2005-04-01
بقلم: جيرالدم.ستينبرغ
على الرغم من الجهود الاوروبية الدبلوماسية فمن الاكيد ان ايران تسعى وبثبات للحصول على الاسلحة النووية كما ان النافذة والتي يمكن من خلالها ايقاف ايران من تحقيق طموحها النووي بدأت تغلق مصراعيها وبسرعة، ولكن هناك العديد من الاوروبيين يطرحون بان هناك رغبة ايرانية للتصرف على اساس قوة نووية مسؤولة وذلك كي تتجنب التدمير الكارثي.ان قدرة القادة الدينيين على التعامل مع تعقيدات "الردع المستقر" وان تمنع الوضع المتأزم من ان يخرج عن نطاق السيطرة هي مسالة قابلة للشك وخاصة في ظل استمرار ايران في تعديل سياساتها وعزلة صانعي القرار فيها وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الاستراتيجية.
ان ايران مع اتباعها التنظيمات الارهابية تشكل الخطر الاكبر على وجود اسرائيل. وخاصة في ظل اعراب ايران عن رغبتها في مسح اسرائيل عن الوجود وخاصة انها اقرنت هذه الرغبة بدعم الاطراف الارهابية ممن يعملون على هذا الصعيد. كما ان الدليل يؤكد بان لدى ايران وعملاؤها اهداف عدوانية.
لقد تعلمت ايران من المدرس العراقي وتدمير مفاعله عندما قامت الطائرات الاسرائيلية في قصفه في عام 1981 لذلك فهي عمدت الى حماية منشاتها النووية جيدا وتوزيعها، لذلك لن يكون بامكان هجوم جوي واحد ان يدمر القدرة النووية الايرانية.
ان الافاق السياسية والاستراتيجية الحالية المتمثلة في منع انتشار الاسلحة النووية في الشرق الاوسط تفرض التركيز على منع ايران من الحصول على المواد الانشطارية.
ان مقارنة ايران بنموذج الردع الامريكي –السوفيتي قضية خطيرة.
لا زالت ايران مستمرة في خرق تعهداتها التي نص عليها التوقيع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وتمثل ذلك في اخفاء منشاتها ونشاطاتها النووية عن المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وسعيها المستمر للحصول على الاسلحة النووية وذلك على الرغم من الجهود الدبلوماسية الاوروبية، وفي الحقيقة ان الاستمرار الايراني في الاطار النووي ومحاولاته المتكررة لاخفاء نشاطاته النووية يبين مدى ضعف النظرة الاوروبية، وبدلا من الانتقال الى جهود اظل اعراب ايران عن نيتها في مسح اسرائيل عن الخارطة ولم تقف الامور عند حدود الاعلان فقد قامت بدعم ومساعدة عملائها في هذا السياق. وبنفس الطريقة في العربية السعودلة، والكويت وتركيا وبلدان اخرى في نطاق التاثير المتنامي لطهران، بالاضافة الى المنظور الامريكي ان فرصة حصول احدى دول محور الشر على السلاح النووي هي قضية مقلقة جدا.
ان مثل هذا السيناريو المرعب ليس بجديد ولم يظهر للوجود فجأة وخاصة بعد اكتشاف الصلات ما بين ايران وشبكة عبد القادر خان مهندس السلاح النووي الباكتساني "وول مارت" واستعمال ما قاله مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي حول ايران وانها سعت وبشكل سري للحصول على المواد والبرامج التي تعزز من فرص ايران في الحصول على الاسلحة النووية المحظورة وهي بذلك قد انتهكت التزاماتها تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخرقت معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية من خلال محاولاتها المستمرة لتطوير وسائل تخصيب اليورانيوم المتمثلة في انتاج معامل الماء الثقيل ومفاعل انتاج البلوتونيوم في اراك بالاضافة الى المكونات الرئيسية الاخرى من دورة الوقود الذرية. ومنعها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول المنشات النووية يظهر بوضوح بان ايران تسعى للحصول على الاسلحة النووية وخاصة انها منعت المفتشين من اخذ عينات من "كلابي الكتريك" ومصنع للساعات في ضواحي طهران.
وخلال العقد الماضي تم تشكيل لجان دولية المستوى للنظر فث الخيارات الدبلوماسية والعسكرية ونتائجها. بالاضافة الى محاولات الاقناع الحثيثة لكل من روسيا والصين بضرورة التوقف عن تزويد ايران بالتقنيات النووية والتي من شانها ان تحقق لايران طموحاتها بالاسلحة النووية.
وفي اتجاه اخر حاولت الترويكا الاوروبية المتمثلة ببريطانيا وفرنسا والمانيا بعرض تقنية نووية متقدمة لايران المتعلقة بوسائل انتاج الطاقة النووية للاغراض السلمية بشرط ان تتخلى ايران عن برنامجها النووي للاغراض العسكرية، وفي تشرين الثاني من عام 2003 تم الاعلان عن توقيع اتفاقية من بين الاوروبيين وطهران لتجميد نشاطات تخصيب اليورانيوم وفتح منشاتهم النووية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن وبعد شهور قليلة وعندما بدأ المفتشون بالوصول الى المواقع النووية للتفتيش وحيدا اشارات تؤكد النشاطات الايرانية المستمرة للحصول على السلاح النووي، وحاول الاوروبيون مرة اخرى وبعد سنة تم توقيع اتفاقية اخرى ولكن في نفس الوقت لم توقف ايران سعيها للحصول على السلاح النووي.
واذا لم يكن بالامكان السيطرة على النظام الحالي الذي يتولى مقاليد الامور في طهران واقناعه بضرورة التخلي عن طموحاته النووية فربما يجب السعي اذا لايجاد نظام مختلف واقل هوسا بالمشروع النووي ويدرك طبيعة الافكار المحيطة بهذا المشروع. وفي الحقيقة فقد فكر العديد من المحللين والدبلوماسيين بان الحركة الاصلاحية الايرانية بقيادة الرئيس خاتمي قد تشكل قوة معتدلة في ايران والتي قد تبطئ من سعيها لتحقيق المشروع النووي هذا ان لم يتوقفوا كليا. ولكن وبعد سنوات قليلة اعاد المتشددون سيطرتهم على مقاليد الامور في ايران مما يوضح بان تغيير النظام المتشدد في السنوات القليلة القادمة بعيد الاحتمال.
ونتيجة لفشل هذه المبادرات فان نافذة الحل والتي قد تمنع ايران من الوصول الى تحقيق طموحاتها النووية بدأت تغلق ابوابها وبسرعة. والامال معقودة على القيادة السياسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية بان تعلن بانه قد ثبت بالدليل الساحق بان هناك غشا ايرانيا على صعيد برنامجه النووي وان التعامل مع ايران كانت مخيبة للامال، وان الوقت المتبقي لمنع ايران من تخصيب اليورانيوم قد بدأ ينفذ وقد تكون الجهود الاوروبية قد اخرت من جهود تخصيب اليورانيوم في السنة الماضية وقد تكون قادرة على تمديد الاطار الزمني لفترة اطول لايجاد حل دبلوماسي ولكن تبقى احتمالات النجاح في هذا السياق ضيئلة.
واذا ما فشلت الجهود الاوروبية وهذا ما يخشى عندها سيكون هناك خياران للتعامل مع الموضوع النووي الايراني هما:
-القيام بعمل عسكري على شكل وقائي
-الوضع على ما هو عليه والاعتماد على خيار الردع
لا شك بان الخيار العسكري معقد وخطير ولكن في نفس الوقت الوقت ان وجود علاقة ردع غري مستقرة ومجهولة قد تكون اشد خطرا وخصوصا لاسرائيل وحتى الولايات المتحدة واوروبا. ان الفرص لوجود الردع المستقر في ظل وجود الردع المستقر في ظل وجود النظام الايراني الحالي قليلة جدا وخاصة في ظل الاخطار المقلقة التي يشكلها عملاء ايران من التنظيمات الارهابية بما في ذلك حزب الله تقيم الخيار العسكري.في شهر حزيران من عام 1981 قامت القوات الجوية الاسرائيلية بشن هجوم مرعب في جهد منها لتدمير المفاعل النووي العراقي، اذ قامت بعض الطائرات بعبور الاجواء السعودية الى العراق وقامت باسقاط القنابل المخصصة لهذا الهدف قبل عودتها مرة اخرى لاسرائيل، ان القرار باستخدام القوة العسكرية جاء بعد محاولات اسرائيلية دامت لشهور في اقناع الفرنسيين في التخلي عن بناء المفاعل وتزويده بالوقود النووي لان ذلك كان سيضع سلاحا خطيرا في ايدي صدام حسين، وعندما فشلت كافة الخيارات الدبلوماسية وكان المفاعل على وشك ان يبدأ بالعمل فكان لا بد من اللجوء للخيار العسكري والذي اصبح يعرف فيما بعد بمبدأ "ابدأ".
وكانت النتيجة صدام حسين لم يعد قادرا على ادراك طموحاته النووية ولم يعد الفرنسيون لبناء المفاعل مرة اخرى. وقد بدأ البرنامج النووي العراقي بالتلاقي مع نهاية العقد، وقد حاول صدام حسين تعويض الوقت الضائع لكن ذلك تحطم مع حرب الخليج في 1991 وبرنامج التفتيش الصارم منعه من تحقيق هدفه، وهكذا يمكن رؤية الاستراتيجية الاسرائيلية بانها نموذج ناجح لمكافحة انتشار الاسلحة النووية.
ولكن هناك العديد من الاختلافات ما بين العراق في 1981 وايران في 2005 فقد تعلمت ايران من الدرس العراقي وقامت بتوزيع منشاتها النووية مما يجعلها اقل عرضة للهجوم كما كان الحال في النموذج العراقي، لان ضربة جوية واحدة لن تكون كافية لتدمير البرنامج النووي الايراني بالاضافة الى ان ايران تملك قابليات انتقامية هامة وذلك يشمل صواريخ شهاب 3 وهي ذات مدى 1300 كم ويمكن تجهيزها برؤوس كيماوية وبيولوجية بالاضافة الى الشبكة الارهابية التي تعمل لصالح ايران.
ومما يشكل قلقا اضافيا اخر هو ما تكشف مؤخرا عن مبيعات او كرانيا من صواريخ كروز البعيدة المدى لايران.
وعلى الرغم مما ذكر سابقا فان الخيار العسكري للتعامل مع التهديد النووي الايراني يجب ان يبقى قائما. وبالرغم من ان صانعي القرار في ايران قد اتخذوا كافة الاجراءات لحماية المنشات النووية الا انها تبقى ضعيفة وخاصة تقدم الولايات المتحدة واسرائيل في العمليات الاستخباراتية على مدار الاربع وعشرون سنة الماضية. ان الهجمات الارضية والموجات الهائلة من القذائف المحمولة جوا نحو الاهداف العسكرية الايرانية لتحطيم من 15 الى 20 موقع رئيسي تتعلق ببرنامج ايران للاسلحة النووية وقد تبقى بعض المنشات المخفية بشكل جيد بعيدة عن الهجمات وخاصة تلك التي تقوم على تخصيب اليورانيوم ولكن بتدمير المنشات المرتبطة بها فان ذلك من شانه ان يتطلب سنوات عديدة لاعادة البناء.
على أي الاحوال ان القيام بالهجوم الوقائي قد يشكل سبيلا اخر لتوحيد الجمهور الايراني وراء النظام الحالي وذلك قد ينهي او على الاقل يؤخر ظهور تيار وحكومة معتدلة لسنوات عديدة، وقد تسعى ايران لاستعمال اسلحة الدمار الشامل او استخدام التنظيمات الارهابية المتحالفة معها في تنفيذ هجمات انتقامية ضد الولايات المتحدة واسرائيل والغرب وبغض النظر عن هوية القوات التي شنت الهجوم الوقائي، لذلك فان صناع القرار والمحللين يميلون الى الخيار القائم على وجود علاقة ردع مستقرة مع النظام الايراني المتسلح نوويا.
اسطورة الردع المستقر مع ايران:
ان معارضو العمل العسكري لمنع ايران من الحصول على الاسلحة النووية يناقشون في اغلب الاحيان بان الهجوم الوقائي قد يطلق العنان للرد والرد المضاد. كما ان القيادة الايرانية حذرة ولا يبدو انها بصدد استخدام الاسلحة النووية لمهاجمة البلدان الاخرى بما في ذلك اسرائيل. في الحقيقة ان دوافع ايران النووية يعود لعدة عوامل منها طموحاتها في القوة الاقليمية واحساسها بالضعف في وسط اغلبية عربية سنية وخاصة الاحتلال العراقي وحرب الثماني سنوات اثناء فترة الثمانينات من القرن الماضي وبقاء النظام مهددا على الصعيدين الداخلي والخارجي الممثل بالحكومة الامريكية، ويرى النظام في اسلحة الدمار الشامل على انها وثيقة التامين من الخيارات العسكرية.
ولكن الدلائل تشير ايضا بان النظام الايراني وعملائه لهم اهداف عدوانية والتي من شانها ان تساهم كثيرا في عدم استقرار المنطقة، وفي المصطلحات النظرية للعلاقات الدولية فان ايران تعتبر دولة كثيرة التعديل في سياساتها وهي غير مهتمة في ابقاء الوضع الراهن على ما هو عليه وهي بالاحرى تريد توسيع واستعمال قابليات الوضع الراهن لتعديل الاطار السياسي الدولي والاقليمي، ان عقيدة النظام المتطرفة الاسلامية وعداءاته يظهران بوضوح التهديد لوجود اسرائيل، ففي عام 2001 اعلن رفسنجاني بان تشكيل اسرائيل يعتبر اسوأ حدث في التاريخ واعلن ايضا بان العالم الاسلامي سيمتلك في يوم من الايام السلاح النووي وقنبلة واحدة كافية لتدمير اسرائيل وفي نفس الطريقة اعلن الزعيم الايراني الروحي اية الله خامنئي حيث قال "ان اسرئايل عبارة عن ورم سرطاني يجب استئصاله" وهذا الهوس العدائي للسامية يظهر واضحا في البرامج التلفزيونية بالاضافة الى تززويد المنظمات الارهابية الفلسطينية بالاسلحة بما فيها المتفجرات والقذائف ، ويشير مسؤولو الامن الاسرائيليين بان النظام الايراني تقوم بالتمويل والتدريب والتخطيط للكثير من العمليات الانتحارية والهجمات الارهابية التي تقوم بها الحركات الارهابية مثل حماس حزب الله وكيل ايران على حدود اسرائيل الشمالية.
تعتبر ايران الداعم الرئيسي لحزب الله الذي يواصل زعماؤه بالدعوة الى دمار اسرائيل، ناهيك عن استمراره في شن الهجمات المحدودة عبر الحدود اللبنانية مع اسرائيل منطلقا من قواعده في جنوب لبنان بالاضافة الى انه يملك ترسانة ضخمة من القذائف التكتيكية وبما في ذلك "فجر-5" الايرانية الصنع والتي يصل مداها الى 75 كم، بالاضافة الى اشتراك العديد من الخبراء الايرانيين واعضاء من الحرس الثوري الايراني في نشر وتشكيل صواريخ حزب الله، وفي هذا السياق اخبر رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون الوفد البرلماني الاوروبي اثناء زيارته لاسرائيل في عام 2003 بان سوريا بالاشتراك مع ايران قامتا بايجاد البنية التحتية لاكثر من 11.000 صاروخ في لبنان وهي قادرة على تغطية كافة الاجزاء الشمالية من اسرائيل.
وتعمل هذه الاسلحة بمثابة المظلة للاعتداءات الدورية التي يقوم بها حزب الله على الجانب الاسرائيلي من الحدود، بالاضافة الى نموذج الحركات الفلسطينية التي تعمل في غزة، ان هذه المجابهة والغير مستقرة اصلا من المحتمل ان تقود الاوضاع في وقت ما الى تصعيد سريع باتجاه المواجهة الشاملة.
بالاضافة الى ان حزب الله مدعوم مباشرة من قبل المسؤولين الايرانيين فان اسرائيل تحمله المسؤولية عن تفجيرات العاصمة الارجنتينية بيوتس ايرس التي دمرت السفارة الاسرائيلية وبناية الجالية اليهودية هناك مما تسبب في مقتل العشرات وذلك ما بين عامي 1992-1994. لقد شكل حزب الله ومن خلال محطة المنار الفضائية عاملا تحريضيا لمعاداة السامية، ومع اهمال كافة الدلائل المدرجة سابقا قادت فرنسا الاتحاد الاوروبي في شباط 2005 لرفض الاقتراح لتصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية معبرة عن املها في اجراء حوار في السياق السياسي اللبناني المتغير، وبناء على ما سبق فان المخططين الاسرائيليون لا يستطيعون استثناء الاحتمال بان يحصل زعماء حزب الله على الاسلحة النووية الايرانية.
سياسة الردع الاسرائيلي:
ومن الناحية التاريخية وردا على التهديدات للوجود الوطني ركزت اسرائيل على ضرورة ابقاء قابلية قوية للردع، ان الهيكلية الغير متناسقة بالبنية للارض والسكان في المنطقة جعلت اسرائيل عرضة لان تتلقى ضربة اولى شديدة، وهكذا فان قدرة اسرائيل على صد الهجوم الكاسح كانت النقطة الاساسية في سياسة الردع الاسرائيلية وبغض عن مدى قوة الهجوم الاولي والخسائر الباهظة المترتبة عنه. وفي اطار الحرب التقليدية كانت سياسة الردع تستند على ضرورة التفوق الجوي وسرعة انتقال وتحرك القوات الارضية. بالاضافة الى تطوير سياسة "الغموض المتعمد" فيما يتعلق بالقابليات النووية الاسرائيلية.
وحتى الان فقد خدمت هذه السياسة اسرائيل جيدا، وذلك تجلى واضحا عندما اختار المخططون العسكريون المصريون استراتيجيتهم في حرب 1973 وذلك كي يتجنبوا الرد الاستراتيجي الاسرائيلي، وظهر ذلك ايضا في حرب الخليج عام 1991 عندما لم يقم صدام باستخدام الرؤوس الحربية الكيماوية او البيولوجية في الهجمات الصاروخية على اسرائيل وذلك ينسب للخوف من الانتقام الاسرائيلي الساحق. وعلاوة على ذلك قدرة اسرائيل النووية اذ لا يمكن ان تمسح من الخريطة بدون انتقام هائل، وكان لذلك اثرا مهما في بدء عمليات السلام مع مصر والاردن، وما قد ياتي بعدها.
على أي الاحوال فان تطوير القدرات النووية الايرانية ووجود بيئة نووية متعددة الاقطاب، تنهي حالة الاستقرار الناجمة عن الغموض المتعلق بالقدرات النووية الاسرائيلية كما انه سيغير من حسابات التفاضل والتكامل في سياسات الردع الاستراتيجي في كافة ابعادها، وفي سياق الشرق الاوسط النووي المتعدد الاقطاب والحاجة الى القدرة على توجيه ضربة ثانية فان الحفاظ على سياسة الغموض النووية الاسرائيلية القائمة على "لا تسأل، لا تعلق، لا تختبر"ستكون في وضع صعب جدا .
ان المصداقية والاتصالات مكونات اساسية في سياسة الردع المستقر وكذلك قدرات الاسلحة النووية المرتبة المعلن عنها قد يكون لها ضرورة وذلك لتفادي سوء الفهم الايراني والاقليمي المتعلق بالقدرات النووية الاسرائيلية، على أية حال فان عزلة الزعماء الايرانيين والضبابية التي تحيط بهيكليات اتخاذ القرارات وغياب قنوات الاتصال المباشرة، ووجود القاعدة الدينية المتطرفة والسياسة المتقلبة ستجعل من وجود الردع المستقر قضية صعبة، على ان القيادة الايرانية ليست بالطابع الانتحاري مقارنة مع صدام حسين والزعماء العرب الاخرون، واخيرا تجدر الاشارة الى انه قد يكون هناك الكثير من سوء الفهم بخصوص النوايا الاسرائيلية والخطوط الحمراء، ومع وجود العديد من العوامل المحفزة للازمات والتصعيد ما بين طهران والقدس بما في ذلك حزب الله، وحماس، والجهاد الاسلامي، والعناصر المتطرفة في ايران نفسها، وفي ظل ما ذكر سابقا فانه من الصعوبة بمكان ادارة هذه الازمات في ظل الاجواء النووية بالاضافة الى ان ذلك سيشكل تحديا كبيرا.
وفي مقارنة لعلاقة الردع الايرانية-الاسرائيلية مع سياسة الردع النووية التي كانت قائمة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اثناء الحرب الباردة اذ تمثل الحدث الرئيسي في ازمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 وكان هناك ادارة ناجحة للازمة والتي جلبت القوتان العظميان النوويتان الى حافة الدمار المتبادل، وكان للدبلوماسية وقنوات الاتصال المباشرة دورا كبيرا في حل الازمة، كما ان هناك اجتماعات دورية كانت تجري ما بين الزعماء الامريكيين والسوفيت، وفي ازمة كارجيل ما بين الهند وباكستان اذ وصلوا ايضا الى حافة الدمار المتبادل كان هناك اتصالات ما بين البلدين سعت لحل الازمة بالطرق الدبلوماسية، ولكن الامور مع ايران مختلفة فهي تبقي على سياستها بمقاطعة اسرائيل، وكما تسميه بالكيان الصهيوني، وهي تدعم الحركات الارهابية لشن هجماتها ضد اسرائيل، ان هذه السياسات اللامبالية الانتقامية، وبالنتيجة فان نظرية الردع النووية قائمة على منح الامل في ظل هذه الاجواء الخطيرة ولكن في الحالة الايرانية فان هذه العلاقة ستكون خطرة وغير مستقرة على الاطلاق.
الرؤى المسيحية للشرق الاوسط الخالي من اسلحة الدمارالشامل:
ان احدى الوسائل المقترحة لمنع ايران من الحصول على اسلحتها النووية هي اتفاقية كبيرة تشمل حل القضايا الامريكية الايرانية العالقة بالاضافة الى تضمنها لمبادلة لخيار الردع النووي الاسرائيلي.
على أي الاحوال، وطالما لا يوجد حل للنزاع في الشرق الاوسط فان تحقيق "مثل هذه الصفقة الكبيرة" يبقى في اطار المفاهيم الغير واقعية. وكما هو الحال في العراق او كوريا الشمالية فان ايران وبشكل واضح تتحدى قدرة اليات العمل الدولية مثل رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزامها بالمعاهدة على حظر الانتشار للاسلحة النووية، وعلاوة على ذلك فان الولايات المتحدة والاعضاء الاخرون في مجلس الامن اظهر بانهم لن يتحملوا المخاطر التي تهدد مصالحهم الخاصة في ظل استخدام القوة او العقوبات وذلك لفرض الالتزام على ايران، ومن منظور التصورات ومتطلبات امن اسرائيل الرئيسية فان مثل هذه الامال المثالية ليست بالخيارات المثالية في منطقة الشرق الاوسط التي تميزت بالحرب والارهاب المستمر والتي عملت على تغذية مشاعر العداوة السائدة في المنطقة.
وعلى المدى البعيد وعلى افتراض ان تنجو المنطقة من انتشار الاسلحة النووية فان الامكانية للمفاوضات المتعلقة بشرق اوسط خالي من الاسلحة النووية ستزداد، وبالمقارنة مع الهياكل والاليات الدولية للحد من انتشار الاسلحة بما في ذلك معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية واتفاقية الاسلحة الكيميائية والتي اثبت بانها غير مؤثرة في حالة النظام الايراني وكذلك في العراق وليبيا، ان نظام التفتيش المشترك والمستند على نظام تحقيق خصص لهذا الغرض قد يكون ناجحا من الناحية النظرية.
وفي اطار عملية تعلن كيفية تطوير وادارة سياسة الردع النووي المستقرة يجب ان يكون هناك صلات اتصال مباشرة ، ان الشعوب للدول المعنية بما في ذلك ايران قد تمر بالمرحلة الانتقالية المشابهة لما حدث للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي واوروبا اثناء الحرب الباردة ومطالبتهم باجراءات مشتركة تقلص مخاطر المواجهة النووية، ويمكن للضغوطات الخارجية ان تساعد او تؤدي الى التغيرات السياسية الداخلية بما في ذلك اتخاذ الخطوات الضرورية لدمقرطة المجتمع الامر الذي سيخلق حكومات متجاوبة واكثر مسؤولية وذلك على الرغم من بقاء السياسة القومية المتطرفة والخصوصية الدينية عوامل قوية ومؤثرة وفي نفس الوقت يمكن تطوير الهيكليات التي سيطرت على مجريات الامور بحيث تصبح اكثر تعاونية وذلك ليس فقط بسبب الضغوط والحوافز الخارجية وانما ايضا باعتراف العناصر الداخلية بضرورة الحاجة للبقاء الوطني.
وعلى الرغم من كافة الاسباب التي وردت في هذا التحليل فان تحقيق سياسة الردع النووي المستقرة قد تاخذ العديد من السنوات وفي اثناء هذه الفترة فان احتمالات تجنب الدمار النووي ستكون ضعيفة، وبالنسبة للافاق السياسية والاستراتيجية الحالية والمتمثلة في منع انتشار الاسلحة النووية في الشرق الاوسط بالتركيز على ضرورة عدم تمكين ايران من الحصول على المواد الانشطارية النووية فان ذلك يبقى من افضل الخيارات السياسية المتوفرة، كما ان الخطوات الاقليمية الاخرى مثل الاعتراف المتبادل والاتصالات ما بين كافة الاطراف المعنية سيكون من الضرورة بمكان لمنع المواجهة والدمار النووي. وفي نفس الوقت فان المقترحات التي تفتقر الى المصداقية والمستندة على الاجراءات الغير منظمة والضمانات الدولية التي تفتقر للثقة والمصداقة وخاصة تلك الاجراءات والضمانات التي اخفقت في منع الانتهاكات العراقية والايرانية والليبية من حيث التزام الدول المعنية بمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية والذي سيعرض وجود اسرائيل للخطر، عندها ستكون تلك الضمانات بعيدة عن الواقعية وقد تاتي بنتائج عكسية.
- المصدر مركز القدس للشؤون العامه Jerusalem Center for Public Affairs
- ترجمة: مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة