A+ A-
حقوق المواطنة في الإسلام ومستقبل مواطنة المسلم في المجتمعات الغربية
2007-09-01
تمهيد
إن الحديث عن المواطنة في الإسلام، يفرض علينا تحديد معنى الغيرية ومستوياتها كما حددها الإسلام، وهي تعني ضمنيا التعايش والتعارف مع احترام الفروق بالنسبة للأفراد شعوبا وقبائل وجنسيات ولغات وأديان على حد سواء.
فالنظرة الإسلامية للعالم ،لا تعتبر التعدد ،والتنوع البشريين، من قبل الحوادث التاريخية أو الانحرافات الشخصية أو العيوب الإنسانية،بل تعدهما مظهرا من تدبير الله للعالم، وسنة من سنن الله في الكون،ولو شاء الله تعالى لخلق الناس على نمط موحد من الأفكار والمشارب،والأهواء والأذواق، ولكن حكمته سبحانه اقتضت اختلاف البشر وتعددهم في الكون إزاء سموه ووحدانيته، وهو ما أكدته الآيتين الكريمتين: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) النحل 93

( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ،ولكن ليبلوكم في ما أتاكم ) المائدة 48
وفي هذا التأصيل لمبدأ الغيرية والتعددية، يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته وفكره ومشاعره،وهذه هي أخص خصائص حقوق الإنسان وأقوم منهج للمجتمع الإنساني،فالغيرية في الإسلام تعني في جوهرها ،التسليم بالاختلاف،التسليم به وفقا لا يسع عاقلا إنكاره والتسليم به حقا للمختلفين لا يملك أحد أو سلطة حرمانهم منه، وهي معنية بالموضوع الذي يكون الاختلاف حوله، أو الذي ينحصر فيه نطاقها، فتكون دينية، مذهبية، لغوية، ثقافية ،عرقية، اقتصادية، سياسية ..)

جوهريا إذن،تسكن الغيرية في صميم جوهر الإنسان، وتنبع من هذا التدبير الكوني وتضرب بجذورها في أعماق الدين الإسلامي، لكن يبقى السؤال قائما حول كيفية تحول المفاهيم والرؤى عن هذا المبدأ الإسلامي. أي كيف آل الأمر بالضمير الإسلامي المؤسس على الاعتراف بالآخر والحوار معه والانفتاح عليه،أن ينغلق على نفسه، ويرفض بحساسية مفرطة التعامل مع مفاهيم مثل الحوار،التعارف، التعايش،التسامح، بدعوى أن مثل هذه المفاهيم قد تضع الدين الإسلامي، دين توحيد، في مرتبة واحدة مع غيره من الأديان التي أصابها التحريف والتزوير، أو تلك الثقافات التي استقت منظومتها الفكرية من عقليات مؤسسيها الموغلة في الوثنية والضلال والشرك. وتعليلا بهذه الحجة،تمكنت بعض الآراء المتسمة بالقصور عن فهم الدعوة الحوارية في الإسلام فصاغت مفهوم إقصاء الآخر انطلاقا من نظرة التفوق العرقي والديني الغربي وهو المفهوم الذي اتخذ منه الغرب المسيحي مقياسا مارس به قمعا كبيرا على المخالفين معه سواء على مستوى المذهب او الدين.

إن الحديث عن مفهوم المواطنة وعلاقة المسلم بغير المسلم يقتضي البحث عن تاريخ تداول هذا المفهوم وهذه العلاقة في أدبيات العرب والمسلمين وأعرافهم.فهل شهدت أدبيات المسلمين مبدأ المواطنة المتعارف عليه غربياً اليوم؟ ما هو المعادل الموضوعي لمفهوم المواطنة في التراث الحضاري الإسلامي، وكيف يمكن النظر إليه في ظل ما وصلت إليه السياسات العالمية اليوم؟
هل غياب مصطلح المواطنة كما يردد المستشرقون عن الاستخدام في اللغات الشرقية: العربية والتركية والفارسية يعني بالضرورة غياب جوهره من التاريخ الفكري للمسلمين ومن حياتهم؟؟

هل حرص الإسلام على تنظيم العلاقات الإنسانية بما يوفر لكل طرف حاجاته التى يتطلع إليها، ويحقق له غاياته المشروعة دون أن يكون ذلك على حساب حقوق الآخرين أو يسبب لهم أضرارًا تلحق بهم؟؟ كثيرة هي التعليقات التي تطرح عن مواطنة غير المسلم في الإسلام،لكن جميل أن يتساءل في المقابل عن مواطنة المسلم عند الآخر أليس الحجاب وتغطية الرأس في فرنسا وتركيا وألمانيا حرية شخصية للمواطن؟لماذا تمنع زوجة رئيس وزراء تركيا من حضور الحفلات الرسمية؟ أين حقوق المواطنة التي يتكلم عنها الكتاب والساسة والإعلاميون في الغرب المسيحي او العلماني؟؟ وهل وجدت أقليات دينية عوملت في التاريخ الإنساني كما عومل أهل الكتاب في الإسلام الأقباط في مصر واليهود في المغرب والأندلس؟ وإذا كانت الكنائس تبنى بقرار حكومي فإن الحجاب يمنع في الغرب بقانون ودستور ؟؟

سنحاول من خلال طرح هذه التساؤلات تسليط الضوء على مسألة المواطنة وحقوق المسلمين وغير المسلمين واشكالية التعايش في ظل الأوضاع المتغيرة في العالم، خاصة بعدما كثرت اقلام حاملى لواء الليبرالية فى الوطن العربى مبالغة في التخوف على حقوق الفئات غير المسلمة من تطبيق الشريعة عليهم. بدعوى أن ارتباط الدولة بالدين يؤدى الى سيادة المذهبية والطائفية ويسلب حقوق غير المسلمين ومنها حق المواطنة كحق من حقوق الإنسان ظنا منهم إن شريعة الإسلام قد كرست الحقوق للمسلمين وحرمت غير المسلمين من هذه الحقوق وانها بذلك تقوم على ثقافة الإقصاء والتمييز واللامساواة.

لقد غدت قضية المواطنة وحقوق الغير المسلم السياسية والدينية، وخاصة الأقليات الدينية من أولويات الفكر الليبرالي ومؤلفات عصر التنوير الاوروبى.. وهى على مستواها هذا تعتبر نموذجا مثاليا لإغراء العقول ولب الحقائق، (وقد قلبت الحقائق فعلا بالحديث عن الاضطهاد الدينى لفئات ذات معتقدات دينية متعددة فى العالم، ونظمت الحملات لصالح أنصار الكنيسة العلمية التى يرفضها الفاتيكان، وأخرجت المظاهرات لحماية الوثنيين فى دول عديدة، ولم يهتم أحد باحتقار المسلمين وتشويه القران الكريم، وخلط آياته بالأناجيل بحجة عولمة الأديان، والانفتاح الحضاري بينهم. ، والإساءة الى معتقداتهم الدينية، وتشويهها والسخرية منها، ومع ذلك فإن حماة مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان لايجدون اى عجب واستغراب من هذا السلوك الغربى للطعن فى القران الكريم فى صحفهم ومجلاتهم التي تهاجم الإسلام على الدوام، أو نشر صور كاريكاتورية تسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.