A+ A-
تحليل الانتخابات

2004-10-05

د.عليا حرزالله
باحثة ,مركز القدس للدراسات السياسية

منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، جرت وفي أكثر من بلد عربي انتخابات عامة ولأكثر من مرة، كما يجري الحديث عن انتخابات أخرى وفي أكثر من بلد، ورغم أن "الانتخابات" هي العملية والمظهر الأهم في عملية التحول الديمقراطي ، ولأسباب عديدة فإن المراقب يستطيع تسجيل العديد من "الملاحظات" على هذه العملية في هذه البلدان.
إن التجربة العربية في "الانتخابات" تطرح الضرورة الملحة للعمل على دراسة الانتخابات وتحليلها وخوضها بوسائل علمية، واستخلاص العبر والدروس المناسبة في كل مرة ليتسنى للعملية الانتخابية لعب دورها المركزي في عملية التحول الديمقراطي لبلداننا.

أهمية تحليل الانتخابات:
تنبع أهمية تحليل الانتخابات القائمة على توفر قاعدة بيانات ذات مصداقية للواقع الذي تجري فيه، من كونها قراءة غير استاتيكية للقضايا المهمة التي تواجه هذا الواقع، ومدى تفاعل الأفراد والقوى الاجتماعية والسياسية فيه مع هذه القضايا والأوزان التي توليها إياها وماهية الحلول التي تقدمها ومدى صدقها، والكيفية التي يتفاعل بها الرأي العام مع ما يطرح من حلول.

فالتحليل العلمي للبيانات المتوفرة والتي يجري توفيرها قبل الانتخابات يقدم لكل المهتمين قراءة آنية واقعية للواقع الاجتماعي والديمغرافي والاقتصادي، والمشاكل الأبرز التي يجب التصدي لها، مثلما توفر للمرشحين مرشدا عاما لمعركتهم والوسائل التي يخوضون بها هذه المعركة، أما الاستطلاعات وقراءتها أثناء الحملة الانتخابية ذاتها، فهي بمثابة الكشاف الذي يحدد لكل طرف أين يقف؟ وإلى أين يجب أن يتجه، وعلى ماذا وضد من يجب أن يركز جهوده، مثلما أنها توفر للمراقب والمهتم مؤشرات أخرى من مثل: مدى انسجام "الرأي العام" في رؤيته للمشاكل التي يعاني منها،وكيفية مشاركته في عملية الانتخاب… أو مدى تأثير الدعاية والإعلانات الانتخابية … .

أما تحليل النتائج بعد الاقتراع، فتقدم لنا صورة عن القوى والاتجاهات السياسية التي خاضت الانتخابات، وأوزان كل منها ومدى نفوذها في المجتمع، كما تقدم لنا صورة عن البرلمان الذي أفرزته هذه الانتخابات، والتوجهات السياسية المفترض أن تحكم مسيرة البلاد للفترة المقبلة، هذا بالاضافة إلى أن النتائج تعكس بشكل أو بآخر مدى نضج المجتمع والمدى الذي قطعته عملية التحول الديمراطي وأمور عديدة أخرى.

طرق الحصول على البيانات:
ترتكز الدراسة العلمية لعملية الانتخابات على آلية جمع البيانات ومدى دقة هذه العملية. وتبدأ عملية جمع البيانات منذ اللحظة التي يتم فيها التوجه لعملية الانتخابات، وتستمر هذه العملية لما بعد انتهاء عملية الاقتراع لتقييم النتائج النهائية. فهي إذن عملية مستمرة لا تتوقف، ولكنها تختلف في نوعيتها في كل مرحلة من مراحل إجراء الانتخابات. ففي المرحلة الاولى يتم جمع بيانات عن المجتمع: تعداده، خصائصه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . وفي المرحلة الثانية يتم جمع بيانات عن توجهات المنتخبين وتفاعلهم مع الدعاية الانتخابية، والتحالفات القائمة وموازين القوى للمرشحين .... وفي المرحلة النهائية تسجل النتائج النهائية والخروج بالاستخلاصات والنتائج. وفي كل مرحلة من هذه المراحل تتم عملية جمع البيانات حول عناصر العمل الانتخابي : الناخب، المرشح، البرنامج الانتخابي.

والبيانات نوعان :
بيانات نوعية : مثل : الجنس (ذكر، أنثى) ، الطبقة الاجتماعية (عليا ، متوسطة، متدنية) المستوى التعليمي (دراسات عليا ، بكالوريوس ، ثانوية عامة فما دون) التركيبة الاجتماعية (عشائري، طائفي..)بيانات كمية : عدد السكان ، عدد الذين يحق لهم الاقتراع من السكان ، عدد المسجلين للاقتراع، عدد الدوائر الانتخابية، عدد المرشحين، عدد النواب لكل دائرة..
وهناك مصدران للحصول على البيانات:
مصادر تاريخية:
ويتم الحصول عليها من المصادر الرسمية في الدولة مثل عدد السكان، عدد الذين يحق لهم الاقتراع، عدد النواب ...الخ .
أو بيانات يتم الحصول عليها من مراكز الدراسات ومؤسسات استطلاع الرأي وأبحاث المختصين مثل: تركيبة المجتمع، التوزيع الديمغرافي للسكان، وخصائص هذا المجتمع في المجالات المختلفة.هذه البيانات يتم الحصول عليها من مصادرها من خلال إجراء الاتصالات وطلبها من مصادرها.مصادر ميدانية : هذه البيانات يتم جمعها من خلال الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي وهي دراسات ميدانية مستمرة تترافق مع العملية الانتخابية في مراحلها المختلفة. حيث تتم متابعة عملية الانتخابات من خلالها، ومواكبة التطورات والأحداث الجارية، وكيفية تعامل المجتمع الانتخابي مع هذه التطورات والأحداث الجارية. ويفيد ذلك المرشحين في تحديد المواقف والإجراءات والسلوكيات التي يتوجب تعديلها أو تعزيزها.ويتم جمع البيانات من خلال تحديد مجموعة من النقاط:
1-تحديد الغرض من جمع البيانات.
2-تحديد مجتمع الدراسة.
3-تحديد الطريقة التي سيتم الحصول من خلالها على البيانات(تاريخية ، ميدانية).
4-إذا كانت الطريقة ميدانية، يتم تحديد خصائص المجتمع وعليه طريقة اختيار العينة:
والعينة عبارة عن جزء من المجتمع المراد دراسته تؤخذ بطريقة بحيث تكون ممثلة تمثيلا صحيحا وصادقا للمجتمع ويتم اختيار العينة حسب خصائص المجتمع المستهدف، وأهم طرق اختيار العينات هي:
أ)العينة العشوائية البسيطة : وتتبع هذه الطريقة عندما يكون المجتمع المراد دراسته متجانسا.تمرين: نريد اختيار عينة من إحدى الدوائر الانتخابية لمعرفة توجههم للانتخاب، حجم العينة المطلوبة 100 شخص وعدد سكان الدائرة 100 ألف نسمة.نحدد بطريقة عشوائية رقم ما ثم نضيف إليه في كل مرة العدد حجم المجتمع مقسوما علة حجم العينة وفي المثال هذا يساوي 1000 إلى أن نصل إلى العدد المطلوب للعينة.
ب)العينة العشوائية الطبقية: وتستخدم هذه الطريقة عندما يكون المجتمع غير متجانس حيث يقسم المجتمع إلى طبقات، ثم نختار مفردات كل طبقة بصورة عشوائية وتمثل كل طبقة بنفس النسبة الموجودة فيها في المجتمع.تمرين: نريد اختيار عينة من 400 شخص مقسمين حسب الجنس وانتمائهم الطائفي (شيعي، سني) ولتكن نسبة الرجال إلى السيدات في المجتمع هي 9 : 11 ونسبة الشيعة إلى السنة هي 3 :2 . 5-تصميم استمارة البحث : وهي عبارة عن الصحيفة التي تدون عليها البيانات عن مفردات مجتمع الدراسة ويراعى عند تصميم الاستمارة شمول الأسئلة لكي تغطي جوانب البحث المختلفة وكذلك سهولة ووضوح الأسئلة وتسلسلها المنطقي، لذلك يجب أن تكون الأسئلة واضحة ومحددة، وكل سؤال يبحث في متغير واحد فقط. ومن الأمثلة على الاستمارات:
ويتم جمع هذه البيانات من خلال أدوات احصائية مناسبة مثل الاستمارات، حيث يتم تصميم الاستمارة للتناسب مع المعلومات نمالمطلوب جمعها مع مراعاة شروط عامة فيها مثل تناسبها مع مستوى الفئة المستهدفة ، شمولها، قصرها ، وضوحها ، سهولة الاستجابة عليها ، وسهولة تفريغ المعلومات منها.
.ومن الامثلة على هذه الاستمارات:استمارة لاستطلاع الرأي العام في دائرة انتخابية ما للتوجه للانتخاب، ومن سينتخب:
الجنس : ذكر , أنثى.المستوى التعليمي : أمي, ثانوي , جامعة, دراسات عليا.الدخل ( بالدينار):200 أو أقل , 200-400 ,400-600 , 600 أو أكثر.هل يحق لك الاقتراع: نعم , لا .

هل تنوي المشاركة في عملية الانتخاب: نعم ,لا .لو انتخبت فإنني أختار مرشح:حزبي , نقابي , أكاديمي ,غير ذلك.أرغب أن يكون المرشح الذي أنتخبه :علماني , عشائري , متدين ,غير ذلك .إذا كانت المرشحة امرأة هل تنتخبها: نعم ,لا.تمرين : اختار عينة ممثلة حجمها 500 شخص من دائرة انتخابية تعدادها 200 ألف نسمة ونسبة الرجال إلى النساء فيها 9 : 11 . ثم صمم استمارة تجمع في بيانات حول تركيبة هذا المجتمع وهل من الممكن أن تنجح مرشحة امرأة في هذه الدائرة .

تحليل البياناتفي علم الأرقام لا تفسر نفسها، ولهذا فإن هناك طرق بسيطة لتفحص هذه الأرقام وتحليلها، العرض البياني والهندسي للبيانات الإحصائية يؤديان هذا الغرض، وأبسط الطرق لعرض هو تبويبها في جدول تكراري، ويتألف الجدول التكراري من عمودين الأول يمثل الأوجه المختلفة للمتغير النوعي أو القيم المختلفة للمتغير الكمي، والعمود الثاني يبين التكرارات المقابلة، ويمكن تمثيل البيانات في هذا الجدول التكراري برسوم بيانية وهندسية.
ولنوضح طريقة عرض البيانات من خلال المثال التالي:
في تحليل لنوعية التركيبة السياسية لبرلمان ما يتكون من 100 نائب كانت هذه النتائج:

• الجدول التكراري :

الاتجاه

التكرار

أحزاب علمانية

10

أحزاب دينية

21

عشائري

40

أقليات

15

نقابي

4

غير ذلك

10

المجموع

100

 

مراحل تحليل الانتخابات:
عند تحديد موعد الانتخابات والتوجه لإجرائها فإن المرحلة الأولى من تحليل الانتخابات تبدأ، حيث يركز المهتم على جمع البيانات اللازمة لرسم صورة واضحة عن مجريات العملية الانتخابية ولعل أهم القضايا التي يجب التوجه لها هي:
1) الدوائر الانتخابية وعددها وتوزيعها .
2) تعداد السكان في دائرة وعدد من يحق لهم الاقتراع فيها.
3) عدد النواب لكل دائرة انتخابية. ويتم الحصول على البيانات في النقاط السابقة من المصادر التاريخية : المصادر الرسمية، مراكز الأبحاث والإحصاءات.
4) توجه الناخبين للمشاركة في الانتخابات.
5) معلومات ديمغرافية عن الدائرة (الدوائر) التي يجري الاهتمام بها، وهذا يجري من خلال الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي باختيار عينة ممثلة للمجتمع وتطبيق استمارة تعد لهذا الغرض.
6) رصد أهم القضايا المؤثرة في جمهور الناخبين من أحداث سياسية آنية أو مجالات اقتصادية أو خدمات من خلال القياس بدراسات مسحية للواقع في الدائرة المنوي التوجه للترشيح بها.تبدأ العملية الانتخابية، وهذا البدء يظهر من خلال توجه المرشحين للناخبين بدعايتهم الانتخابية وتنتهي بإجراء عملية الاقتراع، ومن المرحلة السابقة يكون المرشحون قد رسموا خريطة أقرب إلى الواقع عن دوائرهم الانتخابية، وتركيبتها السكانية، وتعدادها، والتركيبة الديمغرافية للناخبين، واتجاهاتهم، وأبرز القضايا التي تهم الناخبين.
ومن أبرز القضايا المطلوب متابعتها وجمع بيانات حولها في هذه المرحلة هي:
1) بيانات حول المرشحين:

أ)خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية والطائفية والعلمية.
ب)برامجهم الانتخابية: حيث يتم تحليل المحتوى لهذه البرامج للقضايا السياسة، الاقتصادية، والاجتماعية، والخدماتية المطروحة في هذه البرامج وكيفية معالجتها.
جـ)التحالفات والعلاقات البينية، ويتم التركيز على: رسم شبكة التحالفات المتوقعة ودراسة مدى صدقيه هذه التحالفات.

2) بيانات حول توجهات الناخبين من خلال استطلاعات الرأي المتلاحقة التي تتحقق من:
أ‌) هل تستجيب البرامج الانتخابية المطروحة لتوجهات الناخبين.
ب‌) أوزان المرشحين ومعالجتهم للقضايا المطروحة.
ت‌) التغيرات التي تحصل على الرأي العام تبعا للتطورات في الأحداث الداخلية والخارجية.
ث‌) متابعة الجوانب المسلكية للمرشحين: كيفية إدارتهم لدعايتهم الانتخابية، استخدام مؤيديهم للعنف، الأساليب الإعلامية ...الخ.ويجري تحليل آخر لمحتوى البرامج الانتخابية وهو ما نسميه بتحليل المحتوى ويتم الحصول من خلال هذا التحليل على فكرة تفصيلية الأسس والعناصر التي قامت عليها البرامج الانتخابية للمرشحين، ويرتكز هذا التحليل على الإجابة على مجموعة من التساؤلات(5):
1) إلى أي مدى أتقن المرشحون صياغة برنامجهم الانتخابي، ومدى التجانس في تركيبه البنائي.
2) ما هي خريطة القضايا/ الموضوعات/ المضامين التي اشتملت عليها البرامج، وأين كان التركيز الأكبر وما يعطيه لكل منها من أولوية وحجمه النسبي، ما هي المواضيع التي تم تغييبها، وهل كانت شمولية أم مقتصرة على أمر معين.
3) ما هي فرص النجاح في تحقيق أهداف البرنامج إذا ما قدر للمرشح تطبيق برنامجه.

ويستفيد المرشحين من هذه البيانات في تعديل وتكثيف حملتهم الانتخابية على مجالات دون أخرى كما تساعدهم على صياغة تحالفاتهم/ وتجديد مواجهاتهم لمرشحين آخرين بطريقة فاعلة.أما بعد الانتخابات، حيث تكون قد انتهت عملية الاقتراع، فإن تحليل نتائج الانتخابات من حيث:

1) نسب المشاركة في الانتخابات بالنسبة لعدد السكان.

2) النسبة العامة للمشاركة في الانتخابات بالنسبة إلى أصحاب حق الاقتراع.

3) نسبة مشاركة النساء في الانتخابات.

4) نسب الفوز والخسارة للاتجاهات السياسية والحزبية والاجتماعية.

5) تركيبة البرلمان الجديد ومدى فاعلية القوى والاتجاهات المختلفة في نظرا لوزنها بعدد المقاعد التي أحرزتها.

6) القراءة الميدانية لقانون الانتخاب، نسب الأصوات المهدورة، مجموعة الأصوات التي تذهب للخصم، هل يتناسب قانون الانتخاب مع المجتمع المعني.

7) موقف الرأي العام من شرعية الانتخابات باستخدام استطلاع رأي بعد انتهاء عملية الاقتراع. مثال تطبيقي: اختر عينة ممثلة حجمها 500 شخص من دائرة انتخابية تعدادها 200 ألف نسمة ونسبة الرجال إلى النساء فيها 9 : 11 . ثم صمم استمارة تجمع في بيانات حول تركيبة هذا المجتمع وهل من الممكن أن تنجح مرشحة امرأة في هذه الدائرة . ثم أخرج بتوصيات حول نوع الدعاية والإعلام في هذه الدائرة لكي تصبح فرص فوز المرشحة المرأة أكبر.

 

- ورقة عمل قدمت ورشة تدريب "تمكين المراة العراقية في الانتخابات " التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية في فندق المريديان بتاريخ 5-7 /تشرين الاول 2004,الاردن- عمان .