مرتكزات عملية أم الربيعين لمطاردة القاعدة في شمال العراق
2008-05-29
2008-05-29
مقدمة
بعد تحضيرات طويلة وحملة إعلامية كبيرة انطلقت أخيرا في العاشر من أيار / مايو العملية العسكرية المشتركة بين القوات العسكرية العراقية والأمريكية والتي حملت إسم " زئير الأسد بصولة الحق" ليتغير اسمها فيما بعد الى " أم الربيعين ". والهدف المعلن لهذه العملية هو طرد القاعدة والقضاء على تواجدها في محافظة نينوى الشمالية. وحسب ما أشارت المصادر الإعلامية قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في اليوم الربع على بدء العمليات العسكرية بزيارة المحافظة يرافقه وزير الدفاع عبد القادر العبيدي مع عدد من قيادات الجيش العراقي. وفي تصريح للجنرال عبد الكريم خلف الناطق الرسمي لوزارة الداخلية قال بان العملية الثانية التي تحمل اسم " أم الربيعين" تهدف إلى مطاردة العناصر التي ارتكبت الجرائم بحق قوات الأمن العراقية والمدنيين في الموصل. وعن تغيير إسم العملية أشارت بعض المصادر أنه جاء بعد أن ثبت ان المدينة لم تقاوم القوات العراقية، وان الموصل مدينة مسالمة وتنشد السلام كما نوه بذلك المنسق العام لتجمع الحدباء الوطني أثيل عبد العزيز النجيفي للجزيرة نت، وتحولت العملية من مطاردة القاعدة إلى مطاردة الخارجين عن القانون والمليشيات. كما أشار أيضا إلى تخوف أهالي الموصل من الوقوع بين سندان شمالي ومطرقة جنوبية لا سيما أنهم يسمعون من إدارتهم المحلية تهويلا إعلاميا بشأن الوضع الأمني في المدينة يغطون فيه عجزهم الإداري والسياسي. وأكد القاص والمسرحي ناهض الرمضاني أن ما يريده هو وأهالي المدينة أن تكون الحكومة كفؤة وقادرة على حلّ الوضع والمشاكل المتأصلة، وأن تكون حكومة جميع الشعب العراقي ولكل العراقيين لا أن تكون حكومة حزب أو طائفة أو عرق، وحينها "سنكون كلنا معها، فكلنا عراقيون".
مرحلة الإعداد للعملية
تجدر الإشارة إلى أن العملية في محافظة نينوى قد جرى الإعداد لها منذ عدة أشهر، ففي كانون الأول من السنة الماضية تحدث المالكي حول أهمية هذه العملية، ولكن الحديث عن ضرورة تلك العملية أصبح أكثر جدية بعد عملية حي الزنجيلي في كانون الثاني والتي ذهب ضحيتها 30 شخصا اثر انفجار في مخبأ للأسلحة عند محاصرته من قبل القوات الأمريكية والعراقية، وفي اليوم التالي قتل قائد شرطة المحافظة بعملية انتحارية عند زيارته لموقع التفجير، حيث أشار المالكي على إثر ذلك بأن الحكومة العراقية ستعمل على فرض النظام في محافظة نينوى. وأشار الجنرال خلف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية بأن الأوامر قد صدرت لقوات الشرطة والجيش بتعزيز مواقعها في محافظة الموصل استعدادا للعملية الكبرى، وأضاف أيضا بأن الاستخبارات العراقية تمكنت من اختراق شبكات القاعدة في المنطقة وأن الخطة تقضي بالقضاء على الملجأ الآمن لهذا التنظيم في المناطق الشمالية، من خلال استخدام بعض الوسائل والتي سبق أن نجحت في ذلك في محافظة الانبار. وفي هذا الإطار اعلن الجنرال رياض جلال توفيق قائد القوات العراقية في محافظة نينوى عن إطلاق مبادرة لاستيعاب وحث اهالي المحافظة على الانضمام إلى جهود الحكومة لتصحيح الأوضاع في المحافظة حيث اعطى اوامره لتجنيد 4 الآف من اهالي المحافظة لتعزيز القوة العسكرية في مدينة الموصل، خصوصا بعد شكاوى المواطنين بابعادهم عن العمليات الأمنية، وقد عرض الجنرال توفيق أيضا تجنيد عدد من ضباط الجيش العراقي السابق بما في ذلك الأعضاء السابقين في حزب البعث، وذلك في محاولة من الحكومة العراقية لنفي الطائفية عن نفسها، وتعزيز جهود التهدئة، بالإضافة أيضا إلى إغلاق أحد مداخل التجنيد للقوى المتطرفة والمتشددة. ومن هذا المنطلق وقبل عودة المالكي إلى بغداد أصدر عفوا عاما عن المقاتلين الذين يسلمون أسلحتهم للقوات العراقية او لقادة العشائر الموالين للحكومة خلال عشرة ايام، وبالنسبة للمقاتلين غير المتهمين بالقتل سيكونون مؤهلين لتلقي مبالغ مالية.
بداية العملية
وقد بدات المرحلة الأولى من عملية زئير الأسد في الحادي عشر من أيار من خلال عمليات مداهمة للقوات العراقية مدعومة بالقوات الأمريكية, وقد وصفها الرائد بيجي كاجيليري الناطق الرسمي بإسم القوات الأمريكية في الشمال أن العمليات هي بقيادة وتخطيط وتنفيذ القوات العراقية وأن القوات الأمريكية لن تتدخل إلا في حال طلبت منها القوات العراقية ذلك، وقد أشار أهالي الموصل لمشاهدتهم بعض الطائرات الأمريكية وهي تحلق فوق المدينة. ولم تشهد القوات العراقية مقاومة تذكر في عمليات المداهمة في الموصل، وفي تصريح للناطق الرسمي بإسم وزارة الداخلية بانه لم يكن هناك صدامات خلال عملية ام الربيعين لأن الإرهابيين قد اختبئوا وتجنبوا الاشتباك مع القوات العراقية. وأشارت بعض المصادر الحكومية والمحللين بأن قادة التمرد قد تركوا الموصل قبل شهرين من بدء العملية من خلال التصريحات التي كانت تصدر عن الحكومة وعن نيتها بتنظيف الموصل من العناصر الإرهابية والذي أتاح لهذه العناصر إمكانية مغادرة المحافظة قبل بدء العمليات، كما أنه من المعروف عن تنظيم القاعدة تجنبه للمواجهات الكبرى، واعتماده بصورة أساسية على القتال ضمن مجموعات صغيرة، ولهذا يمكن القول أن الحكومة العراقية لم تتمكن من تحقيق نصر عسكري حاسم في عمليتها الأخيرة، لا سيما أن الهدف المعلن للعملية هو سحق القاعدة لم يتم تحقيقه. وعبر قادة المدينة وعشائرها عن قلقهم من تحول العملية إلى عملية انتقامية ضد افراد الجيش السابق والبعثيين الأمر الذي أثار حفيظة هؤلاء وهددوا بالمقاومة إن استمرت الحكومة بالاعتقالات وطالبوا باطلاق سراح المعتقلين الذين بلغوا الألف حسب الرواية الحكومية.
أهمية محافظة نينوى
تحتل محافظة نينوى والتي تبلغ مساحتها 14.410 كم مربع موقعا مهما للغاية فهي تمتلك حدود مشتركة مع تركيا وسوريا ومناطق الحكم الذاتي الكردية ويبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، وذات أغلبية سنية مع تواجد مهم لبعض الأقليات الكردية والمسيحية والتركمانية، وأقليات صغيرة لليزيديين والشبك. ولقد تمكن تنظيم «القاعدة» من زعزعة التوازن الدقيق في المدينة، باستهداف اقليات مثل الازيديين والمسيحيين والشبك، بالإضافة الى التركمان الشيعة، مما خلق أجواء عدائية وصلت الى الذروة بمطالبة بعض هذه الأطراف بالانضمام الى اقليم كردستان للتخلص من ضغوط التنظيم.
في حين ترتفع مؤشرات التوتر الطائفي في وسط العراق بين السنة والشيعة فإنه في محافظة نينوى بين العرب والأكراد. وفي هذا السياق اتهم ستة من أعضاء البرلمان العراقي عن محافظة الموصل المليشيات الكردية باجبار السكان بالأحياء المحيطة في مدينة الموصل بالتوقيع على طلبات للانضمام إلى كردستان، الامر الذي نفاه البرلمان الكردستاني ولكنه أشار في نفس الوقت ان تلك المناطق تتمتع بأغلبية كردية. كما انتقدت المصادر السنية الهيمنة الكردية على المدينة من خلال مليشيات البشمركة، حيث قام رئيس هيئة الأركان للجيش العراقي الجنرال بابكير زيباري وهو من أصل كردي بنفي مثل هذه المزاعم.
وتأتي أهمية حدود المحافظة مع سوريا لكونها واحدة من البوابات الرئيسية لدخول المقاتلين الأجانب التابعين للقاعدة، وعلى الرغم من تركيز القاعدة لعملياتها في السنوات الأربع الاولى على المناطق المحيطة ببغداد إلا انها ايضا استطاعت ان تجد لها مكانا في مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها. وتكمن أهمية الموصل الاستراتيجية بالنسبة إلى كل الأطراف بموقعها الجغرافي من جهة، وثقلها الاقتصادي والثقافي من جهة أخرى. ويعد طريق حلب - الموصل - أربيل المورد الرئيسي لعصب التجارة الأساسي في اقليم كردستان. وفيما ترتبط الموصل بعلاقات تاريخية مع مدن وعشائر تقطن سورية، فإن لها أيضاً اهمية استراتيجية بالنسبة الى تركيا التي ظل ملف مطالبتها بالمدينة فاعلاً طوال بدايات القرن العشرين، ويتم التلويح به بين الحين والآخر في تصريحات غير رسمية. بالإضافة إلى ذلك تتمتع محافظة نينوي بنسبة عالية من ضباط الجيش العراقي السابق ومن أعضاء حزب البعث المنحل والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق. وبعد تشكيل لجان الصحوة وسقوط معاقل القاعدة واحدة تلو الآخر على يد تلك اللجان بمساعدة الجيش الأمريكي أصبح ينظر لمدينة الموصل على أنها المعقل الأخير لتنظيم القاعدة في المدن العراقية. ويدخل في هذا الإطار ما صرح به الشيخ فواز الجربا احد قادة عشيرة شمر وهي من القبائل السنية القوية والمؤثرة والتي تنتشر في الأجزاء الغربية من محافظة نينوى، والذي أعلن لصحيفة الصباح العراقية في التاسع من أيار عن إنضمام 10.الآف مقاتل من العشائر في عملية " ام الربيعين " وأشار أيضا إلى قدرته لتجنيد 50 الف آخرين في حال دعمت الحكومة جهوده في هذا الشأن. ولكن الأكراد وقفوا دائما في وجه المحاولات الرامية إلى زيادة قوة العشائر السنية والتي يمكن أن تشكل تحديا فعالا لسلطة الأكراد في محافظة نينوى، حيث قام نائب محافظ نينوى الكردي خسرو غوران بنفي وجود لجان الصحوة بالمحافظة.
موقف الأطراف المعارضة للحكومة من عملية أم الربيعين
موقف الأطراف المعارضة للحكومة من عملية أم الربيعين
تحدثت بعض أوساط المعارضة مثل هيئة علماء المسلمين والمجلس السياسي للمقاومة عن رفضهم للعملية لأنها تأتي في سياق خدمة أهداف الإحتلال وفشله المستمر في فرض الأمن في العراق. خصوصا أن عملية فرض النظام في بغداد المستمرة منذ شباط 2007 لم تحقق سوى جزء بسيط من أهدافها، ومن ثم جاءت عملية صولة الفرسان في البصرة ضد عناصر جيش المهدي وذلك في محاولة لتحجيم تنظيم الصدر قبيل الانتخابات المحلية، وأن العملية جاءت لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بموازين القوى الشيعية ومنع الصدر من السيطرة على انتخابات مجالس البلدية في المحافظات الجنوبية والتي ستجري في تشرين الاول/ ديسمبر القادم، وذلك على حساب المجلس الإسلامي الأعلى الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم وحزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي. وفي بيان للمجلس السياسي للمقاومة الذي صدر في 14/05/2008 لخص الأهداف الحقيقية للعملية بالنقاط التالية:
1. القضاء على العناصر الوطنية الرافضة للوجود الأجنبي على أرض العراق في خطوة تقود ـ في ظنهم ـ في النهاية إلى إضعاف المقاومة في الموصل.
2. الانتقام من ضباط الجيش العراقي السابق من أهالي مدينة الموصل ومعاقبتهم بسبب مواقفهم البطولية الرائدة في التاريخ العراقي الحديث، ووقوفهم البطولي بوجه الخطر الإيراني القادم من البوابة الشرقية للوطن العربي أكثر من ثماني سنوات.
3. محاولة الكرد إضعاف الوجود العربي في بعض المناطق المحاذية للموصل من جهة دهوك وأربيل وبالتحديد مناطق عقرة وسنجار وفايدة لصالح الأطراف الكردية التي تدعي أن هذه المناطق يجب أن تضم إلى ما يسمى "إقليم كردستان العراق" بسبب وجود الأغلبية الكردية فيها، حسب ادعائها.وقد صرح النائب محمد الدايني لأحد الفضائيات العراقية، بعد حملة الموصل، بأن هناك توصيات كردية وخططا عسكرية بشأن الموصل وكأن النوايا مسبقة، ووصف كلام النواب الكرد في البرلمان العراقي (كأنهم لديهم خصوم في الموصل ولا يتكلمون بصفتهم رجال دولة؟!).
4. يحاول المالكي تجميل صورته لدى إيران وأنصاره بعد الانتقادات الكبيرة التي وجهت له بسبب الحملات العسكرية ضد التيار الصدري في الجنوب ومدينة الصدر في بغداد التي حاول فيها إظهار حياديته في التعامل مع العراقيين إلا أن الاتفاق الأخير مع التيار الصدري ـ الذي حصل قبل يوم واحد فقط من بدأ حملة الموصل ـ يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام، فبينما كان المالكي مصراً على القضاء على المليشيات واشترط تسليم أسلحتها نراه اليوم يعقد اتفاقية جديدة مع الصدريين، ولم يتم التطرق فيها إلى مسألة نزع سلاح مليشيا جيش المهدي.
وانتقدت أطراف المعارضة الازدواجية الواضحة في التعامل مع الشعب العراقي والتي لا يمكن حسب قولهم أن تقود إلى ما يسميه المالكي بـ"المصالحة الوطنية" التي تتطلب أول ما تتطلبه التعامل مع العراقيين على أساس المواطنة وليس على أساس المذهب.
الخاتمة
يمكن للعملية الأخيرة في محافظة نينوى أن تكون قد حققت بعض الأهداف المعلنة لها والحد من عمليات القاعدة وليس القضاء عليها لأنه كما لوحظ ان التنظيم لم يتعرض لضربة قاسمة كما خططت الحكومة العراقية المدعومة أمريكيا، حيث تمكن قادة التنظيم من اخذ الاحتياطات اللازمة سواء بالاختفاء المؤقت إلى حين أن تتغير الاوضاع بما تتلائم مع عودته للعمل من جديد أو خروج قيادته لبعض المناطق المحيطة في المحافظة أو من خلال ما أشارت إليه بعض التحليلات أن بعض أعضاء تنظيم القاعدة قد التحقوا بمواقع تنظيم أنصار الإسلام في المناطق الكردية والذي قد ينعكس في المستقبل بصورة سلبية على الأوضاع المستقرة نوعا ما في المحافظات الكردية من خلال تعرضها لهجمات تنظيم القاعدة وأنصار الإسلام.
وتجدر الإشارة بأن القبائل السنية في غرب وجنوب الموصل لا زالت دون التنظيم المطلوب للمساعدة في عمليات ضد القاعدة، ومع ذلك فقد أشار بعض قادة العشائر إلى رغبتهم بالانضمام إلى حركة لجان الصحوة. كما أن النزاعات المستمرة بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان المحلية مع العشائر السنية يعطي القاعدة فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها، وطالما أن رجال العشائر وضباط الجيش العراقي السابق خارج إطار المشاركة في آليات عمل الأجهزة الأمنية ستبق القاعدة قادرة على اختراق المجتمع السني في محافظة نينوى، كما ان التوتر المستمر بين السنة والأكراد وباقي الأقليات الأخرى سيبقى دائما احد مصادر تغذية العنف الطائفي والعرقي في العراق وبالتالي انعدام الاستقرار.
الاراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة