كلمة د. جورج إسحاق في مؤتمر نحو شبكة للإصلاح والتغيير الديمقراطي في العالم العربي

2005-12-08

د. جورج إسحاق
منسق الحركة المصرية للتغيير
 
تعانى المجتمعات العربية منذ سنوات من مخاض عملية التحول نحو الديمقراطية ، وكما يبدو فان عملية المخاض تبدو متعثرة وقد تمتد لمزيد من سنوات المعاناة والألم لكن الخوف الحقيقي ليس من امتداد زمن الألم ولكن نتائجه والتي قد تأتى بجنين شائه هو إعادة إنتاج لواقع التخلف والاستبداد ، أو أن تجهض عملية التحول بالكامل وتصبح المجتمعات العربية كالأم التي كتب عليها إلا تكمل شهور حملها.هذا الإحساس أو التخوف الذي لا يدعو إلى التفاؤل ليس مجرد هاجس يأتي عفو الخاطر ولكنه يستند إلى الكثير من المؤشرات ووقائع الحياة في مجتمعاتنا العربية ، بل ودروس محاولات الإصلاح والتحديث العديدة والتي أجهضت منذ تجربة محمد على مصر سواء بتأثير العامل الخارجي ، أو بضعف البني الثقافية والاجتماعية والسياسية الداخلية ، أو بكلاهما معا .

وإذا كان جوهر عملية الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي في مجتمعاتنا العربية مازال جوهره الحقيقي لم يتغير فمازالت قوى التقدم والتحديث في مجتمعاتنا العربية تناضل من اجل:
• بناء دولة حديثة ترتكن إلى نظام سياسي ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية، وتداول السلطة واحترام حقوق المواطنة.
• بناء دولة حديثة تقوم على حكم القانون واحترامه، ويتوازن فيها توزيع مصادر السلطة والثروة بشكل عادل على المؤسسات والفئات الاجتماعية المختلفة.
• بناء دولة حديثة تحترم التنوع الثقافي والديني والعرقي، وتحافظ عليه كمصدر لإثراء ثقافة الوطن وعامل من عوامل وحدته وتماسكه الاجتماعي.
• بناء دولة ومجتمع حديث، تقدس فيه الحرية كقيمة حاكمة في علاقة المواطن بالدولة ومؤسساتها او في علاقته بغيره من المواطنين.

لازال هذا هو الحلم المشروع لكل قوى النهضة والتقدم والديمقراطية سواء كانوا أفرادا أو أحزابا سياسية أو حركات اجتماعية ، وهو الحلم الذي ازداد زخمه في السنوات القليلة السابقة مع موجة الديمقراطية التي تجتاح العالم، وبعد أن أصبحت الثقافة الديمقراطية والنظام السياسي المرتبط بها منجزا إنسانيا يتجاوز في ربطه بين قضية الحرية والعدالة ارتباطه بالتجربة الغربية الرأسمالية .

رغم هذا الزخم الذي انعكس في حراك سياسي صاخب في الشارع العربي في العديد من البلدان العربية ، وما تولد عنه من حركات سياسية جديدة تتبنى خطابا مغايرا في الكثير من ملامحه لخطاب القوى السياسية التقليدية وهى الحركات السياسية التي تعد حركة كفاية نموذجها الأبرز، رغم هذا هناك تحديدات حقيقية مازالت تمثل قيدا حقيقيا على انطلاق حركة الإصلاح في مجتمعاتنا العربية، وتهددها بالإجهاض أو التشوه لعل أبرزها:
-الفساد والنخب ا لحاكمة التي يغييب عنها اى مشروع حقيقي للإصلاح :

حيث أدى احتكار مصادر السلطة والثروة على امتداد العقود الماضية إلى اتساع حجم الفساد بمختلف أشكاله (المالي /السياسي) للدرجة التي تحول معها من مجرد ظاهرة فردية إلى أسلوب للإدارة والحكم ،وتحولت معه النخب الحاكمة إلى جماعات مصالح ضيقة لا تسمح بأي إمكانية لتداول السلطة أو لوجود قدر من الشفافية أو حتى لإعمال دولة القانون ، وما ظاهرة التوريث السياسي في المناصب السياسية الكبرى وحتى المقاعد البرلمانية والمواقع الحزبية ، أو الاعتماد على أهل الثقة في كمعيار لاختيار الوظائف العليا ألا تعبيرا عن أقصى درجات الفساد.، التي تخللت بنية السلطة الحاكمة ونظامها السياسي بحيث أصبحت تشكل مقاومة حقيقة لأي محاولة للإصلاح.
 
-ضعف المجتمع المدني، وعسكرة الحياة العامة :

وهى السمة التي ميزت أنظمة الحكم منذ مطلع عمليات الاستقلال ، وارتبط بها مصادرة الحياة السياسية والحيلولة دون وجود أي تنظيمات حزبية أو نقابية أو أهلية مستقلة ، والاستعاضة عن ذلك بمنظمات السلطة الأحادية الخاضعة تماما لنظام السياسي، والت التي كان غالبا ما يقف على رأسها احد رموزه،وعلى امتداد عقود قتلت قدرة المواطنين واختفت خبراتهم في المبادرة المستقلة بتنظيم أنفسهم للدفاع عن مصالحهم ، وحتى رغم عودة التعددية السياسية في كثير من البلدان العربية فهي مازالت تعددية مثقلة بالكثير من القيود التي تحرم المواطنين من الكثير من حقوقهم السياسية والمدنية حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات النقابية ، تأسيس الصحف ، حرية التعبير والرأي ، استمرار حالة الطوارئ ..الخ
 
-ضعف البني الاجتماعية وانقسامها على أسس قبيلة وعشائرية ، عرقية او أثنية، دينية :

حيث مازالت البني الاجتماعية الما قبل رأسمالية (القبائل/العشائر/الطوائف الدينية/الانتماءات العرقية )، مؤسسات اجتماعية تلعب دورا كبيرا في إدارة الحياة السياسية والتأثير عليها خاصة فيما يتعلق بالانحياز للمرشحين في الانتخابات البرلمانية ، أو التصويت لحزب بعينه بصرف النظر عن البرامج السياسية أو الاجتماعية ، وهو ما يخلق واقعا شديد الانقسام ومهدد بالانفجار في ظل تغذية ثقافة التمييز ، وتراجع مبدأ المواطنة ، وهو نفس الواقع الذي شوه حتى المساحات الضيقة والمتاحة من الديمقراطية ، والذي يعكس نفسه على سبيل المثال في اعتماد هذه الانتماءات كمعيار محدد وموجه في اختيار مرشحي البرلمان والذين غالبا هم أسوء المرشحين.
 
-الاستخدام الخارجي لأجندة الإصلاح:
 
على الرغم من أن طلائع النضال الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية قدمت الكثير من التضحيات وعلى امتداد عقود، ألا أن سرقة واستخدام الشعارات الديمقراطية من قبل الولايات المتحدة في محاولاتها فرض هيمنتها الكاملة على المنطقة بتكلفة اقل بعد أن أصبحت النظم الحالية تشكل عبء على الإدارة الأمريكية بطرزها العتيقة في الحكم والاستبداد، لقد خلقت تلك الادعاءات الأمريكية بالسعي إلى نشر الديمقراطية في المنطقة قدرا من اللبس ظهر معه المناضلين العرب من اجل الديمقراطية والعدالة وكأنهم صدى لتلك الدعوة الأمريكية وهو اللبس الذي تسعى النظم الحاكمة لتوظيفه لإعاقة أي محاولة للتغيير والإصلاح ، رغم أن نفس تلك النظم غارقة حتى إذنيها في الخضوع للضغوط والسياسات الأمريكية.
 
-انقسام المصلحون أو دعاة الإصلاح الجدد (علمانيون /دينيون، دعاة الأصالة ودعاة المعاصرة):

إن الانقسام الواضح والصراع المتجدد بين نخب دعاة الإصلاح يعد أيضا احد المعوقات والتحديات التي توجه عمليات الإصلاح فمازالت النخب السياسية والفكرية منقسمة وعاجزة عن انجاز مشروع حقيقي للإصلاح والتغيير يمثل القاسم المشترك فيما بينها ، وهو ما يشكل نقطة ضعف حاسمة لا تستخدم فقط من قبل النظم السياسية الحاكمة في الاستقواء ببعض أطراف هذه النخب ضد أطراف أخرى ، ولكنها انعكست في غياب حقيقي للثقة بين هذه النخب وملايين المضطهدين من أبناء المجتمعات العربية التي مازالت لم ترى فيها حتى الآن البديل القادر على إنقاذها مما تعانى منه.

هذه هي التحديات الحقيقية التي تقف أمام حركة التغيير والإصلاح في مجتمعاتنا العربية وهى تحديات بنيوية تحتاج لإعمال فكر جديد يتجاوز حالة الحلول التقليدية التي تعيد إنتاج أزمات مجتمعاتنا وهذا هو التحدي الأكبر فهل نقدر عليه؟
https://alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=104