A+ A-
من الوساطة بين العراق وإيران إلى الوساطة بين العراق والأكراد
2000-11-27

موسى فوده

سوريا في عهدها الجديد تسعى لحلف استراتيجي من طهران إلى النبطية مرورا ببغداد ودمشق
يلحظ متابعون للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تراجع سطوتها في أواخر عهد الرئيس كلينتون . فإضافة إلى الأزمة التي تعانيها واشنطن إزاء عملية السلام وما وصلت إليه من طريق مسدود في اللحظة الراهنة ، وانهماكها بلعبة الانتخابات الأمريكية ، فان الخرق المتواصل للحظر على العراق ، والمؤشرات الدالة على انهيار الحصار قد شكلت نكسة إضافية لدبلوماسيتها، وخططها تجاه الملف العراقي . وعلى الرغم من اتصالات اولبرايت المكثفة مع العواصم العربية والأوروبية سابقا ، إلا أن مزيدا منها قد خرق أو على وشك اتخاذ خطوات تكسر الحصار.وكانت شركة بتروليوم فاينانس ومقرها واشنطن قد ذكرت في تقرير صدر عنها مؤخرا أن " العراق نجح خلال الأشهر الأخيرة في تخفيف عزلته الدبلوماسية، وأنه برغم أن أغلب الدول العربية وإيران تنتابها الهواجس من قوة العراق وطموحاته ، فإنها تعتبره عنصرا مفيدا في دعم جبهة المواجهة ضد إسرائيل ، وربما يعود ذلك إلى التذمر من انحياز سياسة الولايات المتحدة ".

ديبلوماسي عربي علق على الوضع الراهن بالقول إن أمريكا ترهب أصدقائها الضعفاء ولا ترهب أعدائها الأقوياء ، وهو يرى بأن صدام استطاع كسر هيبة أمريكا ، فبدلا من سقوطه، سقط بوش ، ورغما عن العقوبات الدولية التي أسهمت الولايات المتحدة في فرضها ، واستمرار القصف الجوي طيلة عهد إدارة كلينتون ، فان الفشل كان حليف واشنطن .
وأضاف إن سعي أمريكا لإجهاض الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ينجح، وما زال قادتها صامدين ، ويتغلبون على العزلة الدولية التي فرضتها أمريكا عليهم .

تكثيف الاتصالات
وأبدت خلال الشهر الفائت عواصم عدة قلقها من هذا التقارب العراقي السوري ، والذي بات يثير مخاوف العديد من الأوساط الإقليمية والدولية ، خاصة إذا ما انتقل التعاون القائم بين دمشق وبغداد من بعده الاقتصادي الراهن ، إلى مرحلة من التنسيق السياسي . ووصفته بعض الأوساط الأوروبية المطلعة " بالأخطر من نوعه " ، وقد تركزت التحليلات السياسية الأمريكية والغربية على الخرق السوري ، ولم تحظ الاختراقات العربية بنفس القدر من الاهتمام .وتعتقد بعض المصادر السياسية في العاصمة اللبنانية بان اهتمام الدبلوماسية وأجهزة الأمن الغربية بملف العلاقات السورية العراقية يعود إلى مخاوفها من نتائج الاتصالات السياسية الخطيرة التي جرت بين البلدين ، والتي أدت إلى تصعيد لهجتهما . حيث سربت بعض الجهات أن قصي نجل الرئيس العراقي ، والمسؤول عن الحرس الجمهوري والحرس الخاص والمشرف على كل الأجهزة الأمنية قد زار سوريا في أوائل تشرين الأول ، والتقى الرئيس السوري حيث تدارسا عرضا من الرئيس العراقي بفتح صفحة جديدة تتجاوز عثرات الماضي . وتشير المعلومات المتسربة عن اللقاء أن قصي حمل عرضا لتوحيد حزب البعث تحت زعامة بشار كأمين عام للقيادة القومية ، أو أي إطار وحدوي آخر يرتضيه السوريون .

وتمضي تلك المعلومات الى القول بأن قصي عرض رؤية العراق للذي يجري في المنطقة، وفحواها أن هناك مؤامرة على سوريا ، وعملية السلام الراهنة لن تسفر عن شيء ، وأن ما يجري مع الفلسطينيين مدعاة لأن يتنبه الآخرون لمواجهة المخططات القادمة . وفي محاولة لجذب دمشق وتشجيعها عرضت بغداد منح سوريا نفطا بصورة أفضل من صورة الأسعار المقدمة للأردن ، ودعتها لفتح أنبوب النفط بين كركوك وبانياس .

وتضيف المعلومات بأن قصي حمل استعداد بغداد للدخول في محور طهران دمشق ، مؤكدا على جدية العراقيين الرامية إلى تحسين العلاقة مع طهران بهدف إنشاء محور استراتيجي قادر على التصدي للهجمة الأمريكية التي تستهدف الدول الثلاث .
والرئيس السوري الذي استمع باهتمام شديد الى رؤية زائره والعروض المصاحبة لها، اقتصرت مداخلاته على العموميات ، ولم يقدم لضيفه إجابات صريحة .
وفي إطار تطبيع العلاقات بين سوريا والعراق ، ذكرت مصادر سياسية في العاصمة الأردنية أن السيد ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري قد زار مؤخرا بغداد والتقى نجلي الرئيس العراقي عدي و قصي ورافقه في هذه الزيارة عدد من المسؤولين الاقتصاديين ورجال الأعمال .

ويعتقد بعض المراقبين الغربيين بأن تنامي التجارة بين العراق وسورية ، قد شكل فرصة باتت فيه دمشق منفذا للعراق على البحر الأبيض المتوسط . وفي ذات الوقت يتهم مسؤولون غربيون إيران بالتساهل في تهريب النفط العراقي عبر مياهها الإقليمية ، وأن إيران تداهم هذا النشاط فقط لدى قيام المعارضة الإيرانية بهجمات داخل إيران .

وتضيف بعض المصادر أن التحركات العراقية الأخيرة باتجاه الحدود السورية تأتي في إطار استعداد العراق للدخول في الحرب إذا ما شنتها إسرائيل بعد التهديدات التي أطلقتها محذرة سوريا ولبنان ، على اثر أسر حزب الله لثلاثة من جنودها .
هذا في حين تؤكد مصادر سياسية سورية أن دمشق تسعى في المرحلة الراهنة إلى تشكيل محور يمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق . وتعمل بجدية للمصالحة العراقية الإيرانية بوصفها الخطوة الجوهرية لتحقيق هذا المشروع ، انطلاقا من عمق العلاقات الإيرانية السورية ، ولتقاطع نظرتهما الدولية والإقليمية خصوصا في لبنان وموقفهما تجاه إسرائيل والعراق وتركيا . فمن بين سائر الدول العربية انفردت سوريا بعلاقة حيوية واستراتيجية مع إيران منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 ، وخلال الحرب العراقية الإيرانية انفردت سوريا بالوقوف الى جانب طهران .

وكبادرة عن صدق النوايا السورية فقد ذكرت مصادر عراقية مطلعة في عمان بأن نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز قد انطلق إلى دمشق بطائرته العراقية للمرة الأولى لمناقشة السوريين بشأن الوساطة بين بغداد والأكراد ، ولمحت هذه المصادر بأن الوساطة قد تنجح في دفع الحوار بين الطرفين والذي بموجبه قد تعاود مؤسسات النظام مزاولة أعمالها في المناطق الكردية مع احترام الخصوصية الكردية ضمن حكم ذاتي أكثر فاعلية من الذي تضمنه اتفاق عام 1970 . وقد وقف المراقبون أمام الاهتمام السوري الرفيع بزيارة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى دمشق حيث قابل الرئيس السوري وكبار المسؤولين السوريين .

مخاوف إسرائيلية
مصادر إسرائيلية تعتبر أن أكبر نجاح للرئيس العراقي جاء من خلال تحسين علاقته مع خصميه التاريخيين الجارين سوريا وإيران ، وأن هذه الخطوة تتنافر مع التوجهات الأمريكية المعلنة لإسقاط النظام في بغداد وسياسة الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران .وفي هذا السياق ذكرت مصادر أمريكية أن واشنطن كانت تحاول تفسير إرسال دمشق طائرة ثالثة دون إبلاغ لجنة العقوبات ، خصوصا وأنها جاءت بعد يوم من لقاء الرئيس السوري مع وزيرة الخارجية الأمريكية في 18 أكتوبر الماضي في الرياض . وكان ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قد أعلن " أن سورية لم تبلغ لجنة العقوبات ، في حين أن مصر أبلغتها غير أنها لم تنتظر الحصول على الموافقة " .

وقد أكدت ذات المصادر أن موضوع العراق كان على جدول المباحثات التي جرت بين اولبرايت والأسد ، هذا إلى جانب موضوع "الأعمال الاستفزازية لحزب الله" . وكان مسؤول أمريكي كبير قد صرح عقب اللقاء بأن اولبرايت قد دعت الرئيس السوري للتعاون مع الجهود التي تبذل لتخفيف التوتر في الشرق الأوسط .

وفي إشارة للمخاوف الإسرائيلية من هذا التقارب ، وابتزازها للإدارة الأمريكية ، حذر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي افرايم سنيه المسؤولين الأمريكيين من أن المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل قد تؤدي إلى مواجهة شاملة في الشرق الأوسط تجر إليها سوريا والعراق وإيران . وفي مناسبة أخرى لفت النظر إلى عدد الزيارات الرسمية المتبادلة بين هذه البلدان الثلاثة ، وأن مؤشرات التعاون تنم عن خلفية سياسية، ولفت النظر إلى أن هذا الائتلاف تبلور في الأشهر الأخيرة ، وليس كعهد الاصطفافات القديمة المعادية لإسرائيل ، وشدد على أنها أسهمت في " خروج العراق من القفص " وأعادته كلاعب إقليمي في المنطقة .

وعن هدف هذا التحالف أوضح سنيه بأنه يتجه " صوب المواجهة الواسعة متعددة الجبهات التي ستجعل إسرائيل تنهار " . ونبه أن السوريين يطورون حاليا صاروخهم سكود سي ، وقال بأن ضربات الجيش الإسرائيلي في الضفة والقطاع تلميح للسوريين عن قدراته . وفي هذا الإطار حذرت إسرائيل من تسلم إيران لصواريخ إيجلا الروسية ، واحتمال وصولها إلى أيدي حزب الله لما فيها من خطورة على طائراتها .

واشنطن تراقبويقول الكولونيل أرنست سيمونز ضابط الاتصال في وزارة الدفاع الأمريكية مع القيادة المركزية " إننا نراقب الوضع الراهن عن كثب الآن كي نرى ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم لبنان أو سورية ، وما قد ينطوي عليه مثل هذا الهجوم من احتمال جر إيران إلى الصراع ".

وفي إطار حملة التعبئة الأمريكية أمام مخاطر التحالف الوشيك بين إيران والعراق وسوريا ولبنان ، حذر كوهين أفراد القوات الأمريكية في قاعدة قرب الدوحة من أن دائرة العنف بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية قد تمتد لتشمل المنطقة بأسرها . وفي منحى خطير صرح كينيث بيكون الناطق باسم وزير الدفاع الأمريكي الذي يزور المنطقة حاليا بأن الولايات المتحدة قلقة من "ازدياد العنف ودخول المنطقة حال عدم الاستقرار" ، مشددا على "نشاطات سورية لإذكاء العنف".
ويعتقد بعض المحللين أن جملة المتغيرات الأخيرة أسهمت في خلق الموقف الأمريكي الحذر مؤخرا ، فقد كشفت المصادر الإسرائيلية في عتبها على هذا الموقف بأن مجلس الأمن القومي الأمريكي قد وصل في تقديراته بأن الأنسب في هذه المرحلة هو الحيلولة دون اندلاع حرب شاملة في المنطقة ، وهو ما استدعى من الولايات المتحدة عدم مجاراة إسرائيل في كل سياساتها على صعيد المنطقة .

ضخ النفط الى سورية
واعتبر المراقبون فتح أنبوب النفط العراقي السوري الذي يربط حقول كركوك في شمال العراق بمرفأ بانياس السوري بمثابة خطوة مهمة في مجرى تطور العلاقات بين البلدين . فقد بدأ ضخ 150 ألف برميل من خام البصرة الخفيف ابتداء من يوم 16 نوفمبر حسبما ذكر مسؤول نفطي سوري رفيع ، وأنه يجري تخزينه في صهاريج مصفاتي حمص وبانياس . وكانت نشرة ميدل ايست ايكونوميك سورفي قد ذكرت في نهاية أكتوبر أن السوريين والعراقيين اتفقوا على إعادة فتح أنابيب النفط بين البلدين والمغلقة منذ 1982. وصدر عن بعض المسؤولين العراقيين تصريحات مفادها بأنهم سيعاودون الضخ خارج اتفاق " النفط مقابل الغذاء " مع الأمم المتحدة ودون اللجوء إليها. وهو ما أكدته مصادر سورية مطلعة ، بذريعة أن دمشق تود الحصول على النفط العراقي وتكريره محليا في المصافي السورية ، ضمن اتفاق ثنائي لتزويدها يوميا ب200 ألف برميل وبالمواصفات التي يتزود فيها الأردن بالنفط العراقي أي بأسعار تشجيعية تعادل ال 20 دولارا للبرميل ، وذكرت المصادر بأنه لا توجد نوايا لزيادة الكمية عن هذا السقف ، وأما عن النفط السوري المحلي فستعمد سوريا إلى تصديره للخارج وذلك للاستفادة من فرق الأسعار .وترافق الضخ مع تصعيد بريطاني حيث اعتبرته " عملا غير شرعي " ، وعاودت لتؤكد على أنها لم تغير من سياساتها تجاه العراق ، وتنتظر ردا من دمشق يتعلق بوضع العائدات تحت إشراف الأمم المتحدة .

وقال ريتشارد روث نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية في 15 نوفمبر بأن الإدارة الأمريكية لن تحول دون تشغيل الخط ، وهي ليست ضده من حيث المبدأ ما دامت عائداته تخضع لشروط الأمم المتحدة المتعلقة بالصادرات ،شريطة أن يطرح على الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، وأنها نبهت سوريا من خطورة ذلك و "تجري مباحثات مكثفة في هذا الشأن" .
وكان مسؤولون في الأمم المتحدة قد صرحوا بأن العراق لم يبلغهم رسميا حول هذا الموضوع .

دوافع دمشق للتقارب مع بغداد
يعتقد المحللون أن الظروف باتت مهيأة موضوعيا وذاتيا للتقارب السوري العراقي ، فلكل من الطرفين مصالح قوية تدفعه نحو الآخر ، رغم المحاذير الدولية والإقليمية والإرث التاريخي السلبي للعلاقة بينهما . ويبرز في مقدمة دوافع دمشق الاعتبارات التالية :-
1. تشكيل قوة لوجستية داعمة لسوريا تسندها في تعزيز دورها وحضورها الإقليمي ،
ولإيقاف حالة التدهور في الوضع العربي . حيث تؤمن الدبلوماسية السورية بأن إسرائيل تزداد تعنتا كلما قدمت إليها تنازلات جديدة ، ولا بد من التنويه هنا إلى أن الساسة في إسرائيل يثقون بأن سوريا بعيدة عن خيار الحرب ، وأنها تتمسك بخيار السلام مع القوة وهو ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه في مؤتمر القمة العربي في القاهرة.
2.مجابهة جملة الضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها سوريا .
-فإسرائيليا لا تستطيع دمشق أن تتجاهل احتمال لجوء تل أبيب إلى التصعيد لصرف الأنظار عن مأزقها الداخلي كحكومة مع تفاقم هذه الأزمة التي ولدتها انتفاضة الأقصى . وبهذا الخصوص نبه وزير خارجية سوريا في 15 نوفمبر إلى المخاوف من التصعيد الإسرائيلي بقوله "إن إسرائيل فاشلة عاجزة ، ولذلك يمكن أن تلجأ للقوة بسبب أو بدون سبب " .
-ولبنانيا ثمة محاولات لفصل تلازم المسارين السوري واللبناني ، وتقويض النفوذ السوري في لبنان واضعاف موقفه في التسوية . وقد برز ذلك في حملة المطالبة بخروج السوريين من لبنان جيشا وعمالة . ووصف الرئيس اللبناني توقيت طرح هذه الحملة ضد سوريا في لبنان عشية عيد الاستقلال ال57 بأنها " خدمة مجانية لإسرائيل ".وحذر بقوله "لن نسمح بأن يفتح لها البعض بابا جديدا من خلال لبنان لإراحتها " .
وكانت التقديرات الأمريكية تعول بعد خروج الجيش الإسرائيلي من الجنوب في حزيران الماضي على تعالي احتجاج الجمهور اللبناني ضد سوريا، وأشارت المصادر الأمريكية آنذاك إلى "صعوبة التكهن بما سيفعله بشار أمام هذا التحدي الجديد ، ولكن يبدو أن سوريا تعمل كل جهودها للحفاظ على الوضع القائم في لبنان صونا لجبهتها الخلفية السياسية والاقتصادية.
ويعبر كريم بقرادوني الزعيم الكتائبي عن تخوفاته من الفصل بين البلدين بقوله " لا أتصور أنه بمقدور لبنان أن يدخل عصر العولمة بمعزل عن سوريا ، لا بل بمعزل عن تكتل مشرقي واسع "
وفي سياق متصل بما تواجهه سورية في لبنان ظهر التهديد الفرنسي المتكرر بتقليص عدد قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل "في جنوب لبنان ، والذي كان آخره ما قاله دبلوماسي غربي في بيروت في 15 نوفمبر من أن هذه القوات " لن تبقى طويلا وسيخفض حجمها بشكل كبير وسيعاد النظر في مهمتها ". هذا بالإضافة للتقزيم المدروس لدور سوريا المعبر عنه برفض الاتحاد الأوروبي للمقترحات العربية الرامية إلى إدانة إسرائيل على ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ، والذي يشير إلى فقدان المراهنة السورية على التباينات في المواقف بين أمريكا وأوروبا، وعدم وجود آلية موازية أو فعالة للاتحاد الأوروبي في العملية السلمية .
وكانت مصادر دبلوماسية غربية كشفت النقاب عن موقف الاتحاد الأوروبي الذي حمله المستشار الألماني غيرهارد شرودر إلى الرئيس الأسد والذي لا يختلف عن المطالب الأمريكية ويطالب فيه دمشق بعدة أمور ، وهي :
-سوريا ، إعطاء "مرونة أكبر " في المفاوضات مع إسرائيل وذلك في تناول القضايا العالقة
-لبنانيا ، ضمان الأمن على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ، و" تشجيع " الحكومة اللبنانية على إرسال الجيش إلى الجنوب بكثافة ، ووضع حد لنشاطات حزب الله ضد إسرائيل .
-فلسطينيا ، أن تسهم بجهودها للتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وليس التصعيد .
وقالت المصادر بأن الرئيس الأسد أبدى خلال اللقاء عدم ثقته في نوايا حكومة باراك تجاه السلام مع الأطراف الثلاثة.
3. البعد الاقتصادي
يشهد الاقتصاد السوري منذ سنوات عدة حالة من الركود ، ناهيك عن تراكم البطالة في بلد يتميز بارتفاع نسبة الزيادة السكانية والتي تصل إلى 3,2 %، في حين يقابلها اقتصاديا نسبة نمو متواضعة وصلت إلى 2% عام 1998 ، بينما كانت في 1992 حولي 3,2% ، هذا بالإضافة إلى التحسبات الواجب أخذها بعين الاعتبار لمواجهة استحقاقات التنازلات الاقتصادية تجاه لبنان خصوصا بعد تعالي الحملة ضدها في لبنان وتفاقم الضائقة الاقتصادية فيه عموما وفي جنوبه خصوصا بعد الانسحاب الإسرائيلي . عدا عن المطالبة بتحديد العمالة السورية في لبنان .
4. مخاطر من تنامي التغلغل الإسرائيلي في شمال العراق ،
وفي هذا السياق ذكرت مصادر كردية مقربة لسوريا عن قيام إسرائيليين بشراء أراضي وممتلكات في الشمال العراقي ، وهذا ليس بعيدا عن المهام التجسسية ، وما له من عواقب على أمن البلدان الثلاثة ، وما يفرضه ذلك من ضرورات التعاون لمواجهته بين البلدان الثلاثة .
5. تصليب الجبهة الداخلية وإغلاق ملفات العداء بين البلدين.
ومن المؤشرات إفراج السلطات السورية عن ثلاثين حزبيا بعثيا من المحسوبين على العراق خلال العفو الذي أصدره الرئيس السوري عن أكثر من 600 من المعتقلين السياسيين.
6. مواجهة الضغوطات التركية الممثلة ب:
-بالاعتراف السوري بالسيادة التركية على لواء الاسكندرون وترسيم الحدود
-رفض الاقتراحات السورية الممثلة بقسمة عادلة للمياه وفق الأعراف الدولية ، والتي باتت تفاقم من الأوضاع الاقتصادية السورية ، ويدخل في الحسبان عواقبها على تفتت الجبهة الداخلية
- التحالف العسكري الوثيق بين تركيا وإسرائيل .
ويربط المراقبون بين إرغام الطائرة الإيرانية على الهبوط في تركيا وتفتيشها بحجة حملها أسلحة إلى حزب الله قبل زيارة خدام إلى تركيا " الهامة جدا و الودية " بيومين ، والتي كانت صفعة لعنوان الزيارة "تطوير العلاقات وفتح صفحة جديدة من التعاون المشترك بين تركيا وسوريا" . و اعتبرها محللون تأتي في إطار التصعيد التركي ، ودلائل على التحفظات التركية خصوصا "العسكرية"على هذه الزيارة . وتأكيد على الأولوية للتحالف مع إسرائيل . ولكن السوريون آثروا تجنب التوتير المتعمد ولم يلغوا الزيارة .
مصادر مطلعة في حلف شمال الأطلسي ذكرت بأن مجلس الأمن القومي التركي وهو السلطة العليا الفعلية في البلاد قد عقد جلسة في 27 أكتوبر أي قبل زيارة خدام بستة أيام لدراسة سبل حسم العلاقات مع سوريا باتجاه تصعيدي خلال الزيارة خصوصا بعد مؤشرات التقارب بين دمشق وبغداد وطهران ، واعادة أجواء عام 1998 والذي تميز بتهديدات تركية بالاجتياح الواسع وتدمير البنية التحتية وحتى قصف دمشق ، والذي نزعت مصر آنذاك فتيله ، وجرى التوقيع على اتفاق أضنة في أكتوبر 1998.
ورغما عن التحسن الذي أعقب الاتفاق على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي إلا أن مصادر أوروبية تشير إلى تصعيد الجنرالات على اثر الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ، وأنه ترافق مع تكثيف الزيارات الإسرائيلية إلى أنقرة منذ الصيف واقتناع الجنرالات بالرؤية الإسرائيلية لتحقيق الطموحات التركية الإقليمية . وتشير ذات المصادر إلى أن الأتراك باتوا يتشددون مؤخرا في إنجاز إعلان المبادئ التي توصل إليها الجانبان في اتفاق اضنة .

المعوقات
1. الهواجس المتراكمة والمترتبة على الإرث التاريخي لفقدان الثقة بين البلدين ، والتخوفات السورية من محاولات الاحتواء العراقية . وقد شهد العام 1997 مؤشرات طفيفة تشير إلى بداية التحسن في العلاقة بين البلدين ، ولكن هذه العلاقة بقيت في إطار التحفظ الذي عزاه البعض إلى روح التشكك التي تميز بها الساسة الكبار في البلدين . ويدللون على أن الرئيس الراحل لم يستقبل السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي في زيارة سابقة له إلى دمشق ، هذا في حين أن نجله الرئيس الشاب بشار قد التقاه بشكل مطول لدى زيارته في أيلول الماضي ، وهو ما لفت نظر المتابعين في السفارات الغربية لدى العاصمة السورية .
و يرى بعض المراقبين أن ما يجرى هو في صلب سلسلة السياسة التي انتهجها الرئيس الراحل وأنهم شرعوا في الانفتاح بشكل محافظ انتظارا لفرصة مناسبة ، ويبرهنون على أنه في ظل الرئيس الراحل تم التوقيع على اتفاق إصلاح أنبوب النفط العراقي من كركوك إلى بانياس في العام 1998، ولكن لم يتم تشغيله . وكان وزير الخارجية السوري قد أشار في 15 نوفمبر إلى أن سوريا والعراق يمضيان " تدريجيا " نحو استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عشرين عاما .وقال " نحن نسير بهذه العلاقات خطوة خطوة ولكن بالاتجاه الصحيح لأننا حريصون على إلا تنتكس هذه التجربة وحريصون على أن لا نبالغ في العمل الذي يجري في إطارها إلى درجة تؤدي إلى الإحباط في مرحلة لاحقة ".وتابع " نحن ندرك أن هذه العلاقة بالغة الحساسية ويجب أن ننجح في بنائها لبنة لبنة " .

2.الخطوط الحمراء من مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية .
تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن السعودية تعكف حاليا على إبعاد سوريا عن العراق،وأنها تولي هذا اهتماما أكبر من اهتمامها بتقريب عرفات من باراك .و يعتبر خبير في حلف الأطلسي التحرك التركي باتجاه العراق أنه أهم التحركات لإحباط مؤشرات التقارب بين طهران وبغداد ودمشق ، ويصف هذا التحرك بأنه" الخط الأحمر التركي والإسرائيلي والأمريكي" لإخراج العراق من هذه المحور ، حيث أن تركيا التي اعتبرت الوحدة بين مصر وسوريا حربا عليها سابقا تعتبر هذا الحلف بمثابة إعلان حرب اشمل .
وجدير بالذكر أن إسرائيل وتركيا اتفقتا مؤخرا على ضرورة مواجهة "العدو المشترك " الممثل بصاروخ إيران شهاب

3. وسكود سي السوري الذي يتجاوز مداه 500كم . وكشفت مصادر أطلسية عن مخطط تركي إسرائيلي لضرب مواقع ومستودعات الصواريخ لدى البلدين المصنعين .

4. التخوفات من التطرف العراقي في الطروحات العربية حول التسوية مما يعرقل التوجهات السورية الهادفة إلى تسوية مع القوة .
ففي القمة العربية دعا نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي إلى الأخذ بخيار الجهاد لتحرير الأراضي المحتلة ودعا إلى الجهاد . وكان الرئيس العراقي قد أعلن عن استعداد العراق "لوضع حد للصهيونية"وطالب بتشكيل قوة عربية مقدسة للتحرير" . هذا وصدر بيان بعد اجتماع مجلس قيادة الثورة وقيادة قطر العراق لحزب البعث خصص للبحث في قرارات القمة دان فيه الحكام العرب ووصفهم بوكلاء رسميون عن الأعداء ووصف النتائج بالهزيلة وسامة ، ودعا الجماهير العربية في كل مكان إلى تشديد النضال ، والجهاد لإسقاط الحكام العرب .

الدوافع وفق المنظور العراقي
1. الخروج من املاءات الحصار وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية على الشعب العراقي ،ومحاولة الضغط باتجاه تقليص حجم التعويضات المفروضة عليه . وملف التعويضات هو ملف أمريكي تعجيزي حيث تصل التقديرات الأمريكية للتعويضات المخصصة للحكومات والأفراد إلى 320 مليار دولار. وإذا كان العراق يسدد نسبة 30% من العائدات النفطية السنوية للتعويضات فانه لن ينتهي من السداد على هذه الوتيرة إلا في العام2060 على وجه التقدير.
هذا عدا عن الديون المقررة على العراق خلال فترة حربه مع إيران قبل آب 1990 .بمعنى أن الولايات المتحدة تسعى لتدمير العراق بشعبه ولن تمكنه من القيام بما يمكن شعبه من توفير متطلبات العيش .فبعد النجاح العراقي في الصمود أمام سياسة الاحتواء ، بات مركز القرار العراقي يسعى لكسر الحصار الدبلوماسي إقليميا ودوليا .
وفي هذا الصدد ينبه دبلوماسي عربي سبق له وأن خدم في واشنطن بأن على العراق التعامل بمرونة مع المعطيات الجديدة ، وأن لا ينجرف بعيدا إلى ما يغضب الولايات المتحدة ، خصوصا بعد تهاوي الصورة التي خلقتها عن ضرورة حصار العراق وتطويعه وكأنه مطلب إقليمي وليس أمريكي ، و زوال أحد الأسباب الرئيسية للحصار والممثل بتهاوي فرص العملية السلمية في المنطقة ، حيث يرى بأن الحصار كان يهدف أيضا إلى عزل سوريا وإخضاعها للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وفق شروط أمريكية .

2.إعادة الدور العراقي الإقليمي وفك العزلة عنه.
لعبت انتفاضة الأقصى ومؤشرات التحالف العراقي السوري الإيراني دورا في إخراجه من العزلة وتشتيت حالة الحصار . وخلال القمة الإسلامية يأتي دور الولايات المتحدة تحت اسم الأمم المتحدة لإيجاد مخرج لأزمة واشنطن ، التي تعاني من تدهور عملية السلام وفشل رعايتها في إدارة الصراع ، علاوة على التململ العربي الرسمي من سياستها بعد حالة الغليان في الشارع العربي هذا بالإضافة إلى مؤشرات إفراز الانتخابات إلى رئاسة أمريكية ضعيفة الإرادة ، ويعتبر بعض المحللين أن لقاء كوفي عنان بنائب رئيس الجمهورية العراقي عزت إبراهيم كان انتصارا عراقيا حيث صرح الصحاف وزير الخارجية العراقي بأنهما" اتفقا على الدخول في حوار شامل دون شروط مسبقة " .

ويرى بعض المحللين أن التغاضي الأمريكي عن خرق الحصار بات يدخل في حسابات واشنطن تحسبا لإفلات الأوراق من بين يديها .وكانت قد أعربت لدى تحدي العراق الحظر الجوي بإرسال طائراته المدنية إلى الشمال والجنوب بأنه لا يوجد ما يمنع من تسيير الرحلات المدنية الداخلية ، ولكنها عبرت عن ضرورة الإبلاغ عن ذلك لاعتبارات عسكرية وتذرعت بأنه " حرصا على سلامة الركاب" .

وفي سياق عدم السماح بانفلات العراق من الطوق المضروب قالت مصادر دبلوماسية إماراتية بأن كوهين خلال زيارته للإمارات بحث احتمال رفع العقوبات ضمن اتفاق ترعاه الأمم المتحدة ، وأشارت هذه المصادر إلى أن الإدارة الأمريكية أصبحت لا تمانع برفع الحظر ، إذا توفرت ضمانات من شأنها الحيلولة دون تمكن العراق من بناء ترسانة لأسلحة الدمار الشامل ،أو ما يمكنه من تهديد جيرانه .

وكان افرايم سنيه قد حذر من عواقب " سياسة الاسترضاء نحو إيران ونحو العراق ونحو كل المتطرفين في العالم العربي " محذرا بأنها "لن تخدم مصالح أمريكا " وشدد على " إعادة بناء جبهة المعتدلين في المنطقة ، وبناء تجمع استراتيجي من تلك الدول الملتزمة بعملية السلام والتي تعارض المد الأصولي ."

ويعتقد المحللون أن العراق استطاع مؤخرا أن يبرهن على عودته إلى مواقعه في مسألة الصراع مع إسرائيل عندما قامت بحشد ثلاث فرق على الحدود السورية وإبلاغه دمشق جاهزيته للتدخل وللرد على أي عدوان يستهدف سوريا أو لبنان .
وذكرت تقارير إسرائيلية في إشارة إلى التقارب العراقي السوري إلى تسلم الأولى من سوريا قطع غيار لبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات ، ووضعت ذلك في سياق أن سوريا ليست مستعدة للحرب مع إسرائيل .

بغداد والتكامل الرباعيوفي تأكيد على التحمس العراقي لمحور يضمه مع سوريا ولبنان قال طارق عزيز " من الطبيعي السير في طريق التكامل الاقتصادي بين لبنان والعراق " مشيرا إلى تحسن علاقات بلاده مع سوريا والذي يسهل التواصل بين بلاده ولبنان . وأكد لدى المقارنة بين الأردن ولبنان على تفضيل العراقيون للتعامل مع لبنان والبضائع اللبنانية .وشدد على الأهمية السياسية الكبرى للعلاقة مع سوريا وانعكاساتها على المنطقة العربية .
وسبق وأن أشارت مصادر عراقية إلى اتفاق عراقي لبناني لفتح خط بري بين بغداد وبيروت عبر سورية ، ويعرب العديد من المستثمرين اللبنانيين عن أملهم في توسيع الاتفاق ليشمل كافة البضائع الثقيلة بعد افتتاح السفارة العراقية في بيروت ، والذي لم يعلن عنه حتى اللحظة.

وكان الحريري قد التقى في الدوحة بنائب رئيس الجمهورية العراقي عزة إبراهيم وبحثا في إعادة العلاقات المقطوعة منذ 1994 . وقالت مصادر لبنانية مطلعة بأن اللقاء تناول العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري وفق مذكرة تفاهم موقعة بين الطرفين ،وجرى البحث أيضا في موضوع أنبوب النفط العراقي الذي يمر في الأراضي السورية واستفادة لبنان منه .

ويقول اقتصاديون لبنانيون بأن فتح السوق العراقية أمام الصادرات اللبنانية سيؤدي إلى نمو كبير في الصادرات وسيصبح العراق في المرتبة الثانية على قائمة المستوردين من لبنان بعد السعودية .وكان وزير التجارة العراقي على مهدي صالح أعلن أن العراق سيستورد بضائع من السوق اللبنانية تفوق قيمتها المليار دولار في العام القادم .

ويذكر أن سوريا والعراق عاودا فتح الحدود بينهما منذ ثلاث سنوات في إطار برنامج الأمم المتحدة " النفط مقابل الغذاء" ، وعاودا تشغيل خط سكة الحديد الذي يربط الموصل بحلب منذ اشهر،ويهدفان إلى رفع مستوى التبادل التجاري بينهما ليبلغ مليار دولار سنويا .

ويعتقد محللون بأن العراق يطمح إلى جر الأردن وتحييده من قائمة المعتدلين ، وفرض عزلة على إسرائيل من خلال دعم اقتصاده ، وآخرها دعوة طارق عزيز إلى تحقيق تكامل اقتصادي بين العراق والأردن وسوريا ولبنان ، وتأكيده على أن الظروف مؤاتية لذلك إقليميا ، ولعدم وجود موانع سياسية تحول دون ذلك . وفي نفس الوقت يعمل على تهدئة تركيا بتلبية مصالحها الاقتصادية ، ويدخل في التقديرات إعلان العراق عن أنبوب الغاز الأخير عبر الأراضي التركية .ورغما عن انطلاق الطائرات الأمريكية من الأراضي التركية والخلافات السياسية الكبيرة فالعراق حريص على علاقة اقتصادية وثيقة معها حيث يقول طارق عزيز بأن حجم التبادل التجاري معها يصل إلى مليار دولار .

الدوافع وفق المنظور الإيراني
1.زيادة النفوذ الإيراني والخروج من حالة العزلة ، وبالتالي تحسن من موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة حول القضايا أو الترتيبات المتعلقة بالمنطقة والخليج .ويلحظ التغير في الخطاب الإيراني الذي تحول من مطالبة الخميني بإزالة إسرائيل إلى مطالبة المرشد خامنئي بضرورة قيام دولة على أساس استفتاء شعبي تضم الديانات الثلاث في فلسطين ، وخطاب خاتمي في القمة الأخيرة التأكيد على دولة مستقلة وعاصمتها القدس .
2.المنافع الاقتصادية في إطار سياسة الانفتاح على أسواق المنطقة وتسويق قدراتها التصنيعية فيها .

العقبات
1.الخلافات بين الإصلاحيين والمحافظين حول الانفتاح على العراق . حيث يتشدد المحافظون في اشتراطاتهم بشأن إنهاء القطيعة مع العراق ، في حين أن الإصلاحيين يبدون أكثر انفتاحا .
2. ارث العلاقة التاريخي التي تتسم بالمخاوف والشكوك في مصداقية النوايا، والناجمة عن الحرب بينهما .وكانت مصادر إيرانية قد أشارت إلى مفاجئة خاتمي خلال لقائه مع نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان في كركاس بالمرونة تجاه بعض القضايا العالقة ، والتي كان العراق يتهرب من طرقها كقضية مجاهدي خلق .
3.المشاكل الحدودية ودعم المعارضة. تقليديا يتهم الجانب الإيراني العراق بأنه لم يتخذ الخطوات العملية التي من شأنها تطبيق اتفاقية الجزائر 1975، وكذلك دعمه للمعارضة الإيرانية المسلحة . وخلال الشهر الفائت ركزت الأوساط الدبلوماسية الغربية على زيارة كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد واحياء اتفاق 1975 الحدودي الذي الغاه العراق عام 1980واتفقت الحكومتان على تحريك اللجان الخمس المشتركة التي قررتا تأليفهما بموجب اتفاقية عام 1997 لتسوية كل القضايا العالقة بينهما ، والتي تعود إلى بداية الحرب عام 1980 ، ومنها تلك المتعلقة بترسيم الحدود هذا بالإضافة إلى قضايا الاسرى والتجارة والأمن .
هذا في حين أن المصادر العراقية ذكرت بأن المباحثات تطرقت إلى الملفات العالقة ، أبرزها الأسرى وضحايا الحرب والتعويضات عن أضرار الحرب والطائرات العراقية اللاجئة لدى إيران أثناء حرب الخليج الثانية ، وملف قوى المعارضة لكلا البلدين والموجودة على أراضي البلدين .
وقابل خرازي الرئيس صدام ، وأبدى انطباعه عقب اللقاء عن رغبه صدام في " حل كل القضايا العالقة " .
في حينه ذكرت بعض المصادر الإيرانية المقربة بأن العراق يسعى لكسر الحصار ، وأن العراقيين لم يطرحوا جديا القضايا الرئيسية العالقة .

وكانت مجاهدي خلق أعلنت عن سلسلة من الهجمات على مقرات الحرس الثوري .ولفت النظر أن طهران شهدت فترة من الهدوء النسبي منذ الثامن والعشرين من سبتمبر، عندما وقع هجوم مماثل بالهاون ، وقد لوحظ أن فترة الهدوء تزامنت مع انعقاد لقاءات كبار المسؤولين في البلدين . ولكن بعد زيارة خرازي بيومين أعلنت مجاهدي خلق عن إطلاق إيران لصاروخ على مواقعها في الأراضي العراقية . وامتنعت المصادر العسكرية الإيرانية عن التعليق على أسباب التصعيد ، واكتفت بالإشارة إلى " وجود مساع لضرب نتائج المحادثات التي عقدها خرازي في العراق قبل أسبوعين " .

وعندها تساءل المراقبون عن سرعة تهاوي الهدنة التي لم تدم ثلاثة أسابيع ،ومدى علاقته بتوازنات القوى داخل إيران . واعتبرت طهران بغداد قادرة على وقف عمليات " مجاهدي خلق ". و أكد مصدر إيراني أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اتخذ قرارا بتجميد إجراءات تطبيع العلاقات مع العراق على اثر الهجمات .

استعداد العراق للتضحية بورقة المعارضة الإيرانية بعد أن ذكروا في مرات سابقة عدم استعدادهم للتفريط بها جرى على قدم وساق مع الاتصالات السرية التي قام بها قصي مع أطراف من المعارضة العراقية والتي يتخذ بعضها إيران مقرا له ، واستعداد العراق للعفو بصورة شاملة وغير مشروطة عن المعارضة في إيران .ووصف أحد المسؤولين العراقيين في مؤتمر القمة الإسلامية في الدوحة المعارضة الإيرانية بأنها مجرد فقاقيع ولا تؤثر على نوايا البلدين في تحسين علاقاتهما.
وفي مؤشر لحسن النوايا عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين على هامش القمة الاسلامية ، وابديا فيه رغبة البلدين حل قضايا المعارضة المسلحة والتي يدعمها كلا البلدين في مواجهة الآخر وبحثا في إعادة العلاقات إلى طبيعتها.

وفي منحى التطور الايجابي للعلاقات بين البلدين عقد الرئيس الإيراني خاتمي اجتماعا في الدوحة مع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزة إبراهيم الدوري . وقالت مصادر إيرانية مطلعة في الدوحة بأن اللقاء تركز على القضايا الأمنية التي تهم البلدين ، وأكدا على متابعة المحادثات التي تمت بين البلدين في أكتوبر واتفقا على تبادل الزيارات.
وكشف رئيس مكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية محمد علي أبطحي بأنه جرى التشديد بين خاتمي والدوري على تسريع عمل اللجان المشتركة بين البلدين لحل المشاكل العالقة .وفي مناسبة أخرى أكد على أن" الطرفين الذين جربا تاريخا مرا ، متفقان في وجهة النظر إلى المستقبل بدلا من النظر إلى الماضي المر "

وفي إشارة للإلحاف العراقي على الانفتاح مع إيران ،أكثر منه إيرانيا وصف وزير الخارجية العراقي التطبيع مع إيران بأنه يسير بصورة أبطأ مما يتمناه العراق . وقللت المصادر المقربة للوفد العراقي في القمة من شأن المعارضة المسلحة ، وأنها لا تؤثر في التطور الحقيقي للعلاقات بين البلدين ، ولكنها ربطت حلها ببقية القضايا العالقة . وصرح أحد أعضاء الوفد العراقي عن اللقاء بأنه عبر عن حرص البلدين لتعزيز علاقاتهما .

وكانت مصادر مطلعة قد أشارت إلى أن هناك مباحثات فنية تجري بين البلدين لتنفيذ مشروع يربط روسيا وإيران والعراق وسوريا بالسكك الحديدية مما ينشط الحركة التجارية بين البلدان المذكورة ، وكما يجري الحديث عن فتح المجال الجوي أمام حركة الطائرات من روسيا عبر إيران إلى العراق ومن إيران إلى سوريا عبر العراق . هذا وستجتمع بعد أقل من أسبوعين في طهران اللجان المشتركة لحل القضايا العالقة . وفي مؤشر لتطبيع العلاقات عاودت الزيارات الإيرانية إلى الأماكن الدينية في العراق مؤخرا تنفيذا للاتفاق الأخير الذي عقده خرازي في بغداد .

موسى عبد الله أحمد فودة، ولد في الثاني من نيسان / أبريل عام 1956، أنهى دراسته الثانوية في الأردن، والجامعية في العراق وبلغاريا، انخرط في الحركة الوطنية الفلسطينية مبكرا، وعمل في الصحافة ومراكز الأبحاث الفلسطينية والأردنية لسنوات عدة، التحق بمركز القدس للدراسات السياسية منذ تأسيسه في الأول من كانون الثاني / يناير عام 2000، أسس وحدة الأبحاث والدراسات في المركز وأشرف عليها حتى وافته المنية وهو في ذروة عطائه وإبداعه في الرابع عشر من آب / أغسطس عام 2001.