القيم الدستورية للديمقراطية... سياسة أم صياغة؟
2008-01-27
2008-01-27
إن صياغة دستور يرقى الى المنافسة والمعايير الدولية ليست إشكالية فنية أو صياغية، بل هى مسألة سياسية. ولهذا يتطلب الحديث عن الدستور وقيمه، أولا، الاتفاق على ماهية "القيم" بالمعنى الدستورى؟ولاشك فى ما بين الدستور و"الأخلاق" من صلة وثيقة، حيث تجسد المبادئ الدستورية والقانونية أخلاقيات المجتمع، وترفع من منزلة الأخلاق الى مصاف القواعد القانونية الملزمة للكافة. ولكنهما ليسا شيئا واحدا، فحيث يتطابق مقتضى القاعدة القانونية مع مقتضى القاعدة الخلقية فإن ذلك لا يكون دائما نزولاً من الأولى عند الاعتبارات التى تمليها الثانية، ولكنه يكون لمصلحة مشتركة (مثلا: الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع).
وبالتالى فالسؤال الذى يطرح نفسه بشأن القيم الدستورية: هل هى مثل أخلاقية تسمى الفضائل والخصال الحميدة للبشر كأفراد صالحين بهذا المجتمع؟، أم هى اتفاقات ومعادلات سياسية، من الوارد جدا أن تتغير كلما تغير الزمان والمكان والأشخاص والكيفية؟، لأنها تاريخية وليست سماوية، وإن استلهمت شريعة سماوية!
فهى اتفاقات، وبالتالى فهى إرادية..، ثم إنها معادلات، وبالتالى فهى مرحلية 1. من هنا، فالحديث عن الدستور (قيمه، أو تعديله..) لا يكون حقيقيا ومنتجا إلا باستطلاعات رأى عام حرة ومستقلة ودراسات علمية مستقلة تسبق كتابة الدستور أو تعديله، وإلا احتكر البعض فرصة تقديم المبادرة والرأى وحده، ثم عرضه على الجمهور فى استفتاء، لا خيارات فيه أمام المواطنين -أصحاب الدستور- سوى القبول أو الرفض، دون مداخلة فى قيم وبناء الدستور. يرتبط ما سبق ذلك أيضا نظرة صاحب القرار الى الجمهور ودوره الحقيقى فى التصميم الدستورى للعملية السياسية، وهل هى نظرة استعلائية أم مساواتية؟، وهل نريد فعلا دستورا يطبق أم يرضى المستعمين؟، فضريبة الديمقراطية ليست هينة، وإن كانت مجزية ومفيدة جدا!
ومن هنا، أطرح الأسئلة الأربعة التالية للتأمل والمناقشة.
السؤال الأول: هل الدستور وثيقة سياسية؟ الدستور ينبثق من السياسة. فالقواعد القانونية القائمة اليوم فى مجتمع ما، هى تعبير عن موقف سياسى نجحت القوى التى تبنَّته فى الإقناع به أو فى فرضه على الناس. فالتشريع من هذه الزاوية هو السياسة تحولت إلى نظم وقواعد مقررة للحقوق والواجبات. وتقوم هذه القواعد –بعد ذلك- بدور سياسى فى تنظيم حركة المجتمع وضبط إيقاع العلاقة بين القوى السياسية فيه. فتؤثر فى السياسة بعد أن تأثرت بها، وتصنع بعض المواقف السياسية بعد أن كانت المواقف السياسية هى التى تصنعها أو تؤدى إلى صنعها. أى أن التشريع عمل سياسى بحت لا يتم بمعزل عن الحياة السياسية والرؤية السائدة فيها فى لحظة صنع التشريع وصياغته. والتشريع الذى يصنع، أو يصاغ، على نقيض ما تقتضيه الحياة السياسية التى يشرَّع لها يعد عملا سيئاً، يوصف صانعه بأنه خائن لواجبه المهنى.
وبالتالى فالسؤال الذى يطرح نفسه بشأن القيم الدستورية: هل هى مثل أخلاقية تسمى الفضائل والخصال الحميدة للبشر كأفراد صالحين بهذا المجتمع؟، أم هى اتفاقات ومعادلات سياسية، من الوارد جدا أن تتغير كلما تغير الزمان والمكان والأشخاص والكيفية؟، لأنها تاريخية وليست سماوية، وإن استلهمت شريعة سماوية!
فهى اتفاقات، وبالتالى فهى إرادية..، ثم إنها معادلات، وبالتالى فهى مرحلية 1. من هنا، فالحديث عن الدستور (قيمه، أو تعديله..) لا يكون حقيقيا ومنتجا إلا باستطلاعات رأى عام حرة ومستقلة ودراسات علمية مستقلة تسبق كتابة الدستور أو تعديله، وإلا احتكر البعض فرصة تقديم المبادرة والرأى وحده، ثم عرضه على الجمهور فى استفتاء، لا خيارات فيه أمام المواطنين -أصحاب الدستور- سوى القبول أو الرفض، دون مداخلة فى قيم وبناء الدستور. يرتبط ما سبق ذلك أيضا نظرة صاحب القرار الى الجمهور ودوره الحقيقى فى التصميم الدستورى للعملية السياسية، وهل هى نظرة استعلائية أم مساواتية؟، وهل نريد فعلا دستورا يطبق أم يرضى المستعمين؟، فضريبة الديمقراطية ليست هينة، وإن كانت مجزية ومفيدة جدا!
ومن هنا، أطرح الأسئلة الأربعة التالية للتأمل والمناقشة.
السؤال الأول: هل الدستور وثيقة سياسية؟ الدستور ينبثق من السياسة. فالقواعد القانونية القائمة اليوم فى مجتمع ما، هى تعبير عن موقف سياسى نجحت القوى التى تبنَّته فى الإقناع به أو فى فرضه على الناس. فالتشريع من هذه الزاوية هو السياسة تحولت إلى نظم وقواعد مقررة للحقوق والواجبات. وتقوم هذه القواعد –بعد ذلك- بدور سياسى فى تنظيم حركة المجتمع وضبط إيقاع العلاقة بين القوى السياسية فيه. فتؤثر فى السياسة بعد أن تأثرت بها، وتصنع بعض المواقف السياسية بعد أن كانت المواقف السياسية هى التى تصنعها أو تؤدى إلى صنعها. أى أن التشريع عمل سياسى بحت لا يتم بمعزل عن الحياة السياسية والرؤية السائدة فيها فى لحظة صنع التشريع وصياغته. والتشريع الذى يصنع، أو يصاغ، على نقيض ما تقتضيه الحياة السياسية التى يشرَّع لها يعد عملا سيئاً، يوصف صانعه بأنه خائن لواجبه المهنى.
والسياسة فى بحث علاقتها بالتشريع الدستورى تعنى أحد أمرين: فهى تعنى مجموعة العلاقات التى تحكم نظام حياة الشعب ككل، كما تعنى مجموعة الغايات المشتركة التى يستهدفها الشعب ككل أيضا، والوسائل التى يتخذها للوصول الى تلك الغايات.
إذن، الدستور وثيقة سياسية، تتعلق بالرابطbond السياسى، ولا يتعلق، أو لا يجب أن يتعلق بأكثر من "المعقول" فى تفضيلات وأنماط العلاقات الاجتماعية أو التفاعلات الثقافية أو حتى المصالح والخيارات الاقتصادية، وإلا كان "حزبيا" وليس "وطنيا"، وقلقا أكثر منه مستقرا، ومكروها فى الواقع وإن كان مذكورا على الأوراق (ومن أمثلة ذلك النص على أن: حزب... قائد الدولة والمجتمع، أو أن الصحافة إحدى السلطات العامة -فى حين أنها حتى لا تستطيع حماية نفسها!!-، وتضخم وتحزب النيابة العامة كجهة تحقيق وجهة إدعاء، وتبعية النائب العام فى آن واحد...
كما أن الهوية السياسية للدستور، والقيم التى ينهض عليها، لا تعنى اقتصاره على أحكام ومبادئ تتعلق فقط بالأمور السياسية، كالانتخابات والأحزاب... وإنما تعنى أن العنصر الحاكم فى السياسة التشريعية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية هو العنصر السياسى، أى القيمة "السياسية" التى ينطلق منها الدستور فى خطابه والمخاطبين بأحكامه (مثلا: خصوصية الخاص، سواء بمعنى أن الملكية مصونة، أو أن الحرية الخاصة معتبرة، أو أن الرأى الخاص مصون..، وبالتالى فلا يجوز، إذا كنا نضع دستورا لنحترمه، أن يصدر تشريع أو قرار أو تصرف يمس الحق الخاص، من السلطة أو سكتت عنه السلطة).
السؤال الثانى: ما هى نظرة الدستور الى المشرع؟الدستور يخاطب السلطة التشريعية فى المقام الأول، لأنها تعطى الطابع التفصيلى للمبدأ الدستورى فى شكل تشريع، ثم تذهب به الى السلطة التنفيذية لمراعاة احترام الكافة له. أى أن البرلمان يقنن الدستور، والحكومة تمسك على المخالف للقانون، والقضاء يحكم فى حقه بالقانون.. فما نظرة الدستور للبرلمان؟
1- يضعه فى موقع غيره: صائغ (شكليات التشريع كثيرة، وانتقلت بأعراضها الى اللائحة الداخلية للمجالس العربية)
2- يضعه فى غير موقعه: تابع (البرلمان يفوض صلاحياته للحكومة، البرلمان عرض للحل، البرلمان دوره المشورة فى سياسة الحكومة..)
ومن ثم فإن الدور المحدود للبرلمان فى تشكيل قواعد العملية الانتخابية التى تفرزه ومراقبة الوسائل التى تؤثر فى تكوينه تجعل الدور المحورى فى تشريعات الانتخابات وإدارتها للسلطة التنفيذية.
السؤال الثالث: هل الصياغة التشريعية هى السياسة التشريعية؟
إن التشريع سياسة ثم إنه صياغة.فمن الأخطاء الشائعة النظر الى صياغة القوانين على أنها مرادف للدور التشريعى للنواب، ويقود هذا الخطأ المعرفى الى ثلاثة أمور، كلها سلبية، وهى:
أولا: الخلط بين صناعة القانون وصياغة القانون، ففى حين تستخدم الدول الديمقراطية تعبير "صناع القانون" (Law-makers) أو "المشرعين" (Legislators)، إشارة الى البرلمانيين، يطلق عليهم فى دول المنطقة "ترزية القوانين"، وكأن دورهم هو دور "الصائغين" (Bill Drafters). والفرق كبير وجوهرى بين الوصفين، وأحرى بالبرلمانيين أداء دور صناع التشريع وليس ترزية القوانين.
والسياسة فى بحث علاقتها بالتشريع الدستورى تعنى أحد أمرين: فهى تعنى مجموعة العلاقات التى تحكم نظام حياة الشعب ككل، كما تعنى مجموعة الغايات المشتركة التى يستهدفها الشعب ككل أيضا، والوسائل التى يتخذها للوصول الى تلك الغايات.
إذن، الدستور وثيقة سياسية، تتعلق بالرابطbond السياسى، ولا يتعلق، أو لا يجب أن يتعلق بأكثر من "المعقول" فى تفضيلات وأنماط العلاقات الاجتماعية أو التفاعلات الثقافية أو حتى المصالح والخيارات الاقتصادية، وإلا كان "حزبيا" وليس "وطنيا"، وقلقا أكثر منه مستقرا، ومكروها فى الواقع وإن كان مذكورا على الأوراق (ومن أمثلة ذلك النص على أن: حزب... قائد الدولة والمجتمع، أو أن الصحافة إحدى السلطات العامة -فى حين أنها حتى لا تستطيع حماية نفسها!!-، وتضخم وتحزب النيابة العامة كجهة تحقيق وجهة إدعاء، وتبعية النائب العام فى آن واحد...
كما أن الهوية السياسية للدستور، والقيم التى ينهض عليها، لا تعنى اقتصاره على أحكام ومبادئ تتعلق فقط بالأمور السياسية، كالانتخابات والأحزاب... وإنما تعنى أن العنصر الحاكم فى السياسة التشريعية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية هو العنصر السياسى، أى القيمة "السياسية" التى ينطلق منها الدستور فى خطابه والمخاطبين بأحكامه (مثلا: خصوصية الخاص، سواء بمعنى أن الملكية مصونة، أو أن الحرية الخاصة معتبرة، أو أن الرأى الخاص مصون..، وبالتالى فلا يجوز، إذا كنا نضع دستورا لنحترمه، أن يصدر تشريع أو قرار أو تصرف يمس الحق الخاص، من السلطة أو سكتت عنه السلطة).
السؤال الثانى: ما هى نظرة الدستور الى المشرع؟الدستور يخاطب السلطة التشريعية فى المقام الأول، لأنها تعطى الطابع التفصيلى للمبدأ الدستورى فى شكل تشريع، ثم تذهب به الى السلطة التنفيذية لمراعاة احترام الكافة له. أى أن البرلمان يقنن الدستور، والحكومة تمسك على المخالف للقانون، والقضاء يحكم فى حقه بالقانون.. فما نظرة الدستور للبرلمان؟
1- يضعه فى موقع غيره: صائغ (شكليات التشريع كثيرة، وانتقلت بأعراضها الى اللائحة الداخلية للمجالس العربية)
2- يضعه فى غير موقعه: تابع (البرلمان يفوض صلاحياته للحكومة، البرلمان عرض للحل، البرلمان دوره المشورة فى سياسة الحكومة..)
ومن ثم فإن الدور المحدود للبرلمان فى تشكيل قواعد العملية الانتخابية التى تفرزه ومراقبة الوسائل التى تؤثر فى تكوينه تجعل الدور المحورى فى تشريعات الانتخابات وإدارتها للسلطة التنفيذية.
السؤال الثالث: هل الصياغة التشريعية هى السياسة التشريعية؟
إن التشريع سياسة ثم إنه صياغة.فمن الأخطاء الشائعة النظر الى صياغة القوانين على أنها مرادف للدور التشريعى للنواب، ويقود هذا الخطأ المعرفى الى ثلاثة أمور، كلها سلبية، وهى:
أولا: الخلط بين صناعة القانون وصياغة القانون، ففى حين تستخدم الدول الديمقراطية تعبير "صناع القانون" (Law-makers) أو "المشرعين" (Legislators)، إشارة الى البرلمانيين، يطلق عليهم فى دول المنطقة "ترزية القوانين"، وكأن دورهم هو دور "الصائغين" (Bill Drafters). والفرق كبير وجوهرى بين الوصفين، وأحرى بالبرلمانيين أداء دور صناع التشريع وليس ترزية القوانين.
ثانيا: الإغراق فى إسناد المهمة التشريعية الى الأعضاء القانونيين، أو الى المحامين والمستشارين، فى حين أن مهمة القانونيين هى تجسيد الأفكار والقيم التى يحددها البرلمانيون وحدهم فى قالب وعبارات منضبطة لفظا ولغة، بحيث تكون "شاملة- مانعة" لما أراده البرلمانيون أنفسهم، وليس وفق ما يراه القانونيون. وبالتالى نسال أنفسنا: هل بالضرورة ان يكون رئيس وقيادات اللجنة القانونية أو التشريعية فى البرلمان من القانونيين؟، أم يمكن أن يكونوا من الأطباء أو الأدباء أو رجال الدين أو الصناعيين أو حتى غير المتعلمين تعليما جامعيا؟، فالمهم والمطلوب من عضو البرلمان هو تحديد الأولويات والأفكار اولا ثم يأتى دور القانونيين لبلورتها فى صياغة فنية جيدة.
ثالثا: تقليد البرلمان الوطنى لقوانين وإجراءات أصدرها برلمان آخر. وفى الحقيقة لا توجد مشكلة فى الاستفادة وتبادل الخبرات، ولا توجد مشكلة أيضا فى نقل بعض الأحكام والنصوص من برلمان الى برلمان آخر، بشرط تشابه الظروف والبيئة الموضوعية والاجتماعية الوطنية فى كل منها، لأن المنطقى (وكما يقول الفقه) أن الاجتهاد فى تفسير النص واجب باختلاف الزمان والمكان والحال.. لهذا، فالتشريع سياسة، ثم إنه صياغة، ودور الصائغ يأتى بعد النائب.
ثانيا: الإغراق فى إسناد المهمة التشريعية الى الأعضاء القانونيين، أو الى المحامين والمستشارين، فى حين أن مهمة القانونيين هى تجسيد الأفكار والقيم التى يحددها البرلمانيون وحدهم فى قالب وعبارات منضبطة لفظا ولغة، بحيث تكون "شاملة- مانعة" لما أراده البرلمانيون أنفسهم، وليس وفق ما يراه القانونيون. وبالتالى نسال أنفسنا: هل بالضرورة ان يكون رئيس وقيادات اللجنة القانونية أو التشريعية فى البرلمان من القانونيين؟، أم يمكن أن يكونوا من الأطباء أو الأدباء أو رجال الدين أو الصناعيين أو حتى غير المتعلمين تعليما جامعيا؟، فالمهم والمطلوب من عضو البرلمان هو تحديد الأولويات والأفكار اولا ثم يأتى دور القانونيين لبلورتها فى صياغة فنية جيدة.
ثالثا: تقليد البرلمان الوطنى لقوانين وإجراءات أصدرها برلمان آخر. وفى الحقيقة لا توجد مشكلة فى الاستفادة وتبادل الخبرات، ولا توجد مشكلة أيضا فى نقل بعض الأحكام والنصوص من برلمان الى برلمان آخر، بشرط تشابه الظروف والبيئة الموضوعية والاجتماعية الوطنية فى كل منها، لأن المنطقى (وكما يقول الفقه) أن الاجتهاد فى تفسير النص واجب باختلاف الزمان والمكان والحال.. لهذا، فالتشريع سياسة، ثم إنه صياغة، ودور الصائغ يأتى بعد النائب.
والمحصلة، ضعف قدرة التشريعات على قيادة الفعل العام، وهيمنة الأدوات التنفيذية فى تحقيق سياسات الحكومة.. فإلى أى مدى تضمن التشريعات نزاهة العملية الانتخابية إلا عندما تلتزم بإرادتها بتحقيق درجة أعلى من النزاهة؟، وألا يمكن تطويع ولوى التشريعات لتحقيق نتائج أخرى، حتى فى ظل الإلتزام بالقوانين واللوائح؟، وألا توجد أحكام وصياغات لقواعد قانونية غير قابلة للتطبيق أصلا (مثلا: توقيع جزاء على عدم المشاركة فى التصويت..، أو إنفاذ قواعد سقف الإنفاق الانتخابى لمنع استخدام سلاح المال، أو حياد الأجهزة التنفيذية.. فى ظل إشراف الحكومة على الانتخابات وغياب لجنة مستقلة بالمعايير الدولية الفضلى)؟
السؤال الرابع: هل هناك ديمقراطية فى الصياغة؟
السياسة عموما، وبالمعنى الإجرائى، هى عملية اتخاذ القرارات، التى تتضمن المفاضلة فيما بين البدائل المتاحة والممكنة، على ضوء أولويات الجماعة ومصالح المجتمع.
والمحصلة، ضعف قدرة التشريعات على قيادة الفعل العام، وهيمنة الأدوات التنفيذية فى تحقيق سياسات الحكومة.. فإلى أى مدى تضمن التشريعات نزاهة العملية الانتخابية إلا عندما تلتزم بإرادتها بتحقيق درجة أعلى من النزاهة؟، وألا يمكن تطويع ولوى التشريعات لتحقيق نتائج أخرى، حتى فى ظل الإلتزام بالقوانين واللوائح؟، وألا توجد أحكام وصياغات لقواعد قانونية غير قابلة للتطبيق أصلا (مثلا: توقيع جزاء على عدم المشاركة فى التصويت..، أو إنفاذ قواعد سقف الإنفاق الانتخابى لمنع استخدام سلاح المال، أو حياد الأجهزة التنفيذية.. فى ظل إشراف الحكومة على الانتخابات وغياب لجنة مستقلة بالمعايير الدولية الفضلى)؟
السؤال الرابع: هل هناك ديمقراطية فى الصياغة؟
السياسة عموما، وبالمعنى الإجرائى، هى عملية اتخاذ القرارات، التى تتضمن المفاضلة فيما بين البدائل المتاحة والممكنة، على ضوء أولويات الجماعة ومصالح المجتمع.
والسياسة التشريعية للدستور المقصودة هنا هى الفلسفة التى تحكم عملية التشريع الدستورى، بداية من اتخاذ قرار التصدى لموضوع أو قضية عن طريق إجراء تعديل دستورى ابتداءأ، ومرورا بتحليل الموضوع وتحديد أولويات المجتمع بشأنها وقدراته ومصالحه إزاءها، ثم ترجمة مبادئ السياسة الى نصوص دستورية وإصدارها بالطرق المقررة. أما الصياغة الدستورية فهى عملية ضبط الأفكار فى عبارات محكمة، موجزة وسليمة، كى تكون قابلة للتنفيذ. ولهذا، يجب الحذر عند الخلط، ولو غير المتعمد، بين الصائغ (Drafter) والمشرع (Legislator)، فالأول مصمم فنى، والأخير هو صانع القرار، المسئول أمام الناخبين عن السياسة التشريعية، بل وكذلك عن صياغة النص القانونى ذاته.
فالقانون ليس غاية فى ذاته، ولا هو قواعد مجردة تكتب ولا تطبق، ولكنه جزء من نظام حكومة الشعب، يباشر وظيفته –حين تطبق قواعده- بين أناس يعتنقون مذهباً سياسياً، ويتخذون مواقف سياسية يعبر عنها التشريع القائم فيهم. وإهمال ذلك يجعل التشريع منفصلا عن الجماعة لا تعيره التفاتاً ولا تعنى بطاعته، أو مفروضاً عليها تبغضه وتتفلت منه كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وقد تقاومه بالثورة والقوة.
والسياسة التشريعية للدستور المقصودة هنا هى الفلسفة التى تحكم عملية التشريع الدستورى، بداية من اتخاذ قرار التصدى لموضوع أو قضية عن طريق إجراء تعديل دستورى ابتداءأ، ومرورا بتحليل الموضوع وتحديد أولويات المجتمع بشأنها وقدراته ومصالحه إزاءها، ثم ترجمة مبادئ السياسة الى نصوص دستورية وإصدارها بالطرق المقررة. أما الصياغة الدستورية فهى عملية ضبط الأفكار فى عبارات محكمة، موجزة وسليمة، كى تكون قابلة للتنفيذ. ولهذا، يجب الحذر عند الخلط، ولو غير المتعمد، بين الصائغ (Drafter) والمشرع (Legislator)، فالأول مصمم فنى، والأخير هو صانع القرار، المسئول أمام الناخبين عن السياسة التشريعية، بل وكذلك عن صياغة النص القانونى ذاته.
فالقانون ليس غاية فى ذاته، ولا هو قواعد مجردة تكتب ولا تطبق، ولكنه جزء من نظام حكومة الشعب، يباشر وظيفته –حين تطبق قواعده- بين أناس يعتنقون مذهباً سياسياً، ويتخذون مواقف سياسية يعبر عنها التشريع القائم فيهم. وإهمال ذلك يجعل التشريع منفصلا عن الجماعة لا تعيره التفاتاً ولا تعنى بطاعته، أو مفروضاً عليها تبغضه وتتفلت منه كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وقد تقاومه بالثورة والقوة.
ولكن، من ناحية أخرى، فسوف تتأثر السياسة التشريعية -بالطبع- بالمعطيات السياسية القائمة، فيكون هناك منهج تشريعى يختلف من نظام لآخر، ويتأثر بدرجة كونه نظاما سلطويا أو نظاما ديمقراطيا، فالسياسة التشريعية فى الحالة الأولى لا تتيح دورا كبيرا للمجالس النيابية وإنما يكون الدور الأكبر للسلطة التنفيذية (الحاكم)، وفى بعض الأحيان يكون الحاكم لابسا لثوب مؤسسى خارجى مثل سلطة الحزب الواحد أو الوحيد وبالتالى يكون لدينا برلمانا تابعا، وفى مثل هذا الوضع يكون دور هذا البرلمان مجرد عملية تشريع لتصرفات السلطة التنفيذية أى إدخال ما تراه مناسباً فى إطار قانونى. أما فى ظل الأنظمة الديمقراطية ووجود تعددية سياسية وأحزاب سياسية مستقلة ومنظمات مدنية مستقرة فإن السياسة التشريعية تكون محصلة لتفاعل هذه الأطراف الاجتماعية والقوى السياسية على نحو ما، قد تزداد فيه كفة طرف معين على أخرى، ولكنها جميعا تبقى فى دائرة التأثير.
ولكن، من ناحية أخرى، فسوف تتأثر السياسة التشريعية -بالطبع- بالمعطيات السياسية القائمة، فيكون هناك منهج تشريعى يختلف من نظام لآخر، ويتأثر بدرجة كونه نظاما سلطويا أو نظاما ديمقراطيا، فالسياسة التشريعية فى الحالة الأولى لا تتيح دورا كبيرا للمجالس النيابية وإنما يكون الدور الأكبر للسلطة التنفيذية (الحاكم)، وفى بعض الأحيان يكون الحاكم لابسا لثوب مؤسسى خارجى مثل سلطة الحزب الواحد أو الوحيد وبالتالى يكون لدينا برلمانا تابعا، وفى مثل هذا الوضع يكون دور هذا البرلمان مجرد عملية تشريع لتصرفات السلطة التنفيذية أى إدخال ما تراه مناسباً فى إطار قانونى. أما فى ظل الأنظمة الديمقراطية ووجود تعددية سياسية وأحزاب سياسية مستقلة ومنظمات مدنية مستقرة فإن السياسة التشريعية تكون محصلة لتفاعل هذه الأطراف الاجتماعية والقوى السياسية على نحو ما، قد تزداد فيه كفة طرف معين على أخرى، ولكنها جميعا تبقى فى دائرة التأثير.
1 فربما ارتضى المصريون يوما تخصيص كوتا 50% للعمال والفلاحين فى تركيب السلطة، نظريا على الأقل، ولكنه ربما غير رأيه اليوم، فلا إثم عليه إن فعل، ولا يجوز إلا أن نستطلع رأيه ونتركه يعبر عن رأيه وإلا انفصل الدستور عن أصحابه الشرعيين، فصار وكأنه الاحتلال.
-ورقة قدمت في مؤتمر الانتخابات والتحولات الديمقراطية في العالم العربي خطوة إلى الأمام أم خطوة إلى الوراء الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية في 26-27 يناير 2008
الاراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة