2008-01-26
جاءت انتخابات المجالس البلدية في السعودية عام 2005م، كاول انتخابات شعبية عامة في المملكة بعد انقطاعها لمدة تجاوزت نصف قرن من الزمن، ونتيجة لتحولات داخلية وخارجية عديدة. وحيث انها تعتبر تجربة جديدة في المجتمع السعودي، فانها قد اعترضتها العديد من المشاكل والعقبات على صعيد ادارتها وتهيئة المواطنين للمشاركة فيها بصورة فعالة.
كما ساهمت الانتخابات البلدية في خلق اجواء من التفاؤل لدى المواطنين حينها باتجاه خطوات اصلاحية اكبر لتوقعهم بتوسيع المشاركة الشعبية وتكرار الانتخابات في مواقع ومؤسسات اخرى.الآن وبعد مرور اكثر من سنتين تقريبا على تدشين الانتخابات البلدية، بدأت تطرح تساؤلات جادة حول فاعلية هذه الانتخابات والدور الذي يمكن ان تلعبه في صياغة اطر جديدة وفعالة لخلق حالة من المشاركة الشعبية تتناسب مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها المملكة.تهدف هذه الورقة الى استعراض تجربة الانتخابات البلدية من الناحية الادارية وتاثيرها الاجتماعي ودورها في تنشيط الحراك الاصلاحي في المملكة، كما تتطرق الى آفاق الاصلاح والتحول الديمقراطي الذي يمكن ان تحدثه الانتخابات القادمة فيما لو تم تفعيلها بصورة سليمة.
وتنطلق الورقة في هذا العرض من معايشة ميدانية ومن متابعات للعملية الانتخابية التي غابت فيها المعلومات الدقيقة عن توجهات الناخبين والمرشحين والدراسات التحليلية لنتائج الانتخابات، مركزة في الاساس على التوجهات العامة لهذه التجربة وانعكاساتها الاجتماعية والسياسية.
المجتمع والانتخابات في السعودية:
جرت منذ تاسيس المملكة عدة انتخابات بعضها عامة ولكن الاكثر منها كانت مناطقية او مهنية، فكانت هنالك المجالس الاهلية التي انتخب اعضاؤها في منطقة الحجاز كاول تنظيم للادارات المحلية المنتخبة، كما تشكل حينها مجلس شورى في اقليم الحجاز من اعضاء غير منتخبين.
وفي الخمسينيات جرت انتخابات بلدية عامة لجميع اعضاء المجالس وفي مختلف مناطق المملكة، ساهمت في بلورة دور رقابي فعال على البلديات في حينها وطرح برامج جادة وجريئة في مجال الرقابة المالية والادارية. ولكن هذه التجربة كانت قصيرة جدا ولم تستمر بحيث تطور حالة المشاركة السياسية في المجتمع السعودي.
ومنذ ذلك الحين، اقتصرت الانتخابات على شرائح اجتماعية معينة كرجال الاعمال الاعضاء في الغرف التجارية وبعض الاتحادات والاندية الادبية والثقافية والجمعيات الخيرية وما اشبه، دون ان يكون لها أي تاثير عام على عموم المواطنين، وبالتالي فان الاجيال الحالية من المواطنين السعوديين كانوا بعيدين عن أي تجربة او ممارسة انتخابية عامة. وصدر قبل ثلاثين سنة تقريبا (1977م) نظام البلديات والقرى الذي اقر تشكيل مجالس بلدية وتضمن صيغة انتخاب نصف اعضائها، ولكن هذا القرار لم يفعل الا عام 2005م عندما تم اجراء انتخابات بلدية عامة مستندة على هذا النظام.
من هنا ندرك ان تجربة الانتخابات العامة في السعودية تعتبر بدائية واولية، وان المجتمع السعودي لم يمر بتجربة حقيقية سابقة في أي انتخابات عامة بما تتطلبه من ادارة وتنظيم ومشاركة ورقابة. ولذا فانه من المتوقع والحال هذه ان تواجه هذه التجربة العديد من الاشكالات القانونية والتنظيمية، وان تكون هنالك صعوبات حقيقية في تقدير استعداد وتجاوب المجتمع معها وما يترشح عنها من نتائج على ارض الواقع.
العوامل المؤثرة في اقرار الانتخابات:تزامنت الانتخابات البلدية في السعودية مع مجموعة تطورات محلية واقليمية ودولية ساهمت جميعها في التسريع باقرار هذه الانتخابات وانجازها في هذه المرحلة بالتحديد، مع أن آلية الانتخابات كمبدأ كان يتم التعبير عنها من قبل العديد من المسئولين كمشروع يمكن تحقيقه في مرحلة ما دون ان يحدد بشكل او زمن معين.
-
جموعة المبادرات التي قامت بها الحكومة ضمن حزمة مشاريع متعددة تهدف الى تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقرار بالتعددية الفكرية والمذهبية، ولمواجهة التيارات الاقصائية. وقد تضمنت هذه المبادرات اضافة الى الانتخابات البلدية خطوات مهمة أخرى ابرزها الدعوة الى الحوار الوطني، وتأسيس الجمعيات الحقوقية والمهنية – منها الجمعية الوطنية لحقوق الانسان وهيئة الصحفيين، وكذلك توسيع هامش حرية الصحافة والاعلام، وتشجيع قيام مجموعة مؤسسات مدنية تعنى بالشأن الاجتماعي.
-
زيادة دعوات الاصلاح والتطوير من قبل الشخصيات الثقافية والاجتماعية، وتعبيرهم الواضح والمحدد باتجاه ضرورة توسيع المشاركة الشعبية على مختلف المستويات، وتنمية مؤسسات المجتمع المدني، واشراك المرأة في الشأن العام.
- زيادة وعي المجتمع بأهمية المشاركة وآليات الانتخابات وخاصة مع الانفتاح الاعلامي والقدرة على متابعة مجريات الاحداث والتطورات السياسية عبر وسائل التواصل والاعلام الحديثة، اضافة الى حدوث تطور نسبي في الخطاب الديني ذي التأثير الاجتماعي حول موضوع الانتخابات وعدم رفضها بالكامل كما كان سائدا من قبل.
وعلى الصعيد الدولي، فإن المملكة اصبحت محل انظار القوى الدولية الفاعلة في المنطقة وتحديدا منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، ومارست هذه القوى رصدا ومتابعة دقيقة للتطورات السياسية والاجتماعية عبر التأكيد على ضرورة الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات التي وقعت عليها المملكة المتعلقة بهذا الخصوص، والتي تهدف الى تطوير الانظمة والتشريعات والاجراءات بما يتلاءم مع متطلبات هذه العهود والمواثيق.
قراءة في نظام الانتخابات:يمكن القول إن القرار الحالي للمجالس البلدية ما هو إلا تفعيل لنظام البلديات الصادر عام 1397هـ (1977م) والذي لم ينل حظه في التطبيق حينها – كما مر ذكره، وقد تم توزيع المجالس البلدية هذه على مستوى المملكة -حسب القرار الجديد- ليصل عددها الى 179 مجلسا بلديا يتكون كل منها من أربعة إلى أربعة عشر عضوا حسب الكثافة السكانية لكل مدينة أو بلدة. كما تم إقرار أن يكون نصف أعضاء هذه المجالس منتخبين فقط بينما يكون النصف الآخر معينا من قبل الوزارة المعنية. كما تم وضع لوائح تنظيمية عديدة لهذا الغرض حيث تم التعاقد مع فرق استشارية محلية وفريق من هيئة الأمم المتحدة لتقديم سلسلة من الدراسات المقارنة والتحليلية والبحوث المعتمدة، وتم عقد ورش عمل شارك فيها خبراء دوليون مستشارون متخصصون.
وحددت مسؤوليات المجالس البلدية -حسب ما ورد في التصريحات الرسمية- في أربع عشرة مهمة هي: إعداد مشروع ميزانية البلدية، وإقرار مشروع الحساب الختامي لها، وإعداد مشروع المخطط التنظيمي للبلدية، ووضع اللوائح التنفيذية الخاصة بالشروط التخطيطية والتنظيمية والفنية الواجب توافرها في المناطق العمرانية، واقتراح المشاريع العمرانية في البلدة، ووضع اللوائح التنفيذية اللازمة لممارسة البلدية واجباتها فيما يتعلق بالصحة والراحة والمباني والمرافق العامة وغيرها، وتحديد مقدار الرسوم والغرامات بما لا يتجاوز مائة ريال، واقتراح مقدار الرسوم والغرامات بما زاد على مائة ريال، ومراقبة الإيرادات والمصروفات وإدارة أموال البلدية، ومراقبة سير أعمال البلدية والعمل على رفع كفاءتها وحسن أدائها للخدمات، واقتراح مشاريع نزع الملكية للمنفعة العامة، وعقد القروض مع المؤسسات الحكومية المختصة وقبول الوصايا والهبات المتمشية مع الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة، وتحديد أسعار الخدمات والمواد التي تقدمها البلدية بطريق مباشر أو غير مباشر، وإبداء الرأي فيما يعرض على المجلس من قضايا.
كما حددت الأنظمة شروطا للمرشح لعضوية المجلس البلدي تتمثل في أن يكون سعودياً بالدم أو المولد أو متجنساً مضى على تجنسه عشر سنوات على الأقل، وأن يكون متمماً الخامسة والعشرين من عمره، وأن يقيم إقامة دائمة في نطاق البلدية طوال مدة عضويته، وأن يكون المرشح غير محكوم عليه بحد شرعي أو بالسجن في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد مضى على تنفيذ الحد أو السجن خمس سنوات، وغير مفصول من الخدمة العامة لأسباب تأديبية ما لم يكن قد مضى على هذا الفصل خمس سنوات، وأن يجيد القراءة والكتابة، ويتمتع بالأهلية والشرعية، وغير محكوم عليه بالإفلاس الاحتيالي.
سير العملية الانتخابية:جرت الانتخابات البلدية بصورة مرضية بشكل عام في مختلف أنحاء المملكة حيث قسمت إلى ثلاث مراحل لأغراض ادارية وتنظيمية. وجاءت نسب المشاركة في التسجيل للانتخابات متفاوتة من منطقة إلى أخرى نتيجة لعوامل ديموغرافية وثقافية ولأسباب تتعلق بكثافة الجهود الأهلية في بعض هذه الناطق، حيث أسهمت في زيادة عدد المسجلين في مراكز الاقتراع بصورة ملحوظة. كما أن إقبال هؤلاء المسجلين على انتخاب ممثليهم في المجالس البلدية كان كبيراً وبلغ نسبة فاقت 70% في بعض المناطق.
ويمكن الإشارة إلى أن هنالك اجماعاً من قبل المرشحين والمراقبين على نزاهة العملية الانتخابية بشكل عام بصورة تعزز من شرعيتها ومن عدم التأثير في نتائجها من قبل الجهات المختصة، حيث فسح المجال أمام جهات رقابية أهلية عديدة وكذلك مندوبين من قبل المرشحين أنفسهم اضافة إلى مندوبي الصحافة المحلية والأجنبية لمراقبة تفاصيل العملية الانتخابية.
ومن ناحية أخرى فقد تميزت معظم الحملات الانتخابية في مختلف المناطق بحالة من التنافس المتزن ولم تسجل فيها مهاترات أو اساءات مباشرة بين المرشحين، وقد يكون مرد ذلك إلى صرامة قوانين وتعليمات النظام الانتخابي في هذا المجال، وتحديداً في موضوع اثارة النعرات القبلية والمذهبية والمناطقية وعدم المساس بالثوابت الدينية والوحدة الوطنية.
وأتاحت فترة الحملات الانتخابية الفرصة أمام المواطنين للتعبير عن قضاياهم ومطالبهم وآمالهم بصورة كبيرة، مما رفع بسقف الصلاحيات المحدودة المعطاة للمجلس البلدي مطالبين المرشحين بتوسيع مجال اهتمامهم لتشمل قضايا متعلقة بشؤون الصحة والتعليم والعناية بالبيئة وضبط الأراضي وصيانة المال العام ومشاكل المرأة والشباب.
ومع أن قوانين النظام الانتخابي تمنع بوضوح وصرامة قيام أي تكتل أو عقد تحالفات بين المرشحين في مختلف الدوائر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا أن النظام ذاته كان يلزم الناخب باختيار مرشحين من عدة دوائر إضافة إلى الدائرة التي يقيم فيها مما يتطلب بطبيعة الحال تنسيقاً بين المرشحين أنفسهم بهدف الترويج لبعضهم البعض خارج دوائرهم. وقد دفع ذلك إلى بروز ظاهرة ما اصطلح عليه "بالقوائم المزكاة" التي كانت تعبر في بعض الأحيان عن توجهات وتكتلات فكرية واجتماعية محددة. ولم تخل أي منطقة من مناطق المملكة من ظهور قوائم للمرشحين بصور وصيغ مختلفة تم العمل على ترويجها بصورة شعبية عبر وسائل التقنية الحديثة كشبكة الانترنت ورسائل الجوال وغيرها.
الاستجابة الاجتماعية:
لقد استقبل مشروع الانتخابات البلدية في السعودية بمواقف متباينة من قبل مختلف الأطراف الفاعلة سياسياً واجتماعيا، فمعظم الرموز الدينية كان تفاعلها مع المشروع فاتراً بسبب تحفظها المعهود على أصل عملية الانتخابات وتعارضها مع مفاهيم الشريعة. أما الموقف الاجتماعي العام فلم يكن بصورة عامة متجاوباً بسبب حداثة التجربة والنواقص التي بدت فيها لكون الانتخابات جزئية ولمحدودية صلاحيات المجالس البلدية، بينما رأى العديد من الفاعليات المهتمة بالشأن العام أن هذه الانتخابات تشكل خطوة أولى نحو إمكانية الإصلاح السياسي في المملكة.
فتقليص عدد المشاركين من المواطنين عبر اقتصارها على الذكور منهم ممن بلغوا سن الحادية والعشرين ومن غير العسكريين، جعل نسبة المواطنين الذين يحق لهم الاشتراك في التسجيل يبلغ حوالي 20% فقط من عدد السكان.
وتراوحت نسبة المشاركة الشعبية في التسجيل بين 20-40% ممن لهم حق التسجيل بالمناطق التي بدأت فيها عمليات التسجيل للانتخابات، وهذا التفاوت يعود إلى كثافة الفعاليات الأهلية في بعض المناطق -وخاصة في المنطقة الشرقية- التي ساهمت في تشجيع المواطنين على المشاركة وتسهيل إجراءات التسجيل.
ومع دخول الانتخابات في مراحلها العملية وبروز مرشحين من مختلف الاتجاهات، بدأت هذه القوى في التفاعل مع العملية الانتخابية ولو متأخرا وخلقت حالة من التنافس القوي بين مرشحي كل اتجاه. ومع استثناء الاتجاه الإسلامي المحافظ الذي لم يبد تجاوباً ملحوظا مع هذه الأطروحة، فإن بقية القوى والاتجاهات دخلت المعركة الانتخابية وشاركت فيها بفاعلية وحضور كبيرين، كما وظفت هذه القوى جميع ما لديها من امكانيات لدعم مرشحيها طوال فترة الحملات الانتخابيه عبر الاستعانة برموزها وشخصياتها المعروفة والتأكيد على اطروحاتها الفكرية والسياسية.
قراءة في النتائج:جاءت نتائج الانتخابات البلدية كما كان متوقعا في معظم المناطق، ولم تبد فيها أي مفاجئات كبيرة. فقد حصد التيار الإسلامي المعتدل الغالبية الكبرى من أصوات الناخبين وبصورة واضحة للعيان، بينما جاءت النتائج مخيبة ً للآ مال بالنسبة الى الاتجاهات الليبرالية، وحتى لبعض كبار رجال الأعمال المستقلين على الرغم من بذلهم السخي لتنظيم حملاتهم الدعائية في فترة الانتخابات. وتأتي هذه النتائج استناداً الى ما يتمتع به التيار الاسلامي من أرضية واسعة في المجتمع السعودي، ولما لديه من امكانيات كبيرة تسهل عليه عملية توظيفها واستثمارها في الاستحقاقات الانتخابية وغيرها.
وبنظرة موضوعية، فان القوى ذات الاتجاه الاسلامي في المملكة لديها من الفاعلية والحيوية والنشاط الشيء الكبير الذي يؤهلها لتحقيق مكاسب ميدانيه على الأرض، نظراَ لقربها من قضايا المجتمع وهمومه، وتمتعها بشبكة علاقات واسعة عبر المؤسسات الدينية والتطوعية والخدمية. وهذه الميزات جميعها غير متوفرة لدى الليبراليين الذين تقتصر نشاطاتهم في وسط النخب المثقفة، وضمن اطر محدودة.
ومن الملاحظ أيضاً أنه حتى داخل الوسط الاسلامي كانت هنالك منافسة بين مختلف الاتجاهات والقوى برزت في "القوائم المزكاة" لكل اتجاه، ولكن جاء صوت الناخب حاسماً لصالح المرشحين المعروفين بخدماتهم الاجتماعية والخيرية التي ساعدتهم في تشكيل قاعدة اجتماعية واسعة لهم. كما أن دلائل الانتخابات تشير أيضا الي غلبة حالة الاعتدال في المجتمع السعودي بصورة عامة في مقابل الصورة النمطية المأخوذة عنه بميوله إلى حالة التشدد والتطرف، فصوت المتشددين كان خافتا في العملية الانتخابية سواء في الموقف منها أو في المشاركة فيها، ولذا لم يبرز أي مرشح يمكن ان يكون محسوبا على الاتجاه المتشدد.
وعلى أثر إعلان النتائج في كل منطقه من المناطق كان هنالك شعوراً عاماً بالارتياح لسير عملية الانتخابات ونتائجها، إلا أن بعض المرشحين الخاسرين قدموا طعونا واعتراضات على نتائج الانتخابات حسبما يتيح لهم النظام الانتخابي، وذلك ضمن نسق طبيعي بعد كل عملية انتخابية. وتركزت هذه الطعون في معظمها على أهلية بعض المرشحين الفائزين وتحالفهم مع بعضهم البعض ضمن "قوائم مزكاة". وتدرس لجان قانونية وشرعية مختصة في كل منطقة كل الطعون المقدمة وحقيقتها، وتعلن عن النتائج النهائية بعد ذلك، الا انه لحد الان لم تحقق هذه الطعون أي نتيجة تذكر.
الدلالات والآفاق:
لقد حققت الدولة والمجتمع في السعودية من خلال هذه التجربة عدة اهداف ايجابية محلية واقليمية ودولية، فعلى الصعيد المحلي اثبت المجتمع السعودي انه قادر ومؤهل للدخول في مشروع اصلاح سياسي يستند على اسلوب الانتخاب المباشر. كما أثبتت الحكومة أيضا جدية في مشروع الاصلاح عبر اتاحة الفرصة لمواطنيها لممارسة حقهم الانتخابي – مع محدوديته - دون أي تدخل او وصاية. وقد يقود ذلك الى طمأنة الجميع بصحة هذا الاتجاه وخاصة عندما يتم اختيار الاعضاء المعينين ممن هم من ذوي الكفاءة والجدارة من اجل انجاح مشروع المجالس البلدية.
وعلى الصعيد الاقليمي والدولي، جاءت ردود الفعل ايجابية ومشيدة بهذه التجربة التي تتزامن مع تطورات اقليمية ودولية مهمة جدا تدفع باتجاه المزيد من توجهات وخطط الاصلاح في مختلف جوانبه. ولكن العديد من الجهات الدولية - وخاصة الحقوقية منها – لا ترى أن هذه الخطوة وحدها كافية لاستيعاب التحديات والضغوط المختلفة وخاصة فيما يتعلق بمواجهة الارهاب ومشروع الاصلاح السياسي الشامل الذي يستلزم مشاركة شعبية واسعة. ويرى هؤلاء ان اشراك القوى الاجتماعية الفاعلة بمختلف اتجاهاتها – حتى المتشددة - في العملية السياسية سيساهم بشكل طبيعي في امتصاص حالة التوتر الاجتماعي والسياسي، وتحميل هذه القوى دورا رئيسا في المساهمة في ادارة القضايا والشئون العامة مما يجعلها اكثر موضوعية وعملية.
ومن هنا فإنه يمكن اعتبار الانتخابات البلدية الجزئية في السعودية أول تجربة حقيقية للمشاركة الشعبية الفعلية في إدارة ورقابة الأجهزة التنفيذية للدولة، من خلالها يمكن للمجلس البلدي- المنتخب جزئياً- أن يمارس صلاحياته في الاشراف والرقابة على أعمال البلدية التابع لها، وذلك يتطلب بطبيعة الحال مشاركة في تحمل المسؤولية الملقاة على هذه الأجهزة من أجل تطويرها وتنمية مواردها وتفعيل برامجها وتقديم خدمات أفضل للمجتمع.
إن المشاركة الشعبية - من أجل انجاحها- تستلزم تعاوناً وثيقاً بين مختلف الأطراف الفاعلة فيها وتفاهماً واضحاً على توزيع الأدوار والمهام والمسؤوليات بحيث تتكامل وتتظافر الجهود الجماعية لتحقيق مكاسب حقيقية من هذه المشاركة تنعكس على أداء أفضل للأجهزة التنفيذية المعينة. ومع العزم على انجاح هذه التجربة فينبغي أيضاً العمل على توسيع صلاحيات المجالس البلدية بحيث تتلاقى آمال ومطالب الناخبين مع حاجات المواطنين وقضاياهم المتعددة. إن مثل هذا الانجاز فيما أذا تم وفعل بصورة صحيحة وحقيقية، فأنه بالتأكيد سيؤسس إلى إيجاد أرضية شعبية مناسبة لخطوات أوسع وأشمل باتجاه لمشاركة السياسية في مختلف قضايا وشؤون المجتمع وعليه فأن آمالا كبيرة معلقة بنجاح هذه التجربة الأولية.
التوصيات:
نظرا لما هو متوقع من أن يكون للمجالس البلدية دور متعاظم في السعودية في المراحل المقبلة، فإن هنالك حاجة ماسة إلى معالجة الإشكالات القائمة وتطوير الوضع الحالي بما يمكن شريحة أوسع من المواطنين من المساهمة في هذا المشروع الهام.
ولعل أبرز ما يمكن القيام به في هذا المجال ما يلي:
1-عتبار العملية الانتخابية الحالية خطوة تجريبية أولى في مشروع الإصلاح السياسي الذي يهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية. وبالتالي، فانه من الضروري تطوير التجربة ليكون جميع الاعضاء المنتخبين مستقبلاً، ونقلها الى مستويات اعلى، كانتخاب أعضاء مجالس المناطق ومجلس الشورى.
2-إفساح المجال أمام المؤسسات الأهلية الفاعلة للقيام بمبادرات تهدف إلى دعم الجهود الرسمية في هذا المجال من خلال التدريب على الانتخابات ونشر الثقافة الانتخابية، والتواصل مع المؤسسات الدولية وبيوت الخبرة في هذا المجال، والسماح بتشكيل مؤسسات أهلية متخصصة لهذا الغرض.
3-إعطاء المجالس البلدية سلطات تشريعية ورقابية أوسع للمساهمة في تفعيل دورها المنوط بها على المستوى المحلي، بحيث يمكن لأعضائها تحقيق مطالب وطموحات مواطنيهم. ويأتي ضمن ذلك اهتمام المجالس بالشأن البلدي العام في كل منطقة عبر التنسيق مع بقية الاجهزة التنفيذية، ومن بينها الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
4- العمل على تجاوز إشكالية مشاركة المرأة في الانتخابات بشكل عام واعطائها المجال للمشاركة كمرشحة وناخبة في الدورات القادمة، وذلك نظراً لأهمية دورها في الشأن العام وضرورة مشاركتها السياسية والاجتماعية، ولما تمثله من قوة فاعلة في المجتمع.
5-توسيع فرص المشاركة الشعبية العامة بحيث تشمل قطاعات وشرائح اجتماعية أكبر. ويتطلب ذلك تعديل السن القانوني لمن يحق لهم المشاركة في التسجيل للانتخابات (من 21 سنة الى 18 سنة) بسبب كون الشباب تمثل شريحة عظمى في المجتمع السعودي.
6-معالجة نقاط الخلل في النظام الانتخابي، كاعتماد نظام الدوائر المغلقة، بحيث ينتخب المواطن مرشحي ائرته فقط، وكذلك تسهيل اجرءات التسجيل والتصويت في العملية الانتخابية عبر الاستفادة من وسائل القنية الحديثة.
7-تعميم برامج توعوية للمرشحين وللمواطنين حول الانتخابات والمجالس البلدية، وإعداد برامج إعلامية مكثفة في هذا المجال تساهم في توعية المواطنين وتشجيعهم على المشاركة.
8-طرح مشاريع تعليمية وتربوية لأفراد الأسرة وطلبة المدارس لتعزيز ثقافة الانتخاب والمشاركة الشعبية.
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة