A+ A-
البرنامج الفضائي الإيراني

2008-04-15

احتلت إيران مجددا اهتمام وسائل الإعلام والأوساط السياسية المحلية والدولية وهذه المرة ليس عير برنامجها النووي المثير للكثير من الجدل ولكنعبربرنامجها الفضائي. ففي الرابع من شباط 2008، قامت إيران بإطلاق صاروخ إلى الفضاء مخصص لأغراض البحث في إطار تدشينها لمركزها الفضائي وسط تغطية إعلامية إيرانية غير مسبوقة، والتي ركزت على الجهود الذاتية التي بذلتها إيران في بناء ذلك المركز والصاروخ المحلي الذي أطلق للفضاء والذي قيل بأنه يشبه الصاروخ شهاب3 أو نسخة معدلة عنه، والذي يعمل بالوقود الصلب وبضعفي سرعة الصوت، ويبلغ مداه النظري 1600كم والذي زيد ليبلغ 2000كم. وهناك بعض التقارير الاسرائيلية تشير إلى أن الصاروخ المذكور هو نفسه الصاروخ الكوري الشمالي No-dong-A ونفسه الصاروخ الباكستاني Ghauri-II.

وفي تعليق له على هذا الحدث قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد " يجب أن يكون لدينا وجود ناشط وفاعل في الفضاء"، وأضاف أيضا " لقد خطت إيران خطوتها الأولى ليكون لها وجود في الفضاء بقوة كبيرة ودقة وحكمة .. تصنيع قمر اصطناعي وإطلاقه إنجاز هام للغاية". وتعتبر هذه التصريحات دلالة واضحة على العزم الإيراني بالمضي قدما في برنامجها الفضائي، والذي لاقى ترحيبا في الأوساط الشعبية والسياسية الإيرانية، وأن ذلك البرنامج ليس مهما فقط على الصعيد الاستراتيجي وإنما لأهميته المعنوية الوطنية وانه دليل على نجاح الثورة الإسلامية في تحقيق العديد من الانجازات على الصعيد العلمي والتكنولوجيا المتقدمة.

وقال وزير الدفاع مصطفى محمد نجار الذي اوردت تصريحه وكالة "فار" للانباء ان القمر الاصطناعي سيطلق "الى الفضاء خلال شهر خورداد" الذي يبدأ في الحادي والعشرين من ايار(مايو). واوضح ان ايران تنوي بحلول العام 2015 "صنع قمرين اصطناعيين للاتصالات والابحاث ومحطة لقياس البعد فضلا عن قمر اصطناعي مشترك مع دول اسلامية".
 
وتحدثت التقارير بعد فترة وجيزة من إطلاق الصاروخ عن معدات القياس العلمية التي كان يحملها الصاروخ والتي قامت ببث معلومات عن الموقع الجغرافي وسرعة الرياح والضغط الجوي ودرجة الحرارة وما إلى ذلك. وأكدت وكالة الأنباء الإيرانية أن الصاروخ سيستخدم في إطلاق القمر الصناعي الإيراني " أوميد " والذي يعني باللغة الفارسية الأمل في آذار / مارس 2009 مع بداية السنة الفارسية، ولا تتوفر الكثير من المعلومات حول هذا الصاروخ، سوى أنه قمر مخصص لأغراض البحث صنعه علماء إيرانيون وأنه يهدف إلى رصد الكوارث الطبيعية. كذلك ذكر أن هذا القمر سيحلق، بعد إطلاقه، على ارتفاع 650 كم وأنه سيمر فوق إيران 5 أو 6 مرات في اليوم.
 
وفي هذا السياق أشار رئيس منظمة العلوم الفضائية أحمد طالب زادة انه سيتم إطلاق صاروخي الأبحاث (۲) و(۳) اللذان تم تصميمهما وصناعتهما داخل البلاد على يد الفنيين والمتخصصين الإيرانيين، إلى الفضاء قريبا. وأكد أحمد طالب زادة رئيس منظمة العلوم الفضائية الإيرانية أن تجربة إطلاق الصاروخ الحامل للأقمار الصناعية (كاوشكر "باحث" ۱) كانت ناجحة وأشار طالب زادة إلى مراحل تنفيذ التجربة قائلاً: أن الصاروخ (باحث ۱) الحامل للأقمار الصناعية عمل بنجاح على مرحلتين. وأضاف: في المرحلة الأولى التي استمرت ۹۰ ثانية بعد الإطلاق انفصل الجزء الأول من الصاروخ وعاد إلى الأرض بالمظلة. وتابع: أما في المرحلة الثانية فقد انطلق الجزء الثاني إلى ارتفاع ۲۰۰ كيلومتر، حيث كان مزودا بمجسات وأنظمة استطاعت أن تتلقى علامات أرسلت من المحطة الأرضية وأعادت إرسالها.
 
وتجدر الإشارة إلى أن إيران تملك حاليا قمرا اصطناعيا واحدا هو "سينا1" تم إنتاجه في روسيا ووضع في المدار في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 بصاروخ روسي من طراز "كوزموس3-أم" أطلق من المنصة الروسية في بليسيتسك ، وهو قمر اصطناعي يبلغ وزنه 170 كغم يستخدم لأغراض البحث، لكن لا تتوفر فيه، حسبما ذكر، قدرة تصوير بجودة عسكرية... وفي اتفاق تم التوقيع عليه في كانون الثاني/ يناير 2005 ينص على قيام روسيا بتصنيع قمر اصطناعي آخر لصالح إيران يدعى "زوريه" بموجب اتفاق وقع في كانون الثاني(يناير) 2005 ولكن ذلك تأخر بل بالأحرى لم يتم حتى الآن بسبب رفض مؤسسات أوروبية تصنيع أجزاء من هذا القمر لتسليمها لروسيا لأنها لا تريد المساهمة في صنع قمر صناعي إيراني، حسب ما أشارت المصادر الروسية في إطار تبريرها للتأخير.

ومن الجدير بالذكر أن تاريخ البرنامج الفضائي الإيراني يعود إلى أيام الشاه في 1974 بتوقيع عقد من 30 بليون دولار لبناء محطات نووية ولكن ذلك المشروع قد توقف مع الاطاحة بالشاه. ولكن مع إشتعال فتيل الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي، سعت إيران إلى امتلاك قدرة صاروخية ليكون لها قصب السبق في حربها مع العراق وقد استفادت في هذا المضمار من خبرات كوريا الشمالية والصين وروسيا، وكانت البداية مع حصولها على الصاروخ الروسي سكود " R-17 " ومن ثم قامت إيران بتطوير صاروخ شهاب 1ويبلغ مداه 200ميل والذي كان نسخة مطورة عن " Scud – B"قيل بأنها حصلت عليه من خلال سوريا في 1985.
 
ومنه تطورت سلسلة صورايخ شهاب 2 والذي يبلغ مداه 300 ميل ، وشهاب 3 ويبلغ مداه 800 ميل ، وهناك شهاب 4 وشهاب 5 وهما لا زالا قيد التطوير. وسوف يطلق صاروخ إيراني فضائي Kavoshgar-1 ( سفير) في شهر مارس وهو يضم القمر الصناعي (أوميد ) وهو من صناعة إيرانية وهو مكون من مرحلتين. وتخطط إيران لإطلاق خمسة أقمار صناعية أخرى وهي:

1. Zohreh – الزُهرة ( قمر صناعي إيراني الصنع للاتصالات و البث الفضائي بالتعاون مع روسيا) أما قمر الاتصالات "زُهرة" الذي مر بمراحل وأطوار عديدة منذ عهد (حكم) الشاه، فمن المقرر أن تتولى بناءه، في طوره الأخير، شركة روسية وسيكون مزوداً بمعدات بث من صنع دول أوروبية غربية.
2. Mesbah - مصباح ( قمر صناعي إيراني الصنع بالتعاون مع ايطاليا) وكان من المقرر أن يتم إطلاق هذا القمر في 2003، الذي يبلغ وزنه 65 كغم، بواسطة صاروخ إطلاق إيراني.
3. ZS4
4. SM2S
5. Sepehr – سفير وهو قمر صناعي يزن 25 كغم

وعطفا على ما سبق يلاحظ أن ايران تسعى بقوة وزخم لأن تحتل مرتبة متقدمة ـ التاسعة أو العاشرة ـ في صفوف الدول الفضائية بميزانية تبلغ 500 مليون دولار وهي ميزانية معقولة إذا نظرنا الى القائمة أدناه والتي تضم الدول الأعضاء في النادي الفضائي:

الرقم الدولة الميزانية بالدولار
1 الولايات المتحدة 16بليون
2 وكالة الفضاء الأوروبية 4.260بليون
3 فرنسا 2.49بليون
4 اليابان 2.0 بليون
5 روسيا 1.4بليون
6 ألمانيا 1.242بليون
7 ايطاليا 978 مليون
8 الهند 815مليون
9 الصين 500مليون
10 إيران 500مليون
11 المملكة المتحدة 414مليون
12 كندا 321مليون
13 أوكرانيا 250-300مليون
14 بلجيكا 230مليون
15 اسبانيا 175مليون
16 هولندا 160مليون
17 كوريا الجنوبية 150مليون
18 البرازيل 120مليون
19 سويسرا 110 مليون
20 السويد 100 مليون

ولا بد هنا من الإشارة الى نقطة مهمة إلى أن هناك فرق كبير بين من يملك القدرة على اطلاق صواريخ الى الفضاء وبين من يملك القدرة على صنع أقمار صناعية خصوصا إذا علمنا أن الدول التي لديها القدرات التكنولوجية لإطلاق أقمار صناعية بواسطة الصواريخ معدودة على اصابع اليد وهي :

1. الصين بواسطة صاروخها Long March "المسيرة الطويلة"
2. الاتحاد الأوروبي بواسطة صاروخ Ariane "ايريان"
3. اسرائيل بواسطة صاروخها SHAVIT "شافيت"
4. اليابان بواسطة صواريخ H , J , M
5. روسيا بواسطة صاروخ Zenit
6. الولايات المتحدة بواسطة صاروخ Atlas

وتسعى البرازيل والهند للحاق بركب تلك الدول ولكنهما "بالرغم من تقدمهما التكنولوجي" لم تمتلكا التكنولوجيا الكافية بعد.
ولذلك تشير بعض التقارير في هذا المجال أن البرنامج الايراني الفضائي ليس بمعزل عن التنسيق المشترك مع بعض الدول الأخرى مثل الباكستان وكوريا الشمالية والصين، وهذا قد ينفي عنه الطابع المحلي البحت الذي تتحدث عنه الحكومة الإيرانية، خصوصا إذا نظرنا بعين الإعتبار أن روسيا رغم تقدمها التقني في هذا المجال كانت عاجزة عن إكمال مشروع القمر الصناعي "زوريه" وكانت بحاجة إلى قطع اوروبية لإكمال المشروع.

وكالة الفضاء الإيرانية: http://www.isa.ir/en/
أقيم مركز الاختبارات للوكالة الفضائية في منطقة صحراوية غير مأهولة بالسكان في إقليم سمنان جنوب شرق العاصمة طهران ويحتوي المركز على جهاز للمراقبة والتحكم عن بعد بالأقمار الاصطناعية وميدان لإطلاق الأقمار الاصطناعية، وهناك بنايات للمركز تحت الأرض،. وهو على مقربة من مركز تطوير الصواريخ البالستية.

أهداف البرنامج الفضائي الإيراني:
1. ترى ايران من خلال برنامجها الفضائي أنها ستحقق قفزة هامة ونوعية على الصعيد الداخلي والذي من شأنه أن يعزز مكانة النظام الحاكم في الأوساط الشعبية ، بل قد يوحد الشعب الايراني خلف حكومته لأنهم سيرون في هذا المشروع إنجاز تكنولوجي يحقق لها توازن مع القوى الموجودة في المنطقة وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل.
2. تعزيز مكانتها العلمية في العالم الاسلامي، والذي سيجعلها الدولة الاسلامية الاولى التي ستدخل عالم التقنية الفضائية، كما هي باكستان التي تمكنت أن تكون الاولى في العالم الإسلامي لدخولها النادي النووي.
3. تحاول ايران من خلال برنامجها الفضائي كسر الاحتكار الإسرائيلي لهذا المجال والتي قطعت شوطا مهما على صعيد برامجها الفضائية وصواريخ " اريحا " البالستية وإمكانياتها التقنية العالية.
4. التجسس على دول الجوار يمكن أن يشكل احد الأهداف المهمة للبرنامج الفضائي الإيراني، ففي دراسة للواء الدكتور محمد جمال محفوظ منشورة في أحد الدوريات العسكرية العربية ذكر فيها أن إيران تتطلع إلى التجسس على دول الجوار، العربية عموما أو الخليجية، وخصوصاً العراق، ومن دول الجوار أيضاً تركيا وإسرائيل، هذا بخلاف مراقبة التواجد الأمريكي في المنطقة، خصوصاً في كل من العراق وأفغانستان والقواعد الأمريكية الأخرى في المنطقة، والتي قد تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في حال عدوانها على إيران، والتي أعلنت إيران أنها ستصبح هدفاً لها في حال تعرضها لأي عدوان خارجي أمريكي أو إسرائيلي.
 
ودون شك سيكون للبرنامج الفضائي الإيراني انعكاسات محلية ودولية شبيهة في تأثيراتها التي أحدثتها البرامج النووية الايرانية، وستنعكس على الأوضاع في الشرق الأوسط والتي من شأنها أيضا أن تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة التي تعج أصلا بنقاط التوتر، ناهيك عن البرنامج النووي الذي أثار الكثير من الجدل والتوتر في المنطقة وسعي بعض الأطراف الإقليمية إلى الحديث علنا عن نيتها في السعي إلى امتلاك القدرة النووية للأغراض السلمية . وينظر الأوروبيون والأمريكيون بعين القلق إلى المشروع الفضائي الإيراني، يتبين ذلك واضحا بموقف البيت الذي اعرب عن "اسفه" لقيام ايران بإطلاق صاروخ الى الفضاء، محذرا من ان ذلك قد يزيد من عزلة الجمهورية الاسلامية في المجتمع الدولي. وقالت مصادر مطلعة في الخارجية الروسية أن موسكو تشعر بالقلق من التجربة الإيرانية للصاروخ الفضائي "كاوشكر – 1"، مما يزيد الشكوك حول وجود نية لدى إيران بتطوير اسلحة نووية.
 
وعلى الرغم مما حققته ايران في مشروعها الفضائي ورغبتها الأكيدة في امتلاك قدرات متقدمة في مضمار الأقمار الصناعية، سواء كان ذلك لأسباب مرتبطة بالاحتياجات الإتصالاتية والعلمية والاقتصادية أو للأغراض العسكرية، واستعدادها لاستثمار الكثير من الأموال في هذا الإطار، إلا أن المشروع لا يعدو كونه الخطوة الأولى في هذا المجال، وتنطوي على الكثير من الآمال المستقبلية والمعنوية أكثر منها عملية. ومن المؤكد أيضا أن تواجه ايران الكثير من الصعوبات في تنفيذ هذا المشروع سواء على صعيد الانعكاسات السياسية أو حتى الحصول على التقنية المناسبة الضرورية لتنفيذ مثل هذه المشاريع المعقدة ذات التقنية المتقدمة.