A+ A-
سوريا ما بعد الأسد
2000-07-01

موسى فوده

قراءة في التحولات السياسية والقيادية ...
قراءة في أجندة المرحلة المقبلةاستذكرت الأوساط السياسية وهي ترقب جلسات المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث الحاكم في سوريا، والتي ابتدأت في السابع عشر من حزيران الحالي في قصر الأمويين الواقع على بعد 15 كم جنوب دمشق ، المؤتمر القطري الخامس عام 1971 والذي اعتبر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قائدا لمسيرة الشعب والحزب وانتخبته القيادة القطرية في اجتماعها المنعقد بتاريخ 14-5-1971 أمينا قطريا لها، وما جرى في المؤتمر الأخير من انتخاب ابنه بشار أمينا قطريا للحزب وترشيحه لرئاسة الجمهورية . لكن هذه المقاربة ، رغم ما تحمله من دلالات تتعلق بالمصير الذي آل إليه حزب البعث والحياة الحزبية العربية عموما ، تبقى شكلية وعاجزة عن الإحاطة بالتحولات التي أصابت هذا الحزب والتغيرات التي حصلت في سوريا ذاتها والمنطقة والعالم وعكست نفسها بشكل كبير على دوره ومضمونه، وان بقيت شعاراته "وحدة ، حرية ، اشتراكية " ، و "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " ثابتة لم تتغير.

تأسيس الحزب وتطوره
نشأ حزب البعث العربي الاشتراكي من اندماج حزبين هما : "حزب البعث العربي " والذي كان من ابرز مؤسسيه ميشيل عفلق ـ اول أمين عام للحزب ـ وصلاح الدين البيطار في السابع من نيسان 1947 و"الحزب الاشتراكي العربي " الذي أنشأه اكرم الحوراني في ايلول عام 1950.

وقد كان "حزب البعث العربي " وريث عدد من الحركات المتتالية التي طالبت باستقلال سوريا ولبنان من الاحتلال الفرنسي ونشأت خصوصا خلال الازمة التي نشبت عام 1938 مع ضم لواء الاسكندرون إلى تركيا ، حيث كانت سوريا في عهد الانتداب الفرنسي تتألف من خمس دويلات هي حلب ودمشق والعلويين وجبل الدروز وسنجق الاسكندرون .
اما " الحزب الاشتراكي العربي " فقد كانت بداياته من حركة سياسية أسسها اكرم الحوراني عام 1940 وهي " حركة الشباب " وكانت اقرب إلى منتدى سياسي منها إلى حزب وهدفها محاربة الإقطاع، ثم تحولت إلى حزب عام 1950 عندما أقام الحوراني مهرجانا فلاحيا ضخما في حلب كان الأول من نوعه في العالم العربي واشترك فيه آلاف الفلاحين ، لكن الملاحظة الأهم هنا ان شعارات هذا الحزب كانت تجد لها صدى في صفوف الجيش.

وقد اندمج الحزبان في عام 1953، وعقد حزب البعث العربي الاشتراكي اول مؤتمر قطري له في آذار 1953. ورغم ان مؤسسي الحزب في معظمهم ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الا ان شعاراته جذبت الطبقات الفقيرة والاقليات ودغدغت عواطف الجماهير العربية في مسالتين هامتين هما الوحدة العربية والقضية الفلسطينية ، وهو ما جعل هذا الحزب يحظى في عقدي الخمسينيات والستينيات بنفوذ جماهيري تركز أساسا في منطقة بلاد الشام ـ حاليا سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ـ واهلّه لان يكون القوة السياسية الأهم ان لم تكن الاولى فيها على المستوى الحزبي ، حيث تمكن من الوصول إلى السلطة على فترات متفاوتة في كل من العراق وسوريا وفشلت محاولاته في الاردن .

ويسجل بعض المراقبين السياسيين ثلاثة ملاحظات هامة طبعت مسيرة الحزب ، وكان لها ابلغ الأثر في تأسيس قاعدة للتحولات التي أصابته وأفرغته من مضمونه ومحتواه بعد وصوله إلى السلطة ، وهي : ـ

أولا : النهج الانقلابي اتبع البعث الانقلاب العسكري طريقا للوصول إلى السلطة ، وهو ما أعطى نفوذا ودورا متزايدا فيه للتيار العسكري من ضباط الجيش والأجهزة الأمنية ، فهؤلاء يملئهم الإحساس بالفضل على الحزب في تحوله إلى حزب حاكم ، ناهيك عن ان المحافظة على السلطة بعد الوصول اليها تتطلب قدرا من الإجراءات والترتيبات الأمنية خاصة في دول مثل سوريا والعراق ذات مستوى معين من التطور، كان فيه الجيش القوة المنظمة الأبرز والاهم . وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تولد إحساس لدى العسكريين بأنهم الحزب ، وتحول دور القادة التاريخيين والمؤسسين في الحزب إلى إعطاء الشرعية الحزبية لهذا الضابط أو ذاك ، وهو ما حصل على سبيل المثال مع ميشيل عفلق في العراق ، إلى ان توفي عام 1989 في احد مستشفيات باريس ودفن في بغداد حيث اعلن الحداد الرسمي عليه بينما لم تبد سوريا اهتماما بوفاته ، اما صلاح الدين البيطار فقد اغتيل في باريس عام 1980 وقبل سنوات من وفاته قال كلمته المشهورة " في الحقيقة لم يعد هناك بعث لا في سوريا ولا في العراق" .
ويرى بعض المختصين في التاريخ السياسي للمنطقة ، ان جذور الصراع بين الجناحين المدني والعسكري في الحزب تعود إلى الأيام الاولى لتأسيسه، حيث كان اكرم الحوراني هو الذي ادخل فكرة الانقلابات في عقل الحزب، بينما ظل تيار عفلق والبيطار يمثل الجناح المدني في الحزب. وقد أسهمت هذه الظاهرة في عسكرة الحزب ان جاز التعبير لدرجة ان بعض رموزه الذين امسكوا بالسلطة من المدنيين أعطوا لأنفسهم رتبا عسكرية كما حصل مع الرئيس العراقي صدام حسين وبشار الأسد في سوريا ، وكان من المفارقات ان حزب البعث الذي يرفع شعار الحرية يقيم اكثر الأنظمة شمولية في سوريا والعراق، ولم ينجح في توحيد حتى البلدين الذين يحكم فيهما رغم أن إقامة الوحدة العربية من أولى مبررات وجوده .

وقد أسهمت ظاهرة الانقلابات العسكرية في تقويض الاستقرار في المجتمع في عقدي الخمسينيات والستينيات ، وقطعت سياق تطوره الطبيعي التدريجي بفعل النزعة الارادوية التي حملتها معها ، وربما يكون الأهم انه على أكتافها عرفت الحياة السياسية العربية ما اصطلح على تسميته بظاهرة " الريف السياسي" .

ثانيا : ظاهرة الريف السياسي والمقصود بهذه الظاهرة زيادة الدور السياسي للريف وصولا إلى تغوّله وسيطرته على الحياة السياسية . وقد مهد لهذه الظاهرة عجز القوى المدنية عن إنجاز المهام المطروحة على سلم التطور الاجتماعي في تلك الفترة وهو الأمر الذي خلق فراغا ملأه الريف وأبنائه ، بخلاف ما هو متعارف عليه من دور مميز للمدن والمراكز الحضرية في سياق عملية التطور الاجتماعي .

ولم يكن امام أبناء الريف الفقراء من طريق سوى الجيش لتحقيق أحلامهم وشق طريقهم في الحياة في ظل عدم توفر فرص التعليم الجامعي امامهم واقتصاره على طبقة محددة ميسورة في المجتمع ، كانت ترسل أبنائها إلى الجامعات الأوروبية في اغلب الأحيان  وكان الطريق امامهم معبدا لتولي المناصب والمواقع في جهاز الدولة المدني مبتعدين عن الحياة العسكرية ومشاقها وصعوباتها ومخاطرها والتي اقبل عليها أبناء الريف المهمّش. وهكذا لاقت الفكرة الانقلابية صدى واستجابة في صفوفهم بحكم الظروف الموضوعية المشار اليها ، خاصة وانها ارتبطت بأحزاب رفعت شعارات استجابت لمصالحهم ودغدغت عواطف الشعوب العربية التي كانت تعتقد ان السير وراء هؤلاء سيقود إلى تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية التي أخذت صورة الاشتراكية ونموذجها اثر تعاظم نفوذ المعسكر الاشتراكي في الحقبة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية .

وعندما وصل هؤلاء إلى السلطة ، نقلوا إلى الحياة السياسية الكثير من المظاهر التي لم تكن مألوفة أو شكلت في حال وجودها استثناء وخروجا عن القاعدة مثل العنف المبالغ فيه ضد المعارضين وكبت الحريات وتجاوز الديمقراطية والبرلمان والانتخابات التي صارت شكلية اكثر منها فعلية .وقد جرى تغطية ذلك بشعارات متطلبات المعركة ضد العدو الإمبريالي والعدو الصهيوني .

وشيئا فشيئا أخذت تضيق قاعدة السلطة وتمثيلها مع إحكام قبضة الرجل الأول في الحكم على مقاليد الامور ، والصراعات التي نشأت داخل أجنحة الحزب وتياراته القائمة على أسس فكرية أو منطلقات سياسية ، وهكذا وصلت الامور إلى حكم الطائفة العلوية في سوريا التي خرج من بين صفوفها نسبة كبيرة من الجناح العسكري للحزب ومنهم صلاح جديد وحافظ الأسد الرئيس الراحل، ثم انتقل الوضع إلى حكم العائلة ذاتها ، أي عائلة الأسد ، والتي نشهد حاليا تمرد رفعت الأسد الذي هو احد أبنائها. والذي جرى في سوريا تكرر أيضا في العراق، حيث اقتصرت المناصب الرئيسية على منطقة تكريت ، ثم على عائلة الرئيس العراقي نفسه .

ثالثا : ظاهرة البرجوازية البيروقراطية ولم يكن بوسع من تولوا السلطة الاستمرار فيها دون تعزيز الهيمنة السياسية بالسيطرة على القاعدة الاقتصادية . ومن المفارقات اللافتة للانتباه في تطور هذه الدول ان السيطرة السياسية كانت ، وبخلاف المألوف والمتعارف عليه في التاريخ البشري ، طريقا للسيطرة الاقتصادية والتي سهلها ألتأميمات وإنشاء القطاع العام الذي كان في جوهره قاعدة اقتصادية للفئات الجديدة أو الطبقة الجديدة ان جاز التعبير. ومن هنا اصبح ضباط الجيش وقادة الأجهزة الأمنية يتمتعون بامتيازات لا حصر لها ونشأت الأرضية موضوعيا لنشوء الفساد في ظل غياب الحريات الصحفية التي تكشف وتفضح ، والبرلمان الذي يشرّع ويراقب .

فالمصادر السورية المقربة من المعارضة تشير إلى ان ثروة رفعت الأسد عندما غادر سوريا بلغت قرابة 16 مليار دولار، اما عائدات النفط السوري فانها لم تكن تدخل الموازنة الرسمية للدولة قبل عام 2000 الحالي وكانت تذهب مباشرة إلى القصر الجمهوري . وثمة حقيقة بالغة الدلالة تتعلق بعدد المليونيرات أي أصحاب الثروات المقدرة بالملايين . ففي عام 1963 عندما استلم حزب البعث السلطة في سوريا قدر عدد هؤلاء ب (55 ) مليونيرا . اما في عام 1976 فقد ارتفع العدد ليصل إلى (2500 ) مليونيرا ، يملك كل واحد من عشرة في المائة منهم اكثر من مائة مليون ليرة سورية ، ويقدر ان هذا الرقم تضاعف منذ عام 1976 لغاية الآن رغم عدم توفر معلومات دقيقة يتم الاستناد اليها ، وبالتأكيد فإن في عدادهم بل في أغلبيتهم ما يمكن تسميته بالطبقة البيروقراطية الجديدة في الحزب والدولة .

وبفعل هذه العوامل همّش دور الحزب شيئا فشيئا ، لدرجة باتت أمانته العامة تنقل بالوراثة من الأب إلى الابن ، ونتائج مؤتمراته معروفة سلفا قبل ان تعقد ، ومن الظلم القول انه يحكم فعليا في سوريا أو العراق ، وان بقي واجهة للحكم تختفي ورائه القوى الفعلية الممسكة بمقاليد السلطة ومفاصلها .
وفي ظل هذه الحقيقة ، فان المصادر السورية تفسر سر اهتمام الرئيس القادم لسوريا بشار الأسد بالحزب في النقاط التالية :

1- ان الحزب هو مصدر هام لشرعية الرئاسة وطريقا اليها. فالقيادة القطرية ترشح للرئاسة ، وبالتالي لا بد من عضويتها ، والاهتمام ببقاء هذا الغطاء طالما انه سهلا وفي متناول اليد .
2- ان الحزب ـ بإمكانه القيام ـ وهو فعلا يقوم بدور مساند وتعبوي لسياسات الرئيس بهذا القدر أو ذاك ، خاصة وان الرئيس القادم لا يملك خبرات سياسية كبيرة ، وقد تشكل بعض الوجوه الحزبية مصدر دعم وإسناد له هو بحاجة إليه في المرحلة القادمة .
3- ان الحزب مفيد في ميدان العلاقات الخارجية مع بعض الأحزاب في الدول العربية والأجنبية ، كما انه ممكن ان يشكل ملاذا أو حجة لتأجيل القرارات على الصعيد الداخلي أو التهرب من بعض الضغوطات الخارجية بدعوى مشاورة الحزب واتخاذ قراره.
4- إضافة إلى بشار ذاته فان ادخال طاقمه وبعض المحسوبين عليه في القيادة القطرية يسهل توليهم مناصب في الدولة وقيامهم بأدوار مطلوبة لتعزيز دوره واحكام سيطرته.

سوريا وحزب البعث

قبل توليه السلطة في انقلاب الثامن من آذار عام 1963 ، شارك في ايلول 1955 في الانتخابات التشريعية ودخل على اثر ذلك عدة وزراء منه في الحكومة . وفي عام 1958 حل الحزب بطلب من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي طالب بحل كافة التنظيمات السياسية في دولة الوحدة ، ونقل مقره من دمشق إلى بيروت، الا ان بعض الضباط البعثيين واصلوا الاتصالات بينهم وشكلوا في اكتوبر عام 1959 " اللجنة العسكرية البعثية " في القاهرة وكان من بين أعضائها الرئيس الراحل حافظ الأسد ، وعكس ذلك رفضا لقرار حل الحزب من ناحية وتحضيرا لانقلاب عام 1963 من ناحية ثانية . وبعد الانفصال في 28 ايلول 1961 انتخبت في 1-12-1961 جمعية تأسيسية (البرلمان) حقق فيها البعث فوزا كبيرا .
وقد شكل الحزب اول حكومة بعثية بعد انقلاب 1963 في 13 ايار من ذلك العام، وكان اول مرسوم أصدرته في ذات اليوم تأميم المصارف، ثم تلته مراسيم تأميم صناعات النسيج في حلب في نيسان 1964 وتأميم الصناعات النفطية والغذائية والدوائية في شباط 1965.

وقد تفاقم الصراع بين التيار المدني في الحزب (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ) والجناح العسكري والذي كان من ابرز رموزه صلاح جديد وإبراهيم ماخوس ويوسف زعيّن وحافظ الأسد ، ووصل الصراع ذروته في 23 شباط حين تمت عملية سيطرة الجناح العسكري على الحزب مع وصول الدكتور نور الدين الأتاسي إلى رئاسة الجمهورية .

ويلفت أحد قدامى البعثيين الانتباه هنا إلى ان وصف الصراع بين جناح مدني وعسكري لا يعكس الحقيقة ولا يلّم بتفاصيل الصورة التي كانت قائمة وقتها في الحزب ، ويضيف انه دون إنكار وصف الجناح المدني والعسكري فان الأهم هو ان الحزب شهد تبلور تيارات في داخله ما بين يمين (الجناح المدني ) ويسار (الجناح العسكري ) والذي كان يقترب شيئا فشيئا من مفاهيم الاشتراكية العلمية (الماركسية ) ويعبر عن عدم اقتناعه بوجود شيء اسمه الاشتراكية العربية كما كان يطرحها عفلق وأنصاره .

وبعد عام 1966 ، اخذ يبرز دور حافظ الأسد وتصاعدت وتيرة الخلاف بينه وبين جناح صلاح جديد ، لدرجة ان سوريا شهدت نوعا من ازدواجية السلطة التي أخذت تميل شيئا فشيئا لصالح تيار الأسد وأنصاره خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1968-1970 والذي شهد قيام الأسد بانقلاب أطلق عليه الحركة التصحيحية . وكان من ابرز قضايا الخلاف وقتها بين التيارين رفض الأسد للتدخل السوري لصالح المقاومة الفلسطينية إبان أحداث ايلول في الاردن عام 1970.

وخلال فترة حكم الرئيس الراحل عقد الحزب مؤتمراته القطرية الخامس 1971، السادس في أيار 1973، السابع عام 1979 والثامن عام 1985، وكان مقررا عقد التاسع عام 1989، الا انه لم يعقد فعليا الا في مرحلة حكم ابنه بشار ، وهو الأول فيها.
وإذا كانت أزمة حزب البعث عام 1970 قد أوصلت الرئيس الراحل إلى السلطة ، فأن اخطر ما واجهه كان في المرحلة ما بين 1975-1985 ، والتي شهدت التدخل العسكري السوري قي لبنان في 1-6-1976 وسحق المعارضة الاسلامية المسلحة نهائيا وتجميد عملياتها في أوائل عام 1985.

وقد كانت السياسة الحزبية خلال تلك الفترة قائمة على ركنين أساسيين هما " التبعيث" كانعكاس تقليدي لنمط التخطيط المركزي الشامل وبهدف توسع القاعدة الشعبية للحكم والتي يمثلها الحزب ، وباتجاه معاكس جرت حملات " التطهير " في صفوف الحزب مع تنامي المعارضتين اليمينية واليسارية اثر التدخل العسكري في لبنان .
وكترجمة لسياسة " التبعيث " قرر الحزب بناء ما سماه ب " الجيل العقائدي " باستيعاب 100% من طلاب المرحلة الإعدادية و80% من طلاب المرحلة الثانوية في منظمته التربوية السياسية الرديفة لمنظمة " اتحاد شبيبة الثورة " . كما دعا التقرير التنظيمي للمؤتمر القطري السابع إلى " فرز كل العناصر السياسية والمعادية لفكر الحزب ومواقفه وابعادها عن قطاع التربية بالصيغة التي تراها القيادة لخطورة أثرها على مسألة البناء العقائدي " . وقد شمل الفرز ،العناصر المحسوبة والقريبة من الاسلاميين والشيوعيين في نفس الوقت ، وجرى توسيع دائرة الاستيعاب لتشمل كل الحياديين والمؤهلين للعضوية . وقد رفع الحزب في عام 1978 شعار " عام النصير " وهي الدرجة الاولى في العضوية الحزبية .

وقد عكست هذه السياسة التوسعية الاعتباطية نفسها على الالتزام الحزبي . وتشير التقديرات الحزبية الرسمية إلى ان درجة التزام الأعضاء "الأنصار" بالاجتماعات الحزبية كانت متدنية وفي حدود 40% ، اما الأعضاء العاملين فقد تراوحت النسبة ما بين 75-90% . ومن الناحية الفعلية باتت الفوارق بين الأعضاء العاملين والأنصار محدودة باستثناء ما يتمتع به الأعضاء العاملون من حق الانتخاب والترشيح ، وقد حاول الحزب ان يدقق نسبيا في ترفيع الأعضاء العاملين بقدر ما حاول التوسع في ضم الأنصار ، فشهدت الفترة ما بين 1975-1980، خفضا في نسبة الترفيع للعضوية العاملة إلى 40.8%.

وقد ارتفع عدد الأعضاء العاملين من 22542 عضوا في أواخر عام 1975 إلى حوالي 44536 عضوا مع نهاية عام 1979، أي ان نسبة الزيادة بلغت حوالي 198% . وفي ذات الفترة ارتفع عدد الأنصار من 161822 إلى 237501 عضوا ، أي بزيادة بلغت 147%،وبذلك بلغ مجموع الجهاز الحزبي 282037.

لكن قراءة هذه الأرقام ، تفيد ان التوسع تم أساسا بين طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية والعمال والفلاحين . فمن حيث المستوى العلمي بلغت نسبة من تقل ثقافتهم عن الثانوية العامة في صفوف مجموع الحزب 77% وهي نسبة عالية جدا ، اما نسبة من هم دون الإجازة الجامعية فكانت 13% ، وهذا معناه ان 10% فقط هم من حملة الشهادة الجامعية فما فوق . ويؤكد صحة الاستنتاج أيضا اذا ما تم تناول بنية الحزب وفقا لمحور الأعمار، حيث بلغت نسبة من هم دون سن 25 عاما قرابة النصف (49%) ونسبة من هم بين 25-39 عاما 39% ، ومعنى ذلك ان بنية الحزب باتت شابة وطلابية في مظهرها الرئيسي ، في الوقت الذي كانت فيه نسبة الحزبين متدنية في صفوف النقابات المهنية حيث كانت أعلاها في صفوف الصحفيين الذين يعملون في الدولة 10.4%، وأدناها 3.4% في صفوف الصيادلة . أي ان المواطن كلما كان عمله بعيدا عن الدولة نسبيا كانت عضويته في الحزب استث