A+ A-
تداعيات الازمة المالية العالمية على حاكمية الشركات في الاردن

2010-03-15

الحلايقة: الأزمة المالية العالمية اكبر اعتداء على مفهوم الحاكمية
الوزني: الأردن لم يتاثر بالأزمة ولكنه مارس سياسة الهلع التي أدت لسياسات مالية غير حكيمة
 
اكد الخبيران الاقتصاديان محمد الحلايقة وخالد الوزني ان الأردن لم يتأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم وعدداً من دول المنطقة لا سيما الخليجية منها، وأدت لانهيار عدد كبير من المؤسسات المالية والمصرفية غير انهما انتقدا سياسة التشدد المالي التي انتهجتها المؤسسات المالية في الأردن مؤكدين انه لا يوجد اي مبرر لممارسة مثل هذه السياسة الانكماشية التي اثرت سلباً على دوران عجلة الاقتصاد.
 
وفي مائدة مستديرة نظمها مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان "تأثيرات الأزمة المالية العالمية على حوكمة الشركات في الأردن" وأدارتها عضو مجلس ادارة غرفة تجارة عمان السيدة ريم بدران، قال الدكتور محمد الحلايقة رئيس جميعة حوكمة الشركات، ان اسباب الأزمة المالية العالمية باتت معروفة للجميع واصفاً ما جرى بأنه اكبر اعتداء على مفهوم الحاكمية الذي هو مفهوم سوقت له الولايات المتحدة، كما سوقت لمفاهيم سابقة غيره مثل مفهوم الأيزو ومفهوم الرقابة وغيرها.
 
وقال الحلايقة ان الأزمة الأخيرة ادت لانهيار الثقة في النظام الرأسمالي، وأعادت طرح نظريات اقتصادية اخرى على مائدة البحث مثل النظرية الشيوعية، والنظام المالي الإسلامي وغيرها.
 
وقدم الحلايقة عرضاً لمفهوم الحاكمية، فقال انها تعني الرقابة والمحاسبة من خلال النصوص القانونية التي تحدد أدوار الشركات وآلية تطبيق القوانين بين مختلف الفرقاء والهيئات التي تحكم عمل الشركات، إضافة الى المسئولية الأدبية التي تعتبر عاملاً رئيسياً في مفهوم الحاكمية.
 
وتابع الحلايقة بالقول يتبع ذلك رقابة عدة جهات ابرزها البنك المركزي وجمعية البنوك والمدقق الداخلي والخارجي وغيرها .. وتساءل الحلايقة، اين كانت هذه الهيئات عندما انفلت عقال القطاع المالي في نيويورك؟! وقال مبدياً استغرابه، انه وعلى الرغم من حجم الكارثة التي حلت بالقطاع المالي العالمي فإننا لم نسمع عن تقديم اي شخص من المسئولين في المؤسسات المالية للمحاكمة او ان اي منهم فقد وظيفته مشيرا الى ان كل ما حدث بحق هؤلاء تمثل في تقييد رواتبهم وحوافزهم.
 
وأعرب الحلايقة عن إعتقاده ان تواطؤاً قد حدث بين هيئات الرقابة من البنك المركزي الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية، والمسئولين في هذه المؤسسات، حيث اغفلت الجهات الرقابية الحكومية والخاصة أعينها عن كل ما كان يجري.
 
وتابع الحلايقة ان الشركات التي انهارت هي مؤسسات عملاقة موضحاً ان عدد المؤسسات المالية العالمية التي تعرضت للإنهيار بلغ نحو 165 مؤسسة.
 
وقال الحلايقة ان الأزمة ادت للتشكيك وعدم مصداقية في المفاهيم الاقتصادية التي تاتي من الغرب وخاصة من امريكا ليضاف ذلك الى انعدام المصداقية السياسية.
 
وتحدث الحلايقة عن النتائج السلبية والإيجابية التي تركتها الأزمة على دول المنطقة ومنها الأردن، فقال ان دول الخليج العربي كانت من اكبر المتضررين بعد الولايات المتحدة بتأثيرات الأزمة المالية العالمية، مقدراً خسائرها بحوالي 2 تريليون دولار أمريكي.
 
وفيما يتعلق بالنتائج الإيجابية للأزمة، قال الحلايقة أن المستثمرين العرب تعلموا درساً رئيسياً وهو انه يجب البحث عن استثمارات آمنة في المنطقة العربية بدلاً من توجيه الإستثمارات للخارج، لا سيما للولايات المتحدة.
 
واعتبر الحلايقة ان من ابرز الإيجابيات التي افرزتها الأزمة انه اصبح هناك تشديد اكبر على عمل المؤسسات المصرفية من حيث عمليات الإقراض وإدارة المحافظ المالية وتقييم الفرص الاستثمارية وغيرها، وأن ذلك انعكس على المواطنين بحيث أصبح غالبيتهم اكثر حكمة وحذرا في خوض العمليات الاستثمارية. غير ان الحلايقة انتقد التشدد المفرط الذي انتهجه الجهاز المصرفي الأردني خاصة فيما يتعلق بمنح القروض والتسهيلات مما ادى حسب الحلايقة لهبوط سوق الأسهم بنسبة 25%، محذراً من ان هذا التشدد في ادارة السياسة النقدية سوف يحرم القطاع الخاص من السيولة مما سينعكس على خزينة الدولة وفرص العمل وحركة الاستهلاك، الأمر الذي سيترك آثاراً سلبية مستقبلية على حركة الاقتصاد.
 
وأكد المدير العام السابق للضمان الاجتماعي الرئيس التنفيذي لشركة دارات الأردنية القابضة الدكتور خالد الوزني ما ذهب اليه الحلايقة من ان الأزمة المالية العالمية لم تؤثر بشكل كبير على الأردن، وقال ان الأزمة المالية العالمية لم تضرب الاقتصاد الوطني بمؤسساته وبنوكه وشركاته بشكل جوهري، معتبرا أن الأزمة الحالية في الأردن هي من صنع محلي تشترك فيها البنوك مع السياسات غير الحصيفة من قبل المسؤولين والأفراد ولن تعالج إلا محلياً.
 
وقال الوزني ان الأردن تأثر بالوهم.. ومارس سياسة الرعب والهلع فأخذت الحكومة تصدر السندات وأذونات الخزينة بمقدار مليار دينار ونصف المليار، وهو اكبر اقتراض داخلي يسجل للحكومة على الإطلاق. وتابع لا توجد ازمة سيولة في الأردن بدليل وجود ودائع بمقدار 4 مليار دينار، من اصل 5 مليار، قابلة للإقراض، لكن المؤسسات المصرفية تتخذ اجراءات انكماشية مشددة مما يؤثر على حجم القروض وتنفيذ المشاريع.
 
وأكد الوزني ان الأزمة المالية العالمية لم تبدأ في أيلول عام 2008 وإنما في أيلول من عام 2000 عند انهيار "إنرون" مع سوء تطبيق الحاكمية الرشيدة، وقال لم يصحو العالم الا بعد انهيار المؤسسات الكبرى.
 
وتحدث الوزني عن اهمية مفهوم الحوكمة الذي يتضمن مجموعة قواعد ومعايير ناظمة في مسألة السلطة والحكم تؤكد على مبادئ الإفصاح وحسن الأداء. وقال ان اهمية هذا المفهوم زادت خلال العقدين الأخيرين نتيجة التحول الضخم الى أقتصاديات السوق المنفتح غير المنضبط، إضافة الى ذلك حجم الأموال الكبير الذي بات ينتقل بين الدول بسرعة كبيرة ودون ضوابط احياناً وتزايد انتقال الاستثمارات ورؤوس الأموال والشركات المتعدية الجنسية التي اصبحت موجودة في كل مكان، معرباً عن اعتقاده ان عدم تطبيق مفهوم الحاكمية في ظل طبيعة الوضع الاقتصادي العالمي يعني الدخول في حالة فوضى.
 
واعتبر الوزني ان القوانين الناظمة لعمل المؤسسات والشركات في الاردن كافية لتطبيق مبدأ الحوكمة الذي يمس الجميع حتى صانع القرار السياسي والاقتصادي، غير انه اكد أن الأهم من وجود القوانين هو تطبيقها وفق اسس سليمة ومتابعة تطبيقها.
 
واعتبر الوزني ان سوء حاكمية الحكومات في اكبر دول العالم مصحوبة بسوء الرقابة كانت اهم اسباب الأزمة العالمية، مبيناً ان دور الدولة بات أكبر بعد التخاصية لبروز دور رقابي مهم للدولة متمثل في التأكد من تطبيق آلية السوق وفق أسس صحيحة. فنظرية "اليد الخفية" وفقاً للوزني لم تعد لها وجود مع انهيار مدرسة ميلتون فريدمان الاقتصادية.
 
ونوه الوزني الى الخطأ الذي وقعت فيه المؤسسات الدولية الكبرى والبنوك وهو الخلط بين المدراء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين وصناع القرار، اضافة الى المكافآت الخيالية التي يتقاضاها المدراء التنفيذيون، وهو ما ادى لتفاقم الأزمة المالية العالمية.
 
وعبّر الوزني ان الوضع الحالي هو اشبه ما يكون بما أسماه "مكيافيلية اقتصادية جديدة"، بحيث يتم تحقيق أهداف المؤسسات بأي وسيلة ممكنة وتبرير مشروعية بكون المساهمين راضين عن هذا السلوك.
 
وقال الوزني انه اذا لم يتم التشديد على المحاسبة والمساءلة والرقابة على المؤسسات فإن المشكلة ستستمر، ودعا الى ضرورة جمع الجهات المعنية على مائدة واحدة لتدارس الوضع المالي والاقتصادي المحلي كون الأزمة المالية في الأردن هي صنع محلي. وما لم يحدث ذلك فإننا سوف نضطر مجدداً الى إحضار صندوق النقد الدولي للتدخل ولإعطائنا تعليمات ووصفات جديدة.
 
ودعا الوزني الى مجموعة من الإجراءات التي من شأنها معالجة تبعات الأزمة المالية في الأردن، والمتمثلة في: البحث عن طرق جديدة لجلب الاستثمارات الأجنبية الى الأردن؛ ضرورة تطبيق أسس الحاكمية الرشيدة بحيث يطمئن المستثمر الى البيئة الاستثمارية التي يعمل فيها؛ تأسيس مؤسسة دولية تعمل على مراقبة تطبيق الحاكمية الرشيدة على مستوى العالم؛ اعماد نظام ادارة المخاطر على مستوى الدولة والمؤسسات، مؤكداً ان الأهم من إدارة الأزمات هو تجنبها.
 
وأخيراً شدد الوزني على ضرورة تعزيز الإدارة الرشيدة في الشركات، عبر العمل على ان يكون مجلس الإدارة مستقل تماماً مؤكداً على اهمية إطلاع المجلس على كافة امور الشركة. كما ينبغي تدريب اعضاء مجلس الإدارة على ممارسة دورهم في المساءلة والمحاسبة، ومن المهم إجراء تقييم سنوي لأداء مجلس الإدارة. كما نوّه الى ضرورة عدم تضارب مصالح أعضاء مجلس الإدارة مع مصالح الشركة، مؤكداً على أهمية العضو المستقل خاصة في مجالس ادارة الشركات العائلية.
 
وشارك في اعمال الورشة عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين ومدراء الدوائر الاقتصادية في غرف الصناعة والتجارة وفي الأحزاب السياسية.