A+ A-
"اليوروبول" يكشف عن الاتجاهات الجهادية الإرهابية في أوروبا*
2008-05-01

بقلم:توماس ريناردترجمة صادق أبو السعود
مركز القدس للدراسات السياسية


شهدت النشاطات الإرهابية في أوروبا زيادة هائلة في عام 2007، ووفقا للتقرير السنوي الذي نشره مكتب الشرطة الأوروبية، ومكتب التحقيقات الجنائية للإتحاد الأوروبي، فقد شن الإرهابيون او حاولوا تنفيذ 583 هجمة في العام الماضي، وهذا يمثل زيادة بنسبة 24 ٪ عن العام السابق. يرافق هذه الزيادة في النشاطات الإرهابية زيادة في عمليات مكافحة الإرهاب: فقد ألقي القبض على 1,044 شخصا لصلتهم باعتداءات إرهابية وذلك بزيادة 48% بالمقارنة مع عام 2006.

معظم الهجمات الإرهابية التي تم الإعلان عنها كانت منسوبة إلى الجماعات الانفصالية في إقليم الباسك المعروفة بإسم ايتا في اسبانيا او جبهة التحرير الوطنية الكورسيكية في فرنسا، علما أن هاتين المنظمتين مسئولتين عن 517 من الهجمات، والتي تشكل 88% من مجموع الهجمات الإرهابية. وكانت الاعتقالات بين الجماعات الإنفصالية مسؤولة أيضا عن زيادة كبيرة في عمليات الاعتقال في الاتحاد الاوروبي في عام 2007. حيث شهدت إسبانيا زيادة مقدارها سبعة أضعاف في نسبة القبض على المشتبه بهم بالمقارنة مع عام 2006، في حين ان فرنسا سجلت زيادة 68 في المئة. وفي المجمل العام فإن الاعتقالات بين الجماعات الانفصالية تمثل اكثر من نصف إجمالي الاعتقالات.

وفيما يتعلق بـ"الإرهاب الإسلامي" فهو أقل أهمية بكثير من الناحية الإحصائية، حيث لم يتم سوى تسجيل أربع هجمات: هجمتان فاشلتان في المملكة المتحدة( هجمات جلاسكو )، وتم إحباط هجمتين في المانيا " خلية سويرلاند) وأخرى في الدنمارك ( حالة جلاسفيج ). كما أن عدد الاعتقالات يمكن أن يدلل على الانخفاض العام في النشاطات الجهادية. وفي الحقيقة فقد اعتقلت قوات الشرطة 201 من المشتبه بهم بالقيام بنشاطات جهادية، وذلك أقل ب 56 شخص بالمقارنة بعدد الاعتقالات في 2006. وعلى أية حال، تجدر الاشارة الى أن هذه الارقام لا تشمل الاعتقالات في بريطانيا العظمى، التي ترفض تقديم احصائيات دقيقة، ومع ذلك اشارت بريطانيا الى زيادة 30 ٪ في الاعتقالات في صفوف الحركة الجهادية. ومع تضمين البيانات البريطانية يمكن أن يؤدي ذلك الى زيادة نسبة الاعتقالات بين عامي 2006 و 2007.

على الرغم من الانخفاض النسبي فى عدد من الهجمات، إلا أن "الإرهاب الإسلامي" لا يزال ينظر إليه على أنه التهديد الرئيسي للأمن الأوروبي. والسبب في ذلك التقييم لا يمكن ان يقاس في عدد الهجمات أو عدد المقبوض عليهم، بل في تقدير الاضرار المحتملة. إن "معظم التحقيقات التي أجريت في الهجمات الإرهابية الإسلامية الفاشلة أو التي تم إحباطها في الاتحاد الأوروبي في عام 2007 أظهرت حسب ما أعلن التقرير استمرار الإرهابيين الإسلاميين في السعي إلى التسبب في وقوع اصابات جماعية من غير تمييز "وهذا لم يلاحظ فقط في اختيار الأهداف ولكن أيضا في الأساليب المتبعة والمتفجرات المستخدمة".

هناك العديد من البلدان الاوروبية في الوقت الحاضر - او كانت حتى وقت قريب جدا - على مستوى عال جدا من حالة التاهب القصوى لاحتمال وقوع هجمات إرهابية. كان هذا هو الحال ، على سبيل المثال ، في فرنسا، والمملكة المتحدة واسبانيا وبلجيكا. ففي الثاني والعشرين من نيسان / إبريل أكد رئيس الاستخبارات الداخلية الهولندية " جيرارد بومان " على أن خطر الارهاب الجهادي يتزايد في هولندا ، لا سيما مع عرض فلم " فتنة " الذي يتحدث عن الإسلام من قبل السياسي اليميني المتطرف الهولندي " جيرت ويلدرز".

شدد تقرير " الشرطة الأوروبية " على العديد من الاتجاهات المثيرة للاهتمام في "الإرهاب الإسلامي" في أوروبا:

1. "على الرغم من استمرار غالبية الذين القي القبض عليهم بتهمة "الإرهاب الإسلامي" يعودون بأصولهم إلى شمال افريقيا، إلا أن الدول الأعضاء تشير إلى الأعداد المرتفعة بين المشتبه بهم ويحملون جنسية الدولة التي تعتقلهم ". ويبدو ان هذا يؤكد على التهديد المتنامي للإرهاب الذي لوحظ منذ سنوات والذي يشكله الذين نشئوا في نفس الدولة أو ولدوا فيها.

2. هذه الزيادة في عدد الإرهابيين الذين نشئوا في نفس بلد الاعتقال نابعة جزئيا نتيجة للزيادة في الكمية و "النوعية الجديدة" في الدعاية الجهادية في أوروبا (انظر التركيز على الارهاب ، 20 شباط / فبراير). وهذه الدعاية معروفة على نطاق واسع الآن على شبكة الانترنت والتي تحتل اهمية مركزية في التجنيد، لذلك يبدو أن بعض التطورات الاخيرة أثارت القلق بصفة خاصة، فعلى سبيل المثال، يقوم الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة " السحاب " الآن بتقديم ترجمات باللغة الانجليزية، والبعض من هذه الترجمات يستهدف جمهور معين، كما ان بعض المواقع الجهادية قررت ترجمة المواد الجهادية لبعض اللغات الأخرى، مثل الألمانية، وذلك على الرغم من بعض الصعوبات الواضحة في استخدام اللغة بشكل صحيح. وبالمثل ، فإن الموقع الالكتروني " الاخلاص "اطلق مؤخرا موقعين باللغتين الفرنسية والإيطالية. ويجدر التنويه إلى أن التجنيد يشكل جزءا هاما من النشاطات الجهادية في أوروبا، حيث شهد هذا المجال ارتفاع عدد الاعتقالات المرتبطة بهذا النشاط. كما أن التطور الملحوظ في آلية التجنيد والدعاية تشيران إلى أن القاعدة بدأت في غرس جذورها في أوروبا، حيث يمكن أن تصبح أقوى عما هي عليه الآن في المستقبل القريب. ولقد توصل وزراء العدل الأوروبيين إلى إتفاق بخصوص قانون من شأنه ان يدين، من بين امور اخرى ، الدعاية والتجنيد على الانترنت، وهذا القانون الجديد ما زال ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي عليه، ويفترض القانون الجديد تعاون الإتحاد الأوروبي مع مقدمي خدمات الانترنت، والذي يسمح في نهاية المطاف تحديد ارهابيي الانترنت. وطبقا لمنسق مكافحة الإرهاب في الإتحاد الأوروبي " جيليس دي كيرتشوف اوسلغم "هناك ما يقارب من 5000 موقع جهادي تساهم في تطرف الشباب الأوروبي.

3. لا شك أن الدعاية والتجنيد تخدمان اغراضا متعددة، البعض منها سيكون من خلال تجنيد المجاهدين من قبل الخلايا المحلية لتنفيذ العمليات في بلدانهم، والبعض الآخر من خلال "التجنيد الذاتي " عبر وسائل الإعلام، وتشكيل "الجيل الجديد" من الإرهابيين. والبعض الآخر يحصر دعمه من خلال الدعم المادي لتمويل الارهاب. واخيرا تقرير الانضمام إلى الجهاد في الخارج، في العراق والذي لا يزال الوجهة الرئيسية للمقاتلين الأوروبيين، وأفغانستان، أو الصومال والذي حسب الاستخبارات الفرنسية يشهد تزايدا ملحوظا في تدفق المجاهدين إليه.

4. وطبقا لمصادر الشرطة الأوروبية فإن ما تبقى من القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة في باكستان لا تزال الى حد كبير توجه الأوامر، ومسيطرة، وتشكل مصدرا خصبا لإلهام المجاهدين الإرهابيين في أوروبا. ومع ذلك، هناك إدراك متزايد لأهمية عزل هذه المجموعات - او المزيد من الاستقلال الذاتي للقيادة الأساسية لتنظيم القاعدة، والذي من شأنه أن يشكل تهديدا محتملا للأمن الاوروبي. وحسب ما اعلن التقريرفإن"هذا التوسع للقاعدة يمنحها امتيازا في ان تشكل تهديدا محتملا لأمن الاتحاد الأوروبي." كما أن ذلك يمكن " ان يوفر للقاعدة إمكانية الوصول الى مراكز جديدة للدعم والتي يمكن تحفيزها وإستغلالها".

5. ويشدد التقرير على الأهمية الاستراتيجية للعراق وأفغانستان وباكستان بالنسبة للأمن الاوروبي. ومن هذا المنطلق يؤكد التقرير على ضرورة تحسين الأوضاع في العراق أو إنهاء الحرب هناك، وذلك ان المقاتلين العراقيين سواء كانوا اوروبيين ام لا، يمكنهم الانتقال إلى أماكن أخرى ومواصلة طريق الجهاد، فعلى سبيل المثال يمكن للمقاتلين السابقين في العراق تنفيذ عمليات في أوروبا، وإنشاء خلايا جديدة، او نقل معرفتهم للشباب المحتمل انضمامهم للإرهاب. وبعبارة أخرى، هناك خطر من قيام الجيل العراقي من الإرهابيين بالسير على خطى جيل الثمانينات من مجاهدي أفغانستان في الدعاية والتجنيد.

تكمن المشكلة مع أفغانستان وباكستان أنها قريبة الحدوث بصورة أكبر عما هي عليه في مناطق أخرى، وذلك بسبب ان المواطنين الأوروبيين تلقوا التدريبات في معسكرات المناطق القبلية الباكستانية، والبعض منهم ذهب للمشاركة في القتال في أفغانستان، والبعض الآخر جاء بالجهاد لأوروبا. وحسب ما يقول التقرير أن تنظيم"القاعدة والجماعات الموالية لحركة طالبان في باكستان وأفغانستان يشكلون على نحو متزايد واحدة من الدوافع الرئيسية للتطرف و"الإرهاب الإسلامي" في الاتحاد الأوروبي "، وأكد البيان على المعضلة الأوروبية في مواجهة الارهاب. فمن ناحية، تعترف الدول الاعضاء في الإتحاد الأوروبي أن الأمن الداخلي في أوروبا مرتبط بتطور الأوضاع في أفغانستان وباكستان. ومن ناحية أخرى، فهي ترفض المزيد من الالتزام في تلك المناطق لأسباب أخرى مختلفة، بما فيها الاهتمامات الانتخابية

وأخيرا، فإن الاتجاه الأخير المثير للاهتمام بالنسبة إلى "الإرهاب الإسلامي" في أوروبا يتعلق بالاحكام القضائية، ففي عام 2007، تم تبرئة ثلث المشتبه بهم من الإرهابيين الجهاديين، بينما أطلق سراح خُمس الانفصاليين دون توجيه تهمة لهم. ويبدو أن هذا يشير الى أمرين:

أولا: التركيز القوي على "الإرهاب الإسلامي" من قبل الأجهزة الأمنية قد أدى إلى وجود بعض "الذعر" والاعتقالات التعسفية التي يمكن أن تضر في نهاية المطاف بالجهود الأوروبية في مواجهة التطرف. ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أن بعض الأفراد الذين تمت تبرئتهم إنما يرجع ذلك إلى عدم وجود الأدلة الكافية لإدانتهم، ولكن ذلك لا يمنع إمكانية وجود علاقة لهم بالإرهاب.

ثانيا: السجلات الجيدة والنتائج الحاسمة التي حققتها أجهزة المخابرات الأوروبية في مواجهة الانفصاليين تثبت أن هذه الأجهزة لديها معرفة أكبر بالجماعات الانفصالية واستراتيجيات أكثر فعالية في التصدي للانفصاليين عما هو الحال في التعامل مع "الإرهاب الإسلامي".

ورغم أن جزءا كبيرا من تقرير الشرطة الأوروبية كان مخصصا للإرهاب الإسلامي، فقد شمل التقرير أيضا فصولا أخرى حول الإرهاب الانفصالي، واليساري، واليمين المتطرف، باعتبار الإرهاب قضية واحدة. وهناك أربع نقاط أخرى تتعلق بالأشكال الأخرى للإرهاب وتستحق تسليط الضوء عليها:

- لا تزال أعداد الهجمات التي تشنها الجماعات الانفصالية تتفوق بصورة ساحقة على الأشكال الأخرى للإرهاب.
- لا تزال نشاطات منظمة إيتا الانفصالية تتركز إلى حد بعيد في اسبانيا، بدعم لوجستي في فرنسا. ومع ذلك، أشارت البرتغال إلى زيادة ملحوظة لنشاطات الباسك داخل حدودها.
- بدأت منظمة ايتا باستخدام أشرطة الفيديو الدعائية بهدف تجنيد الشباب. وهذا يؤكد ان الجماعات الإرهابية تستنسخ الاستراتيجيات الناجحة التي وضعتها مجموعات أخرى، وفي هذه الحالة كان تنظيم القاعدة النموذج.
- يمكن القول أن الإرهاب اليساري المتطرف يشهد حالة من التراجع الإقليمي، بيد أن هذه النشطات تشهد زيادة في ايطاليا. وعلاوة على ذلك، أعلن وزير الداخلية الفرنسية "ميشال اليوت ماري" مؤخرا أن الجماعات اليسارية بدأت تشكل تهديدا للأمن الداخلي.

وعند النظر الى عدد الهجمات، يمكن ملاحظة أن الجماعات الانفصالية كانت الأكثر نشاطا من المجموعات الإرهابية الجهادية. ومع ذلك ، لا تزال المجموعات الجهادية تعتبر بمثابة التهديد الرئيسي للامن الأوروبي، نظرا لإمكانياتها المحتملة في التدمير. وعلاوة على ذلك، يبدو أن التهديد الإسلامي آخذ في النمو، فمنظمة القاعدة بدأت بترسيخ نفسها في أوروبا، والاجتذاب المتزايد لمواطني الاتحاد الأوروبي إلى صفوفها، وكذلك لا يزال تأثير القيادة الأساسية للقاعدة مهما. وفيما يتعلق باستراتيجيات مكافحة الإرهاب، فإن الإتحاد الأوروبي بصفة عامة، أو الدول الأعضاء كل منها على حدة، بحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات لزيادة كفاءتها وفعاليتها في مواجهة الإرهاب. ومع ذلك، فإنها لا تزال في القتال ضد الحركات الانفصالية أفضل وأكثر فعالية من القتال في مواجهة الجهاد.

*المصدر The Jamestown Foundation