A+ A-
قراءة في إتجاهات العمل السياسي للتيار الصدري ومحاولة فهم التناقضات الحاصلة
2007-09-24
تثير مواقف "التيار الصدري" على المستويين السياسي والعسكري، كما تثير خطب وتصريحات زعيمه مقتدى الصدر، وإلى حد ما بعض مواقفه الفقهية الدينية و السياسية، الكثير من الأسئلة الحائرة في العراق. وتتضاعف هذه الحيرة حين يجد العراقيون أنفسهم وجها لوجه مع مواقف وسياسات لا يكاد يجمعها جامع، وهي تصدر بوجه الإجمال عن قادة وأعضاء بارزين في التيار نفسه الذي يخوض صراعا مسلحا مزدوجا؛ ضد القوات الأميركية في شرق بغداد (مدينة الثورة) من جهة، وضد قوات الشرطة العراقية في جنوب ووسط العراق (البصرة والديوانية والناصرية والسماوة) من جهة أخرى؛ في حين أن هذا التيار نفسه ينغمس أكثر فأكثر في أعمال ذات طابع طائفي!

و مع تصاعد المواقف السياسية وتدهور أوضاع الشعب العراقي بصورة مأسوية و تصاعد أعمال التهجير في معظم المدن والقرى وبلوغها معدلات مثيرة للقلق؛ فإن تيار الصدر مع كل ساعة تمر من عمر الإحتلال الأميركي للعراق يغدو أكبر هذه الألغاز قاطبة.ظهر التيار الصدري إلى العلن قبل أربع سنوات. وخلال هذه السنوات خاض التيار مواجهات ومعارك سياسية وعسكرية على أكثر من جبهة، واستطاع أن يفرض نفسه كقوة عراقية مهمة، سواء اتفقنا معها، أو عارضناها.

ويعتبر فهم أصول وأيديولوجية مقتدى ومناصريه مفتاحاً لفهم أهداف مقتدى المتعلقة بالعراق، بما أنه مستمر في قيادة قواته نحو مواجهة سياسية وعسكرية و السؤال الذي يتوجب البدء منه:
1. يتعلق بكينونة التيار الصدري نفسها.و أين يضع التيار الصدري نفسه، بين الكيانات العراقية القائمة؟ هل هو كيان سياسي؟ مذهبي؟ ديني؟ ديني - سياسي؟
2. ثم، ما هي الأهداف الإستراتيجية التي يسعى التيار إلى تحقيقها ؟ التخلص من الإحتلال ؟ ثم، ماذا بعد التخلص من الإحتلال؟
3. ما هو برنامجه السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي ؟ ما هو نوع الدولة العراقية التي يريد التيار بنائها؟
4. ما هو موقفه إزاء الديمقراطية، كفلسفة للحياة وكأسلوب عمل سياسي؟ وكيف يتعامل التيار مع مسألة الحداثة والتحديث؟ كيف ينظر التيار لدور المرأة، ولموقعها في المجتمع؟
5. لماذا الخلافات بين التيار الصدري وحزب الفضيلة, وبين التيار الصدري والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية تحديداً منظمة بدر, والتيار الصدري ومجموعة من العشائر الشيعية؟
6. ما يتعلق بالفيدرالية و موقف التيار من التقسيم؟و موقفهم من مسألة كركوك.للإجابة على هذه التساؤلات علينا ان ندرس:
بداية و نشأة التيار الصدري.كيف تطور هذا التيار و أصبح بمثابة واجهة سياسية تلعب دورا على الساحة العراقية و الدولية.
نهاية الصدر الاول وسطوع حقبة جديدة
مقتدى هو الابن الرابع لآية الله محمد صادق الصدر، الذي كان، بين 1992 و1999، أحد أهم الزعماء المشهورين في الحوزة، سعى محمد صادق الصدر لإقامة علاقات طيبة مع القبائل الشيعية الموجودة وسط وجنوب العراق في المقام الأول، حتى أنه أصدر كتاباً في علم التشريع الإسلامي العشائري.

وفي ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم ينجح زعيم ديني في أن يعمل بمعزل عن الحكم .حيث علاقات محمد صادق الصدر مع الرئيس العراقي كانت معقدة. ولقد ضمًن شعار، "لا، لا، لأمريكا؛ لا، لا، لإسرائيل،" في عظات أيام الجمع. و حسب قول مقتدى الصدر- ان والده كان يتنبأ علناً أن الولايات المتحدة أو إسرائيل سوف تغتاله بهذه الشعارات والتصريحات.

وكان لتأثير وسمعة محمد صادق الصدر الطيبة أن جعلته مشبوهاً من جانب الرئيس العراقي. فشك صدام حسين بالشيعة العراقيين تزايد بعد انتفاضة 1991. و جاءت دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش الشعب العراقي للنهوض والإطاحة بنظام صدام حسين. وإنتفضوا، ففي آذار 1991، سيطر منشقون شيعة وأكراد على 14 مقاطعة من أصل 18. ولكن عندما رفضت الحكومة العراقية التدخل لصالحهم، إنتقمت بشدة قوات صدام حسين، وملأت قبوراً جماعية بعشرات الآلاف من المتمردين العراقيين وعوائلهم

لم يبدأ تدمير صدام حسين لأعدائه الحقيقيين من بين الشيعة العراقيين بتمرد 1991 ولم ينته معه. ففي عام 1980، أعدم النظام آية الله محمد باقر الصدر، الذي كان في ذلك الوقت. وفي عام 1999، قتلوا مؤمل ومصطفى أيضاً، اثنين من أخوته الثلاثة. وأنكرت الحكومة مسؤوليتها عن قتل آية الله. وحاكم النظام ثلاثة قتلة مزعومين وأعدمهم ولكن ثمة بينة أن أحد المشبوهين كان في السجن في الوقت الذي جرت فيه عملية القتل).

وبعد قتل عائلته، شقيق مقتدى الباقي على قيد الحياة والأكبر سناً أصبح ناسكاً، دافناً نفسه في الدراسة. وكان مصطفى، الذي كان لا يزال حينها في العقد الثالث من العمر، هو الذي أخذ على عاتقه مسؤولية والدته الأرملة وزوجات وأطفال أخويه المقتولين. عند مقتل والده، فتح مقتدى مكتباً في النجف لتلقي التعازي ولكن المخابرات أغلقته بسرعة. تعقب أمن صدام مقتدى الصدر كظله في كل مكان؛ وقالت حكومة صدام إن هذا كان لحماية مقتدى نفسه بينما تواصلت عمليات قتل أتباع والده في كل مكان في العراق. ورغم عدم وجود أي مؤشر على أن صدام قد هدد أبداً حياة مقتدى، قد تكون الأوقات العصيبة حينها قد أرعبت رجل الدين الشاب.

مقتدى زعيم كارزمي وخطيب موهوب. يلقي مواعظ نارية أيام الجمعة، شخصياً عادة وبالوكالة أحياناً، في مسجد الكوفة الشهير حيث، وليس من قبيل المصادفة، كان علي ابن أبي طالب، الإمام الأول وزوج ابنة الرسول حسب التقاليد قد خاطب أتباعه. ويستغل مقتدى هذا الرمز لخدمته. وتبنى شعار والده المعاداة لأمريكا وإسرائيل ليس من أجل تعزيز ادعائه كوريث لشرعية والده السياسية والدينية فقط وإنما لدفع مؤيديه إلى محاربة الاحتلال.

و تتركز سلطة مقتدى في مدينة الصدر، ما يقارب المليوني شخص يعيشون حياة الفقر على أطراف بغداد. مدينة صدام سابقاً، أعاد السكان تسمية منطقتهم بإسم مدينة الصدر، ليس تيمناً باسم مقتدى الصدر، بل بالأحرى بإسم والده. ضمن شبكة الطرقات، الأسواق، والأبنية السكنية، وطور الشيعة الموالون لمقتدى مؤسساتهم البلدية، الثقافية، الطبية، والإجتماعية. ويقضي القضاة المعينون من قبل أتباع مقتدى بالنزاعات بين سكان المدينة. وتقوم "لجان أمنية "بتنفيذ الأحكام بالقوة. ومع أن المحاكم الشرعية (القانون الإسلامي) إختيارية ظاهرياً، فإن الشاهد القصصي يوحي بغير ذلك. وكجزء من أسلمة الحياة في مدينة الصدر، أصدر مقتدى الصدر أوامر بحظر بيع أجهزة الفيديو أو المشروبات الكحولية. حيث يتعرض منتهكو الأمر إلى الجلد العلني. ويقارن بعض المراقبين قضاة مقتدى الشباب بطلاب المدارس الدينية في باكستان الذين يصبحون نواة الطالبان لاحقاً.

بداية تأسيس جيش المهدي و ما تمخض عنه
من بين شباب ومتمردي مدينة الصدر، استطاع مقتدى أن يحول المتطوعين الشباب إلى جيش المهدي وبحدود تموز 2003 ، كان مقتدى يلقي المواعظ التي تدعوا أتباعه للإنضمام إلى جيشه الجديد. بداية، نظم جيش المهدي نفسه على منوال الشرطة الدينية في العربية السعودية لفرض القانون الإسلامي في مدينة الصدر وغيرها .ولكن جيش المهدي دعم مقتدى في المواجهات التي تزداد شراسة في الحوزة. وقد عرض مقتدى نفسه آراء غير متسقة (متناقضة بشأن الغاية من الجيش. فهو عندما يحاول تفادي المواجهة، يقول بأن جيشه هو قوة مدنية "غير مسلحة" لبناء العراق ولكنه قال أيضاً أن "جيشه قادر على أن يصبح قوة ضاربة في أي لحظة, و إنها قنبلة موقوت