A+ A-
ورقة عمل العقيد عديل الشورمان في ورشة عمل "الامن والاعلام ...الرأي العام
2011-06-25
أشكر مركز القدس للدرسات السياسية ممثلا بمديره الاستاذ عريب الرنتاوي، وأشكر كذلك الاستاذ طارق المومني لحضوره ورشة العمل هذه، واشكر كافة الزملاء الحضور، وأن اعتبر نفسي جزء من الجسم الصحافي،والاعلامي فقد مارست هذه المهنة لمدة 20 عاما، وأعرف الهموم والضغوطات التي يتعرضون إليها، فانا رجل صحافة واعلام اضافة لكوني أحد رجال الأمن العام وسوف أتحدث اليوم بمنتهى الجرأة، والوضوح، والصراحة، عن العلاقة التي تربط بين رجل الشرطة، ورجل الصحافة والإعلام، وهي في الحقيقة علاقة جدلية منذ فترة طويلة من الزمن.

وكنت أتساءل هل المقصود هي العلاقة بين أجهزة الاعلام الأمني، أم وسائل الاعلام العامة، أم العلاقة بين الصحفي والشرطي بشكل عام، ولذلك لابد أن نقف على مفاصل الأمور. المشكلة التي تحدث بين رجل اشرطة- إن صح أن نسميها مشكلة- لأنه الأصل أن لا يكون هناك مشكلة، ولكن على أرض الواقع تحدث أحيانا اشكاليات، بين رجال الصحافة والاعلام، ورجال الشرطة، وهذه مردها إلى عدم تفهم كل طرف لحاجات الطرف الآخر، فرجل الشرطة يؤدي واجبه وعمله، ويتلقى تعليمات وأوامر ينفذها على أرض الواقع، ورجل الصحافة والاعلام لديه هموم وضغوط مهنية، وعوامل ذاتية ونفسية تدفعه، تدفعه للوصول للمهنية في أسرع سرعة ممكنة، لا سيما في ظل ثورة تكنلوجيا المعلومات والاتصالات، و التنافق المحموم بين وسائل الاعلام للوصول إلى المعلومة في أسرع سرعة ممكنة.

لذالك اذا فهم رجل الشرطة حاجات رجل الصحافة والاعلام، والضغوطات التي يتعرض لها، وطبيعة المهنة التي يمارسها، وفي المقابل تفهم رجل الصحافة والاعلام طبيعة عمل رجل الشرطة، وواجبه الملقى على عاتقه المتمثل في المحافظة على مكان الحدث، وكذلك فرض هيبة الدولة وسلطانها والمحافظة على أمن واسقرار المواطنين في المكان ، لذلك فإن تفهم كل طرف حاجات كل طرف، يمكن ان نصل إلى علاقة متوازنة إلى حد ما، ومتكافئة ما بين رجل الشرطة، ورجل الصحافة والاعلام، لاسيما ان لكل منهما دور يمارسه.

ونحن نعتقد أن وسائل الاعلام هي سند وظهير قوي جدا لجهاز الامن العام لأداء واجباتنا ومهماتنا ، ونعتبر أنها تحمل رسالة مهمة لا تقل عن أهمية الرسالة التي يحملها رجل الشرطة فكلاهما يسعيان لهدف واحد وهو الوصول لأمن المجتمع واستقراره. ولكن هذه العلاقة لماذا يشوبها في بعض الاحيان احتكاكات بين رجل الصحافة والاعلام ، ورجال الشرطة؟ وهنا سوف أتحدث عن بعض النقاط التي تؤثر في هذه العلاقة.

أولا: هناك طبيعية تصادمية لعمل رجل الشرطة، فعمل رجل الشرطة ظاهريا هو عمل تصادمي مع حريات المواطنين، فهذه الطبيعة التصادمية لعمل رجل الشرطة- التي تبدو ظاهريا لمن لا يفهمها ولا يفهم حقيقتها- قد تؤثر لحد كبير على نظرة رجل الصحافة والاعلام، لرجل الشرطة وإلى طبيعة أداءه لدوره.

ثانيا: الصورة الذهنية التي ما زلت حتى هذا الوقت ضبابية في نظرته لرجل الشرطة، ولحد الآن المواطنين ينظرون لرجال الشرطة أنهم موجودون لتحرير المخالفات ولزج الناس في السجون ومطاردة الناس في الشوارع وهذا سوء فهم من قبل جمهرة كبيرة من الناس لطبيعة عمل رجل الشرطة.
و رجل الصحافة والاعلام هو جزء من النسيج المجتمعي لذلك هذه الصورة الذهنية انسحبت على بعض العالمين في وسائل الصحافة والاعلام ومازلوا ينظرون لرجل الشرطة من هذا المنظار وهذا يؤثر على العلاقة التي تربط بين رجل الشرطة ورجال رجل الصحافة والاعلام.

ثالثا: كثير من وسائل الاعلام وكثير من رجال الصحافة والاعلام، أن لها واجب محدد، وأن عمل الصحافة هو حكرا على رجال الصحافة والاعلام، وليس لرجل الشرطة أن يمارس هذا الدور، كذلك ينكر كثير من العاملين في أجهزة الاعلام الأمني على رجل الصحافة والاعلام أن يمارس دور الاعلام الأمني، وهنا تحدث الاشكالية، وأنا أقول أي رسالة اعلامية الآن فيها شق أمني، فلا يوجد كلمة الآن في وسائل الاعلام إلا تحمل طابعا أمنيا، لذلك أقول لآن كل الاعلام يحمل طابع أمني، ولذلك اي رسالة، حتى لو كانت رسالة ترفيهية قد تحمل مضمون أمني، لذلك أعتبر الآن أن كل الاعلام هو أمني.

رابعا: إن أجهزة الإعلام الامني لا تمتلك من المقومات كما تمتلك وسائل الصحافة والاعلام، لذلك قد تكون الرسالة الاعلامية في المجال الأمني أقل جودة لاسيما من حيث الشكل، لأن أجهزة الإعلام الرسمي لا تمتلك المقومات التي تمتلكها وسائل الاعلام بشكل عام.

أيضا ينظر بعض رجل الصحافة والاعلام إلى أجهزة الاعلام الأمني أنه ما زال تطغى عليه بعض الشعارات البراقة، والكلمات الرنانة والتبريرات المضللة أحيانا، وهذا يشكك في مصداقية رسالة الاعلام الأمني، والحقيقة أن هذه المرحلة تجاوزناها إلى حد كبير واصبحنا نمارس العمل الاعلامي الامني بمنتهى الصراحة والجرءة والوضوح.

والآن مديرية الأمن العام اهتمت بهذه العلاقة التي تربط بين رجال الصحافة والاعلام، برجل الشرطة، ولذلك استحدثت المكتب الاعلامي والناطق الرسمي، حتى نسهل لرجل الاعلام الوصول إلى المعلومة، لاسيما أن أخبار الأمن العام هي اخبار دسمة لوسائل الاعلام ومن خلالها تتحقق الاثارة.

كذلك أنشأنا وظيفة ضابط الارتباط برتبة رائد ما بين مؤسسة الاذاعة التلفزيون، وكافة المحطات الفضائية المرئية، لكي ينسق اهتمامات الاعلاميين في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون وغيرها من الفضائيات حتى نسهل هذه العلاقة وحتى نسهل على رجل الصحافة والاعلام الوصول إلى المعلومة.

أما ما هو المطلوب لتعزيز العلاقة بين أجهزة الاعلام الأمني ووسائل الاعلام العامة؟
ووسائل الاعلام العامة لها أهداف تسعى إليها، والآن هناك نطريات تحكم الاعلام فلم يعد العمل الاعلامي عملا عشوائيا، فهو الآن يمارس في أعلى درجات المهنية، ورجل الصحافة في الأردن هو الأكثر كفاءة في أداء واجباته ومهامه. لكن ندرك في المقابل أن وسائل الاعلام تعمل وفقا لاهتمامتها، وهناك نظرية تسمى نظرية ترتيب الاهتمامات، وكل وسيلة اعلامية ترتب اهتماماتها وأخبارها ضمن اهتمامتها.

والآن الدولة تنبهت لمسألة مهمة جدا وهي أن وسائل الإعلام يجب أن تعمل على تهيئة الرأي العام، لما ستقوم به من خطوات، فهي مثلا عملت على رفع اسعار مشتقات النفط، واستبدلت كلمة الرفع بكلمة تعديل، ثم أخذت شوطا كافية في تهيئة الرأي العام من خلال الحورات الاقتصادية المرئية و المسموعة. والرأي العام هو الرأي السائد بين اغلبية الناس، وقد يكون الناس شقين مختلفين في نظرتهم لقضية ما، ووسائل الاعلام تسعى لكي تكسب أكبر عدد من الناس المؤيدين لقضية ما، حتى يصبح هناك رأي عام.

فعملت وسائل الإعلام على تهيئة الناس لتقبل قرار تحرير المشتقات النفطية، فزاد أعداد المؤيدين، حتى بقي هناك فئة قليلة تعارض هذه الخطوة، ولكنها هذه الفئة اصبحت مضطرة لأن تصمت أمام هذا الرأي العام، هذا الذي نتحدث عنه هو نظرية حديثة في الاعلام، والتي زادت عن 36 نظرية، وهذه النظرية تسمى " نظرية تدعيم الصمت" وهي من النظريات الحديثة في علم الصحافة والاعلام.

هل يفهم رجل الصحافة والاعلام أو يؤدي عمله في اطار هذه المهنية، أو في اطار فهمه لنظريات الاعلام، أم أن الرسالة الاعلامية هي رسالة عشوائية تصاغ من قبل أشخاض غير متخصصين. ونحن نعلم أن الرسالة الاعلامية تتكون من مجموعة من الرموز وكل رمز يحمل معنى، وكأننا نخزن المعاني في كلمات، فإن لم نصغ الرسالة الاعلامية بما يتوافق وثقافة المستقبل، فإن المستقبل سوف يفك رموز الرسالة الإعلامية على نحو خاطئ وبالتالي لن يصل الصحفي أو الاعلامي لهدفه الذي يرده، وقد تحدث أثرا غير الذي كان يريده صانع الرسالة الاعلامية.

أعود و أقول أننا نثق برجال الصحافة والاعلام وأنهم قادرون على اداء مهامهم وواجباتهم بكل كفاءة واقتدار، وانا فخور بهم وقد عملت معهم لفترة زمنية طويلة، وهم لا يقل حسهم الأمني عن الحس الأمني لدى أنا كرجل الشرطة. لذلك أعود وأقول أن المطلوب لتعزيز العلاقة بين رجل الصحافة والاعلام، ورجل الشرطة أن يتفهم كل طرف طبيعة عمل كل الطرف الآخر، حتى نصل لعلاقة متوازنة إلى حد ما. ونحن نعرف أن كل وسيلة اعلامية لها أجندة خاصة بها، وكنا نتحدث عن ترتيب الاهتمامات، ويجب أن يفهم رجل الشرطة أن رجل الصحافة والاعلام يؤدي واجبه ضمن أجندته الإعلامية الخاصة به.

وهناك نقطة مهمة جدا ماالذي يحدث في مكان الحدث، وهي مدار للحديث والسؤال؟
في موقع الحدث رجل الشرطة لا يعرف الصحفي أو الاعلامي فهم جزء من الموجودين في مكان الحدث، فيعامله الشرطي كغيره من الموجودين، حتى لو عرف رجل الشرطة الاعلامي أو الصحفي في مكان الحدث المطلوب منه أن يعرف كيف يتعامل معه وما هي الحدود المسموح فيها للصحافي أو الاعلامي أن يقترب من مكان الحدث أو أن يحصل على المعلومة.

وآمل أن تفتح ورشة العمل هذه المزيد من الحوارات والنقاشات لمناقشة العلاقة التي تربط بين رجل الصحافة والاعلام والشرطة، لأنها علاقة مهمة جدا ولا يمكن لرجل الصحافة و الاعلامي ان يتعاون مع الرجل الشرطي إلا اذا عرف أن رجل الشرطة متفهم لطبيعة عمله وطبيعة المهمة المناطة به، فإذا كان كل طرف متفهم لطبيعة عمل الطرف الآخر فسوف نصل لعلاقة قوية جدا وإلى تفاهم وتعاون لصياغة رسائل اعلامية قادرة على المحافظة على أمن المجتمع واستقراه في ظل الأمن الاعلامي بشكل العام وفي ظل المحافظة على أمن الوطن، وأن يكون هدفنا من الرسالة الاعلامية دائما سقفها الأعلى أمن الوطن.