الخطاب كصورة عن التراث ورؤية للآخر. هل العالم الإسلامي في معرض تحديد هويته أم تقديم نفسه للعالم
2006-05-27
2006-05-27
يأتي وجودكم اليوم في عمان للبحث في أهمية وجود خطاب إسلامي ديمقراطي مدني، تعبيراً عن وجود أزمة تلف العالم الإسلامي، وتدفع بأتباعه إلى الجدل حول تعريفه وصورته وعلاقته بأتباعه وبالعالم، ففي حين يرى غالبيتنا الإسلام نظاماً إجتماعياً اقتصادياً سياسياً أخلاقياً. يصلح لكل زمان ومكان، ويملك القدرة على الاستجابة للمتغيرات واستيعابها، يرى البعض الآخر فيه عقيدة ينبغي الترويج لها، ونشرها، ومحاربة من لا يؤمن بها، أو تكفيره على أقل تقدير.
فالإسلام بالنسبة لهم ثورة على كل النظم والمعايير، وبديلاً لكل الممارسات المعاصرة، فهو عودة إلى النموذج الذي وجد يوم كان الاقتصاد الرعوي هو المشكل للحياة والمحدد لأنماط العلاقة والتفاعل، وعليه فكل ما دون ذلك بدعة وضلالة.
وإلى جانب هاتين الوجهتين يرى البعض في الإسلام منهجاً إصلاحياً، يضيف إلى العالم بعداً إخلاقياً يرتكز على مبادئ الفطرة البشرية، كالعدل والحرية والمساواة، فهو بديل لكل المناهج التي تقدمها النظم الشرقية والغربية. إن هذا التباين بلا شك يؤشر إلى وجود أزمة يعايشها الخطاب الإسلامي الراهن، أزمة لا تقف عند الصورة التي نقدمها لأنفسنا عنا، بل تتعداها إلى الصورة التي نعكسها عن الآخر.
يكتسب التئام مؤتمركم هذا في عمان اليوم أهمية مكانية وزمانية، فهو يأتي في سياق جملة المبادرات الأردنية الهادفة إلى بلورة صورة الإسلام، وبعد مرور أقل من عامين على صدور رسالة عمان وما حملته من قيم ومعان ومضامين، كما يتماشى في بنيته مع النهج الأردني القائم على الوسطية والإعتدال ونبذ التطرف والكراهية والتكفير.
إن مسؤولية قادة الفكر والسياسة والعقيدة لا تتوقف عند ممارسة أدوارهم التقليدية، بل تتجاوزها إلى تحمل الأعباء التاريخية لهذه الرسالة، فعلى عواتقهم تقع مسؤولية بناء صورة الإسلام التي تخلو مما علق بها من عبث الباحثين عن القيادة والإمامة والريادة، في عالم لا توجد فيه مساحه لمن يخالف مبادئ الفطرة الإنسانية التي تحترم الحياة وتحفظ الكرامة وتعزز قيم الحرية والعدل والمساواة.
إن من المؤسف أن تنصب حواراتنا على أسئلة البدهيات التالية :
من نحن؟
هل هناك إجماع بيننا على هويتنا ؟
كيف يرانا الآخر؟
ماذا علينا أن نفعل؟
هل نحن قادرون على التعايش في عالم متغير؟
ما هي الشوائب والعقبات التي تعيق تفاعلنا في عالم اليوم؟
ما الذي يمكن أن نقوم به لإزالة تلك الرواسب العالقة بقدرتنا على التصدي لها والتعامل معها؟
لقد تجاوزت الأمم هذه الأسئلة وحسمت إجاباتها، الامر الذي مكنها من أن تنصرف للعلم والإنجاز، فها هي الصين والهند يقدمان للعالم منتجاتهما دون أي جدل حول ماهية المنتج، وها هي أوروبا ترى إسهاماتها قبل أن تسمع صوتها. إن من واجبنا أن نعمل بعمق وموضوعية، وبانفتاح وعقلانية، نسترشد بأدبيات التراث، وتعريفات الفقهاء، ولا نتوقف عندها فهي - ومع احترامنا لها ولفحواها- قد جاءت في سياق تاريخي يصعب فهمها خارجه، ومن غير المنطق أن نسقطها على صياغات مختلفة. فالأمر إذا كما دعا العلامة إبن خلدون الذي نحتفل ويحتفل العالم بمئويته السادسة هذه الأيام، يرتبط بمفهوم الحقيقة الإجتماعية التي لا بد من أن تُدرس وتُراجع في سياقها الزمني والمكاني، وبمقاصد المكونين لهذه الحقائق، وبغير ذلك يتعذر علينا أن نصل إلى حالة التفهم التي تشكل بالضرورة أساساً لتفكيك الفعل الاجتماعي والوقوف على غاياته ومقاصده.
لأن المدنية ضرورة من ضرورات العمران البشري، والسلوك المدني مؤشر على نضوج العمران، والمدينة والمدنية صنوان، يقوم بناؤها على التخصص وتقسيم العمل، وتعريف الأدوار وتحديدها، ويتشكل نسيجها من تداخل الأدوار والاعتماد المتبادل بينها.
إن ما يحكم المجتمع المدني هو الإيمان بالمبادئ المشتركة، والالتزام بالقيم الضرورية لضمان الاستقرار واحترام القواعد التي توجه السلوك وتضبط إيقاعه، ويأتي في مقدمة هذه المبادئ المساواة والعدل والحرية، والقيم والحياة والكرامة الإنسانية. إن الإسلام الذي جاء به الرسول الكريم إسلام مكة والمدينة كان ثورة على الظلم والظلام، دعوة للحق والسلام، فقد بشر الرسول الكريم بالمساواة والعدل والحرية بكل معانيها.
وأسهم هذا المنهج الثوري في بناء مجتمع، حُدِّدت فيه رسالة المجتمع، وأُسس التقدم، وتوزيع الأدوار، ومساحات الممنوع والمسموح، فالرسالة هي العمل الصالح، والصلاح في ما يفيد البشرية. فالتقدم على أساس التقوى، والأصل في الأدوار المساواة، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ومعيار النجاح إتقان العمل، "والله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ، والدعوة للدين بالحسنى. والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
والمجتمع متكافل متضامن، لا يدخل الجنة فيه من نام شبعان وجاره جائع وهو يعلم، لقد أفلحت هذه المبادئ في تشكيل نظام إسلامي مدني ديقراطي، يتقدم فيه بلال على خالد بن الوليد، ويضرب الأعرابي ابن الأكرمين، ويحتج فيه المصلّون على طول رداء عمر.إن الخطاب المتزمت الذي يظهر هنا وهناك، يلفق للإسلام صفات لا يقرها، ويصبغ منظومة من الأفكار والممارسات التي تتنافى مع رؤيته وتطلعاته، فالإسلام دين الفطرة والتسامح، دين يتفهم احتياجات الإنسان وطبيعته، دين يبتعد عن التزمت ليجد للمخالف ألف عذر.
لقد آن الأوان لنبحث وإياكم الصيغ الملائمة للحد من تأثير ما علق بالخطاب الإسلامي من تشدد ومغالاة، من تطرف وتكفير، من ضيق وتنكر. إن مؤتمركم هذا وما يتناوله من قضايا، موضع اهتمامنا واهتمام العالم الإسلامي، أتمنى له أن ينجح في إعادتنا إلى الصيغ الفطرية، وبناء مجتمعاتنا بناءً يجعلها في قلب العالم لا خارج دائرة التاريخ، ويعكس صورة: أمة وسطية لا أمة متطرفة..
أمة قادرة على الإسهام في إسعاد البشرية لا في تفجير ويلاتها، أمة تقدم نظاماً أخلاقياً كما قدم فجر الإسلام للبشرية. إنني على ثقة بأن نتمكن وإياكم من أن نعزز صورة الإسلام الحقة بين أتباعه وأجياله القادمة، مثلما يقدم لغير المسلمين، فالأمر أكثر من أن ندافع عن صورتنا ونتناسى جوهر هذه الصورة ومكوناتها بين ظهرانينا.
وإلى جانب هاتين الوجهتين يرى البعض في الإسلام منهجاً إصلاحياً، يضيف إلى العالم بعداً إخلاقياً يرتكز على مبادئ الفطرة البشرية، كالعدل والحرية والمساواة، فهو بديل لكل المناهج التي تقدمها النظم الشرقية والغربية. إن هذا التباين بلا شك يؤشر إلى وجود أزمة يعايشها الخطاب الإسلامي الراهن، أزمة لا تقف عند الصورة التي نقدمها لأنفسنا عنا، بل تتعداها إلى الصورة التي نعكسها عن الآخر.
يكتسب التئام مؤتمركم هذا في عمان اليوم أهمية مكانية وزمانية، فهو يأتي في سياق جملة المبادرات الأردنية الهادفة إلى بلورة صورة الإسلام، وبعد مرور أقل من عامين على صدور رسالة عمان وما حملته من قيم ومعان ومضامين، كما يتماشى في بنيته مع النهج الأردني القائم على الوسطية والإعتدال ونبذ التطرف والكراهية والتكفير.
إن مسؤولية قادة الفكر والسياسة والعقيدة لا تتوقف عند ممارسة أدوارهم التقليدية، بل تتجاوزها إلى تحمل الأعباء التاريخية لهذه الرسالة، فعلى عواتقهم تقع مسؤولية بناء صورة الإسلام التي تخلو مما علق بها من عبث الباحثين عن القيادة والإمامة والريادة، في عالم لا توجد فيه مساحه لمن يخالف مبادئ الفطرة الإنسانية التي تحترم الحياة وتحفظ الكرامة وتعزز قيم الحرية والعدل والمساواة.
إن من المؤسف أن تنصب حواراتنا على أسئلة البدهيات التالية :
من نحن؟
هل هناك إجماع بيننا على هويتنا ؟
كيف يرانا الآخر؟
ماذا علينا أن نفعل؟
هل نحن قادرون على التعايش في عالم متغير؟
ما هي الشوائب والعقبات التي تعيق تفاعلنا في عالم اليوم؟
ما الذي يمكن أن نقوم به لإزالة تلك الرواسب العالقة بقدرتنا على التصدي لها والتعامل معها؟
لقد تجاوزت الأمم هذه الأسئلة وحسمت إجاباتها، الامر الذي مكنها من أن تنصرف للعلم والإنجاز، فها هي الصين والهند يقدمان للعالم منتجاتهما دون أي جدل حول ماهية المنتج، وها هي أوروبا ترى إسهاماتها قبل أن تسمع صوتها. إن من واجبنا أن نعمل بعمق وموضوعية، وبانفتاح وعقلانية، نسترشد بأدبيات التراث، وتعريفات الفقهاء، ولا نتوقف عندها فهي - ومع احترامنا لها ولفحواها- قد جاءت في سياق تاريخي يصعب فهمها خارجه، ومن غير المنطق أن نسقطها على صياغات مختلفة. فالأمر إذا كما دعا العلامة إبن خلدون الذي نحتفل ويحتفل العالم بمئويته السادسة هذه الأيام، يرتبط بمفهوم الحقيقة الإجتماعية التي لا بد من أن تُدرس وتُراجع في سياقها الزمني والمكاني، وبمقاصد المكونين لهذه الحقائق، وبغير ذلك يتعذر علينا أن نصل إلى حالة التفهم التي تشكل بالضرورة أساساً لتفكيك الفعل الاجتماعي والوقوف على غاياته ومقاصده.
لأن المدنية ضرورة من ضرورات العمران البشري، والسلوك المدني مؤشر على نضوج العمران، والمدينة والمدنية صنوان، يقوم بناؤها على التخصص وتقسيم العمل، وتعريف الأدوار وتحديدها، ويتشكل نسيجها من تداخل الأدوار والاعتماد المتبادل بينها.
إن ما يحكم المجتمع المدني هو الإيمان بالمبادئ المشتركة، والالتزام بالقيم الضرورية لضمان الاستقرار واحترام القواعد التي توجه السلوك وتضبط إيقاعه، ويأتي في مقدمة هذه المبادئ المساواة والعدل والحرية، والقيم والحياة والكرامة الإنسانية. إن الإسلام الذي جاء به الرسول الكريم إسلام مكة والمدينة كان ثورة على الظلم والظلام، دعوة للحق والسلام، فقد بشر الرسول الكريم بالمساواة والعدل والحرية بكل معانيها.
وأسهم هذا المنهج الثوري في بناء مجتمع، حُدِّدت فيه رسالة المجتمع، وأُسس التقدم، وتوزيع الأدوار، ومساحات الممنوع والمسموح، فالرسالة هي العمل الصالح، والصلاح في ما يفيد البشرية. فالتقدم على أساس التقوى، والأصل في الأدوار المساواة، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ومعيار النجاح إتقان العمل، "والله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ، والدعوة للدين بالحسنى. والتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
والمجتمع متكافل متضامن، لا يدخل الجنة فيه من نام شبعان وجاره جائع وهو يعلم، لقد أفلحت هذه المبادئ في تشكيل نظام إسلامي مدني ديقراطي، يتقدم فيه بلال على خالد بن الوليد، ويضرب الأعرابي ابن الأكرمين، ويحتج فيه المصلّون على طول رداء عمر.إن الخطاب المتزمت الذي يظهر هنا وهناك، يلفق للإسلام صفات لا يقرها، ويصبغ منظومة من الأفكار والممارسات التي تتنافى مع رؤيته وتطلعاته، فالإسلام دين الفطرة والتسامح، دين يتفهم احتياجات الإنسان وطبيعته، دين يبتعد عن التزمت ليجد للمخالف ألف عذر.
لقد آن الأوان لنبحث وإياكم الصيغ الملائمة للحد من تأثير ما علق بالخطاب الإسلامي من تشدد ومغالاة، من تطرف وتكفير، من ضيق وتنكر. إن مؤتمركم هذا وما يتناوله من قضايا، موضع اهتمامنا واهتمام العالم الإسلامي، أتمنى له أن ينجح في إعادتنا إلى الصيغ الفطرية، وبناء مجتمعاتنا بناءً يجعلها في قلب العالم لا خارج دائرة التاريخ، ويعكس صورة: أمة وسطية لا أمة متطرفة..
أمة قادرة على الإسهام في إسعاد البشرية لا في تفجير ويلاتها، أمة تقدم نظاماً أخلاقياً كما قدم فجر الإسلام للبشرية. إنني على ثقة بأن نتمكن وإياكم من أن نعزز صورة الإسلام الحقة بين أتباعه وأجياله القادمة، مثلما يقدم لغير المسلمين، فالأمر أكثر من أن ندافع عن صورتنا ونتناسى جوهر هذه الصورة ومكوناتها بين ظهرانينا.
أشكركم على عقد مؤتمركم هذا، وأتمنى لكم التوفيق والفلاح.
-ورقة عمل قدمت في مؤتمر "نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني " الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية في الفترة مابين 27-29 مايو 2006 - عمان - الاردن
الاراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة