A+ A-
تقسيم اليمن : تنظيم القاعدة يستغل الانقسامات الاجتماعية للدفع ببرنامجه للأمام
2010-05-13

بقلم : سارة فيليبسالمصدر : جيمس تاون فاونديشن
ترجمة: صادق أبو السعود

منذ ظهوره في كانون الثاني 2009، أصبح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أكثر طموحا في تنفيذ العمليات الإرهابية الدولية، حيث نما هذا الطموح بسرعة كبيرة تحت رغبتها المعلنة لقلب نظام الحكم اليمني، وتترجم ذلك من خلال الوصول أولا للمملكة العربية السعودية ومن ثم إلى الولايات المتحدة من خلال محاولة التفجير الفاشلة للطائرة الأمريكية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

تنظيم القاعدة في مجلته الالكترونية صدى الملاحم أوضح بأن هذا التحول الذي بدأ يشق طريقه في آب / أغسطس 2009، جاء كما يبدو وإلى حد كبير بناء على تصور التنظيم فوزه في معركته ضد النظام اليمني. وجاء في حديث مجلة صدى الملاحم" نحن نركز على المملكة العربية السعودية، لأن حكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على وشك الانهيار." وفي ذلك الشهر قام أحد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحاولة اغتيال نائب وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، وعلى الرغم أن المحاولة لم يكتب لها النجاح إلا أنها أوضحت بجلاء استعداد التنظيم لتنفيذ هجمات خارج الحدود اليمنية، والإعلان عن نفسه كمجموعة طليعية جديدة لتنظيم القاعدة على الصعيد الدولي. منذ محاولة تفجير طائرة الركاب الأمريكية الفاشلة في يوم عيد الميلاد، عام 2009، فقد ارتبط اسم اليمن بالعديد من العمليات حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تنفيذها، بما في ذلك محاولة الهجوم الفاشلة التي استهدفت منشآت نفطية سعودية، بالإضافة أيضا إلى وضع خطة تقوم بناء على قيام أحد موظفي شركة الخطوط الجوية البريطانية بتمرير معلومات أمنية إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وذلك حسب ما نشرت صحيفة ديلي ميل، في عددها الصادر في الثاني عشر من آذار / مارس. ولا شك أن الفشل الذي تعاني منه الدولة اليمنية في أداء الكثير من وظائفها، كان له الأثر الكبير في منح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب فرصة كبيرة في زرع الأسافين لتوسيع شقة الخلاف بين الأطراف اليمنية المختلفة والدولة، وأن يطرح نفسه كممثل شرعي سياسي مناهض للنظام والذي ينظر إليه على نطاق واسع كنظام فاسد، والذي ترافق أيضا مع ارتفاع وتيرة عنف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الصعيد الدولي، الذي استقبل المجندين الأجانب الذين يحملون جوازات سفر غربية للانضمام إلى معركته ضد الغرب حسب ما أوردت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في التاسع من آذار.

في حين أن مشاكل اليمن تتجاوز بكثير تلك التي تشمل تنظيم القاعدة، إلا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب دلالة كبيرة على الانقسام في النظام السياسي والاقتصادي للدولة اليمنية. إن مستوى التردي والضعف على الصعيد الاقتصادي على المستويين القصير والمتوسط قد وفر نافذة استطاع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب النفاذ منها والتأثير من خلالها، وعلى الرغم من المصاعب والعوائق التي قد يواجهها التنظيم على المدى الطويل، إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط كان لها تأثيرات عديدة أهمها:
• وفر لتنظيم القاعدة فتيلا لتفجير الأوضاع
• انتشار الإحساس بالظلم بين فئات كثيرة في المجتمع اليمني،
• تردي الأوضاع الاقتصادية أوجدت لها سبيلا لتجنيد المتشددين الإسلاميين الأجانب،
• الزيادة المطردة في أعمال العنف الجماعي في بعض الأجزاء من اليمن الجنوبي والتي تعتبر المصدر الأكبر للقلق.

التراجع الاقتصادي يهدد الاستقرار السياسي

لفهم الترابط بين هذه القضايا، لا بد من تقديم شرح موجز للاقتصاد السياسي في اليمن، فهو مثل العديد من الاقتصاديات التي تعتمد على النفط، يقوم النظام السياسي اليمني بصورة أساسية بالاعتماد على رعاية علاقاته ووظائفه وفقا لقدرة النظام على الحفاظ على شبكة واسعة من النخب الذين يعتمدون على الهبات من المركز، وكلما انخفضت المبالغ المالية التي يوزعها النظام ينخفض معها تأثير النظام على الشخصيات الرئيسية في تلك المناطق. وفي أمة تملك القليل من المؤسسات الرسمية العاملة بصورة فاعلة، حينها تحافظ الدولة على " نفوذها" غير الرسمي للحفاظ على تواصل علاقة المناطق مع المركز واستمرار الدولة. والنظام الآن لديه القليل من المال لتوزيعه من خلال شبكاته في البلاد ـ ثلاثة أرباع الميزانية التشغيلية للحكومة تأتي من عائدات النفط ولكن هذه الاحتياطيات يتم استنزافها بسرعة، بالإضافة إلى تراجع إيرادات النفط بنحو 40 ٪ في العام الماضي، الأمر الذي زاد من شلل ميزانية الحكومة التي تعاني من فقر مواردها أصلا، وهذا بدوره ساعد على ضعف تأثير النظام.

اليمن كانت دائما دولة فقيرة وشعبها بالتأكيد يتمتع بالمرونة، ولكن شيئا كبيرا قد تحول في السنوات الأخيرة، ومركز الجذب لهذا التحول يمكن رؤيته بصورة واضحة للغاية في التفاوت القائم للدخل بين تلك الفئات المدرجة ضمن شبكات نظام والمستبعدين منها، لذلك فإن صور الظلم وعدم توفر العدالة هي التصورات السائدة الآن، وهو الأمر الذي أثبت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مهارة عالية في استغلال هذه الظاهرة والتعبير عنها والترويج لها، فعلى سبيل المثال، في مقال نشرته "صدى الملاحم" في آب / أغسطس 2009 قالت: إن سكان المناطق الغنية بالنفط (مأرب وشبوة وحضرموت) يَدفعون لاضطهادهم وظلمهم من الثروة النفطية المختلسة من قبل حكومتهم" مع الثروة النفطية المختلسة من قبل حكومتهم. ويعتبر هذا تحولاً هاما في الطريقة التي يتم فيها عادة مناقشة النفط في وسائل الدعاية والإعلام لدى تنظيم القاعدة، فالنقاش الدائر ليس عن طمع الغرب في الحصول على النفط بأي ثمن، بل عن المجتمعات المحلية وعدم تلقيها لجزء من حقوقها في الثروة النفطية وذلك لأن الحكومة فاسدة وظالمة، هذا الشعور العميق بالظلم ساعد على خلق بيئة يصبح معها العنف أكثر منطقية من أي تهديدات محتملة كانت موجودة قبل سنوات قليلة مضت. وعلى أية حال، الملفت للنظر اليوم في اليمن وبصورة صادمة هو المظالم المشروعة، بما فيها تلك الواقعة على الجنوبيين من النظام القائم في الشمال، ويبدو أن ظاهرة تفاقم العداوات لتتحول في إطار جماعي آخذة في الارتفاع. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اليمنية أنشأت ميليشيات حراسة خاصة بها في الجنوب، تحت ذريعة الدفاع عن الوحدة.

التحول الأمني السريع في الجنوب

تتكشف الأحداث في اليمن بصورة سريعة وعلى نحو مثير للقلق، فقبل عامين كان من الممكن لشخص أجنبي من السفر بحرية نسبيا في معظم أنحاء الجنوب السابق، والآن تشير التقارير إلى خوف اليمنيين من العصابات خصوصا في محافظات شبوة، الضالع، لحج، و أبين. وعلى سبيل المثال، ففي يوليو / تموز 2009 ، تم اختطاف أربعة من أفراد عائلة واحدة في محافظة لحج الجنوبية من قبل جيرانهم، الذين اتهموهم بأنهم جواسيس للنظام في الشمال، وتم إعدام الوالد وأحد أبنائه وصهره، بينما تمكن ابنه الآخر من الهرب.

إذا كانت هذه الاغتيالات وقعت بمعزل عن الأحداث وبصورة منفصلة عنها، فلن تكون بالضرورة مؤشرا على اتجاه أوسع، ولكن جرائم من هذا النوع آخذة في الازدياد. وبعد وقت قصير من عملية القتل لأفراد العائلة، تم العثور على واحد من الشماليين مشنوقا على شجرة، كما تم خطف مقاول شمالي في حضرموت وتعذيبه وأُطلِق سراحه فقط بعد أن وعد بمغادرة الجنوب. وفي محافظة الضالع الجنوبية حيث المشاعر المعادية للنظام عالية، يتم وبصورة منتظمة حرق مخازن تابعة للشماليين، ناهيك عن التهديدات الموجهة لهم خصوصا الذين يرفضون مغادرة الجنوب والعودة للشمال، ولا شك أن هذا النمط من العنف يحمل في طياته إمكانية أن تتفجر الاضطرابات على نطاق واسع جدا.

وفي مقال افتتاحي في صحيفة "اليمن بوست" تم نشره العام الماضي أوضح إلى أي مدى قد ارتفع مؤشر هذا النوع من الهجمات:

"إن الوضع غير المشجع في البلاد لا يعني أن أتباع الحراك الجنوبي [أي الانفصاليين في الجنوب] لديهم الحق بمهاجمة الشماليين لمجرد انه من الشمال فقط، وهذا لا يعني أن أي سيارة مارة من المحافظات الجنوبية يتم مهاجمتها وتحطيمها نوافذها بالحجارة فقط لأنها تحمل لوحة شمالية، هذا ما يفعله أتباع الحراك الجنوبي خلال الشهر الماضي حيث قُتِل أيضا عدد من الأشخاص لمجرد أنهم لا يتفقون مع طريقة تفكيرهم أو لأنههم كانوا من الشمال. "

وذكر احد اليمنيين الشماليين وأثناء سفره في سيارة أجرة في الجنوب في آذار/مارس 2009، قيل له بأنه وضع جميع ركاب السيارة في نطاق الخطر لأنه من الشمال، كما أن السائق أبلغه بأن الناس يقيمون نقاط تفتيش مرتجلة، لتفتيش السيارات عن الشماليين حتى أن البعض منهم قُتِلَ على هذا الأساس. ووصف القيادة عبر البلدات والمدن الجنوبية حيث اخبره السكان المحليين بأنهم وعلى مدار الشهريين الماضيين يعيشون في ظل منع التجول فرضوه هم على أنفسهم بسبب انتشار الجريمة في ساعات الظلام. وفي حين أن هذا قد يكون مؤشرا آخر على أن سياسات الهوية تأخذ مجريات جديدة، ولا بد من الإشارة أيضا أن سياسة معاداة الشماليين قد يتم استخدامها في بعض الأحيان كغطاء لعمليات قطع الطرق البسيطة. ومع ذلك، فإن هذا التحذير لا يتناقض مع حقيقة ارتباط هذا الوضع الجديد مع تردي الأوضاع السياسية وتراجع نفوذ المركز، وهذا ما يحاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب استغلاله.

تغيير مفاهيم الشمال والجنوب

هذه العداوات لا تعني عودة ظهور التوترات القديمة التي كانت قائمة في السابق عبر الحدود بين الشمال والجنوب التي حاولت الوحدة وضع حد لها. حدود ما قبل الوحدة بين الشمال والجنوب هي من إنتاج فترة التدخل الاستعماري العثماني والبريطاني، وليس المشاعر الطائفية " الاختلاف " بين اليمينيين على جانبي الحدود. واستند الصراع المتقطع بين المحافظات الشمالية والجنوبية السابقة قبل إعادة التوحيد في عام 1990 على الانقسامات التي كانت إلى حد كبير بين النخب المتنافسة في كل محافظة، وليس بناء على الهويات الطائفية المتعلقة بكل محافظة. عندما أعلن عن الوحدة في عام 1989، رحب اليمنيون سواء في الشمال والجنوب بقرار الوحدة، وكلا النظامين في الشمال والجنوب اعتبروا الوحدة وسيلة لتعزيز شعبيتهم. وأحد الأمثلة الواضحة على ذلك الجملة الافتتاحية من دستور 1970 لجنوب اليمن: "إيمانا بوحدة اليمن، وعلى وحدة مصير الشعب اليمني في الأرض..." إن مشاعر الوحدة الثقافية والتاريخية كانت قوية على جانبي الحدود، كما كان الاعتقاد بأن العقبة الرئيسية أمام صعود اليمن في العالم العربي هو أن شعبها -- اليمنيين – بقي مقسما بصورة مصطنعة.

الخلاصة

إن خيوط الحفاظ على تماسك الدولة اليمنية واقعة تحت ضغط متزايد، وبينما لا يعتبر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المنافس الطبيعي على السلطة، إلا أن رغبته واضحة باستغلال الصدمة الاجتماعية الناجمة عن الظلم والاستبعاد وهذا ما يعطي تنظيم القاعدة مزايا معينة في ظل المناخ السائد. إن قوة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تعتمد على قدرته بتقديم ما يزيد قليلا عما تقدمه الحكومة للمجتمعات المحلية. وإذا كان النظام ليس لديه الرغبة والاستعداد للتفاوض لتحقيق تسوية سياسية شاملة مع مواطنيها، في هذه الحالة يبقى الأمل ضئيلا في أن تتحسن الأوضاع في البلاد في المستقبل المنظور. ولا شك أنه من المصلحة الذاتية للنظام نفسه في التعاطي مع التهديد الذي يواجهه في أن يصبح أقل استنباطا وأكثر شمولية، وفي هذه النقطة بالذات قد يصبح تطبيق الضغوط الخارجية مفيدا.