A+ A-
الأزمة النووية الإيرانية: نتائج العقوبات الاقتصادية
2006-09-07
تجاهلت ايران موعد الإنذار النهائي الذي وجهه مجلس الامن التابع للامم المتحدة وتواصل رفضها بتعليق تخصيب اليورانيوم. ومع هذا الرفض يتوجب على مجلس الامن ان يقرر خطواته القادمة, والولايات المتحدة الامريكية هي العضو الوحيد في مجلس الامن التي تؤيد اتخاذ خطوات سياسية مبكرة وفرض عقوبات اقتصادية. وإذا لم يتم تحقيق الاتفاق في مجلس الامن فان واشنطن قد تحاول ايجاد آلية للعقوبات تتجاوز فيها مجلس الامن.
 
ويمكن القول ان العقوبات الاقتصادية المحتملة تقع فعلاً في نطاق المجموعة الدوليةَ والتي تشمل تجميد الصفقاتِ الماليةِ واتفاقيات التعاون بكافة أشكالها من خلال فرض القيود على تجارة المواد الحساسة, وتجميد الممتلكات الايرانية في الخارج وصولا الى تحقيق الحصار الاقتصادي الكامل.كما انه من الواضح ان الشكل الاول والثاني من العقوبات سيكون لديهما تأثيرات محدودة ومن المحتمل ان يتم تبنيهما بشكل رئيسي على أساس ان تدرك ايران النوايا الجدية للمجتمع الدولي.وخلافا لذلك فان الحصار الشامل سيترتب عليه أثمان كبيرة.
 
وفيما إذا تم فرض مثل هذه المقاطعة فان ايران يمكن ان تقاوم العقوبات لبعض الوقت ولكن الثمن سيكون عاليا جدا, فالحصار سيعكس اتجاهات التنمية في ايران والمستمرة منذ سنوات عديدة, وتكون سببا في إلحاق الضرر بملايين الدولارات, كما سيكون هناك انخفاض حاد في مستويات المعيشة.
 
يبلغ عدد سكان ايران حاليا 68 مليون, وهي دولة غنية بالمصادر الطبيعية, ويوجد في حقولها النفطية حوالي 133 بليون برميل من النفط, اي حوالي 11,5% من احتياطي النفط العالمي, وبلغت التقديرات للصادرات الايرانية لعام 2005 حوالي 55 بليون. بلغت حصة النفط من قيمة هذه الصادرات حوالي 80% , أما النسبة الباقية لقيمة الصادرات فقد شملت المنتجات الكيماوية, والبتروكيماويات, والمنتجات الزراعية, والسجاد. وتمثلت أسواق التصدير الايرانية الرئيسية كما يلي:

• اليابان 17,3%.
• الصين 11,4%.
• إيطاليا 6,2 %.
• جنوب افريقيا 5,5 %.
• كوريا الجنوبية 5,2 %.
• فرنسا 4,5 %.
• تركيا 4,5 %.
• تايوان 4,3 %.
• هولندا 4,3 %.
 
تقوم ايران بتصدير حوالي 2,4 مليون برميل من النفط يوميا من قيمة إنتاجها الكلي البالغ 4 ملايين برميل, وفي سياق الأسعار الحالية للنفط والبالغة حوالي 70 دولار للبرميل فان ذلك من شأنه ان يجلب للخزينة الايرانية حوالي 60 بليون دولار سنويا مقابل 50 بليون دولار لعام 2005, و20 بليون دولار في عام 2001.تعتبر الواردات النفطية المصدر الرئيسي للأموال اللازمة لتمويل الاستيراد في ايران, كما أنها تشكل العنصر الأساسي في الدخل الوطني.وفي عام 2005 بلغ حجم الاستيراد 43 بليون دولار اي ما يعادل 23 % من الدخل القومي ضمن معدلات سعر الصرف الرسمي. وتتشكل الواردات الرئيسية من المواد الخام, والماكينات الصناعية, والمنتجات النفطية, الغذاء, والسلع الاستهلاكية, والمواد الدفاعية. ومع ذلك تعتبر ايران مستورد رئيسي للنفط, فهي بحاجة لاستيراد البنزين لتدني قدرات منشئات تكرير النفط وهي لا تلبي حاجة الأسواق المحلية. ان مقاطعة ايران ستجبرها للتقليل من استهلاكها لمادة البنزين الى حوالي 37%. والمصادر الرئيسية للواردات الايرانية كما يلي:

• ألمانيا 14,2%.
• الصين 8,3%.
• إيطاليا 7,5%.
• الإمارات العربية 6,7%.
• كوريا الجنوبية 6,4%.
• فرنسا 6,2%.
• روسيا 5,3%.
 
من الناحية الفنية سيكون بالإمكان فرض المقاطعة على الصادرات الايرانية دون التوقف عن السماح بالتصدير إليها, وهذا بالتالي سيسمح لايران باستيراد البضائع ودفع قيمتها من احتياطاتها من العملات الصعبة والتي قدرت بحوالي 45 بليون دولار في أواخر عام 2005.ان المقاطعة للصادرات الايرانية قد يلحق الأذى بإيران دون عرقلة السوق النفطية العالمية, ومع ذلك فقد تفكر ايران بالانتقام من خلال تحديد صادراتها النفطية.
 
يمكن ان تتمكن ايران من مقاومة العقوبات الاقتصادية لبعض الوقت اذا استطاعت المحافظة على تصميمها ووحدتها الداخلية ولكن الثمن لذلك سيكون عاليا. وفي السنوات الاخيرة تمتعت ايران بتحسن هام في وضعها الاقتصادي, انعكس ذلك في النمو السريع والثابت في معدل دخل الفرد. ويعود هذا الارتفاع في جزء كبير منه الى الارتفاع في اسعار النفط العالمية, والهبوط في نسبة الزيادة الطبيعية للسكان. ولكن في حال فرض الحصار الاقتصادي فان هذا كله سيتغير, فالدخل القومي سينخفض "والصناعة والتي تبلغ قيمتها حوالي 40% من الناتج القومي العام, ستتلقى ضربة قوية", والواردات ستهبط هبوطا حادا, ويتراجع تدفق العملات الصعبة بعشرات المليارات من الدولارات سنويا, وسيتوجب على الحكومة ان تفرض تخفيضات كبيرة في الميزانية وإلغاء العديد من المشاريع.ونتيجة لذلك فان مستوى المعيشة للفرد سيشهد انخفاضا حادا.وعلاوة على ذلك فان العقوبات ستساعد على حظر استيراد المواد الأولية والأجهزة الضرورية لتطوير الأسلحة الغير تقليدية, وصواريخ ارض- ارض, وسيحد ذلك من قدرة ايران على تصدير الأسلحة. وهذا سيترك ايران ايضا بمصادر اقل لدعم المنظمات الإرهابية, وتمويل تصدير الثورة الإسلامية للدول الأخرى بما فيها لبنان.
 
بالطبع سيكون هناك آثارا عكسية على الاقتصاد العالمي للحصار المفروض على صادرات ايران النفطية, ويشكل النفط الايراني حوالي 3% من الاستهلاك العالمي, وحوالي 5% من تجارة النفط العالمية, ولكن اغلب منتجي النفط الان في أقصى درجات طاقاتهم الإنتاجية, كما ان اسعار النفط الان حساسة جدا لأي تغيير في معدلات التجهيز.ولذلك فان قطع الصادرات الايرانية سيؤدي الى ارتفاع إضافي في اسعار النفط والتي من شأنها ان تعدل من خطوات نمو الاقتصاد العالمي. بالإضافة الى ان المقاطعة ستلحق الأذى بشركاء ايران التجاريين وعلى وجه التحديد الصين التي تعارض فرض اية عقوبات اقتصادية على ايران.
 
وعلى اية حال ولغرض إكمال الصورة يجب ايضا ملاحظة ان ايران النووية يمكن ان تهدد الاقتصاد العالمي بدرجة اكبر مما قد تفرضه العقوبات الاقتصادية.ان الخليج الفارسي اليوم يمتلك الثلثين من احتياطي النفط العالمي والى حين تطوير مصادر بديلة عن النفط فان العالم سيستمر بالاعتماد على الخليج كمصدر أساسي للطاقة.وتعرف ايران " بصقر الأسعار" في سوق النفط, وبالمقارنة مع السعودية ودول الخليج الأخرى المنتجة للنفط فانهم يعتقدون بان الأسعار العدوانية تبعد مستهلكي النفط الرئيسيين والذين يرغبون في المحافظة على علاقات ودية معهم, وان ذلك سيشجعهم على البحث عن مصادر بديلة للطاقة, والذي سيلحق الأذى بمصالحهم على المدى الطويل, وعلى سبيل المثال ففي اجتماع وزراء النفط لدول الاوبك الذي جرى في فيينا في الحادي والثلاثين من كانون الثاني 2006 طلبت ايران تخفيض الانتاج بمعدل مليون برميل في اليوم اي حوالي " 3,3% من الانتاج الكلي لمنظمة الاوبك" والدولة الوحيدة التي دعمت هذا الطلب هي فنزويلا وفي النهاية تم رفض القرار, ولكن عندما تكتسب ايران أسلحتها النووية يمكن ان تحاول حينها إملاء قواعد جديدة وأغلى على سوق النفط العالمي.
 

-ترجمة مركز القدس للدراسات السياسية