2008-04-09
فاضل علي
ترجمة صادق أبو السعود
مركز القدس للدراسات السياسية
أصدر الجنرال محمد عبد الله الشهواني، رئيس جهاز المخابرات في العراق، في السابع والعشرين من شباط/ فبراير، بيانا إتهم فيه المخابرات الإيرانية بالتخطيط لتخريب لجان الصحوة ذات الأغلبية السنية والتي تشكلت في العراق لمواجهة تنظيم القاعدة، وقد تم نشر البيان على الموقع الرسمي للمخابرات العراقية على شبكة الإنترنت، وذلك قبل أيام فقط من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للعراق في الثاني والثالث من آذار/ مارس 2008.
ورغم أن إيران تعرضت كثيرا وبصورة مستمرة لاتهامات المسئولين الأمريكيين على كل المستويات بالسعي لزعزعة إستقرار العراق، إلا أنها نادرا ما كانت تتعرض للإنتقاد من جانب الحكومة العراقية، والتي تتشكل من ائتلاف من الشيعة والأكراد والسنة الذين انسحبوا من مجلس الوزراء في آب / أغسطس 2007. والعلاقات التي تربط بين إيران والأطراف العراقية الحالية الموجودة في الحكم تعود إلى سنوات الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت تلك الأطراف منضوية في صفوف المعارضة لنظام صدام حسين ذو الطابع السني وكانت تعيش آنذاك في المنفى.
وشهدت زيارة الرئيس أحمدي نجاد للعراق مقاطعة السياسيين السنة، وكانت هناك مسيرات في بعض المدن العراقية ذات الأغلبية السنية احتجت على الزيارة ونددت بها، وغالبا ما ينظر أهل السنة إلى إيران الشيعية كعدو، ولكن هذا كله لم يعكر صفو الزيارة ولا على الترحيب الحار الذي تلقاه الرئيس الإيراني من السياسيين الشيعة والأكراد في بغداد. وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن الرئيس الإيراني جاء إلى العراق برسالة تحد للأمريكيين مفادها: " أنت يا ( أمريكا ) لك وجودك في العراق وأنا لي وجودي". الشرق الأوسط 11آذار/مارس.
والبيان الذي صدر عن الجنرال محمد عبد الله الشهواني والذي نادرا ما يتحدث إلى وسائل الاعلام أو يقوم بنشر البيانات، يشير بأن المخابرات العراقية لديها معلومات بأن أجهزة الأمن الإيرانية قامت بنشر عناصرها في كافة أرجاء العراق في محاولة منها لتخريب وتقويض دور مجالس الصحوة، وشدد الشهواني على أن الشعب يجب أن يكون يقظا، وحث على دعم مجالس الصحوة بهدف الحفاظ على التحسن الامني الذي تحقق بشق الأنفس. علما أن الجنرال الشهواني هو سني وضابط سابق في الجيش العراقي أثناء حكم صدام حسين، وقد ترك الجيش في 1990، ليلتحق في صفوف المعارضة التي كانت تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أحد المتورطين الرئيسيين في محاولة الإنقلاب الفاشلة في 1996، والتي إعدم على إثرها 3 من أبنائه ، وقال بأنه يحتفظ بصلات وثيقة مع وكالة المخابرات المركزية، التي لا تزال تمارس رقابة صارمة على جهاز المخابرات في العراق، والذي في غالبيته الساحقة يتألف من السنة والمخابرات الكردية.
لم يكشف الشهواني عن أية تفاصيل عن عمليات محددة شارك فيها الإيرانيون، ولكنه في نفس الوقت دعا أجهزة الامن العراقية لمراقبة ومتابعة أية نشاطات مشبوهة. هذا وقد أيدت وزارة الداخلية بيان الشهواني عبر تصريحات الجنرال عبد الكريم خلف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، الذي أشار قائلا أن رئيس جهاز المخابرات لن يدلي بهذا البيان دون أن تتوفر لديه أدلة حاسمة على ما يقول. بالإضافة إلى هذا هناك مصدر عسكري أمريكي رفض الكشف عن اسمه والذي تحدث مع إحدى الصحف العربية قائلا: بأنه يتفق مع الذي جاء ببيان الجنرال الشهواني، وأضاف بأنه يوجد قوات تابعة لقوة القدس الإيرانية استهدفت حركة مجالس الصحوة، (صحيفة الشرق الأوسط 28 شباط). من جانبه شدد الشيخ احمد ابو ريشة الزعيم البارز في لجان الصحوة من محافظة الأنبار على ضرورة اخذ بيان الشهواني على محمل الجد ولم يستبعد وجود جهود إيرانية لإحباط مجالس الصحوة. (الملف 29 شباط).
علق تامر التميمي - والمعروف أيضا بإسم ابو عزام التميمي - وهو عضو سابق في الجيش الاسلامي ورئيس لجنة الصحوة في أبو غريب، والتي تقع إلى الغرب من بغداد، على المعلومات من خلال بيان مفاجئ ومثير للإستغراب قال فيه أن إيران تستهدف لجان الصحوة بصورة مباشرة وغير مباشرة عن طريق منظمات مثل القاعدة، وتأتي الهجمات عبر زرع المتفجرات والسيارات المفخخة والهجمات الإنتحارية. ( الزمان، 28 شباط / فبراير).
ومن المثير للاهتمام أن طائفة واسعة من أهل السنة في العراق يعتقدون أن إيران الشيعية لديها صلات مع تنظيم القاعدة السني المتطرف، وهناك إثنان من القادة البارزين في مجالس الصحوة في غرب بغداد هما أبو العبيد، وشجاع الأدهمي، يعتقدان بأن إيران تقوم بتزويد القاعدة والمليشيات الشيعية بالسلاح والأموال لاستهداف تحركاتهم (radiosawa.com ، 11 كانون الثاني / يناير).
والعديد من أهل السنة يشيرون إلى تورط بعض الأفراد السابقين في قوات بدر الشيعية منهم القائد السابق لقوات بدر أبو مصطفى الشيباني، وهو المكلف بادارة شبكة لتهريب أجهزة التفجير الإيرانية المحسنة لزيادة قدرتها التدميرية إلى لعراق، والمصممة خصيصا بما يتلائم مع البيئة العراقية. وحسب مصدر من وزارة الدفاع العراقية، فإن محمد الشيباني، الذي اعتقل من قبل قوات التحالف فى عام 2007 ، اعترف بان الأجهزة الإيرانية التي تقدم له العون قد وجهت إليه التعليمات بتوسيع شبكته للوصول لأكبر عدد ممكن من شبكات التمرد، وقد كشف أيضا أنه بالإضافة الى المليشيات الشيعية فلديه صلات وثيقة مع المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة.( الملف 22 أيار /مايو 2007). وتدعي المصادر الأمريكية بأن الشيباني يعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، والهدف الأول لشبكته هو محاربة القوات الامريكية، ومهاجمة القوافل وقتل الجنود. والهدف الثاني يتمثل بالقضاء على السياسيين العراقيين المعارضين للنفوذ الإيراني( وزارة المالية الأمريكية، اتش بي 759 ، 9 كانون الثاني / يناير).
وكجزء من تحفظه ازاء مجالس الصحوة، برر رئيس الوزراء العراقى نوري المالكي رفضه لتجنيد المقاتلين السنة إلى جانب القوات الحكومية، بالإشارة إلى أن حزب البعث المحظور وتنظيم القاعدة قد أمروا عناصرهم باختراق جماعة الصحوة (الشرق الأوسط 5 كانون الثاني / يناير). وحسب ما يعتقد السنة فيما يتعلق بالعلاقة ما بين إيران والقاعدة، فإن إيران قد تكون مسئولة جزئيا عن إختراق تكتيكات القاعدة وحزب البعث، أو ربما يستخدم الإيرانيون هذا الإختراق لخدمة مصالحهم الإستراتيجية في مهاجمة لجان الصحوة .
وقد بدأت حركة لجان الصحوة عملها في الأنبار حيث تم تنظيمها على أساس التكوينات القبلية والعشائرية التي تتميز بها المنطقة بقيادة زعماء القبائل والعشائر. وهذا جعل من الصعب جدا نجاح الجهود المبذولة لإختراقها. وفي بغداد انتشرت لجان الصحوة في كافة الأحياء السنية تقريبا، ولكن سكان العاصمة بغداد ليسوا من قبيلة واحدة، والرابطة العشائرية بينهم ضعيفة بصورة عامة، والذي كان من شأنه توفير الفرصة أمام اختراقها. في الوقت الذي كانت فيه الرابطة القبلية والعشائرية في الأنبار تشكل درعا لحماية لجان الصحوة من مثل هذا الاختراق، إلا أن التنافس والنزاع بين القوى السنية قد يفتح الطريق امام وجود شكل آخر من أشكال الاختراق، حيث أعرب أحد الزعماء البارزين في لجان الصحوة في الأنبار عن قلقه الشديد للزيارات المتكررة للشيخ حميد فرحان الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار وأحد كبير شيوخها وهو أيضا أحد زعماء مجالس الصحوة إلى إيران ( صحيفة الحياة 8 تشرين الاول / اكتوبر ، 2007)، والذي كان في وقت من الأوقات ينظر إليه كخليفة محتمل لقيادة لجان الصحوة في الأنبار بعد مقتل الشيخ عبد الستار أبو ريشة في انفجار سيارة مفخخة في أيلول / سبتمبر 2007 .
وسواء كانت الفرضية التي يؤمن بها بعض السنة بوجود علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة صحيحة أم خاطئة، إلا أنه يجب أخذ أية أدلة أو مؤشرات ممكنة على وجود مثل تلك العلاقة على محمل الجد وأن يُنظر إليها باهتمام بالغ. وتشير المصادر العراقية السنية إلى أن تشتيت مجالس الصحوة أصبح يشكل أولوية للسياسة الإيرانية في العراق. حيث أن مجالس الصحوة المسلحة من جانب الجيش الأمريكي أصبحت تشكل خطرا على الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران (thirdpower.org ، 6 كانون الثاني / يناير).
وتجدر الإشارة إلى تكرار الخلافات بين الجيش الأمريكي ومجالس الصحوة حول القضايا المالية المتعلقة بالدفع لعناصر الصحوة، وهذه علامة غير مشجعة نظرا إلى أن معظم هؤلاء المقاتلين من السنة قد خسروا وظائفهم القديمة كضباط وعناصر في جيش صدام حسين وقوات الأمن ولم يتم استيعابهم في الجيش العراقي الجديد. وهذا النوع من الحالات، من شأنه ان يساعد بقدر كبير جهود التسلل والإختراق الإيرانية أو غيرها من أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
يعتقد العراقيون السنة أن وجود التنسيق بين المخابرات الإيرانية والقاعدة للهجوم على مجالس الصحوة يهدف إلى عكس دورها في تحسين الظروف الأمنية في العراق. كما أن إيران ليست مستعدة لتحقيق الاستقرار في العراق من أجل بقاء الولايات المتحدة تحت الضغط ومنعها من ممارسة الضغط على إيران (تامر التميمي في حديثه معnewsabah.com ، 16 آذار / مارس). ومع هيمنة حلفاء طهران على الساحة السياسية في العراق، فإن طموح بعض زعماء السنة قد يدفعهم إلى التقرب بصورة أكبر من إيران.
*المصدر The Jamestown Foundation
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة