جيش الإسلام "الفلسطيني" والقاعدة
2006-07-04
2006-07-04
في وقت كثرت فيه الأحاديث من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتساؤلات المراقبين عن إمكانية وصول تنظيم القاعدة إلى الساحة الفلسطينية وتحديداً قطاع غزة؛جاءت العملية الأخيرة التي نفذتها ثلاث فصائل فلسطينية ضد موقع عسكري إسرائيلي قرب معبر "كيرم شالوم" على حدود قطاع غزة مع إسرائيل يوم الأحد الخامس والعشرين من حزيران 2006 والتي شارك فيها لأول مرة تنظيم يدعى "جيش الإسلام" ؛ليثير العديد من الأسئلة والتساؤلات أمام المراقبين والمتابعين حول هوية هذا التنظيم الغامض الذي لم تحدد هويته من قبل، سواء بالكوادر أو بالأفكار والمعتقدات؛الأمر الذي دعا بعض المختصين بالجماعات الإسلامية إلى القول بأن جيش الإسلام عبارة عن تنظيم مقرب أو حليف لتنظيم القاعدة في بلاد الشام.
فبعد الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر (2005) وما أعقب هذا الإنسحاب من فتح الحدود بين القطاع ومصر،الأمر الذي سمح بدخول عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر والعكس دون أي أوراق ثبوتية،تواردت التقارير التي أشارت إلى ظهور نفوذ لتنظيم القاعدة في قطاع غزة وهذا ما دعا جهاز الإستخبارات الإسرائيلي يومها إلى القول بأن عناصر من تنظيم القاعدة نجحوا في الوصول إلى القطاع ،و أكد عليه أيضاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقابلة أجرتها معه صحيفة الحياة اللندنية في 2/3/2006 إذ أشار أبو مازن إلى وجود مؤشرات على وجود لتنظيم القاعدة في غزة والضفة، وأن لدى السلطة الفلسطينية معلومات أمنية حديثة عن هذا الموضوع.
ومنذ ذلك الوقت، إزدادت المؤشرات والمعطيات التي تتحدث عن وجود أرضية فكرية لتنظيم القاعدة في الأراضي الفلسطينية خصوصاً في قطاع غزة، وتحديداً في المحافظتين الجنوبيتين من القطاع "خان يونس ورفح" اللتين شهدتا توزيع أكثر من نشرة موقعة بإسم "منظمة قاعدة الجهاد في فلسطين"، وأخرى تحمل إسم " الجهاد المقدس ومحاربة الفساد"،وكذلك البيان الذي يحمل إسم تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، ويعلن تشكيل مجموعة من "جيش القدس الإسلامي" التابع لـ ""القاعدة"" في الأراضي الفلسطينية.وحسب ما جاء في دراسة للباحث الأردني مروان شحادة، حول "مستقبل القاعدة في فلسطين"، أشار فيها إلى أن الفترة الأخيرة شهدت عدة نشاطات لمنتمي تيار "القاعدة" في فلسطين، ففي 23 تموز 2005، نفذت ثلاث عمليات متزامنة في مواقع سياحية في شرم الشيخ، جنوب سيناء، وأسفرت عن مقتل حوالي 88 شخصاً وجرح أكثر من 200 شخص، وتبنت العملية جماعة تطلق على نفسها إسم "قاعدة الجهاد في الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام"، وفي 19 آب، 2005، تم إطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا من العقبة جنوب الأردن باتجاه مدينة إيلات الإسرائيلية وخليج العقبة، سقط أحد الصواريخ على مقربة من مطار جوي في إيلات، أما الصاروخان الآخران اللذان جرى إطلاقهما باتجاه سفينة أميركية كانت في ميناء العقبة، فقد أخطأ الهدف، وأصاب أحد الصواريخ جنودا أردنيين، ما أسفر عن مقتل جندي وجرح الآخر، وتبنت العملية جماعة تطلق على نفسها إسم "قاعدة الجهاد في الشام وأرض الكنانة- كتائب الشهيد عبد الله عزام"، وفي 28 كانون الأول من العام نفسه،أطلقت من الأراضي اللبنانية حوالي 10 صواريخ من طراز "غراد" عيار 107 ملم بإتجاه بلدات في شمال إسرائيل، وبعد الإطلاق بيوم واحد، أعلن تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" مسؤوليته عن الحادثة.
وفي العاشر من كانون الأول 2005، تم إعتقال عزام فوزي حسن أبو العدس وبلال مرتضى محمد صبحي حفناوي، أثناء عودتهما من الأردن على معبر الكرامة (جسر اللنبي)، وفي 20 شباط 2006، قدمت إلى المحكمة العسكرية في الضفة الغربية لوائح إتهام ضدهما، تفيد بأن المعتقلين يعملان مع نشطاء الجهاد العالمي (أحدهم يدعى "عبدا لله" وكنيته "أبو قدامة"، وناشط آخر كنيته "أبو طلحة"، وهم من بين المعتقلين في الأردن منذ أواخر كانون الأول 2005، وكان من المفترض بحسب لائحة الإتهام، تنفيذ عملية في "التلة الفرنسية" في القدس.
إسرائيل ووفقاً لمصادرها تشير إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتمد في تأكيدها على نجاح عدد من عناصر القاعدة في الوصول إلى قطاع غزة عبر فرضية وجودهم الكبير في سيناء المحاذية لحدود قطاع غزة، وهي الفرضية الوحيدة التي يبني عليها الفلسطينيون توقعاتهم في نجاح عناصر من القاعدة في دخول القطاع لسهولة الوصول إليه في يوم من الأيام.
لا شك أن آخر خطابات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، و أيمن الظواهري ثاني رجل في القاعدة أظهرت مدى الإهتمام الخاص الذي أولته هذه الخطابات بما يجري على الساحة الفلسطينية ،ففي الرابع من آذار 2006 أذاعت قناة الجزيرة خطاباً لأيمن الظواهري خصص فيه مساحة كبيرة لفلسطين وتحديداً لحركة حماس التي دعاها علانية إلى " التمسك بخيار المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل " ،كما حذرها مما أسماه باللعبة الاميركية القائمة على الأمر الواقع ودعا إلى الرجوع عن هذه الإتفاقيات التي وصفها بالإستسلامية".
وبتقدير محلليين فإنه مجرد وجود هذه المعطيات أعلاه فإنه من غير المستبعد أن يكون "جيش الإسلام" الذي ظهر في العملية الأخيرة ضد الموقع العسكري الإسرائيلي مقرباً من تنظيم القاعدة سيما إذا ما أخذ بعين الإعتبار حالة الحصار الشديدة المفروضة على الشعب الفلسطيني ، والذي تسبب في خلق أزمات إقتصادية وسياسية وإجتماعية كبيرة وخانقة في أوساط الفلسطينيين والتي تشكل بيئة خصبة لنمو وظهور مثل هذه التنظيمات المتطرفة والمتشددة.
المتمعن في بيان "جيش الإسلام" الذي نشر على عدة مواقع إسلامية على شبكة الإنترنت ومنها مواقع تسخدمه الجماعات المسلحة في العراق ؛ يلحظ مدى قربه وتوافقه مع مبادئ تنظيم القاعدة ،ويختلف في الوقت نفسه عن الخطاب الإعلامي لفصائل المقاومة الفلسطينية المعروفة،خصوصاً"حركتي حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى" ،إذ جاء في البيان ( قام إخوانكم المجاهدون في جيش الإسلام بالإشتراك مع كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس) وألوية الناصر صلاح الدين (التابعة للجان المقاومة الشعبية) بعملية هي مقدمة لأعمال ستتواصل تمهيدا لإقامة الخلافة الإسلامية" وأضاف البيان الذي حمل توقيع "جيش الإسلام": "نحن لا نجاهد من أجل قطعة أرض وحدود وهمية لا حدود لها ولا من أجل القومية والحزبية فجهادنا أسما من ذلك بكثير فهذا الدين (الإسلام) لا ينتصر بجيل نخرته الشهوات وأنهكته الملذات وحطمت نفسيته الأجهزة الأمنية في حكومات الطواغيت فنحن إنطلقنا من قاعدة قوية صلبة ستكون بإذن الله هي المارد الجبار الذي سيقضي على الإحتلال والطغيان تمهيداً لإقامة الخلافة الإسلامية في فلسطين).
ويمكن القول بأن عدم تبلور هوية واضحة لتنظيم "جيش الإسلام" لغاية كتابة هذه السطور وحتى وإن رجحته بعض المصادر كحالة جديدة منبثقة عن لجان المقاومة الشعبية وجناحها العسكري ألوية الناصر صلاح الدين، أو كتنظيم ديني أكثر راديكالية من التنظيمات الفلسطينية الأخرى يضم فلول من عناصر حركة فتح وحركة حماس ويعكس توجهات جديدة للشارع الفلسطيني خاصة في ظل سياسة الحصار الإقتصادي و السياسي ؛إلا أنه ليس بعيداً أن يكون هذا التنظيم قد إستطاع إحتواء وإستقطاب نشطاء من الفصائل الفلسطينية كمقدمة لتشكيل نواة لتنظيم القاعدة في الساحة الفلسطينية التي يوجد فيها من يتعاطف ويناصر تنظيم القاعدة كما هو الحال في كل الدول العربية والإسلامية ،وليس بعيداً أيضاً أن يفكر تنظيم القاعدة بإيجاد موطئ قدم له في قطاع غزة والضفة الغربية من خلال ترسيخ أسس خلايا نائمة أو جماعات قريبة في فكرها من الفكر القاعدي ،وبالتالي فإن دخول تنظيم مقرب أو حليف للقاعدة كـ"جيش الإسلام" على خط الساحة الفلسطينية سيكون غير مستبعد ومعقول في الوقت الراهن خاصة في ظل حالة الإنفلات الأمني وفوضى السلاح التي تعيشها الأراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة.
-باحث في مركز القدس للدراسات السياسية
الاراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة