A+ A-
الانتخابات الإيرانية بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي
2008-04-23
وضعت الانتخابات البرلمانية الإيرانية أوزارها في ظل اهتمام عالمي وعربي لم تشهده أي من الانتخابات السابقة، وخصوصا أنها جاءت والمنطقة تعج بالعديد من نقاط التوتر، فمن جانب هناك احتلال العراق من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة والاتهامات الأمريكية المستمرة للنظام الإيراني بالتدخل بالشؤون العراقية سواء من جانب تأمين الدعم المالي والعسكري لبعض القوى الشيعية وحتى السنية منها لتقويض الوجود الأمريكي في العراق. والجانب الآخر وهو على درجة كبيرة من الأهمية يأتي الملف النووي الإيراني الذي احتل وسائل الإعلام منذ ما يقارب السنتين حيث تكاد لا تخلو نشرات الأخبار الدولية أو العربية من ذكر هذا الملف الشائك واعتباره تهديدا لاستقرار المنطقة وإشعال شرارة سباق التسلح النووي. بالإضافة إلى العديد من الملفات الأخرى مثل الملف اللبناني بتفرعاته، والملف الفلسطيني وكذلك طبيعة العلاقة مع سوريا.

تميزت الانتخابات الأخيرة بتركيزها غير المعلن على ملفات السياسة الخارجية والتي كانت مدار صراع بين القوى المتنافسة، غير أن الوضع الداخلي والهموم الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم والبطالة أخذت مكانة كبيرة في البرامج الانتخابية لمختلف القوى. وشكل الوضع الاقتصادي محل انتقاد للحكومة والرئيس محمود أحمدي نجاد. غير أن الرئيس وحكومته أفادا من بعض الإجراءات الاقتصادية مستفيدين من ارتفاع أسعار النفط العالمية وزيادة الإنتاج النفطي اليومي إلى 4.5 ملايين برميل، والذي مكن الحكومة من زيادة الرواتب، وجدولتها حسب مستوى غلاء المعيشة بحيث أصبحت الزيادة السنوية للرواتب 15% كحد أعلى، وأصبح الحد الأدنى من الراتب الشهري للعامل غير الكُفء، 200 ألف تومان، أي ما يعادل مائتين وخمسين دولاراً. وهو الأمر الذي مكن الحكومة من دخول الانتخابات دون الخوف أن تتعرض للانتقاد العنيف على أدائها الاقتصادي.

وحسب التحليلات التي سبقت وتلت الانتخابات فالنتائج لم تكن مفاجئة حيث أكدت على سيطرة التيار المحافظ بقيادة الرئيس نجاد، ولكنها أشارت في نفس الوقت إلى انقسام التيار المحافظ بين التيار المحافظ المتشدد وأطلق عليهم اسم"المبدئيين" بقيادة الرئيس الإيراني والذي يحظى بدعم الحرس الثوري وبين ما جرى تسميته في وسائل الإعلام الإيراني التيار المتشدد "الواقعيين" بقيادة علي لاريجاني مسئول الملف النووي السابق والذي تخلى عن هذا الملف إثر خلافات مع الرئيس نجاد وهو يحظى بدعم رجال الدين المتشددين، وهناك أيضا التيار الإصلاحي بقيادة شقيق الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وتيار إصلاحي آخر بقيادة علي كروبي. وهناك تيار آخر يقف في الوسط وهو تيار الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني فهو أحيانا مع التيار المحافظ وأحيانا أخرى مع التيار الإصلاحي، علما أن الرئيس رفسنجاني يوصف دائما بالواقعية وهو الرئيس الحالي لهيئة تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة لها دورها الكبير في رسم السياسات الإيرانية.
 
وعلى أية حال، يبدو أن سير النتائج الانتخابية قد أكد فوز التيار المحافظ بشقيه بأغلبية المقاعد البرلمانية، وهذا لا يمنع من القول أن البرلمان الأخير يضم أربعة قوى رئيسية، لا يمكن لإحداها أن تشكل الأغلبية المطلقة، وهي الحرس الثوري، ورجال الدين المتشددين، والإصلاحيين، والمستقلين والذين ينقسم بعضهم أحيانا بين مؤيد لسياسة الحكومة أو معارض لها. إن النتائج المعلنة تعطي (المحافظين) من إيران 162مقعداً حتى الآن من عدد المقاعد البرلمانية التي يبلغ عددها 290وتوزعت بين 83 مقعد لجبهة المبدئيين و 79 مقعد لجبهة الواقعيين، وتعني اقتراب أولئك من ثلثي عدد مجلس الشورى، وأشارت المصادر الحكومية إلى أن الجولة الأولى قد حسمت نتائج 230 مقعدا وبقي 60 مقعد للجولة الثانية. وفي مقابلة تلفزيونية مع علي رضا أفشار مساعد وزير الداخلية ورئيس لجنة الانتخابات في إيران أشار إلى حصول التيار المحافظ على 71% من الأصوات، في مقابل 29 % من نسبة المقترعين لبقية التيارات السياسية الأخرى في المجلس، ومن بين 29% هناك 16 بالمائة للإصلاحيين والباقي للمستقلين.
 
وهذا يعني أن نتائج الدورة الثانية للانتخابات لن تشهد تغييرا جذريا بعد الإعلان عنها. وأعلن أيضا أن نسبة الاقتراع قد بلغت 60%، وقد ارتفعت 10 % عن دورة الانتخابات السابقة، وفسر ذلك بالمناخ الذي ساد الانتخابات ومشاركة كافة الأحزاب والفئات السياسية في المنافسة الانتخابية والانفتاح السياسي الكبير الذي شهدته هذه الانتخابات. وقيام مجلس صيانة الدستور بالتصديق على صلاحية الكثير من المرشحين الذين كان متوقعا أن لا ترفض صلاحياتهم. وفي هذا السياق وفي تصريح له لوكالة الأنباء الإيرانية أشار الرئيس محمود احمدي نجاد معلقا على مستوى المشاركة " إن ذلك بمثابة وصمة عار في جباه اعدائنا".
 
وهذا يتناقض مع بعض مصادر المعارضة التي أشارت إلى قيام مجلس صيانة الدستور بإلغاء صلاحية الكثير من المرشحين خصوصا التابعين منهم للتيار الإصلاحي حيث تم إلغاء صلاحية 1700 من مرشحي هذا التيار والذي اعتبر حصوله على حوالي 50 مقعدا في الانتخابات الحالية – وهي نسبة قريبة لما حققه هذا التيار في الانتخابات السابقة - بمثابة نصر انتخابي له في ظل سيطرة المحافظين على المؤسسات الرئيسية في الدولة وهي مؤسسة ولاية الفقيه والتي يطلق عليها في المنطقة العربية المرشد الأعلى والتي يترأسها خامنئي ومجلس صيانة الدستور ومؤسسة الرئاسة. وهذا ينفي واقع بعض التحليلات التي تشير إلى تلاشي التيار الإصلاحي وانه بطريقه إلى الزوال، وظهور نوع جديد من التقسيم السياسي في إطار تجربة الثورة الإيرانية. وأفادت التقارير الرسمية وغيرها أن المدن الرئيسية شهدت انخفاضا ملحوظا في نسبة الاقتراع، حيث بلغت النسبة في العاصمة طهران حوالي 30% وهي نسبة مقاربة لانتخابات 2004، وفي المحافظات ذات الأغلبية السنية والكردية كانت النسب أيضا متدنية.
تحدث العديد من المراقبين الغربيين عن خيبة أمل الغرب بالنتائج الأخيرة للانتخابات، فعلى الرغم من النتائج المتوقعة إلا أنهم كانوا يأملون بأن يحقق التيار الإصلاحي المزيد من النتائج الايجابية كما فعل في السابق وبالتالي يمكن مناقشة الملف النووي وباقي الملفات الأخرى العالقة. وتحدثت أوروبا والولايات المتحدة عن عدم نزاهة الانتخابات وإلغائها لكثير من المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي. وعبر الناطق باسم البيت الأبيض أن الانتخابات معروفة النتائج سلفا لذلك فهي تفتقر إلى الأسس الديمقراطية، وان نتائج الانتخابات غير صحيحة لأنها استندت إلى منع أفراد التيار الإصلاحي من الترشيح. أما الاتحاد الأوروبي فقد أشار إلى أن الانتخابات لم تكن حرة ولا عادلة لأنها عملت على حرمان الكثير من المرشحين من حقهم في الترشيح وذلك منع وجود تمثيل كافة الأطراف السياسية، كما أن منع الإصلاحيين من خوض الانتخابات بصورة حرة يشكل انتهاكا واضحا للمعايير الدولية.
 
للتعرف على آلية الانتخابات الإيرانية لا بد من التعرض لمؤسسات النظام الإيراني الرئيسية والتي تلعب الدور الأساس في صياغة العملية الانتخابية في هذه الدولة والتي ولا شك تزخر بالكثير من التعقيدات والتي يؤخذ عليها أحيانا أنها تعيق مسيرة العملية الديمقراطية، حيث يتمتع المرشد الأعلى " ولاية الفقيه " للثورة والجمهورية الإسلامية علي خامنئي بسلطات مطلقة في الحكم تساعده أجهزة قوية يسيطر عليها رجال الدين سواء في الحوزة الدينية العلمية في قم، وفي أجهزة القضاء وأجهزة الإعلام (التلفزيون والإذاعة) والحرس الثوري وميليشيا التعبئة وحماية الأخلاق (الباسيج) فضلا عن الأجهزة الأمنية المختلفة وخاصة الاستخبارات.
 
ولاية الفقيه:يتمتع المرشد الأعلى " ولاية الفقيه " بالإضافة إلى مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وإعلان الحرب، يمكنه تعيين وعزل الأفراد التاليين:
نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدده 12 عضوا.
• رئيس السلطة القضائية
• رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون
• القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري.
• القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن. بالإضافة إلى ما تقدم يمكن للمرشد الأعلى عزل رئيس الجمهورية.
• يحق له نقض أي قرار قد يراه مضرا بمصلحة الدولة أو حرف الثورة عن منهجها، وهناك قضية مهمة أن المرشد يتم انتخابه من قبل مجلس معين لهذا الغرض يتألف من 86 شخصا والذي يطلق عليه اسم مجلس الخبراء.
 
مجلس الخبراء:من مهمات المجلس حسب المادة 107 من الدستور الذي اقر في 1979 اختيار المرشد الأعلى ويحق له خلعه في حال ثبت عجزه عن أداء عمله أو فقد مؤهلا من مؤهلات اختياره حسب المادة 111 من نفس الدستور. كما لا يجوز التصويت في البرلمان على أي نوع من التعديلات الدستورية قبل أن تصدر توصية من مجلس الخبراء بذلك الشأن، وتلزم توصياته وقراراته سائر أجهزة الدولة. بالنسبة لعضوية المجلس تقوم كل محافظة من محافظات إيران أل 28 باختيار ممثلها، والنسبة شخص عن كل مليون والتي يزيد عددها عن المليون يمكنها ترشيح شخص آخر لعضوية المجلس عن كل 500 ألف ويضم المجلس حاليا 86 وهذا العدد قابل للزيادة مع زيادة عدد السكان، وتستمر مدة المجلس 8 سنوات. ويترأس هذا المجلس منذ 1990 آية الله علي مشكيني من التيار المحافظ.
 
مجلس صيانة الدستور
مجلس صيانة الدستور أو مجلس الرقابة على القوانين هو أعلى هيئة تحكيم في إيران ويتكون من 12 عضوا، 6 أعضاء فقهاء دينيون يعينهم المرشد الأعلى للثورة، أما