A+ A-
حزب التحرير في آسيا الوسطى
2007-10-01

ماثيو كروستون
ترجمة مركز القدس للدراسات السياسية

تبحث هذه المقالة وتحلل في الركائز الفلسفية لحزب التحرير في آسيا الوسطى. كما أنها تسلط الضوء بصورة مهمة وكبيرة على القضية النظرية والسياسية: فالولايات المتحدة من خلال حربها على الإرهاب قد عرفّت وحددت بصورة غير صحيحة العناصر المنطقية والمشروعة التي يتشكل منها التهديد الإسلامي، ونتيجة لذلك فقد أساءت تصنيف العديد مِنْ المجموعات الإسلاميةِ التي تُشكّلُ تهديدا حقيقيا لأمن الولايات المتحدة وإلى الأنظمة الديمقراطية عُموماً.

تُركّزُ هذه المقالة على الكيفية التي يمكن فيها للولايات المتّحدة أن تتدخل وتعمل في آسيا الوسطى ويترافق ذلك مع الهدف المعلن المتمثل في تعزيز تنمية وتطوير الديمقراطية. ويكشف التحليل الواقع المقلق والحقيقة المزعجة في : رغبة الولايات المتحدة الواضحة من ناحية أن تتغاضى بل وتقبل القمع المحلي الذي تمارسه دول وادي " فرغانا " المتمثلة في أوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان. و عطفا على ما تقدم فان التدخل الأمريكي في هذه المنطقة قد ساهم ودون قصد على إنتاج المزيد من التطرف الإسلامي. ومن الأهمية بمكان أن يذكر بان المجموعات المتطرفة بدل أن تركز على الأطراف المحلية التي تضطهدها والثورات المحلية أصبحت أهدافها تتجاوز آسيا الوسطى.

لا شك أن وادي " فرغانا "قد شهد إزدهارا ملحوظا لإنطلاق وعمل الجماعات المتطرفة في ذلك الوادي منها حركة التبليغ، اللحية الطويلة، مجتمع العدالة، محاربو الإسلام، التوبة، النور، والبعض من هذه الحركات يحرز بعض التقدم البطيء على صعيد العمل في المنطقة هناك، ولكنها على الأغلب مجموعات صغيرة ومعزولة وهي في الوقت الحالي لا تشكل تهديدا إلى أوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان. ولكن هذا على أية حال إرتياح خاطئ، لان مثل هذه المجموعات منفتحة ومؤمنة بقضية صراع الحضارات التي يدعمها أسامة بن لادن بحماس شديد.

إن حزب التحرير حركة دولية يمكن تصنيفها وبسهولة بالغة على أنها الحركة الإسلامية الأكثر تطرفا وشهرة من بين المنظمات الأخرى العاملة في آسيا الوسطى. ومن خلال دراسة المعتقدات الفعلية والأيديولوجية لحزب التحرير الإسلامي فإن هذه المقالة تكشف النقاب عن الكيفية التي تدرج بها الحزب في الإعلان عن ثورته السلمية على أساس أنها أجندته الرسمية ولكن من المحتمل جدا أن تأتي دعايته الفعلية بإيجاد الأنصار الذين يفضلون العنف. إن أيديولوجية حزب التحرير ليست مهووسة فقط بالأنظمة في وادي " فرغانة " ولكنها أيضا تضع الولايات المتحدة هدفا أساسيا لعداوتها.

تُعرّفُ الولايات المتّحدة التهديدات الإسلامية بطريقة لا تقر بفَهْم الخطرِ الذي تمثله بعض المجموعات مثل حزب التحرير. ويعود هذا بصورة رئيسية إلى الضعف القائم بتحديد وتعريف التهديد الذي يركز أولا على قدرة الحركة على إثارة عوامل الثورة المحلية، وثانيا على الإمكانية الفورية للمجموعة لارتكاب العنف. إنّ التخطيط الطويل المدى لأحداث 11 سبتمبر/أيلولِ، والذي تطوّرَ بصورة هادئة ودون ضجيج في جبال أفغانستان، يظهر أن هذا التعريفِ فيه خلل ويجب إعادة كتابته ليتضمن التهديداتِ الطويلة المدى والتي ليست بالضرورة أن تكون ملحوظة من خلال دعواتها لممارسة أو التركيز على الإطاحة بالأنظمة المحلية. وهذا يتطلب الآن وفي هذه المرحلة بالذات الكثير من الوضوح عند التدقيق في معتقدات حزب التحرير ومراجعتها.

خلفية تاريخية موجزة:نشأ حزب التحرير عن العديد من الحركات المختلفة التي كانت تموج بها منطقة الشرق الأوسط إبان حقبة الخمسينات من القرن الماضي، ولكن النشأة الرسمية لهذا الحزب جاءت على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني في القدس الشرقية التي كانت خاضعة آنذاك للسيطرة الأردنية. ويمكن القول أن الحزب المذكور قد تواجد في آسيا الوسطى منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ولكنه بدأ يحقق تقدما ملحوظا ومثيرا في صفوف السكان المحليين في وقت لاحق من العقد الماضي بعد تحول الدول المستقلة حديثا عن الاتحاد السوفييتي من الديمقراطية إلى دول تمارس القمع، والذي كان من شأنه أن يرفع من أعداد الحزب في آسيا الوسطى لتصل إلى الآلاف.

وجاءت شهرة حزب التحرير من جراء دعوته بإحياء الخلافة الإسلامية والتي من شأنها حسب رؤيته توحيد كافة المسلمين في بقاع الأرض بغض النظر عن اختلافاتهم القومية والإقليمية والعشائرية. ولا شك أن دعايته إتسمت بالحدة والعنف في شجبها للغرب ورفضه للأنظمة العربية التي لا تطبق ولا تسير على نهج التراث الإسلامي بصورة صحيحة. ويدعي الحزب بأنه يدعم الوسائل والطرق السلمية ولكنه ليس ضد الكفاح الثوري التي تمارسه المجموعات الأخرى. ويمكن القول أن حزب التحرير يقلد أسامة بن لادن كفرد وبأشكال عديدة: إن أسامة بن لادن يتمتع بصورة بتأثير اكبر من خلال صورته كممول، ومخطط تنظيمي، وهو المحك والمحرك الأيديولوجي للنشاطات الإرهابية أكثر منه محاربا فعليا، وهو ليس الشخص الموجود في أرض المعركة والمدجج بالسلاح ويهاجم الأهداف المرسومة. وحزب التحرير " المسالم " يجب رؤيته في ظل هذا الإطار: فبينما وفي الوقت الحاضر لا يمكن ربطه مباشرة مع الأعمال الإرهابية، وعلى الرغم من تعهده بإلتزام خط اللاعنف إلا أن ذلك يفرض عدم تجاهل دعمه المادي والفلسفي والبنيوي والدعم الضمني لعنف الآخرين.

إن عقيدة حزب التحرير تقوم على أساس التزاوج بين عِلْمِ اللاهوت الإسلاميِ مع الاعتقادات الماركسيةِ اللينينية، ونتيجة لذلك كان من السهولة بمكان أن يرفض من قبل الحكومات الغربية كدعاية دينية متسلطة، وعلى الرغم من أن أيديولوجية الحزب قد تكون مرفوضة من قبل الولايات المتحدة إلا أن ذلك لا يمنع الحزب أن يكون آمنا بعد انتصار الديمقراطية مع نهاية الحرب الباردة في التسعينات من القرن الماضي، كما أن الإنتقادات التي يوجهها الحزب " للديمقراطية " التي يتم بناؤها في آسيا الوسطى من خلال الدعم الأمريكي قد لمست وترا حساسا في هذا السياق، ولذلك فما قد يجعل حزب التحرير حزبا هامشيا في نظر الغرب ومحل الانتقاد فان ذلك سيكون مدعاة لأن يعطيه شرعية كبيرة في أوساط الناس في وادي " فرغانة ".

الديمقراطية والنظام الكافر:
يعتبر المنظور العام للديمقراطية أحد نقاط سوء الفهم والاختلاف الرئيسية بين المجموعات الإسلامية المتطرفة وبين الغرب، فمن الصعب على الغرب أن يضع في مخيلته تلك النظرة التي ينظر إليها للديمقراطية بإشمئزاز كبير من قبل بعض المجموعات كما هو الحال مع حزب التحرير، فالديمقراطية بالنسبة لهذه المجموعات قادمة من الغرب الكافر والتي لن يكون لها أي تواصل محتمل مع القيم الإسلامية، إنّ النظامَ الديمقراطيَ نفسه يُعتَبرُ متناقضا بصورة كلية مع العالم الإسلامي، ولا يمكن لمظاهر التعاون السياسي والثقافي أن يعدلا من هذا الانطباع.إن الديمقراطية نظام أوجده الناس الذين أرادوا الحماية مِنْ . . . القيادة بإسم الدين. وهكذا فان الذي أوجد هذا النظام هم الناس الذين لا يرغبون بوجود أية علاقة لهم مع السماء أو الدين بصورة عامة.

وهذا لَيسَ من باب التضليل فحزب التحرير يصف التطور التاريخي للديمقراطية بصورة دقيقة وكيف أنها جاءت ردا على ظلم ملوك أوروبا الذين جلسوا على عروشهم مبررين ذلك على أنهم هبة ومرهم الله، ومع ذلك فان حزب التحرير يعتبر هذا التطور على انه إتجاه سلبي للحكومة الإنسانية. إن كلمة الديمقراطية قد جاءت من الغرب وهي تعْني حكم الناس لانفسهم وحسب قوانينهم الخاصة، وهذا يعني ايضا بان الناس هم الغير مقيدين بمسك زمام السلطة، ويمسكون بزمام الهيمنة على السلطة، ومن الممكن الا يعود ذلك لأية هيئة او سلطة اخرى.

وبالنسبة للمسلم المتطرف للإسلامي فانه آثم وبصورة غير قابلة للنقض من سيكون ممتنا لأية سلطة أخرى بجانب سلطته هو، و لا يفسر المتطرفون هذا على أنه حرية سياسية ولكن كإرتقاء للسلطة الدنيوية لمنافسة المصدرِ الشرعيِ الوحيدِ للسلطةِ وهو الله.
يُناقشُ حزب التحرير وبصورة صحيحة المبادئ الرئيسية الأربعة المتمثلة بحرية (الدين، والتعبير، والملكية الخاصّة، وحقوق الفرد). ومرة أخرى يَأْخذُ حزب التحرير الأشياء التي اعتبرت على الصعيد العالمي و في الغربِ كبرهان على الحالة المتقدمة للحضارةِ الغربية وأوجد بدلا من ذلك منطقا لتَقويض هذا المفهوم ورَفْضه. و بالنسبة لحزب التحرير فان كل هذه الحريات قد جاءت من العلمانية التي تتضمنها الفلسفة الاقتصادية الرأسمالية. لقد ظهرت هذه العلمانيةِ كمفهوم طبيعي لفصل الدين عن الدولة. ويعي حزب التحرير هذه الفكرةِ و الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها في الغرب والتي يمكن نقاشها من خلال كونها المؤسسة الأيديولوجية للحضارةِ الغربيةِ نفسها.

و على أية حال فإنّ المشكلةَ لدى حزب التحرير تكمن في ان هذا المعتقد يفصل الدين عن الدولة وكذلك عملية سن و تبني القوانين وتشكيل السلطة الحكومية. وهذا من شأنه ان يَقُود المجموعات مثل حزب التحرير لان تتوصل الى إستنتاجين نهائيينِ بشأن الديمقراطيةِ، وكلا الاستنتاجين غريبين وبصورة بالنسبة للغرب ولكنهما مع ذلك يبدوان عقلانيان ومنطقيان بالنسبة للمتطرفين. إن الديمقراطية لا تضم في ثناياها أية مؤسسة متدينة، فهي تماما عبارة عن منتج للخيال الانساني، وهي لا تحتوي على أي إلهام سماوي ولا تسعى لايجاد أي إتصال مع حكمة أنبياء الله. وتجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية العلمانية قد قامت على فكرتين، حيث يسيطر الناس على السلطة وانهم مصدر كل السلطات وهكذا ينظر الناس إلى أنفسهم على أنهم مثل الآلهة.

وفي الإطار السابق فان إرادة الأغلبيةِ لا ينظر اليها بعين التفضيل لانها وبعد كل شيء اقيمت على الإنسانية الآثمة والتي ينقصها الكمال. وينظر إلى عملية فصل الدين عن الدولة على انها عملية سلبية لانها تقطع نقطة الاتصال الحقيقية الوحيدة التي تملكها الإنسانية مع المبادئ الأخلاقية والتي يمكنها ان تأتي فقط من خلال الدين. وهناك اعتقاد راسخ لدى الإسلام الراديكالي بطبيعة الشر الفطرية لدى البشر ( وهذا المفهوم ليس غريبا عن المسيحيين الذين يحترمون مفهوم الخطيئة الأصلية ). ولذلك فإن عملية خلق النظام الذي يحاول بصورة هادفة بفصل الدين عن الدولة بصورة قانونية مع بذل افضل الجهود لإبقاء الدين بعيدا عن دائرة اتخاذ القرارات هو بنظر الإسلام المتطرف نظام يحاول وبحماقة رفع الإنسانية إلى مستوى الله.

يُناقشُ العديد مِنْ المُحلّلين الغربيين مشكلة الإسلام والديموقراطية وان تلك المشكلة قد جاءت نتيجة الإنحراف بين النظرية والممارسة. وبعبارة اخرى فهم يفكرون بأن الإسلاميين لديهم مشكلة مع الديمقراطية الفاسدة أو المشبوهة، وهو النموذج الديمقراطي الذي يُشاهد في أغلب الاحيان في المناطق مثل آسِيَا الوسطى والشرق الأوسط. ويَعتقدونَ بأنَّه لن يكون للإسلاميين مشكلة مع مبادئ الديمقراطية المأخوذة في النظرية. ويظهر التحليل المذكور أعلاه بان هذا غير صحيح بالنسبة للإسلاميين المتطرفين عندما أُخذت الحقيقة التجريبية للديمقراطيةِ حول العالم في الحسبان، أصبح حزب التحرير مناهضا للديمقراطية ومعاديا للأمريكان بصورة عنيفة أكثر بكثير عما كان من قبل.

لقد قامت الديمقراطية في كل مكان على قاعدة الأكاذيبِ والخداعِ، والتي لم تجلب سوى الفقر والمعاناة للعالم ... كما يجبان يبقى في الذاكرة ان الديمقراطيتين الأقدمَ في العالمِ، الولايات المتّحدة وبريطانيا العظمى، يتم إنتخاب رؤسائها وأعضاء البرلمان بصورة رئيسية عبر إرادة الرأسماليين فيهما وعلى وجه الخصوص عن طريق كبار رجال الأعمالِ الرئيسيينِ و الإحتكاراتِ الصناعيةِ. . . .و هكذا يُمْكِنُ القول بأنّ الديمقراطيةِ لَيستْ إرادة الشعب، ولكنها إرادة الرأسمالية.

و في حالة إستخدام التحليل السابق لحزب التحرير حول الديمقراطية في وصف حالة الأنظمة"الديمقراطية" في وادي فرغانة فان ذلك الوصف سيأتي مطابقا تماما للتحليل المذكور أعلاه: فالانظمة الأوزبكية، والقرغيزية، والطاجيكية تقع تحت هيمنة نخبة فاسدة وتمثل فقط مصالح البعض منهم، و علاوة على ذلك فإن وادي فالي الذي كان يقع ضمن إطار الاتحاد السوفييتي السابق فان النقد الموجود ضمن تحليل النموذج الماركسي يَبْقى وثيق الصلةَ جداً بالتحليل السابق للديمقراطية. وفي إطار مناقشة الإحتكاراتِ المتعلّقة بالشركاتِ التي تَتصرّفُ وفق التعاونِ الكاملِ مع الحكوماتِ الفاسدةِ وإفتراس المجتمعاتِ الغير قادرة على الدِفَاع عن نفسها فان ذلك يبدو حقيقيا في وادي فرغانة. وفي عالمهم ليس من السهولة بمكان طرد مثل هذه الأفكار.

إحدى أكثر الصفات بشاعة التي تصيب الانسانية جاءتْ مَع فكرة الحرية الشخصيةِ التي أدّتْ إلى المنافسةِ الحادّةِ بين الدول الرأسماليةِ، والتي قادت إلى تمييز الناس الآخرين وذلك على النقيض من جميع القيم الروحية و الأخلاقية و الإنسانية...إن الحرية الشخصية و الفردية قد حولت الدول الديمقراطية إلى مجتمعات أقل من مستوى الحيوانات.

ولسوء الحظ، فان هذا النوعِ مِنْ الرأسماليةِ العديمة الرحمةِ والديمقراطيةِ القاتلة تزدهران في قرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان. إنّ عامة الشعب ضائعين بين التشويش والمراوغة وسحق الأنظمة الفاسدة. قد تكون الولايات المتحدة مخلصة جدا في نواياها برؤية نهاية الدول القمعية في وادي فرغانة، ولكن فشلها في مكافحة المفاهيم والتصورات المضادة قد دمر صورتها والحق الضرر بسياستها طويلة الأمد ضد الإرهاب.

ويجدر التنويه ان الإسلام الراديكالي في جوهره يقف ضد الفردية ، في صميمِه ضِدُّ الأناني. و في نظرته العالمية فان الرأسمالية والديمقراطية الغربية تدور فقط حول الفرديةِ. ولذلك لا يوجد توافق بين الديمقراطية والإسلام لان الديمقراطية هي نظام للحكم صنعت للأفراد، بينما إسلام نظام لا يقوم على الفردية ويركز على الأوامر المباشرة لحكم الله.

لا يَمتلكُ أي شخص الحقّ في تَقْرير النظامِ الإجتماعي الحضاريِ بشكل مستقل. فهو يَجِب أَنْ يَعِيشَ طبقاً للنظامِ كما حدده اللهِ . . . . حتى لو في النهاية حققت الامة كلها وحدتها فليس من ضمن حقوقها ان تتبنى قانونا إذا كان القانون المذكور مخالفا للأحكام الأصلية التي شرعها الله بنفسه. و لا شيء من هذه الآراء يحمل وزنا أو قيمة وهي حتى لا تساوي جناح بعوضة.

لماذا مثل هذه العداوةِ إلى الحريةِ الشخصيةِ؟ وكما هو صعب في الغربِ القبول مثل هذه العداوة، فانها في الحقيقة منطقية ومتسقة مع المبدأ الديني الرئيسي الموجود في كل من الاسلام والمسيحية: وإذا الرجل ولد آثما وانغمس بالسلوك الخاطئ عندما لا يلتزم بنصائح الله، عند ذلك فان خلاصه الوحيد على الأرض هو فقط عبر الالتزام الصارم " بالوصايا ولمحظورات " للسلطة الحقيقية وهي سلطة الله. ان الفردية الغربية هي اكثر من اي شيء آخر في نظر الإسلاميين المتشددين على انها ارتفاع بالانسانية إلى موقع لا يحتله سوى الله فقط.

مؤسسات العدوانِ الأمريكيِ:
طبقا للجماعات مثل حزب التحرير فان أكثر الأسلحة فعالية في دفع العدوان الأمريكي يكمن في إستخدام المصادر الدولية المتمثلة بوسائل الاعلام. وبدلاً مِنْ أنْ تكون مصدرا للتنوير أصبحت لا شيء سوى مصادر للتشويش على المسلمين وتدفع بهم للإبتعاد عن الشكل الحقيقي للإسلام وفي نفس الوقت تقوم وبصورة ثابتة بإتهامهم بالتطرف والارهاب. ويطرح حزب التحرير ان آلة المعلومات الأمريكية العالمية الضخمة تهدف الى تصوير المسلمين كأعداء لكل شعوب العالم وجميع هذا في النهاية يخدم الأهداف الأمريكية كما أن ذلك يعمل على إجبار المسلمين لترك إيمانهم الحقيقي وبالتالي يصبحوا عبيدا للرأسمالية.يجب على الدول الإسلامية أَنْ تُعيرَ إهتماما كبيرا للضغطِ الأمريكيِ، والذي غرضه الوحيد تَحْطيم الإسلامِ. وتأمل امريكا باجبار المسلمين على الايمان بالرأسمالية. بزعامة الولايات المتحدة لكافة الامم الرأسماليةِ الأخرى التي تسعى وتكافح لإقامة [علاقات وثيقة] مَعها. ويجب الاشارة الى ان جوهر الطريقة الإمريكية هي تفنيد للمنطق. . . . إنّ المذهبَ الأمريكيَ بين فكرين متناقضينِ: من ناحية فكرةُ أهميةِ الدينِ ومن الناحية الأخرى الرفضُ الآنيُ للخالق القويِ وإرتقاء الإنسانِ ليكون المصدر الوحيد للسلطة والقوة.

ولسوء الحظ فان هذه الهجومات اللاذعة تصف بصورة او بأخرى الوضع السياسي في دول وادي فرغانة، وتصور بشكل دقيق حياة المسلمين هناك المتطرفين منهم والمعتدلين على حد سواء. وعلى أية حال فالملاحظ انه ليس هناك من عمل يذكر من قبل حزب التحرير ضد الرؤساء المحليين كريموف، او باكييف، او رحمانوف، وبدلا من ذلك فان الولايات المتحدة تشكل بؤرة الاحتقار والتي بنظرهم تشكل الاداة المركزية في عناصر المؤامرة العالمية ضدّ الدين الإسلامي.

ومع انه من غير المحتمل ان يكون حزب التحرير البادئ المباشر في العمل الإرهابي ضد الولايات المتحدة الا انه من السهل جدا ان يشكل تهديدا خطيرا، ففي الحقيقة فان وادي فرغانة يعتبر مثاليا ليكون قناة عالمية وملجأ منفلت للجماعات الثوريةِ والأفراد المُخْتَلِفين، كما ان خطابات حزب التحرير في مثل هذه البيئة تُصبح أكثرَ قوَّةً لأن تَصلَ الى ما هو ابعد من العضوية في منظمتها الخاصة.

ويقوم حزب التحرير بتوجيه الإنتقادات للولايات المتحدة بسبب ميل الأخيرة الى " تصنيف الدين " في أوقات و أماكن معينة و التي تظهر أحيانا بصورة مخلصة بينما في أوقات و أماكن أخرى تكون نشاطات تأخذ الطابع العلماني بصورة اكبر، ويعتبر هذا تفنيدا ودحضا للايمان في نظر الاسلاميين المتشددين، في حين يجب ان تكون الأولوية للإيمان.

و هناك أمّا خالق الذي خَلقَ كُلّ الناس والعالم و الذي إليه نحن مُلزَمون بإتباعه أَو ليس هناك خالق و لذا لا يَجِبُ أَنْ يكون هناك مُناقشة مطلقاً في فصل الدينِ عن الدولة. وإذا لم يكن هناك خالق، حينئذ يجب إهمال الدين، فليس من المقبول أخذ طريق وسط والقول ان هناك خالق و لكن وجوده لا يَحْملُ أهميةَ أَو معنى بصورة كافية أو عظيمة ولذلك يجب ان يحتل أولوية أصغر في الحياة وحكم الانسان. ان مثل هذه الأفكار و ببساطة متناهية لا تنسجم مع عقول الرجال المؤمنين.

وهكذا فان الولايات المتحدة وكما يفهم هنا بانها لا تسبب وببساطة في إلحاق المهانة الإجتماعية والحضارية بنفسها، ولكن فرض المهانة و الإذلال على المجتمعات الأخرى التي تعمل معها و ذلك لأن الولايات المتحدة متعنتة في رؤيتها المتفوقة تجاه ميزان العلمانية و الدين و يجب نسخها، و لقد ظهر ذلك بوضوح و على وجه الخصوص ضمن إطار وادي فرغانة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عندما قامت دول الوادي الثلاث بزيادة اضطهادهم للإسلام هناك و في نفس الوقت اتخذوا جانب مساندة الولايات المتحدة في حربها العالمية على الإرهاب، و تلقت هذه الدول موافقة الولايات المتحدة على التطور الوهمي لخطوط العمل الديمقراطي.

حرية الفكر:إن هجوم حزب التحرير المناهض لحريةِ الفكرِ عبارة عن التماس لتجنب النفاق و بقاء الحزب ثابتاً في الإعتقاد بأن الله يأتي قبل الجميع، وحتى يمكن القول انها مصلحة ورغبة، وحرية شخصية. هذا النوعِ مِنْ النقدِ من الممكن توجيهه ضدّ المجتمعِ الأمريكيِ، ولَكنَّه على درجة كبيرة من الإقناع والأهمية في وادي فرغانة: حيث تظهر الحكومات هناك وعلى الملأ سخافة ملحوظة ومنافية للعقل من جانب الثروة والترف الذي يتمتعون به بينما ينكرون على غالبية السكان الخدمات الصحية والانسانية الاساسية. ويقومون بهذا بينما يعلنون ولائهم لأفكار الحرية والإزدهار ويحصدون المنافع الناجمة عن ارتباطهم بالولايات المتحدة والمساعدات الخارجية التي تغدق عليهم بسبب هذا الإرتباط.

إن حرية الفكر ضمن معايير وشروط الرأسمالية لا تتوقف عند حدود توجيه النقد المفتوح للحكومة. ان حرية الفكرِ [في الغربِ] تَتضمّنُ أيضاً التساهل تجاه عدم التواضع والتكبر، ورفض وجودِ الله، والخمرة، والسلوك الجنسي اللا أخلاقي، وهذه المعايير كفيلة بخدمة الهدف الساعي لتقويض القيم الإسلامية. ولا يسمح للمسلم لأن يتحدث بشيء يتناقض مع العقيدة الإسلامية، وهذا يتضمن كل الأيديولوجيات الحديثة الأخرى مثل المساواة بين الجنسين، والقومية، والعلمانية، والرأسمالية، والإشتراكية علما بأن هذه الأيديولوجيات لا تتوافق مع الإسلام.

لا شك أن الإسلاميين المتشددين قد لاحظوا كيفية الإستفادة من هذه اللعبة الدبلوماسية لضمان أكبر قدر ممكن من المساعدات المادية من الولايات المتحدة في الوقت الذي تتصرف فيه وادي فرغانة بإحتقار شديد نحو شعوبهم بينما تعيش النخب المحلية في هذه الدول بثراء فاحش. وعلى أية حال فانها للمتشددين الإسلاميين , فإن مصادر الإحتقار والفساد والإذلال ليست في بيشكيك، او طاشقند، أَو دوشنبه، فالمصدر لكل هذا يقبع وبصورة لا لبس فيها في العاصمة واشنطن.

حرية التملك:
إن تصور حزب التحرير لحرية التملك ربما يَبْدو مألوف جداً بالنسبة إلى أولئك الذين دَرسوا التاريخ الإقتصادي الأمريكي خلال القرن المنصرم، عندما سيطر بارونات المال امثال روكفلر، ومورغان، وفاندربت ، وكارنيجي على الصناعة الامريكية وعلى آلية صنع القرار السياسي. وعلى اية حال فان ذلك لا يصور اليوم حقيقة السوق الإقتصادية الأمريكية بدقة او وضع الصناعة الامريكية الحالية(على الرغم من فضائح انرون وابراموف) لذا ومرة اخرى اصبح من الخطورة بمكان امام الدبلوماسيين الأمريكيين وصناع السياسية استبعاد حجة حزب التحرير.لم تجلب هذه الحريةِ القادمة مِنْ الدول الراسماليةِ سوى المعاناة المريعة فقط. . . والتي أدت الى توسع النشاط الإجرامي، وهيمنة المافيا، والإدمان على المخدرات، والأنانية، وتجاهل رأي المجتمع، هذا بالإضافة الى ان هذه الحرية قد جمعت الثروات الهائلة والتي تركزت في ايدي بعض الدوائر المتنفذة، وخرجت بانطباع لدى الناس ان هؤلاء الرأسماليين لا يلقون بالا الى معاناتهم وآلامهم بل قادت إلى سفك الدماء وإنتشار الجريمة، إنهم يهتمون ومهووسون بالربح فقط.

وكما ذكر من قبل، ليس من الأهمية بمكان مستوى دقة النقد في واقع الحال او الكيفية التي يستطيع بها حزب التحرير الربط المباشر للنقد بالولايات المتحدة، بل بالكيفية التي يمكن ان تلعبها الحجة ضد الحقيقة المحسوسة في وادي فرغانة والتي تحدد مدى الخطر على المدى الطويل بالنسبة للولايات المتحدة. ان النقد الذي وجهه حزب التحرير كان إنعكاساً دقيقاً لوضع السلطة والصناعةِ في أوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان. وهكذا فبينما يزداد حجم الدليل ضدّ الأنظمةِ المحليّةِ، فإن حزب التحرير لا يَفْقدُ الفرصة لإظهار لمن تكافح هذه الدول كي تتطابق والى اي الفلسفات ينتمون ويلتزمون، وذلك أيضا على درجة قليلة من الأهمية في أن الأمريكان لا يرون أنفسهم في مثل هذا الضوء.

سياسة إقتصادِ السوق:ان حزب التحرير يَتّهمُ الولايات المتحدة بالتدخل المباشر في اضطهاد المسلم العادي. فالأنظمة الشريرة والمستبدة في وادي فرغانة قد تكون في نظر الإسلاميين المتشددين مجرد دمى في يد من يحركها. إن المشاركة الأمريكية مع الأنظمة المذكورة تؤكد تلك المقولة، فهناك الالآف في السجون ويعذبون بينما تقوم الولايات المتحدة وبشكل غير قابل للتوضيح في امتداح هذه الأنظمة علنا على "التقدّم الصغير" الذي حققته هذه الأنظمة المحلية المتسلطة. وهذا المديح لا تراه بعض الجماعات مثل حزب التحرير على أنه جاء بصورة عرضية، بل تراه من منظور جهد منظم تقوم به الويات المتحدة في حربها ضد الإسلام من خلال عملائها المتمثل بالأنظمة الموالية لها.

و من خلال الصورة القائمة فان سياسة اقتصاد السوق المفتوح لم تجلب سوى المعاناة للمسلمين، وهي في تناقض مع الإسلام لذا يتوجب على كل المسلمين رفض هذه السياسة ... و ليس هناك من شك بان هذه المبادرات الأمريكية في مقامها الأول هي موجهة ضدّ المسلمين. ان الإسلام هو العقيدة الوحيدة اليوم الذي يستطيع ان يؤمن البديل عن الرأسمالية والديمقراطية، كما انه يشكل المنافس الحقيقي لهذه العقائدِ الكافرةِ.

وهناك نقد آخر يشكل شرخا عميقا في جوهر مشكلة السياسة الأمريكية الخارجية في وادي فرغانة، فإذا كان هناك من فرصة لإظهار النفاق في المبادئ الأمريكية فإن ذلك و لاشك يبدو جليا في تعاملات الولايات المتحدة مع أوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان. وإلى يومنا هذا ليس هناك من احد في الإدارة الأمريكية من يرى بهذه الأنظمة الثلاثة المذكورة انها تشكل " الجبهة الأمامية " في الحرب ضد الإرهاب. وكان يجب على الولايات المتحدة ان لا تغض النظر على القمع ومأسسة التمييز الذي نجح فقط في إذْكاء نيرانِ الإسلامِ المتطرف ضدّ أمريكا. ولسوء الحظ فإن الولايات المتحدة لم تتبع الرسالة التي تمليها عليها قوانينها الخاصة والتي تنص على ادانة شركائها الذين يساعدونها في الملف الأمني ولكنهم في نفس الوقت يقوضون التطور الديمقراطي.

وإما أن تدعو الولايات المتحدة كافة تلك الدول الملتزمة بصورة عاطفية بعقيدة الارهابيين الإسلاميين ، أو انها تهدف الى تخريب الأمة الإسلامية بجعلها عبارة عن دمى تحكم الناس بيد من حديد ولكن في النهاية فان الإجابة الوحيدة هي السمع والطاعة للنظام الأمريكي. لقد تم تقديم الاسلام كمرشح بديل عن الشيوعية كعدو رئيسي للولايات المتحدة، ولا شك ان البلدان الإسلامية إحدى أهم مناطق العالم التي تسعى فيها أمريكا جاهدة لزيادة تأثيرها وتعميق سلطتها.

إن الإسلاميين المتشددين لا يَأْخذون الإصلاح الأمريكي من خلال الإرتباطِ كأيّ شئ ماعدا ترشيد للظلمِ.بل حتى أسوأ من ذلك، فما تأتي به الولايات المتحدة لا يعتبر نفاقا فقط بل معاداة للسامية وهدفها النهائي إجتياح وتحطيم إيمان المسلمين وعقيدتهم. إن هذه الرسالةُ "السلميةُ" لحزب التحرير نجحت في الإنتشار عبر وادي فرغانة.

الأصوليَّة:
عندما يؤخذ حزب التحرير على الأصوليَّةِ، سيكون من الفتنة بمكان النظر لدور الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة في صياغة هذا الدور الأصولي لحزب التحرير. وتعتبر الولايات المتحدة الجماعات الإسلامية المتطرفة في وادي فرغانة على أنها ضعيفة ومعزولة نسبيا، وتعتقد أيضا بأنهم قد يشكلون تهديدا محتملا عبر الإطاحة بأحد الأنظمة على المستوى المحلي ولكن يبقى تهديدها الدولي صغير نسبيا.يُركّز التمثيل الأصولي بشكل كبير على الحركاتِ الإسلاميةِ، والتي هي صنيعة السياسيين والمحللين الغربيين الذين يتمنون مُسَاواة الأصولية الإسلاميةِ بوصفها كقوة رجعية مناهضة لكل التقدم العلمي والتقني . . . . وحالما يتم تطبيق مثل هذا التصميم فان ذلك سَيُؤدّي إلى إتخاذ المزيد من الإجراءاتِ القاسيةِ والعديمة الرحمةِ العديدةِ ضدّ المجموعاتِ المسيئةِ. . . . وكُلّ مسلم يَمُوتُ أثناء قتال قوات العدو، الذي يقوم بانكار ذاته والاستشهاد هو ذو عقلية مضطربة وإجرامية، ويجب ان يفهم المسلمون بأن استخدام تعبير الأصولية الإسلامية هو إستخدام سياسي، وأن إطلاق هذه التسمية وإستخدامها من قبل الولايات المتحدة لا لشيء سوى محاربة الإسلام من العودة الى البروز وإستخدام هذا المصطلح من قبل الغرب هو لدواعي إستراتيجية تماما.

إن هذا المفهومِ الذي يقول بان هذه المجموعات مثل حزب التحرير لا تشكل تهديدا دوليا كبيرا انما مفهوم يتصف بالسذاجة وقصر النظر خصوصا مع القراءة الجدية والمتأنية لما تعلن عنه هذه المجموعات. وكما يبدو هناك القليل ضمن الأدبيات الرسمية لمعتقدات حزب التحرير التي تركز بصورة خاصة على دول وادي فرغانة، ومن الأهمية بمكان الإشارة الى ان التهديد لهذه الأنظمة يعتبر طفيفا بسبب التركيز على الفريسة الأكبر المتمثلة بالولايات المتحدة والتي يرون فيها سببا مباشرا في المسؤولية عن مشاكلهم.

التطلّع ألأمريكي لإبادة الإسلام:
وفي السياق المحليّ المقيد بالإضطهاد الوحشي من السّهلِ رُؤية نظرياتِ المؤامرةِ حيث يَرى الآخرون السياسة بصورتها المعتادة. وهذا ليس مختلفا عن حزب التحرير والذي نظر بإزراء واضح عندما دفع الرئيس بوش في فبراير/شباطِ 2004 بوثيقة في مؤتمر قمّة مجموعة الدول الثماني الكبرى التي دَعت الى "مشروع الشرق الأوسطِ الكبير" . لقد كان للبرنامج الرسمي أَنْ يُشجّعَ الدَفْع بالإجماعِ العالمي للإصلاحِ السياسيِ في الشرق الأوسطِ. لقد كان معنونا "بالكبير"لأن ذلك يشير إلى الشرق الأوسطِ كأرض تمتد مِنْ المغرب على طول الطّريق إلى الباكستان.لقد نال المشروع ترحيبا في الغربِ كجُهد متعدد الأطراف للتَرويج للحرية العالمية، وقد أدينَ هذا المشروع وبشدّة متناهية من قبل المجموعات الإسلاميةِ المتشددة التي رَأت في المشروع كمحاولة وقحة للإستعمار الجديد. وبالنسبة للمتطرفين الإسلاميين فان المشروع كان وببساطة محاولة أمريكية لفرض إرادتها وقيمها الأخرى بصورة اعمق في صفوف الجالية الإسلامية.

وحدها فقط الأمة الإسلامية التي تستطيع ان تقف في وجه الإحتلال العالمي للرأسمالية الأمريكية، وتخشى الولايات المتحدة من بروز وإنبعاث الإسلام على المسرح العالمي ولذلك فهي تسعة جاهدة وفي كل مناسبة لمنع عودة هذا الظهور من جديد، وإنطلاقا من هذا التفكير فهي لا تدخر جهدا في تقوية وتعزيز سلطتها الخاصة ومصالحها ليس فقط على أرضها بل في كل مكان وحيث يتواجد البشر.

بينما أكثر الأمريكان بطريقة أو بأخرى يُؤمنون وبصدق بتفوقِ الديمقراطيةِ والرأسماليةِ، فإن تحليل حزب التحرير الذكي لمشروع الشرق الأوسط قد عرض ثغرات كبيرة ومحرجة حملها المشروع والتي كان من شأنها تعميق العداء وشك الإسلاميين المتطرفين تجاه الغرب.

ومن الجدير بالملاحظة بأن الإصلاح السياسي المطلوب " الذي دفعت به الولايات المتحدة وأجبرت مجموعة الدول الثمانية عليه " لا يتضمن حقوق الناس المحليين في اختيار حكوماتهم وممارسة حقهم الفردي بالإختيار لأن ذلك سيؤدي بالإسلام للوصول الى السلطة، وهذا النوع من التغيير غير مقبول بالنسبة لسلطة امبريالية تفتقر للإيمان، والتي تكافح من اجل تثبيت دماها في سدة الحكم، وبناء على ما تقدم فان الغرض من وراء الإصلاح السياسي هو المزيد من الإخضاع لهذه الدمى للسير في ركاب السلطات الإمبريالية.

ومع الإنتقاد الشديد لمثل هذا التحليل فان المقالة تؤكد في أغلب الأحيان على أن هذا النقدِ يبدو حقيقيا وصادقا بالنسبة للشعوب في وادي فرغانة وكيف ان الحقائق على الأرض للمشاركة الأمريكية هناك تَجْعلُ من السهولة بمكان على الناس المحليين الإيمان بذلك التحليل.

التضليل العلمي:
إن بعض التحذيرات التي ظهرت من قبل الجالية العلمية حول الإسلاميين المتطرفين في وادي فرغانة تستمر في إلقاء ظلالها من خلال التحليلات التي تؤكد نسبيا الحجم الصغير ونقص القدرة العسكرية في صفوف المتشددين لمهاجمة الأنظمة المحلية.
وقام الدّكتور "ستيفن بلانك" بتأطير المشكلة مع آسيا الوسطى بشكل مثالي:
من الناحية الواقعية فان كل كاتب في شؤون آسيا الوسطى يفترض بأنّ المزيج الموجود من فساد الحكم الموجود في كلّ مكان والفساد المستشري، والفاقة، والقمع من شأنه المخاطرة بتشجيع مجموعات المعارضة هناك للإنجِذاب نحو الأطراف والحركات الإسلامية من باب الحاجة لأي خيار آخر، ولأنها الوحيدة التي تملك الخطاب الرنان والأكثر تماسكا في وسط السكان والذي يمكن ان يستوعب المعاني الموجودة وهي بالأساس البديل الوحيد الموجود.

إن الشرعية التي يمكن ان تحققها المجموعات الإسلامية المتطرفة لم تستند تماما على ظلم الأنظمة المحلية ولكنها يمكن ان تنجز ذلك من خلال الدعاية لنفسها ايضا والتي يمكن لها ان تصبغها بالمؤامرات الدولية والتفسيرات الشبه ماركسية للموضوع الإقتصادي، وفي الحقيقة فان مثل هذا الطرح يأتي متناغما ومتماسكا على الصعيد المحلي.

وينظر بعض العلماء للمشكلة كإنفاق أمريكي غير كاف، ويعتبر هذا المذنب الأساسي الذي يقف وراء قلة النجاح في التطور الديمقراطي في هذه المنطقة. وفي الواقع فقد إرتفعت حجم المساعدات الأمريكية الخارجية بصورة ملحوظة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وتجدرالإشارة الى ان الولايات المتحدة لها مشكلة في إسماع صوتها على صعيد تطور الديمقراطية لا لأنها غير راغبة بإرسال المالِ الكافيِ إلى آسِيَا الوسطى، بل المشكلة تكمن في أنها لا تحاول جَعْل صوتها مسموعا على صعيد هذه القضايا. وبدلاً مِن ذلك فإن قضايا الأمنِ والتعاونِ في تقديم المُسَاعدة في الحربِ العالميةِ ضدّ الإرهابِ أَخذتْ ألأولوية الوحيدة.

إنّ نتيجة التفضيلِ القصيرة الأمدِ تقع في إطار السهولة التي كانت بها الأنظمة المحلية في وادي فرغانة قادرة على تشخيص وفهم القضية الأكثر اهمية بالنسبة للأمريكان، وطالما ان أوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان لديهم الرغبة والإستعداد في تقديم المساعدة للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب فمن غير المحتمل ان تعترض على الكيفية التي تتصرف فيها الحكومات المحلية في تصريف شؤونها الداخلية. وبعد الحادي عشر من سبتمبر بدأت الولايات المتّحدة بتوسيع برامجها لبناء المؤسسات السياسية والديمقراطية. وعلى أية حال ومع حلول 2003 فان عمليات التمويل قد جاءت لتركز على القضايا الأمنية والعسكرية.

وبينما يدرك المراقبون جيداً القمع الذي تمارسه الحكومات المحلية، إلا أن المشكلة تتمثل بقيام المجموعات الإسلاميةِ تبتوجيه اللوم في ذلك للولايات المتّحدةِ وسياستِها القائمة على "الإرتباط الإنتقائي" . وعلاوة على ذلك وعلى الرغم مِنْ الحقيقة بأنّ مثل هذه المجموعاتِ غير قادرة على الإطاحة بهذه الأنظمة، ألا انهم يَخْلقون مناخا أيديولوجيا جديدا لمعاداة الولايات المتحدة والذي من المحتمل ان يَخْلق مشاكل كبيرة وثورات عَنيفة في المستقبل.

والطرح المذكور أعلاه ينطبق خصوصا مع وضع حزب التحرير، فبينما الحزب لا يتمتع بالقدرة المسلحة ضد أي من الأنظمة الثلاث في وادي فرغانة. ولكن يمكن ان يبشر وينظم الناس إستعدادا للمواجهة المستقبلية بين المسلمين والغرب وعلى وجه الخصوص المواجهة مع الولايات المتّحدة. والذي يقسم العالم الى مجتمع المؤمنين والكفار والدفع بالفكرة القائمة على أساس أن الكفار يَشنون حربا ضدّ الإسلامِ والتي لا تنحصر فقط في إطار العملياتَ العسكرية ولكن أيضا الحربَ الجنسية والدينية والثقافية والسياسية والإقتصادية. وفي هذه الحربِ حيث أنَّ الغرب مصمم على تَحْطيم الإسلامِ، هناك خصم رئيسي واضح واحدومن المؤكد انها لَيستْ قرغيزستان، ولا طاجيكستان أَو أوزبكستان. وبدون شك أَو غموض فإن الشيطان الرئيسي لحزب التحرير هو الولايات المتحدة الأمريكية.

ولذلك فإن حزب التحرير قد لا يكون الصاعق الذي سيفجر القنبلة ولكنه بالتأكيد يوفر البيئة المناسبة لذلك والتي يمكن تحضيرها، وقد تمثل هذا واضحا في النداء الخاص الذي وجهه الحزب للمسلمين:
اليوم تَقِفُ وجها لوجه أمام التزامك النهائي، والدفاع عن دينِكَ ومعرفتِكَ. أنت الحارسَ على كامل أمتك . . . مُتْ من أجل الحقيقةِ والعدالةِ! آن الأوان أَنْ كي لا نفرق بين الحياة والموت. إن أمريكا والغرب الكافر، حُكَّامكَ، بما فيهم المستشارين ورجالِ الأعمال والسياسيين، هم جميعا في حفرة بلا قرار.. وأولئك الذين يقاتلون من أجل الإسلامِ سَيَكُونونَ أبناء إلاسلام وأنت سَتَجِدُ نفسك على الطريق الحقيقي الوحيد! وهو مَطْلُوبُ من كل مسلم يُؤمنُ بالله والرسول، والذي يؤمن بالدينِ الذي نزل على محمد، لأن يقف ويجد نفسه على الطريق الحقيقي. ليس هناك بديل لهذا السؤالِ حيث ليست هناك إمكانية لأيّ مسلم البقاء بصورة محايدة حيال هذه القضايا.

وعند تحليل محتويات عقيدة حزب التحرير فأنه غير قابل للجدل بأن سياسته في اللاعنف ستكون قاتلة، وهذا هو الوقت المناسبُ لأمريكا لأن تَعترف بهذه الحقيقة.

-المصدر: world security network http://www.worldsecuritynetwork.com