A+ A-
العلاقات الإسرائيلية الاريترية
2001-07-09

اعداد مركز القدس

أجمع خبراء في الشؤون الإسرائيلية على أكدوا أن مستقبل العلاقات الإريترية الإسرائيلية وبشكل خاص في جوانبها العسكرية يشكل مصدر تهديد للأمن العربي في مياهه الإقليمية ، إضافة لما يمكن أن تشكله إريتريا كنقطة انطلاق لإسرائيل في القرن الأفريقي . ويشير هؤلاء إلى أن إسرائيل اندفعت بقوة لتعزيز علاقاتها مع إريتريا منشدة إلى أهمية موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر الذي يحمل النفط العربي من الخليج إلى أوروبا عبر قناة السويس والتجارة من دول أوروبا إلى المنطقة ، مستغلة ضعف النظام العربي وهشاشته وخاصة عقب حرب الخليج الثانية ، وهو ما شجع في الوقت نفسه إريتريا على الانجذاب إلى الإسرائيليين وتقوية العلاقة معهم .

وحسب مصادر عراقية ترصد امتداد النفوذ الإسرائيلي في إفريقيا ، فان علاقة إسرائيل مع إريتريا بدأت عام 1970 ، من خلال اتصال بين أسياس أفورقي الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والإسرائيليين ، وحصل أفورقي ، الذي هو الرئيس الحالي للبلاد ، على دعم إسرائيل دون غيره من الفصائل الأخرى التي كانت ترفض التعاون معها في مرحلة ما قبل الاستقلال .

وبعد الاستقلال أرسلت إسرائيل ، 17 خبيرا عسكريا عام 1991 لتدريب الجيش الإريتري ، وقدمت لها مساعدات عاجلة قدرت بـ 5 ملايين دولار ، كما زارت وفود زراعية وفنية إسرائيلية إريتريا ، مما أدى إلى وجود إسرائيلي دائم فيها . وقد منحت إسرائيل أراض زراعية خصبة تبلغ مساحتها قرابة 150 ألف فدان في منطقة الحدود مع السودان ، كما أقام الإسرائيليون محطة لتوليد الكهرباء وبنوا عدة أرصفة وقاموا بصيانتها في ميناء مصوع .

وفي عام 1992 قدمت إسرائيل منحة دراسية لـ 60 طالبا إريتريا ، وسجلت العلاقات بينهما تطورا هاما في شباط 1993 من خلال الزيارة التي قام بها وفد إسرائيلي عسكري أمني اقتصادي لأسمرة . وكان ضمن الوفد موشيه شاحال رئيس الموساد الأسبق والمسؤول عن العلاقات مع إريتريا ومردخاي غور نائب وزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية . وأسفرت الزيارة التي دامت خمسة أيام عن التوصل إلى اتفاق مبدئي وقّع في تل أبيب في آذار من ذلك العام من قبل أسياس افورقي واسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك .

وتضمن الاتفاق عدة بنود من بينها أن تقوم إسرائيل بدعم إريتريا بالخبراء في الشؤون العسكرية والزراعية ، وإقامة البنية الأساسية للنفوذ الإسرائيلي بإعطاء تسهيلات في البعدين الأمني والعسكري . وبالفعل اختارت إسرائيل اسمرة ودنكاليا لقربها من أثيوبيا واليمن وجيبوتي لإقامة القواعد العسكرية ، والمعلومات تشير إلى أن قرابة 3000 جندي إسرائيلي مزودين بطائرات ودبابات يقيمون هناك في تلك الفترة .

وفي تطور آخر ، سجل شهر شباط 1996 توقيع اتفاقية أمنية شملت التعاون العسكري ووضع استراتيجية موحدة للمنطقة ، وبما يتيح لإسرائيل التدخل في حالة تهديد مصالحها العليا .

ورغم أن العلاقة تأثرت باندلاع الحرب مع أثيوبيا عام 1997 مما دفع إريتريا للتقرب من بعض الدول العربية ، إلا أن العلاقة مع إسرائيل استمرت ، وقد وصفها وزير الصناعة والتجارة الإريتري علي سيد عبد الله العام الماضي بالقول أنها " طبيعية وعادية " ولا تتجاوز هذا الحد ، مبرزا في حديثه عدم وجوده سفارة لبلاده في تل أبيب في محاولة لاسترضاء العالم العربي والتخفيف من حدة الانتقادات العربية لهذه العلاقة .

ويلفت انتباه المراقبين السياسيين أن المسؤولين الإريتريين يتهربون دوما من الحديث عن طبيعة ومدى علاقة بلادهم مع إسرائيل . على سبيل المثال تشير مصادر إماراتية إلى أن مركز زايد للتنسيق والمتابعة في أبو ظبي اضطر إلى إلغاء محاضرة للدكتور احمد حسن دحلي مدير المركز الإريتري للدراسات الاستراتيجية أوائل تموز الحالي نظرا لرفض دحلي الحديث عن التعاون الإريتري-الإسرائيلي في المجالات العسكرية والأمنية . وحسب مصدر مسؤول في المركز فإن الكاتب دحلي ، الذي اتضح أنه يعمل مستشارا للرئيس الإريتري افورقي ، أصر على الحديث فقط عن العلاقات العربية - الإريترية الأمر الذي جعلنا نلغي المحاضرة قبيل موعدها بساعتين فقط. وأضاف ذات المصدر قائلا " لقد رفضنا تجاهل ما يحاك ضد الأمة العربية من مخاطر ولم نحبّذ أدوار العلاقات العامة " .

وعندما سئل دحلي عن أسباب إلغاء المحاضرة قال " إنني لم آت إلى أبو ظبي لمناقشة مخاطر الوجود العسكري الإسرائيلي في البحر الأحمر " . وأضاف في كلمات بالغة الدلالة تعكس الحرص على أمن إسرائيل " إن إريتريا لن تسمح لمصر أو أي دولة عربية باستخدام أراضيها أو جزرها أو مياهها لتهديد أمن إسرائيل " . ولدى سؤاله عما إذا كانت إريتريا ستعطي إسرائيل الفرصة لمهاجمة الدول العربية من قواعد موجودة في الأراضي الإريترية في حال نشوب حرب شاملة ، أجاب دحلي متهربا بالقول " إن إسرائيل تتعاون معنا في قضايا هامة ولسنا في موقع التنبؤ بالحرب " .

تعزيز التواجد الإسرائيلي
وقد وصفت مصادر مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل الذي يتخذ من العاصمة السورية مقرا له علاقات التعاون العسكري بين إريتريا وإسرائيل بأنها بلغت مرحلة خطيرة وباتت تهدد الأمن القومي العربي ، وهو ما دفعه مؤخرا إلى إرسال تقرير عاجل إلى عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية يحذر فيه من مخاطر تزايد النشاط العسكري الإسرائيلي في جنوب البحر الأحمر وخاصة لجهة حصول إسرائيل على مواقع لمحطات مراقبة في دول منطقة القرن الإفريقي.ووفقا لذات المصادر فإن هناك وجودا إسرائيليا ضخما يتمثل في 60 مستشارا عسكريا إسرائيليا يرابطون في ميناء مصوع ، كما أن هناك أعدادا كبيرة من الزوارق الحربية التي يمكن إعادة تسليحها بالصواريخ أو بقذائف الأعماق لمكافحة الغواصات ، وتنتشر ستة زوارق من طراز ( دافورا ) في الموانئ الإريترية ، حيث يقوم زورقان منها وبشكل دوري بأعمال تفقدية وتفتيش يومية في اتجاه جزر حنيش اليمنية ، بالإضافة إلى تمركز نصف القوات الجوية الإسرائيلية أي حوالي 450 طائرة مقاتلة قريبا من البحر الأحمر في قواعد النقب جنوب فلسطين المحتلة خاصة قاعدتي حاتسور وحتسريم ، وتستطيع هذه القوات من أماكنها القيام بأعمال عدوانية فوق مياه البحر الأحمر في أية لحظة .

وأكدت نفس المصادر أن إسرائيل نجحت في إقناع إريتريا وأثيوبيا بإقامة قواعد عسكرية لديهما في البحر الأحمر كي تتحكم في عمليات نقل النفط الخليجي إلى الدول المستهلكة .
وكشف التقرير أن هناك تحركات سرية تقوم بها إسرائيل في منطقة البحر الأحمر لتوجيه ضربة لإيران . وكانت إسرائيل قد اتفقت مع إريتريا على استغلال جزيرة دهلك في إمداد غواصاتها من نوع دولفين التي استوردتها من ألمانيا هذا العام والتي يمكنها البقاء في البحر 30 يوما متواصلة .

إسرائيل بوابة لواشنطن
ومثلما هو الحال في العلاقات الإسرائيلية مع العديد من دول العالم وخاصة في أفريقيا وآسيا ، فإن الوصول إلى قلب واشنطن يتطلب " فيزا " ، أي تأشيرة من تل أبيب . وبالفعل حصلت إريتريا على مساعدات ضخمة من يهود الولايات المتحدة مقابل اتفاقياتها مع إسرائيل .

وتشير المعلومات إلى أن صبحات افريم وزير الدفاع الارتيري التقى خلال زيارته إلى واشنطن في نيسان الماضي مع رؤساء المؤسسة اليهودية ، وتباحثوا معه حول توسيع الدور الإسرائيلي في إريتريا وبالقرب من باب المندب ، مقابل تسهيل حصول ارتيريا على قروض ميسرة وضمانات للقروض تصل إلى حوالي ملياري دولار أمريكي .

و أكد صبحات خلال تلك الزيارة على التزام إريتريا بالعمل على تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وخدمة مخططاتها فيما يتعلق بالنزاع في السودان ، مركزا في حديثه مع الزعماء اليهود على أن موقع ارتيريا يشكل حلقة وصل مع دول الخليج ، وهو أمر لم يكونوا في حاجة أصلا إلى من ينبههم إليه أو يذكرهم به .

أما فيما يتعلق بالتعاون العسكري مع الولايات المتحدة ، فقد ذكرت تقارير غربية أن الولايات المتحدة تحتفظ بحوالي 2500 عسكري ومواقع تنصت مهمة في ارتيريا . ومنذ استقلالها عام 1990 أرسلت الولايات المتحدة مجموعة من المدربين لتأهيل القوات الارتيرية وأرسلت وحدات من المارينز لإجراء مناورات عسكرية لرفع كفاءة الجيش الإريتري .
وإضافة إلى الزيارات الدورية التي تقوم بها سفن الأسطول الأمريكي الخامس للموانئ الارتيرية ، فإن وزير الدفاع الارتيري افرايم عرض على واشنطن إقامة قاعدة عسكرية في جزر دهلك .

وتوفر كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأسلحة والعتاد للقوات الارتيرية وغالبيته من مخلفات القوات الأمريكية والإسرائيلية . وكان شمعون بيرس وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي قد تطرق في كتابه الشهير " الشرق الأوسط الجديد " إلى أن إريتريا تلقت دعما عسكريا كبيرا من إسرائيل تمثل بمنظومات صواريخ جوية وبحرية من نوع ( براك ) و( محياط ) و ( مبالس ) وطائرات هيلوكبتر (دولفين) ومنظومات استطلاع ودبابات ( تي 55 ) و ( تي 62 ) وزوارق بحرية استخدمت في النزاع اليمني الإريتري .

ويعتقد اللواء جمال مظلوم وهو خبير في الشؤون الاستراتيجية محاولات إسرائيل للتواجد العسكري المكثف في البحر الأحمر وباب المندب بالسعي نحو الضغط على مصر والسعودية والسودان وارتيريا واليمين . أشار إلى أن إسرائيل وقعت اتفاقية عسكرية مع ارتيريا في عام 1992 شملت المشاركة في معاونة القوات الارتيرية ومساعدتها ولذلك اصبح من المألوف رؤية خبراء عسكريين من سلاح البحر والجو والمخابرات الإسرائيلية في المنطقة. وتفيد بعض المصادر أن 620 ضابطا وعنصرا من العسكريين الإسرائيليين تولوا تدريب القوات الارتيرية خلال السنوات التسع الماضية ، واشرفوا على محطات التجسس ، وبوجه خاص على اليمن والسودان .

ويعتقد الخبير الاستراتيجي اللواء جمال مظلوم أن إسرائيل تسعى لبناء جيش إريتري قادر على مواجهة تهديدات مزعومة من اليمن والسودان ، لكن الحقيقة أنها تريد تحويل إريتريا إلى قاعدة ومنطلق للتدخل في شؤون البلدين والمنطقة بوجه عام . وبالفعل تمكنت إسرائيل من الفوز بتامين وجودها العسكري وإنشاء محطات للمراقبة والرصد والتدخل العسكري السريع في حالة حدوث تطورات تتطلب التدخل المباشر من قبلها .

ويخلص المحللون إلى أن أبرز استهدافات الوجود الإسرائيلي في ارتيريا يتمثل في السيطرة على مدخل البحر الأحمر ، ودعم حركة التمرد في جنوب السودان ، ومقاومة المعارضة الارتيرية لكي لا تعود تلك الدولة الإفريقية إلى الحظيرة العربية والإسلامية .

ومن أجل تلك الاستهدافات وغيرها ، يستمر تدفق الخبراء الإسرائيليون إلى أفريقيا الذين يقدر عددهم حسب تقارير فرنسية بما يقارب 8000 خبير إضافة الى أجهزة المخابرات ، وخصوصا إلى حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي .
ويفسر بعض المحللين النجاح الإسرائيلي اعتمادا على مبدأ شراء جميع الشركات التي تمت خصخصتها في إفريقيا ، وفي السنغال على وجه الخصوص ، لا سيما أن شركة " زيم " الإسرائيلية تسيطر على النقل البحري في أفريقيا وتقوم بتعطيل إجراءات النقل والشحن للمنتجات المصرية والعربية مما يعرضها للتلف والخسارة .

وحسب ذات التقارير فإن إسرائيل قامت خلال الشهور الأخيرة بتزويد جيش رواندا وبروندي بالأسلحة القديمة من دون مقابل لكسب ود السلطات الحاكمة فيهما ، كما قامت بتزويد المتمردين ( التوتسيين ) في شرق زائير بالأسلحة كي يفجروا الأحداث في كمبالا ويستولوا على معظم شرق البلاد ، ومما يتردد في هذا الشأن أن الأقلية " التوتسية " الحاكمة في رواندوا وبروندي بدعم أميركي - إسرائيلي تحاول الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مد حزام حدودي داخل شرق الكونغو ، بل إن رواندا اصبح يطلق عليها الآن " إسرائيل منطقة البحيرات " بعد أن تكشفت الحقائق عن وجود خريطة لدولة رواندا تقف إسرائيل وراءها بقوة .
ويعتقد المراقبون أن النفوذ الإسرائيلي المتصاعد في القارة الأفريقية يؤثر على مجمل المصالح العربية والأمن القومي العربي بشكل عام ، لكن أكثر الدول تضررا من المخطط الإسرائيلي هي وبالمعنى المباشر للكلمة هي مصر والسودان والصومال ، ويؤكدون في الوقت ذاته أن مقاومة ناجعة ومؤثرة للنفوذ الإسرائيلي تتطلب أولا وقبل كل شيء إعادة الاعتبار للنظام العربي وتفعيل مؤسساته ، والخطوة الأساسية هنا هي معالجة ذيول حرب الخليج الثانية وما أحدثته من تداعيات .