2004-02-16
الحكم الملكي الثنائي
عندما اسفر هجوم على مجمع سكني في الرياض عن مقتل 17 شخصا وجرح 122 اخرين في مطلع تشرين الثاني 2003، قلل مسؤولون امريكيون من اهمية الحادث وتاثيره على السياسة السعودية: "ان لدينا ايمان مطلق بان المسار الذي اختاره لهذا البلد الامير عبد الله، ولي العهد، والاصلاحات الاقتصادية والسياسية، لن يخضع لتاثير هؤلاء الارهابيين المرعبين"، كما قال مساعد وزير الخارجية الامريكي ريتشارد ارمتاغن اثناء قيامه بزيارة للرياض.
ولكن هذا الايمان، ان وجد، فانه في غير مكانه. ذلك ان اصلاحات الامير عبد الله قد تقلصت، وكان هذا التقلص قد بدأ في اعقاب هجوم مشابه قبل ستة اشهر من ذلك. ورغم ما كتبته الصحافة الامريكية، فان نهاية الاصلاحات هي تماما ما كان يأمل في تحقيقه المهاجمون وانصارهم الايديولوجيون. ولفهم السبب في ذلك..ولماذا يحتضن احد اكثر حلفاء واشنطن اخلاصا للنزعة المعادية للولايات المتحدة، لا بد للمرء من الغوص في الاعماق الضبابية للسياسات الداخلية في السعودية.
تعتبر الدولة السعودية كيانا متشظيا، مقسما بين اقطاعات الاسرة الملكية. ومن بين اقطاعات الاسرة الملكية. ومن بين اقوى اربعة او خمسة من الامراء، يبرز اثنان، هما: ولي العهد الامير عبد الله واخوه من ابيه، الامير نايف وزير الداخلية. والواضح ان العلاقة متوترة بين هذين الزعيمين. لكن للامير عبد الله مكانة اعلى في الولايات المتحدة. غير ان للامير نايف، في داخل السعودية، حيث يهيمن على الشرطة السرية، ظل اطول واكثر قتامة.ومنذ اصابة الملك فهد بجلطة في عام 1995، ظلت قضية الخلافة على العرش كالسيف المصلت على النظام بكامله، ولكن ليس لاي من الاميرين السلطة الكافية للاستيلاء على العرش.
ان السعودية تكابد الآم الازمة: فالاقتصاد لا يساير النمو السكاني، ودولة الرفاه تعاني من تدهور سريع، وتطفو الى السطح العداوات الاقليمية والمذهبية. وفاقم من هذه المشكلات ارتفاع حاد في النشاط الاسلامي المتطرف. ويتفق الكثيرون على ان النظام السياسي السعودي يجب ان يتطور بشكل ما، ولكن وجود فصام ثقافي عميق يمنع النخبة من الاتفاق على تفاصيل الاصلاح.
يعمل الحكم الملكي السعودي كوسيط بين فئتين سياسيتين متميزتين: نخبة غربية التوجه تنظر الى اوروبا والولايات المتحدة كنماذج للتطور السياسي، ومؤسسة دينية وهابية تتمسك بتفسيرها للعصر الذهبي للاسلام باعتباره الهادي والدليل. ويعتبر علماء الدين أي خطة تعطي غير الوهابين الحق في ابداء الراي على انها خطة وثنية. وقد اتخذ اقوى الامراء الاثنين في السعودية مواقف متعاكسة في هذا التناظر: فالامير عبد الله يميل نحو الاصلاحات الليبرالية وينشد التقارب مع الولايات المتحدة، بينما يقف الامير نايف في صف العلماء ويتلقى التوجيه من المؤسسة الدينية المعادية للولايات المتحدة والتي تشارك القاعدة في الكثير من الاهداف.
-المصدر : مجلة (فورن أفيزر)
- ترجمة : مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة