارز واحد مؤسسي المحاكم الشرعية في شمال مقديشو ، وهو الشيخ عبد القادرة محمد شيخ سومو، لادعاء الاتحاد بانه يتحدث باسم الإسلام في الصومال ولمهاجمته القوات الاثيوبية داخل بلدها . وفي بداية 1997 ، صرح عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد ، وهو الشيخ حسن ظاهر عويش بان منظمته ستصبح حزبا سياسيا اسلاميا . وبعد تنديده العنيف بالاعمال الاثيوبية داخل الصومال ، انكر أي علاقة للاتحاد في الصومال باعمال الهجوم التي قام بها انصار الاتحاد في اثيوبيا . وشكل تغيرا في سياسة مكتب الاتحاد السابقة في مقديشو الذي ادعى المسؤولية عن اعمال الهجوم في اثيوبيا . وتواصلت الهجمات الارهابية في عام 1997 _ على فندق خاص ومركز بريد في هرار ، وفندق مكونين في دير داوا ، وفندق تغراي ، ومطعم التلال الزرقاء ، وسوف تانا في اديس ابابا . ولم يدع احد المسؤولية عن ذلك ، والقت السلطات الاثيوبية اخيرا القبض على أفراد لهم علاقة مع "منظمة تحرير اورومو" لصلتهم بمعظم هذه الاحداث . ويشكل الاوروميون اكبر مجموعة عرقية في اثيوبيا ، ويساند الكثير منهم الجبهة الثورية الشعبية الاثيوبية ، لكن الاقلية هامة لا تساندها . ولا يوجد للفرع الرئيسي في منظمة تحرير اورومو ، المشكل من مسلمين ومسيحيين ، أي علاقة مباشرة مع الاتحاد .
وهناك جماعة واحدة من الاورومو الاثيوبيين تشكل اهمية صغيرة، لها صلات مع الاتحاد ، وهي "الجبهة الإسلامية لتحرير اوروميا" ، وقد نفذت القليل من الهجمات المحدودة في منطقة بالي باثيوبيا . واعلنت منظمة جديدة ، وهي "تحالف تحرير اورومو والصومال وعفار" عن تشكيلها في مقديشو في اب 1997 . وتتشكل هذه الجماعة من جبهة اورومو الشعبية الصومالية ، ومنظمة تحرير اورومو الشعبية ، وجيش التحرير الشعبي لعفار ، والاتحاد الإسلامي الصومالي الغربي ، واعلن التحالف عزمه على وضع حد للهيمنة اليهودية المسيحية التي استمرت قرونا في أثيوبيا وارتريا عن طريق الحرب الفدائية والانتفاضة الشعبية . ولكن لم يسمع سوى القليل بعد ذلك عن هذه المنظمة . وهناك جماعة نفذت نشاطا ارهابيا محدودا في اوغادين وربما لها علاقات مع التحاد ، وهي الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير اوغادين ، وهي منظمة صومالية.
وفي تشرين الاول 1997 ، اثار الاتحاد امكانية اجراء مباحثات مع السلطات الاثيوبية ، مع التاكيد على وجوب انسحاب القوات الاثيوبية من اقليم غيدو الصومالي . لكن هذا الاقتراح لم يلق اذانا صاغية . وبدلا من ذلك ، اتبعت اثيوبيا سياسة القيام سرا بتقديم معدات عسكرية للمليشيات الصومالية الصديقة في وسط وجنوب الصومال . وحدث ذلك بينما كان حسين عيديد يوسع سلطته داخل غيدو ، وربما بالتعاون مع الاتحاد . واعلنت جماعات صومالية في كانون الثاني 1998 ، ومنها الاتحاد ، بان اثيوبيا قد سحبت جميع قواتها من غيدو . واختطف الاتحاد ستة من العاملين في الصليب الاحمر في اوغادين في شهر تموز ، لكنه اطلق سراحهم بعد أسبوعين.
لكن الصراع الاثيوبي الارتري الذي نشب في ايار 1998 بدأ يؤثر على العلاقات الاثيوبية الصومالية . ففي تموز اتهم مدير الادارة الاقليمية للصوماليين الاثيوبيين ارتريا بالتعاون مع الاتحاد في جهود لتثبيط الصوماليين الاثيوبيين عن الالتحاق بالمجهود الاعسكري ضد ارتريا .
وعندما تطورت حرب شاملة مع ارتريا ، لم تكن اثيوبيا في مركز يسمح لها بتوجيه اهتمام كبير للحدود مع الصومال . وفي حزيران 1999 ، ارسلت لفترة قصيرة قوات داخل الصومال لدعم جيش المقاومة الرهانوي ضد انصار حسين عيديد . وفي تموز قام اربعة رجال باغتيال قائد الاتحاد العقيد عبد الهادي عيراد خارج مسجد في مقديشو . وكان عيراد طيلة السنوات السبعة الاخيرة يقوم يتنظيم غارات على القوات الاثيوبية في اوغادين . واتهم الاتحاد اثيوبيا بتدبير حادث الاغتيال . وادعت اثيوبيا بانها قامت فيما بين ايار واب بقتل او اسر اكثر من الف من قوات منظمة تحرير اورومو وقوات الاتحاد قرب الحدود الصومالية . واتهمت اثيوبيا ارتريا بالعمل مع حسين عيديد والجماعات المعادية لاثيوبيا العاملة خارج الصومال . ونتيجة للطبيعة السياسية المتقلبة لاثيوبيا العاملة خارج الصومال . ونتيجة للطبيعة السياسية المتقلبة ، ظهر عيديد في اديس ابابا في تشرين الاول 1999 لاجراء مباحثات مع المسؤولين الاثيوبيين . ومرة اخرى ، ارسلت اثيوبيا قوات لها داخل الصومال في كانون الثاني 2000 ، وهذه الادارة داخل اقليم مدوغ في دعم لعبد الهادي يوسف احمد ، رئيس الادارة الاقليمية لارض البونت في الصومال الشمالي الشرقي . وادعى احمد بان الاتحاد اصبح في اجزاء معينة من ارض البونت بهدف خلق مشكلات جديدة بين اثيوبيا والصومال.
وتواصلت اعمال الهجوم في اقليم اوغادين من وقت لاخر . ففي شباط ، فتح مسلحون النار على مركبة "اطباء بلا حدود" مما ادى لقتل شخص واصابة اخر بجروح بليغة . ولم يعلن احد المسؤولية عن ذلك ، وقال المتحدث باسم الحكومة الاثيوبية ان من وراء ذلك ربما كان منظمة تحرير اورومو ، او الاتحاد ، او جبهة التحرير الشعبية لاوغادين . ويكشف استعراض التغطية الصحفية لطلبة فترة التسعينات عدم وجود علاقة بين الاتحاد واسامة بن لادن . وجاءت اول اشارة لتلك العلاقة في اذار 2000 في تقرير لصحيفة "ايست افريكا ستاندرد" من نيروبي ، قال ان الاتحاد على صلة وثيقة مع اسامة بن لادن . لكن هذا الوضع تغير بشكل عنيف بعد 11 ايلول 2001 . فمثلا ، كتبت صحيفة "اثيوبيا هيرالد" الحكومية اليومية ، في اواخر ايلول بان لدى اثيوبيا دليل على وجود علاقات بين الاتحاد والقاعدة . وقد طفحت الصحافة الامريكية والدولية بالحديث عن علاقات مشابهة . وصرح يماني كيداني المتحدث باسم وزارة الخارجية الاثيوبية في اواخر ايلول بان للاتحاد علاقة مباشرة مع اسامة بن لادن . وفي 24 تشرين الثاني قال رئيس الوزراء ميليس في رد على سؤال لصحيفة "الحياة" العربية ان شبكة القاعدة موجودة في الصومال ، وان الاتحاد هو القوة الحقيقية الكامنة من خلف الحكومة الوطنية الانتقالية ، وهو اتهام انكره رئيس الحكومة.
وبعد ان اغلقت الولايات المتحدة المكاتب الامريكية لاكبر شركة تحويل نقود صومالية تعرف باسم "البركة" لاتهامها بعلاقة مع القاعدة ، مضت اثيوبيا خطوة الى الامام واغلقت كافة المصارف الصومالية العاملة في البلد . وقالت السلطات بانها ستعيد فتح المصارف اذا اظهر التحقيق بان لا صلة لها مع الارهاب . وبناء على تقارير صحفية ظهرت مؤخرا ، دخلت قوات اثيوبية بدعوة من عبد الله يوسف احمد في ارض البونت في اواخر تشرين الثاني ومرة اخرى في كانون الثاني 2002 ، ولكن اثيوبيا انكرت تلك التقارير . وفي منتصف كانون الاول 2001 ، اتهم وزير خارجية اثيوبيا "مسفين" ارتريا التي ظلت على علاقات سيئة مع اثيوبيا ، بمساندة الاتحاد ومنظمة تحرير اورومو . وقال حسين عيديد متحدثا من اديس أبابا في أواخر كانون الأول بأن اتباعه سيفعلون كل ما يمكنهم للقضاء على المتطرفين الاسلاميين من أمثال الاتحاد ، في الصومال . واضاف بأن للحكومة الوطنية الانتقالية في الصومال علاقات وثيقة مع اسامة بن لادن ، ودعا بالتالي الولايات المتحدة للمساعدة في تخليص الصومال من الاتحاد
أثيوبيا بعد 11 أيلول
تقدم أحداث 11 أيلول فرصة لاثيوبيا لجذب الدعم من الاولايات المتحدة وربما من دول اخرى لمزاولة المزيد من الضغط على اعدائها في الصومال ، وبخاصة " الاتحاد " .ولا شك ان الاتحاد ، وبخاصة في فترة 1996 –1198 ، نفذ اعمالا ارهابية ضد اثيوبيا ، وربما تعتبره الولايات المتحدة منظمة ارهابية ضد اثيوبيا ، وربما تعتبره الولايات المتحدة منظمة ارهابية . ولكن نتيجة لاعمال الانتقام الاثيوبية القوية وربما كذلك لاعتبارات تكتيكية داخل لاتحاد ، يبدو انه اصبح اقل تورطا في اعمال ضد اثيوبيا منذ عام 1998 . وليس من الواضح تماما وجود علاقة بين القاعدة والاتحاد بناء على المعلومات المتوافرة ، ولكن من المنطق افتراض وجود تنسيق وتشاور على مستوى متدن . وربما كانت العلاقات اعمق بكثير . ومع ذلك ، فالاتحاد بشكل اساسي هو صومالي وله اجندة صومالية . ولا توحي المعلومات الظاهرة للعيان بان نشاطاته الارهابية قد امتدت حتى الان خارج اجندته الصومالية. وهذا الكلام بالطبع لا يقدم عزاء لاثيوبيا بينما هي تدافع عن اقليم اوغادين صومالي السكان . وسوف تستغل اثيوبيا الكراهية الحالية لجماعات الارهاب في القرن الافريقي ، سواء تلقت ام لم تتلق دعما خارجيا ، وذلك لتحسين وضعها الامني والحد من قوة اعدائها ، سواء كانت لهم صلة بالارهاب ام لم تكن.
ويقول منتقدو اثيوبيا انها تفضل بان يبقى الصومال دولة عاجزة ليس لها مصلحة في تحرير المناطق المتصلة بها تاريخيا او عرقيا ، وان تظل مجرد قادرة على المحافظة على امنها الداخلي ومنع صعود قوة جماعات مثل الاتحاد . وربما يكون هذا النظام الحاكم من النوع الذي يتمنى صحة تفكيره لمجرد الرغبة فيه ، وسوف تظل اثيوبيا تدعم الموالين لها ، رغم كثرة تبدل الولاءات في المنطقة.
اما بالنسبة للسودان ، فان احداث 11 ايلول لم تؤثر كثيرا على علاقات اثيوبيا مع جارها الغربي . فقد تطبعت العلاقات بين البلدين قبل 11 ايلول . ولكن اثيوبيا ستظل تشكك في دوافع الحكومة الاصولية في الخرطوم . وفي نفس الوقت تعتبر القيادتان في البلدين ذات توجه عملي . ونظرا لاستمرار نزاع اثيوبيا مع ارتريا ، وعلاقاتها غير الممتازة مع جيبوتي ، فانها بحاجة لمنفذ على البحر الاحمر عن طريق بورسودان ، وترغب في تجنب صراع على حدود السودان الممتدة مسافة الف ميل . ويبدو ان الرئيس السوداني البشير يسيطر باحكام على مقاليد السلطة ، على الاقل حاليا على حدود السودان الممتدة مسافة الف ميل . ويبدو ان الرئيس السوداني البشير يسيطر باحكام على مقاليد السلطة ، على الاقل حاليا ، ويتمتع بدعم الاصوليين المتطرفين في الحكومة .
اما حسن الترابي ، قائد الجناح المتطرف ، فانه باق رهن الاعتقال . ورغم استمرار وجود بعض الاصوليين المتطرفين في الحكومة ، لكنهم يبدون مكبوحين . وتدرك اثيوبيا جيدا التعاون المتصاعد بين السودان والولايات المتحدة حول قضايا الارهاب . وهذه العوامل جميعها تشجع اثيوبيا حاليا وفي المستقبل المنظور على مواصلة عملية تحسين العلاقات مع السودان والتي بدات قبل 11 ايلول.
وبينما تبدي الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام بالارهاب وبدور الاصولية الاسلامية في القرن الافريقي ، من الهام فهم الاحداث الماضية القريبة والبعيدة ذات الصلة بهذه القضايا . فالاسلام يشكل جزءا هاما من الامة الاثيوبية ومن المرجح ان تزداد اهميته في السنوات القادمة . وكان الاسلام بشكل عام قوة ايجابية في القرن الماضي . والولايات المتحدة بحاجة لكي تكون على اطلاع على الخلاف المسيحي الاسلامي وان تشعر بحساسية ازاءه وذلك لكي لا تزيد من خطورة علاقة داخلية تحمل في طياتها امكانات الصراع.
- الكاتب ديفد شين ، كان سفير الولايات المتحدة لدى اثيوبيا بين عامي 1996و1999 ، وقبلها سفيرا لدى بوركينا فاسو ، وكان عضوا في جهاز الخارجية الامريكية لمدة 37 عاما ، ويعمل حاليا استاذا في جامعة جورج واشنطن في مدينة واشنطن.