A+ A-
نحو خطاب اسلامى ديمقراطى
2007-09-16
عنوان هذه المقالة كان موضوع الندوة التى أقامها مركز القدس للدراسات السياسية فى اليومين الأول والثانى من شهر سبتمبر الجارى بالعاصمة الأردنية، دعى لها مشاركون من عشرين بلد غطت معظم دول العالم العربى بالاضافة الى تركيا وايران وأندونيسيا وماليزيا وكينيا والمملكة المتحدة. حرص الأستاذ عريب الرنتاوى، مدير مركز القدس والصحفى المرموق فى جريدة "الدستور"، على دعوة مشاركين ناشطين فى الحركات الاسلامية والعمل السياسى الاسلامى من أمثال الدكتور أبو العلا ماضى الذى انشق عن الاخوان المسلمين ليؤسس حزب الوسط فى مصر، والأستاذ سامح فوزى الناشط فى شئون الكنيسة القبطية بمصر، والأستاذ هانى الفحص الكاتب اللبنانى والشيعى الليبرالى صاحب العلاقات السياسية الواسعة فى لبنان والعراق وايران، والدكتور أحمد الراوى مدير الوقف الأوربى والمقيم فى بريطانيا «عراقى الأصل» والحركى فى العمل الاسلامى، والدكتور المرتضى المحطورى الأستاذ بجامعة صنعاء وعضو جمعية علماء اليمن ورئيس مركز بدر الثقافى الذى تتهمه أجهزة صنعاء بأنه فقيه حركة الحوثى الزيدية فى صعدة دون أن تجد دليلا تقيمه عليه الا أنها اعتقلت العديد من تلاميذه فى مركز بدر، والدكتور محمد شريعتى الذى كان مديرا لمكتب الرئيس خاتمى والكاتب فى الشئون الفكرية والسياسية، والدكتور محمد خالد مسعود أستاذ الدراسات الاسلامية سابقا بالجامعة الاسلامية فى اسلام آباد ورئيس مجلس الأيدولوجية الاسلامية فى حكومة برويز مشرف، والدكتور زكى الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة ذات التوجه الشيعى والتى تصدر من خارج موطنه فى السعودية، والاستاذ عيسى الشارقى الشيعى الناشط فى جمعية التجديد الثقافية بالبحرين والتى أدهشتنى بانتاجها الثقافى الوفير «أهدونى أكثر من عشرة كتب مطبوعة على ورق صقيل» الذى يفيض بالمعانى الباطنية ولا تستطيع أن تفهم منه توجهات الجمعية، هل هى إمامية أم اسماعيلية أم علوية أم نبت شيعى جديد؟ والدكتورة عائشة الحجامى أستاذة القانون الدستورى فى جامعة مراكش والمعنية بدراسات حقوق المرأة فى الاسلام والتى توازن بمستوى رفيع بين تعاليم الاسلام وقيم المعاصرة، والدكتور عروس الزبيرى أستاذ العلوم الاسلامية فى جامعة الجزائر والذى أتعبنى هو وصاحبه بالسؤال عن المرحوم محمود محمد طه وأحسب أنى كنت منصفا للرجل فى اجابتى رغم اختلافى مع معظم أطروحاته، والدكتور عصام سليمان أستاذ القانون فى الجامعة اللبنانية النشط فى المركز العربى لتطوير حكم القانون، ولو لم يقل لك أحد أنه مارونى الديانة لما عرفته نسبة لاسمه المشترك ولحديثه المعتدل غير الطائفى.

ومن الملفت أن جبهة العمل الاسلامى فى الأردن تغيبت عن الحضور رغم دعوة ثلاثة من أعضائها البارزين، ويبدو أنها مقاطعة مقصودة ربما لعدم ثقتهم فى مركز القدس الذى يديره شخص ليبرالى التوجه يريد أن يحشر نفسه فى الحوار الاسلامى السياسى أو فى منظمة كونراد أديناور الألمانية التى مولت المؤتمر أو ظنا منهم أنهم أولى بمثل هذا النشاط الذى يبحث فى مزاوجة الاسلام مع قيم العصر «والأخيرة هذه داء قديم آن للاسلاميين أن يتعافوا منه»، وقد قاطعوا المؤتمر الأول تحت ذات العنوان الذى عقد العام الماضى.

أحسن مركز القدس بجمع هؤلاء النشطاء السياسيين من السنة «وهابية وديوبندية واخوان مسلمين» والشيعة «امامية وزيدية» والمسيحيين «أقباط وموارنة» فى ملتقى واحد ليناقش مشكلة تهمهم جميعا وهى أسس الخطاب الاسلامى السياسى فى مجتمع تعددى معاصر، وذلك لأنهم مواطنون فى هذه المجتمعات المسلمة المتعددة والتى بدأت تعلو فيها أصوات ونشاطات الحركات الاسلامية السياسية بما فى ذلك المحظورة قانونا «فى مصر والسعودية والمغرب والجزائر والكويت وتركيا». جرت العادة أن يلتقى الاسلاميون وحدهم من تيارات مختلفة لمناقشة مثل هذه القضايا، ولكن أن يلتقوا فى ذلك مع الشيعة والمسيحيين أمر جديد يستحق الإشادة والتقدير. وكانت النتيجة أن جرى حوار حقيقى حول المسائل المعروضة واستغرق معظم الوقت مقارنة بما يدور فى المؤتمرات المماثلة، وتكونت لجنة صياغة البيان الختامى من ممثلين لمصر والأردن والسودان والمغرب والسعودية واليمن، ولقيت التوصيات نقاشا مستفيضا من جلسة المؤتمر العامة، وأجيزت بما يشبه الإجماع. لعل السبب فى ذلك أن اختيار المشاركين انحصر فى العناصر المعتدلة من كافة الاتجاهات، ومن الذين يعرفون مشكلات العالم المعاصر ومن ذوى القناعة بالنظام الديمقراطى التعددى. ورغم أن حصر الدعوة فى المعتدلين وحدهم له سلبيته، الا أن خطوة البداية لقضية شائكة مثل «الاسلام السياسى» تحتاج الى اتفاق المعتدلين أولا لتكوين رأى عام وسطى التوجه قبل الانطلاق الى فئات أخرى لا تؤمن بالديمقراطية أو لا تؤمن بحق الاسلام السياسى أن يعبر عن نفسه أو بحق الشيعة أو المسيحيين فى الاعتراض على هذا أو ذاك من أطروحات الاسلام السياسى. وقد كثرت مثل هذه المؤتمرات التى تناقش قضايا الاسلام السياسى فى السنوات الأخيرة فى بلاد مثل مصر ولبنان والأردن وقطر والمغرب، وتجد تمويلا ميسورا من المؤسسات الغربية فى أمريكا وأوربا وكندا. ولا يمنعنى التمويل الغربى الذى له أجندته من وراء هذه المنتديات أن اشترك فيها طالما كفلت لى حرية التعبير عن رأى وحرية الاعتراض على ما لا أقبل، وأشهد أن الغربيين أكثر سماحة فى هذا الأمر من الاسلاميين الذين عشت بين ظهرانيهم دهراً طويلا. ثم ما هو البديل؟ الحكومات الاسلامية لا تمول مثل هذه الأنشطة الفكرية السياسية، ورجال الأعمال فى العالم الاسلامى لا يرقى بهم الخيال الى دعم النشاط الفكرى المجهول العائد، والجماعات الاسلامية لا تحاور الا نفسها!.

كانت الأوراق الرئيسة التى عرضت على المؤتمر هى: النظام السياسى فى ظل الخلافة والإمامة، المبادئ العامة لمسودة دستور اسلامى، حقوق المواطنين وواجباتهم، المواطنة فى دستور اسلامى، الدستور الاسلامى وقضايا المرأة.

نادى البيان الختامى بضرورة الحوار بين الحركات والمثقفين الاسلاميين وبين التيارات السياسية والفكرية الأخرى، وبالحفاظ على زخم عملية الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطى رغم ما تعرضت له من انتكاسات، وبالحاجة الملحة لإدماج تيار الاسلام السياسى عمليات التحول الجارية فقد برهنت التجربة على امكانية تراجع الحالة الديمقراطية بعدم استيعاب الحركات الاسلامية فيها. وخلصت الرؤية المشتركة للمؤتمرين الى أن الاسلام لم يقرر شكلا معينا للدولة وترك الأمر مفتوحا للاجتهاد على قاعدة العدل والحرية والمساواة بما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد، وأن الأمة هى مصدر السلطات، وأن الاسلام لا يعرف الدولة الدينية الثيوقراطية لا شرعا ولا تاريخا، وأن الدولة الحديثة قطرية الاقليم فدولة الخلافة الأممية كانت خيارا تاريخيا لم يعد قائما، وأن الشورى ملزمة للحكام من خلال مؤسساتها المنتخبة، وأن التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية حق مصان لكل مكونات المجتمع، وأن الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية واجب النفاذ، وأن تداول السلطة مبدأ أساس يجرى بالانتخاب حسب ما يقرره الشعب. وأن على الدولة كفالة حقوق وحريات المواطنين، وأن المواطنة مصدر الحقوق والواجبات، وأن الاسلام يكفل المساواة بين المرأة والرجل ويؤكد حقها فى تولى المناصب العامة بما فيها رئاسة الدولة، وأن مشاركة غير المسلمين فى ادارة الدولة حق شرعى بحكم المواطنة المتساوية، وأن حرية الإعتقاد حق مصون بالدستور، وكذلك حرية الصحافة والتعبير والتنظيم، ولكل مواطن حق العمل والتعليم والصحة والسكن.

لا شك أن البيان يمثل خطوة متقدمة لما تقول به كتب الفقه التراثية ولما تنادى به بعض التيارات السلفية الاسلامية، وبما أن هذه الأسس هى التى تقوم عليها الدولة الحديثة، وتتضمنها الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها معظم الحكومات