2006-05-20
أجرى معهد "سابان" لدراسات الشرق الأوسط، ورشة عمل إقليمية في مقره بواشنطن، تناولت خيارات السياسة الأمريكية في التعامل مع المأزق الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك بمشاركة عدد واسع من السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبمشاركة أردنية ومصرية وأوروبية وأمريكية، أكاديمية وسياسية، وقد خرجت الورشة بالتقرير التالي الذي أعد لمساعدة الإدارة الأمريكية على رسم خياراتها وبدائلها، وفيما يلينص التقرير:
لقد أبرزت الانتخابات الفلسطينيّة والإسرائيلية الأخيرة وبشكل استثنائي جوا معقدا أمام صناع السياسة الأمريكيين من حيث التفكير في ماهية الفعل لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في السنوات المتبقية أمام ادارة بوش.وعلى نحو محير قام الناخب الاسرائيلي باختيار حكومة تحالف يسار الوسط والتي التزمت وتعهدت بالانسحاب من الضفة الغربية,وفي نفس الوقت أعطى الناخب الفلسطيني زمام الحكم في السلطة الفلسطينية الى حركة حماس المعاندة والرافضة.ومع عدم اهتمام حركة حماس بالمفاوضات مع اسرائيل,سيتوجه رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد اهود اولمرت في الثالث والعشرين من أيار 2006 الى واشنطن للبدء بمفاوضات تعزيز خطته للانسحاب من الضفة الغربية مع الرئيس جورج بوش الابن "والمعروفة كذلك بخطة "التقارب".وفي هذه الأثناء هناك نزاع مدني وأزمة إنسانية متنامية في قطاع غزة حيث تواجه السلطة الفلسطينية انهيار وشيك بسبب عدم القدرة لدى حماس على دفع الرواتب لموظفي السلطة الفلسطينية,واحتمال تصاعد العنف الفلسطيني ـ الفلسطيني إضافة الى العنف الموجه ضد اسرائيل.وعلى الرغم من هذه التطورات الصاخبة هناك أغلبية قوية في صفوف الإسرائيليين والفلسطينيين يدعمون رؤية الرئيس بوش في الحل القائم على أساس الدولتين كوسيلة لحل النزاع ما بين الطرفين,كما انه لا زال هناك قطاعات كبيرة من الفلسطينيين والإسرائيليين يدعمون طريق المفاوضات.
وفي مثل هذه اللحظاتِ مِنْ المأزق والجمود الدبلوماسيِ الواضح للعيان، وعندما يلوح العنف في الأفق فان الجهود الامريكية بالاشتراك مع جهود طرف ثالث آخر يمكن ان تلعب دورا حاسما في الحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها في مراحل سابقة,وحماية الإمكانيات أمام مفاوضات جديدة في المستقبل,وفي إيقاف ومنع التأثير المدمر للعنف.على اية حال ان سياسة ادارة النزاع او الاحتواء غير كافية لحل المعضلات الثنائية التي خلفتها الانتخابات الاخيرة لواشنطن.أي سياسة إدارةِ النزاعَ أَو الاحتواء، على أية حال، غير كافيُ لحَلّ المعضلاتِ الثنائيةِ التي الانتخابات الأخيرةِ ولّدتْ لواشنطن. فعلى الجانبِ الفلسطينيِّ،فان سياسة ادارة الرئيس بوش مبررة بشكل جيد في منع وصول حكومة حماس للمساعدات الدولية والذي من المحتمل ان يرفع بصورة اكبر من مؤشرات شعبية الحركة,وفي نفس الوقت تتلقى واشنطن اللائمة عن الأزمة الإنسانية الفلسطينية المرتقبة.وعلى الجانب الاسرائيلي فان تبني الولايات المتحدة لخطة اولمرت "للتسوية" والقائمة على انسحاب عميق من الضفة الغربية والذي يمكن ان يخاطر بفرص التوصل للحل عبر طريق المفاوضات,وبالتالي تستفيد حماس لأنها ستكون مسرورة جدا لان تأخذ الارض من اسرائيل دون ان يترتب عليها ان تدفع الثمن.
ومن الناحية الظاهرية تبدو ان الأجوبة على هاتين المعضلتين على درجة كبيرة من الوضوح:فالولايات المتحدة من حيث المبدأ لا تستطيع الاعتراف او القبول او توجيه اي شكل من اشكال الدعم لحكومة حماس ما لم تقابل الاخيرة الحد الادنى من المعايير التي وضعها المجتمع الدولي وتبناها الفلسطينيون عند انتخابهم محمود عباس لمنصب الرئيس في 2005.وعلى نفس النمط هناك استحالة أمام اسرائيل للتفاوض مع حكومة حماس والتي ترفض وجود اسرائيل أساسا,ومن حيث المبدأ يتوجب على الولايات المتحدة ان تدعم الخطة الإسرائيلية المستقلة والرامية الى إخراج المواطنين الإسرائيليين من اراضي الضفة الغربية.ومع ذلك فان تطبيق الولايات المتحدة لهذين المبدأين قد يترتب عليه تعقيدات عميقة لرؤية الرئيس بوش في مبدأ قيام الدولتين القابلتين للتعايش جنبا الى جنب في أمن وسلام.وفي الحقيقة فان السنوات الاخيرة من عمر ادارة الرئيس بوش قد تشهد ظهور اسرائيل المضطربة خلف الجدار العالي جنبا الى جنب مع دولة فلسطينية فاشلة وإرهابية,ان هذه الرؤية المرعبة ليست ما هي عليه الأمور في ذهن الرئيس بوش.
ان هذين المبدأين لا يستطيعانِ العمل كقواعد كافية للسياسة الامريكية لذا يجب ان تتزاوج مع مبدأ ثالث:للتمسك المستمر بأهداف الحل القائم على مبدأ الدولتين للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وهذه التسوية فقط والمتفق عليها بشكل متبادل يمكن لها ان تأتي بالأمن الدائم للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.ومع ان هذا الهدف يبدو بعيدا عن التحقيق في الوقت الحاضر الا انه يجب ان يبقى الهدف الامريكي الرئيسي,ولحماية هذا الهدف يتوجب على الولايات المتحدة السير بشكل حذر.وفي الوقت الذي يتوجب فيه على ادارة بوش ان تدعم الخطة الاسرائيلية للانسحاب من المناطق المحتلة يجب ان تبحث في كيفية تشكيل ذلك الانسحاب لزيادة الإمكانيات لاحقا أمام الاحتمالات أمام مفاوضات السلام. وبنفس الطريقة،وفي الوقت الذي يجب فيه على الولايات المتحدة ان تنأى بنفسها عن حماس ما لم تغير مخططاتها يجب على السياسة الامريكية ان تشجع البدائل الفلسطينية القابلة للاستمرار وتتسم بالفاعلية والتي يمكن ان تكون مفاوضا مؤهلا وموثوقا بالنسبة لإسرائيل.ان فك الارتباط الامريكي من الاستثمار الطويل المدى في تسهيل الحل القائم على المفاوضات سيكون فشلا كبيرا ويمكن ان يساهم في إعادة استراتيجية اصطفاف المجتمع الفلسطيني والتي قد تتجه نحو جبهة الرفض المتمثلة بحزب الله وسوريا وايران.كما ان مثل هذا الاصطفاف سيشكل تقصيرا وتراجعا على صعيد العلاقة ما بين الغرب والعالم الاسلامي,والتي لا تبشر بالخير ليس فقط على صعيد نظرة الرئيس بوش للحل القائم على مبدأ وجود الدولتين,ولكن ايضا على صعيد جهوده لتغيير السلوك الخطر لكل من ايران وسوريا والحرب الشاملة على الارهاب.
أخطار الوضع الراهنِ:لقد ترك إزالة المستوطنين والجنود الإسرائيليينِ مِنْ قطاع غزة في شهر آب 2005 فراغا حل محله أمراء الحرب الفلسطينيين، وقوات الأمن والمنظمات السياسية. لقد اثبت السلطة الفلسطينية المنهارة سواء تلك التي كانت تقودها فتح بالسابق او التي تقودها حماس حاليا أنها غير قادرة على السيطرة على الوضع سواء حالة الفوضى السائدة والنزاعات الداخلية ناهيك عن استمرار هجمات الصواريخ الإرهابية على اسرائيل, وكانت النتيجة عرقلة تدفق البضائع الى غزة مما جعل اتفاقية المعابر والتي جاءت بمشقة بالغة والمدعومة امريكيا عديمة الجدوى تقريبا. إن هذه الظروف المريعة التي تزامنت مع وقف حوالات الضريبة المالية الاسرائيلية التي تلت استلام حماس للسلطة قد خلقت أزمة اقتصادية وإنسانية من حيث نقص الإمدادات الطبية والغذائية في غزة.وفي دراسة جديدة للامم المتحدة تطرح بأنه بناء على الاتجاهات الحالية فان السكان الفلسطينيين يمكن ان يواجهوا أزمة إنسانية حادة مع نهاية الصيف.
ان العزلة والمشقّة والانقسامات في اطار المجتمع الفلسطيني قد تنذر بانهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية.حيث ان النظام السياسي الفلسطيني يعاني ومنذ فترة طويلة حالة من التمزق وعدم الفعالية.على اية حال فان السلطة الفلسطينية منشقة الان بصورة مؤسسات متوازية ومتنافسة بسبب تمتع كل من الرئيس ورئيس الوزراء بتفويض انتخابي ويقدم كل منهما برامج سياسية متباعدة جدا.فحركة حماس تسيطر على البرلمان والوزارة مع بعض المليشيات المسلحة ولكن حركة فتح التي ينتمي إليها الرئيس محمود عباس ومع فئاتها المتنازعة تسيطر على أجهزة الامن والمراكز العليا في المؤسسات البيروقراطية للسلطة الفلسطينية والسلطة القضائية ومنظمة التحرير الفلسطينية وبعض المليشيات المسلحة ورئاسة السلطة الفلسطينية.
وإذا أرادت السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ أَنْ تَحْكمَ بشكل فاعل،عليها ان تحقق على الأقل الحد الادنى من الإجماع بين هذه القوى المتنافسة وخاصة ان التوترات الحالية أصبحت غير محتملة في ظل النزاعات للسيطرة على منظمة التحرير ومكاتب ومصادر السلطة الفلسطينية حيث ان هذه النزاعات تنهي وبشكل كبير اية آليات معتمدة لحل الانقسامات بين الفلسطينيين على صعيد السياسة الداخلية والخارجية.ويمكن القول ان النزاع بين الفئات الفلسطينية قد اندلع ومن المحتمل ان يتلوه نزاع مدني واسع النطاق.
ان الأوضاع المتدهورة في الأراضي الفلسطينيّةِ يُمْكِنُ أَنْ تزيد ايضا من درجات العنف والهجمات الإرهابية ضد اسرائيل.كما ان قيادة حماس التي أخفقت في الحكم لديها القليل من الحوافز للعمل على إعاقة العمل الفدائي المسلح.وانتفاضة اخرى مع دعم شعبي لها يمكن لحماس وبنجاح توجيه اللوم لإسرائيل والقوى الغربية على الكارثة المتنامية.وقد يتولد لدى حماس الإحساس بالضغط التنافسي من جراء استخدام حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية لإرهاب الهجمات الانتحارية الناجحة بما في ذلك الهجوم الإرهابي في السابع عشر من نيسان 2006 الذي أودى بحياة احد عشر في تل أبيب,وقد يدفع هذا ايضا الى ان تقوم اسرائيل بالرد على الهجمات الإرهابية المتزايدةِ بتَوسيع النشاطِ العسكريِ في المناطقِ الفلسطينيّةِ المأهولة بالسكانِ، وفي أقصى الظروفِ ان تقوم اسرائيل لمرة اخرى باحتلال أجزاءِ قطاع غزة.ان مثل هذه الديناميكا يُمْكِن لها أَنْ تُعجّلَ من انهيار السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ،وبالتالي تحويل غزة والضفة الغربية إلى كيان فاشل تسوده الفوضى،مما قد يستلزم تدخّلاً دولياً في ظل أجواء مليئة بالمشاعر العدائية.
وفي مثل هذه الظروف والأجواء يصبح من الاستحالة بمكان تطبيق خطة انسحاب رئيس الوزراء أولمرت,وفي الحقيقة يمكن ان تتمزق حكومته الائتلافية ويفقد معها أولمرت الأغلبية في الحكم ويكون مصيره مصير الحكومتين الإسرائيليتين السابقتين اللتين حاولتا التخلي عن الارض لان تحالفه لا يملك الاغلبية الضرورية المؤلفة من 61 صوتا من 120 في الكنيست لتطبيق خطته في الانسحاب الأحادي الجانب من الضفة الغربية ,فهو يعتمد على الأطراف من خارج تحالفه لتمكينه من الاستمرار بالانسحاب.وقَدْ يعيقُ ذلك تحقيق أدنى درجات الطموح، لكن ما زالت هناك الجُهود الأمريكية الحيوية في معالجة الأزمة الإسرائيليةِ الفلسطينيّةِ.
ما العمل حيال حماس؟
ان قرار إدارة بوشَ في قَطْع كُلّ المساعدات الموجهة إلى السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ عندما تسلمت حماس السلطة كان حتميا وضروريا,فالقانون الامريكي ورأي الكونجرس والمصالح الامريكية الأساسية جعلت من المستحيل توجيه الدعم الى حكومة ترفض المبادئ الأساسية للنظرة الامريكية تجاه قضية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. كما قادتْ الاعتبارات المماثلةُ الاتحاد الأوربي وبشكل سريع الى فَرْض الحظر على تمويل السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ بقيادةِ حماس. وعلى الرغم من هذا،فان ذلك القرارِ يَدْفعُ بالسؤال،عن ماهية الهدف من الحظر؟ هَلْ امتناع الولايات المتّحدةِ والمجتمع الدولي عن تقديم المساعدات هي افضل السبل المستخدمة لتغيير النظام " انهيار السلطة الفلسطينية" او تغيير السلوك اي " الاعتدال في سياسات حماس"؟ ومن الناحية العملية فان التمييز سيكون مشوشا لان قطع المساعدات قد يؤدي الى انهيار حكومة حماس حتى لو كان غرضها الحقيقي تعديل سلوك حماس.ومع هذا يجب على السياسة الامريكية ان تتصل مع الفلسطينيين وان قرار حماس برفض المبادئ الأساسية للتعايش الاسرائيلي الفلسطيني هو السبب في عدم إمكانية حماس من توفير حاجاتهم الأساسية.وإذا فهم الفلسطينيون فشل حماس من هذه الزاوية,حينها سيودون في رؤية زعامة بديلة وبرامج سياسية اخرى.وعلى اية حال فان حماس قادرة على توجيه اللوم لعيبوها ومواطن ضعفها الى ضغوطات المجتمع الدولي,ومن ثم فان عزلة حماس الدولية ستؤثر عكسيا وترفع من مؤشرات شعبية حماس وكذلك ان تزيد من مواقفها الرافضة.
ولغاية الآن استطاعت حماس من قلب الطاولة على السياسة الامريكية من خلال مناقشة بان تعليق التمويل جاء بناء على ممارسة الفلسطينيين لحقوقهم الديمقراطية وهذا يكشف مدى زيف ونفاق الديمقراطية الامريكية. وعلاوة على ذلك فان حركة حماس تعتمدُ على الأزمةِ الإنسانيةِ المرتقبةِ في محاولة لإحداث الانشقاق في صفوف الرباعية"الاتحاد الاوروبي,روسيا,الأمم المتحدة, الولايات المتحدة الامريكية" لان الاتحاد الاوروبي وروسيا سيسعيان الى ايجاد الطرق والوسائل لمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية الامر الذي ستعارضه الولايات المتحدة بحزم وبهذا تكون العزلة لها وليس لحركة حماس.
بعبارة أخرى،فان السياسة أمريكية أثبتت أنها جاءت بنتائج عكسية وهي بحاجة لإجراء التعديلات لإزالة تناقضاتها:
أولاً: يجب على ادارة بوش ان توضح بان هدفها للحكومة المنتخبة للسلطة الفلسطينية بقيادة حماس يكمن في تلبية متطلبات الشرعية الدولية,وبمعنى آخر :التعهد بنبذ العنف وقبول وجود اسرائيل واحترام الاتفاقيات الحالية,وان لا يتم رسم وهندسة ذلك على أساس إسقاط الحكومة.كما يجب على الولايات المتحدة ان تؤكد مراراً وتكراراً "بِأَنَّ قواعدِ اللعبة هذه" قد تم إيجادها مِن قِبل الفلسطينيين عندما قام ممثلِهم الرسميِ، منظمة التحرير الفلسطينية، بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو،والاعتراف بإسرائيل والتخلي عن العنف. وبرفض هذه الشروط الثلاثة يجب تصوير حماس بأنها تقلل من الشرعية الفلسطينية المكتسبة بشق الأنفس وان ذلك يعيد القضية الفلسطينية عقودا للوراء .
ثانيا: يجب على إدارة بوش أَنْ تُحدّدَ الخطواتَ التي يمكن لحماس ان تتخذها لمراقبة "قواعد اللعبةِ"، ويَجِبُ أَنْ تُوضحَ فيما إذا كانت حماس تتوافق مع هذه الشروط وعندها ستتعامل معها الولايات المتحدة على أساس أنها حكومة شرعية.ان الخطوة الأهم في هذا السياق هي المتعلقة بالعنف والارهاب.وكحكومة منتخبة يجب على حركة حماس ان تظهر بعض المسئولية على الاراضي التي تقع تحت سيطرتها وهذا يعني إيقاف كافة نشاطات المقاومة ليس فقط من قبل كتائب القسام وانما ايضا لجان المقاومة الشعبية وكتائب شهداء الاقصى,وإذا قامت حماس بتنفيذ ذلك بثبات فإنها ستكون فاعلة في عملها ضد الارهاب اكثر من السلطة الفلسطينية أبان سيطرة حركة فتح ,وعلاوة على ذلك يجب على حماس ان توضح للفلسطينيين الاعتقالات ونزع سلاح الإرهابيين وذلك بالمقارنة مع تبنيها السابق لنشاطاتِ "المقاومةِ".ان مثل هذه الإجراءاتِ تَعمَلُ بصورة اكبر لعَرْض نوايا حماس الحقيقية مِنْ التصريحات المصممة للتقارب مع شروط الرباعية وفي دون ان تعمل على تلبية تلك الشروط.
ثالثا: من المحتمل جدا لحركة حماس ان تعاند حتى لو أعطيت مشروعا مثل "خارطة الطريق" للاعتراف به,لذا يتوجب على الولايات المتحدة ان تعمد الى تشجيع قيادة فلسطينية بديلة,علما ان مثل هذا الاتجاه صعب جدا وقد تستغرق حركة فتح سنوات عديدة لتصبح بديلا موثوقا عن حماس,كما انه من غير المحتمل أمام الأطراف المستقلة ان تتمكن ايجاد الدعم الشعبي المهم في أمد قصير,وهذا يترك الخيار في تعزيز الرئيس محمود عباس كخيار وحيد وفعال على المدى القصير,فهو رئيس منتخب للسلطة الفلسطينية ولديه تفويض شعبي والتعهد بنبذ العنف والدخول بمفاوضات السلام مع اسرائيل,وكونه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية فهو المحاور الشرعي لهذه المفاوضات.
إنّ المشكلةَ تكمن في ان عباس فَقدَ المصداقية في العيونِ الأمريكيةِ والإسرائيليةِ بسبب عدمِ قدرته على منع العنفِ أَو فرض النظام.وهناك تساؤل حقيقي حول قدرته على الالتزام بأية تعهدات ناجمة عن المفاوضات بما في ذلك ضمان رضوخ حماس لبنود الاتفاقية مع اسرائيل.ومع ذلك فهو الزعيم الفلسطيني الوحيد المتوفر في هذه اللحظة,ويجب على الولايات المتحدة ان تتعامل معه وفقا لذلك من خلال السعي لتعزيز قدراته وتأثيره.لان التجربة الماضية تفيد بان طراز قيادته يجعل من إنجاز هذا الدور أمرا صعبا,لذا يجب على الولايات المتحدة ان تبقي الدعم ايضا لتطوير القوى السياسية الفلسطينية الأخرى.وفي تعزيز وتقوية دور عباس يجب على الولايات المتحدة ان تأخذ بعين الاعتبار بأنه يمكن في نفس الوقت ان تقوض تقدما فلسطينيا نحو إنجاز حكومة فلسطينية مسئولة ومعتمدة,التقدم الناجم عن الاستثمار الامريكي في الديمقراطية الفلسطينية.
رابعا: يجب على الولايات المتّحدة أَنْ تَجدَ وسائلَ فعّالةَ للاتصال مع الفلسطينيين الذين رفاهيتِهم ومستقبلِهم مصدر قلق للأمريكان.ولقد خصّصَ الكونجرسُ حوالي 450$ مليون لمساعدةِ الفلسطينيين، والذي مُنِعَ الآن بسبب تسلم حرك حماس السلطة.يتوجب على إدارة بوش أَنْ تستخدم البعض مِنْ هذه الأموالِ لتَزويد المساعدةِ الإنسانيةِ الطارئةِ من خلال وكالاتِ الأُمم المتّحدةَ والمنظمات الغير حكوميةَ، مثل وكالةِ إغاثة وتشغيلِ اللاجئين في الشرق الأدنى "الأونروا" وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والذي يُمْكِنُ أَنْ يُساعدَ الفلسطينيين بشكل مستقل عن حكومةِ حماس,والأموال المتبقية يَجِبُ أَنْ توضع في صندوق ائتمان أمريكي للفلسطينيين، وجاهز للتوزيعِ عندما تتصرف حكومتهم ضمن قواعدِ الشرعيةِ الدوليةِ.
خامسا: والآن فقد قرّرتْ الرباعية البحث في دراسة تأسيس "آلية دولية مؤقتة" لتَزويد الفلسطينيين بشكل مباشر,ويتوجب على ادارة بوش ان تعمل بشكل نشيط على ضمان عدم انزلاق الرباعية الى تمويل وتشغيل وزارات السلطة الفلسطينية بقيادة حركة حماس,ولتفادي مثل هذه النتيجة فان هذه الآلية تحتاج للتركيب التالي:
صندوق ائتمان دولي تتوفر فيه الشفافية والمسئولية الكاملة لكافة الأطراف المانحة بما في ذلك الدول العربية، ويكرس لتوجيه المساعدةِ إلى الفلسطينيين.
ترتيب اتفاقية "شراكه" مع مكتب رئيس السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ من خلال تمويل الرعاية الصحيةِ والتعليمِ والرفاهيةِ الاجتماعية. تعيين صندوق الائتمان الدولي لممثلين عنه في داخل مكتب رئيس السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ بمشاركة مُستشاري رئيس السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ الذين يديرونَ هذه القطاعاتِ (وتَتضمّنُ المستشفيات والمَدارِسَ).سيكون ممثلو صندوقِ الائتمان الدوليينِ مسؤولون أمام الرّئيسِ عباس وإلى صندوقِ الائتمان الدولي.
إذا نجح صندوقَ الائتمان الدولي في تقديم المساعدةِ إلى الفلسطينيين بدون مشاركة الحكومةِ بقيادةِ حماس،حينها يتوجب العمل على تشجيع إسرائيل على وضع عائدات الضريبةِ الفلسطينيّةِ في صندوقِ الائتمان الدوليِ. وبنفس الطريقة،يمكن تشجيع الكونجرس على نقل الأموالِ المُخَصَّصةِ سابقاً إلى مثل هذه الآليةِ.
من المتوقع ان تعارض حركة حماس ما قد تراه يهدف الى التقليل من سيطرتها على هذه المؤسسات وقد تلجأ للعنف,على سبيل المثال من خلال استهداف عمال الإغاثة الدوليين واحتلال المستشفيات والمدارس او من خلال إرهاب الموظفين الحكوميين من التعاون مع مكتب الرئيسَ وصندوقَ الائتمان الدولي.ولكن بينما تَسُوءُ ظروفَ الفلسطينيين اليومِ،فانهم سيواجهونَ خيارا واضحا بين مساندة حركة حماس وما بين التخلي عن المساعدات الدوليةِ، أَو دعم الشراكة ما بين رئيسِهم المُنتخبِ مع المجموعة الدوليةِ واكتساب المساعدات الضرورية لقطاع الصحة والرفاهية الاجتماعية والتعليم.ومع عدم قدرة السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ على دَفْع الرواتبِ أَو تمويل وسائلَ الرفاهية والخدمة الاجتماعية،فان قدرة حماس على منع عملياتِ هذه الآليةَ يُمْكِنُ أَنْ تصبحَ ضعيفة تجاه اليأسِ الفلسطينيِّ. وحتى لو استطاعت حماس مَنْع عملياتِ صندوقِ الائتمان الدولي على المدى القصير، فان هذه الآلية يَجِبُ أَنْ تَبْقى جاهزة للاستعمال في حال الانهيار المحتمل للسّلطة الوطنية الفلسطينيّةَ، وعندما تصبح هناك ضرورة للتدخل الدولي. سادسا:في ميدان الأمن،يجب على إدارة بوش الاستمرار بالتَركيز على التزام حماس بمنْع العنفِ في نفس الوقت المساعدة في بناء القدرات الامنية للقوات التي تبقى تحت سيطرة رئاسة السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ، وحرس الرئاسة والقوة 17.من المحتمل ان تبقى هذه القواتِ صغيرة جداً لان تقوم بوظائف الشرطةِ الفلسطينيّةِ أَو جهاز الامن الوقائي,لكنهم يمكن ان يضمنوا العمل بشكل كفء ومفيد في ممرات العبور ما بين غزة ومصر وغزة وإسرائيل والتي يمكن لها ان تساهم في منع حدوث أزمة إنسانية حادة,وقام الرئيس عباس مؤخرا بنشر الحرس الرئاسي في نقطة عبور رفح وهذا من شانه ان يحسن من الترتيبات الامنية في نقطة العبور الى حد كبير,كما ان ذلك حسن من مصداقية عباس مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأخيرا يتوجب على إدارة بوش أَنْ لا تُعارضَ الجهود الفلسطينيّة في الحوار الوطني والذي يُمْكِنُ له في النهاية أَنْ يجعل حركة حماس تقبل بمتطلباتِ المجموعة الدولية.ان هذه الجُهودِ التي يبذلها الرئيس عباس وزعيم فتح المسجون مروان البرغوثي قد تكون في النهاية بلا معنى ما لم تؤدي وبشكل واضح الى إنهاء العنف ضد الإسرائيليين.وعلى اية حال وفي هذه الأثناء يشير بعض الزعماء الفلسطينيين الى استعدادهم لتسلم المسئولية للتخفيف من رفض حماس.ان مثل هذا الحوار يمكن له ان يفتح الباب أمام الانقسامات في قيادة حركة حماس نفسها من خلال الفصل ما بين الزعماء الواقعيين عن الزعماء المتأثرين بتيار الرفض في طهران ودمشق.
ما العمل حول خطةِ "التعزيز" الاسرائيلية؟
سيقوم إيهود أولمرت في الثالث والعشرين من أيار 2006 بزيارته الرسمية الأولى إلى البيت الأبيضِ كرئيس للوزراء في الوقت الذي تتصدر فيه ايران جدول اعمال المخاوف الإسرائيليةِ الأمريكيةِ المتبادلةِ، والوعد الذي أطلقته حملة أولمرت الانتخابية في فك الارتباط السريع عن الفلسطينيين في الضفة الغربية والذي يتطلب ايضا تركيزا امريكيا.وأثناء الحملة الانتخابية الأخيرةِ، أشارَ أولمرت للإسرائيليين عن استراتيجيته ونواياه بصورة لم يسبقه إليها اي زعيم إسرائيلي من قبل,فقد أشار الى انه يفضل الانسحاب المتفاوض عليه على الخطوات الأحادية الجانب الا انه في نفس الوقت لن ينتظر الى ما لا نهاية كي تقوم حركة حماس في إعادة تشكيل نفسها لتدخل بالمفاوضات.وفي بعض التعليقات فقد اقترح بان الجدول الزمني لانسحابه سوف يبدأ مع نهاية هذا العام.وقد اقترحت حكومته بان الانسحاب قد يشمل الضواحي العربية من القدس الشرقية.وعلاوة على ذلك،فقد صرّحَ مراراً وتكراراً بأنّ الانسحاب سيضع حدودَ إسرائيل النهائية، والتي بَقيتْ غير مقررة منذ تأسيس الدولة في 1948.
لا يمكن لأي رئيس امريكي ان يفكر برفض عرض الانسحاب الاسرائيلي وإخلاء المستوطنات من اية اراضي محتلة عام 1967. أن السؤال ليس فيما اذا كان يجب على الولايات المتحدة ان ترحب بخطة "تعزيز" أولمرت,ولكن ما هي المتطلبات التي يجب ان ترتبط بالمساعدات الامريكية,وما هي السياقات الدبلوماسية والسياسية والأمنية التي يمكن للولايات المتحدة ان ترعاها على صعيد الانسحاب لضمان مساهمتها في الهدف الامريكي القائم على مبدأ التفاوض بهدف تحقيق الحل على أساس وجود الدولتين.لا شك ان هذه التساؤلات جاءت في مكانها بسبب ان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد يقدم للرئيس بوش عرضا سيجد صعوبة في رفضه:وذلك مدى الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية والذي يتعادل مع درجة الرغبة الامريكية في تشريع حدود اسرائيل الجديدة.
ومع تقديم الانسحاب الإسرائيليِ في هذه الطريقة فان ذلك من شأنه ان يضع الرئيس بوش في وضع صعب.فهو يريد رفع نسبة الانسحاب الاسرائيلي للترويج لقابلية نجاح الدولة الفلسطينية المستقبلية ,وان ينسب إليه الفضل بوضع الأسس الشرعية لتلك الدولة.على اية حال فان السياسة الامريكية الطويلة الأمد والاتفاقيات الاسرائيلية الفلسطينية السابقة والتي تشير الى ان تلك الحدود يمكن تحديدها من خلال المفاوضات الإسرائيليةِ الفلسطينيّةِ.وفي حال قررت اسرائيل من طرف واحد في رسم حدودها وبمباركة امريكية لحدودها الجديدة ومن ثم قبول الولايات المتحدة لهذه الحدود مع الدولة الفلسطينية المستقبلية.وحيث ان خطة التعزيز ستشمل ضم كتل استيطانية تشكل حوالي ثمانية بالمائة من الضفة الغربية،ان الفرض الاسرائيلي للحدود سيتم رفضه من قبل الفلسطينيين والدول العربية على أساس عدم شرعيته.ومن المحتمل ان يقوم شركاء الولايات المتحدة في الرباعية برفض قوي لهذا التحرك.
ومع هذا،فقد يتم وبصورة كبيرة إغراء الرئيس بوش للرد إيجابيا على حليفه الاسرائيلي والتخلي عن أولوية مفاوضات تسوية الحل النهائي.ان الرئيس بوش في سياسته الخارجية يميل الى نظرات جوهرية وغير تقليدية,والتخلي على سبيل المثال عن ثلاثين سنة من سياسة عدم الانتشار النووي لضمان صفقة نووية تاريخية وجدلية مع الهند. ومع الاتجاه نحو سنواته الاخيرة في المكتب البيضاوي "مرحلة تراثه"،فان الرئيس بوش قَدْ يَسْألُ نفسه في وجود انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب مِنْ أكثر من 90 بالمائة من مساحة الضفة الغربية،بما في ذلك الضواحي العربيةِ للقدس الشرقية،حيث يُمكّنُ التأريخ من النظر بصورة إيجابية لفترة حكمه وان ينظر إليه كأب للدولة الفلسطينية ذات الحدود الاقليمية.ومع هذه الفرصة التي أمامه هناك الالتزام الامريكي بمفاوضات الحل النهائي والتي قد تظهر كإحدى المعطيات الحمقاء في فرصها الضئيلة في ظل وجود حماس في سدة الحكم.والتي قد يراها بوش من الناحية النظرية عرقلة نموذجية لهدف جيد وسهل المنال.
وإذا أثبتت هذه الفرصةِ أنها قويَّة جداً لأنْ تُقاومُ، يجب على إدارة بوش ان تشكل خطة التعزيز الاسرائيلية للتقليل من النتائج السلبية وزيادة الفرص أمام تحقيق اتفاقية مفاوضات الحل النهائي.ان إنجاز الشرعية للانسحاب الاسرائيلي على صعيد التزامات اسرائيل الاقليمية في ظل قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة 242 عام 1967 فمن الضروري ان تشترك مع التالي:
يَحتاجُ خَطَّ الانسحاب بالسماح له وبدرجاته القصوى لمتاخمة الاراضي الفلسطينية,واتصال ما بين الضفة الغربية والأحياء العربية من القدس الشرقية,وحدود مع الاردن,واتصال نهائي ما بين غزة والضفة الغربية.وسوف يحتاج الجيش الاسرائيلي للانسحاب من وادي الاردن واستبدال ذلك بقوات دولية.ومن اجل تزويد الضفة الغربية والقدس الشرقية بممر يجب على الرئيس بوش ان يصر على أولمرت بإلغاء مخططه لضم الملحق ج1 ,وهي اراضي مجاورة لمعاليه أدوميم.
أن التخلي عما يقارب من 60,000 مستوطنَ وحوالي ستّون مستوطنةَ ستكون عملية مكلفة،وستكون إسرائيل بالتأكيد بحاجة الى معونة مالية امريكية.ان الرئيس بوش لم يلتزم بالموافقة,وقد عارضت الولايات المتحدة وبشكل ثابت بناء المستوطنات بعد حرب عام 1967.على اية حال اذا كان أولمرت مستعدا للانسحاب من على الأقل 92 بالمائة من الضفة الغربية،يجب على الرئيس بوش تقديم ضمانات القروض (التي تَتطلّبُ موافقة الكونجرسَ والمجموعات الفرعية للميزانيةِ).
ان أيّ بيان أمريكي يقبل "التعزيزِ" يَجِبُ أَنْ يَضعَ في عين الاعتبار انه في حال الاتفاق النهائي يجب ان يكون "مبدأ تعويض الاراضي او مقايضة الارض ,لأراضي الضفة الغربية المحدودة التي ستضمها اسرائيل".ان هذا البيان الامريكي سيبقي الإيمان بالتزام الرئيس بوش بان الانسحاب الاسرائيلي والدولة الفلسطينية سيضع حدا للاحتلال الذي بدأ في حزيران من عام 1967.
ان المبادئ الامريكية الإضافية المتعلقة باتفاقية الوضع النهائي يجب ان تعلن جنبا الى جنب لأية مباركة للانسحاب الاسرائيلي الأحادي الجانب.ويمكن الإشارة الى مبدأ تعويض اللاجئين الفلسطينيّينِ وتمويل استيعابهم في الدولة الفلسطينية او إعادة توطينهم في مكان آخر,ويشمل ذلك ايضا ترتيبات إعادة لم شمل العائلات.بالإضافة الى مبدأ عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية,مع المحافظة على إمكانية الوصول الدولي للاماكن المقدسة.وبهذه الطريقة يمكن للرئيس بوش من تبني الضرورة المعاصرة للخطوات الأحادية الاسرائيلية في الوقت الذي يتم التأكيد فيه على الالتزام الامريكي الدائم بمفاوضات الوضع النهائي.
وأخيراً،وبالاتساق مع النظرة القائمة على تقوية الرئيس محمود عباس بديلا عن حماس ,يجب على الرئيس بوش ان يضغط على اسرائيل للتنسيق في انسحابها مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية,وهكذا يكون له الفضل وليس لحركة حماس في تحرير الضفة الغربية.ان الرئيس عباس لن يرغب في ان يظهر كمن يعطي الشرعية لضم اسرائيل اراضي من الضفة الغربية,ولكنه قد يكون راغبا في تنسيق الانسحاب مقابل ضمانات امريكية حول تعويضات الاراضي المحلية واللاجئين والقدس.
ان جهود أولمرت في وضع حدود اسرائيل النهائية قد تبدو مستحيلة التطبيق في حال تصاعد العنف الفلسطيني والهجمات الإرهابية. وفي مثل هذه الظروفِ،فمن غير المحتمل ان تتأمل من اسرائيل ان تقوم بإزالة قواتها من الضفة الغربية او تسمح بحرية دخول الفلسطينيين عبر الحدود مع الاردن والى الجزء العربي من القدس الشرقية,لان هذا من شانه ان يزيد من ضعف المدنيين الإسرائيليين.
لذا سيكون على إدارة بوش ان تكون على قدر كبير من الحكمة بحيث لا تتعهد بأية صياغة معيّنة بخصوص الانسحاب الإسرائيلي إلى أنْ يتم تنفيذه في الحقيقة.ان أسوأ نتيجةِ محتملةِ للمصالح الأمريكيةِ سَتَكُونُ في إعْطاء تصريحاتِ مقدما بخصوص أهميةِ ونتائجِ انسحاب إسرائيل،ويمكن فقط إلغاء الانسحاب او التقليل منه عند تغير الشروط في الاراضي المحتلة او في ظل أزمة سياسية إسرائيلية.
دولة بحدود مؤقتة؟
وبعد الأخذ بكل هذه المتطلباتِ بالحسبان،فقد يقرر الرّئيس بوش بأنّ تَشريع حدودِ إسرائيل الأحادية الجانب مكلفة جداً.وعندها يمكن ان يأخذ بالاعتبار خيارا آخر: واستخدام رغبةِ أولمرت الواضحة للانسحاب مِنْ الضفة الغربية للتَرويج للمفاوضاتِ مَع عباس على اتفاقية مؤقتةِ وايجاد "الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة".ان تحويل الأحادية الاسرائيلية الى طابع المفاوضات على إنشاء الدولة الفلسطينية تحتوي في طياتها على عدة فوائد,فهي تحافظ على اتساق النظرة الامريكية للحل القائم على المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ويمكن للرئيس بوش ان يحقق هدفه في قيام دولة فلسطينية أثناء وجوده في البيت الأبيض. ان أية اتفاقية ناجمة عن التفاوض لقيام الدولة سيقطع الطريق على حركة حماس في النظر للانسحاب الاسرائيلي على انه نصر للعنف على خلاف ما حصل في "فك الارتباط عن غزة " بالإضافة الى تزويد الفلسطينيين ببديل سياسي موثوق ومعتمد بدلا من العزلة والبؤس.وعلاوة على ذلك ان الاتفاق التفاوضي على الدولة الفلسطينية سيتطلب تفكيك السلطة الفلسطينية واستبدالها بحكومة منتخبة جديدة ومستقلة. على أية حال،وفي هذه المرة فان قوانين الانتخابات ستستثني الأطراف التي لا تتعهد بنبذ العنف او قبول الاتفاقيات التي يمكن استنباطها عبر التفاوض وتطبيقها تماما.
وعلى المستوى الأمني,فان التفاوض على دولة فلسطينيّة بالحدودِ المؤقّتةِ سيكون تطورا على الانسحاب الأحادي الجانبِ.حيث ان إسرائيل يُمْكِنُ لها أَنْ تَحتفظَ بشكل مؤقت في بَعْض الأصول الأمنِية في الضفة الغربية،وبذلك تتحاشى الترتيبات الامنية الشاملة التي يتطلبها الانسحاب النهائي.ان القوّات الامنية الحالية المتعددة والمتنافسة في السلطة الفلسطينية يمكن تفكيكها لمصلحة هيكلية فعالة.وبالضرورة فان اي دولة فلسطينية ستعمل على احتكار استخدام العنف ضمن أراضيها واعطاء الرئيس عباس الأرضيات الضرورية للتصرف ضد المجموعات الفدائية المسلحة وجمع السلاح الخاص.
ان الفائدة الأخرى المترتبة عن هذه النظرةِ هي بعيدة المدى، ولكنها مهمة:وفي النهاية عندما يتفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون لوضع حد لنزاعهم فانهم سيقومون بذلك كنظراء ودولة لدولة,وهذا من شأنه ان يزيل الاختلاف في الوضع الذي أصاب المفاوضات الماضية,وجعل الالتزامات الفلسطينية وبشكل واضح اكثر تقييدا وملزمة تحت القانون الدولي.
ان رئيس الوزراء أولمرت يَنْوى أَنْ يَقضّي هذه السنة في اختبار لإيجاد شريك فلسطيني للتفاوض معه.ويستغل هذا الوقت في الترويج للمفاوضات على "دولة مؤقتة" كي لا تُجبرَ إسرائيل على التوقيع على اتفاقية لا ترغب بها، مع الإبقاء على خيارَ الانسحاب الأحادي الجانبِ.ان المحاولة في التخفيف من الأصوات الساخطة بين شركاءِ أولمرت حول خطة "التعزيز." فالأصوات المؤثرة في حكومةِ أولمرت، تشمل شركائه في التحالفَ من حزب العمالِ والوزراءِ مِنْ حزبِ كاديما، والذين يُفضّلون إجراء المفاوضات مَع عباس للاتفاق على الانسحاب الاسرائيلي بدلا من تسليم الارض مجانا للسلطة الفلسطينية بقيادة حركة حماس. مِنْ يُسلّمُ أرضَ مجانيَ إلى السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ بقيادةِ حماس.مترافقا مع متابعة الدولةِ الفلسطينيّةِ،فان أولمرت يُمْكِنُ أَنْ يظهر لحزب العمل تفضيلِه للمفاوضاتِ، بينما يُطمئنُ نقاده من اليمينيين بأنّه لا يَنْوى تقديم الأرضِ كبديل دون ثمن. وفي الحقيقة فان الانسحاب الاسرائيلي في إطارِ اتفاقية على الدولةِ الفلسطينيّةِ يمكّنُها من ضمان التزامات فلسطينيّةِ في نزعِ السلاح والترتيبات الامنية الأخرى والتي يمكن ان لا يتم تطبيقها في الظروف الحالية وستكون مهمة في المستقبل والتي لا يمكن الحصول عليها او متابعته في ظل الانسحاب الأحادي الجانب.
إنّ خيارَ الدولة الفلسطينيّة بالحدودِ المؤقّتةِ مجهّزةُ للمرحلةِ الثانية من خطة خارطة الطريق للجنة الرباعية.حيث تمت صياغتها في منتصف الانتفاضة الثانية ولم يتم تطبيقها,ان خارطة الطريق تبقى الخطة الوحيدة التي وافقت عليها جميع الأطراف بعد أوسلو ومن شروط الخطة عدم الشروع في المرحلة الثانية دون إكمال المرحلة الاولى والتي تتطلب من اسرائيل تجميد بناء المستوطنات ويتطلب من السلطة الفلسطينية تفكيك البنية التحتية للمنظمات الإرهابية.ان متابعة الدولة بالحدودِ المؤقّتةِ يتضمن القَفْز فوق متطلباتِ المرحلةِ الاولى والانتقال مباشرة للمرحلة الثانية.
وفي الوقت الذي ستحرر فيه هذه النقلة الفلسطينيين من التزامهم بخطة خارطة الطريق على صعيد مكافحتهم للإرهاب,وفي الحقيقة فان الانسحاب الاسرائيلي من اراضي الضفة الغربية من طرف واحد دون اي تبادل فلسطيني وسيجعل من التزامات السلطة الفلسطينية بالمرحلة الاولى من خارطة الطريق غير مترابطة.وعلاوة على ذلك،وفيما إذا عَرضتْ إدارة بوشَ "خارطة" جديدة والتي يمكن فيها لحماس ان تمتثلَ للالتزامات الدولية، سيتم حينها تكييف وتعديل العلاقات الدبلوماسية والمالية مع السلطة الفلسطينية في محاربة الارهاب وتفكيك بناه التحتية.وفي ظل الظروف الحالية فان هذه الطريقة ذو فاعلية اكبر لتحقيق أهداف المرحلة الاولى من خارطة الطريق.ان الالتزامات الامنية الفلسطينية يجب دمجها في اي اتفاقية على الدولة.وعلى اية حال هناك شكوك وريبة في الالتزام الفلسطيني في مكافحة الارهاب الفلسطيني ولكنه يساوي اكثر من غياب اي التزام بسلوك مسئول الذي قد يسود في حال الانسحاب الاسرائيلي الأحادي الجانب.
أيجب أَنْ يتابع الرّئيسِ بوش أمنيته بالدولة ذات الحدودِ المؤقّتةِ،يجب عليه أولا أَنْ يقنع الرّئيسَ عباس، الذي رفض هذا الخيار مرارا وتكراراً.ان الرئيس عباس يَقترحُ حاليا إجراء مفاوضاتَ فورية والمتعلقة بالمرحلة النهائية " المرحلة الثالثة من خارطة الطريق " ان اعتراضات الرئيس عباس على الدولة المؤقتة ناجمة عن مخاوفه في ان المجتمع الدولي سينسى الفلسطينيين في الدولة المؤقتة المعترف بها,تاركين الحدود المؤقتة للدولة الفلسطينية لتصبح حدودها النهائية والفعلية.ويتطلب تخفيف هذا القلق تقديم ضمانات امريكية ودولية حول حدود فلسطين النهائية والتي ستكون على ما ستنتهي عليه وتنجزه المفاوضات.ويمكن تقديم هذه الضمانات في رسالة ضمان تتضمن "مبادئ بوش "للاتفاق النهائي.ان هذه المبادئ تشمل "التعويضات الاقليمية",واللاجئين,والقدس والتي نوقشت ضمن سياق التشريع الامريكي للحدود الاسرائيلية والذي يمكن ان يستخدم بنفس الطريقة لتسهيل التفاوض حول الدولة بحدودها المؤقتة.
الخيار الأصلي: الانسحاب بحدوده الدنيا:
وفي تمعنه لهذه الخياراتِ،فان الرّئيس بوش قَدْ يَجِدُ ميله في تجديد النشاط على الجبهة الاسرائيلية الفلسطينية المحدودة من خللا التحديات السياسية التي يواجهها في أماكن اخرى من الشرق الاوسط.ان النتيجة عن المأزق العراقي والإيراني ستقرر ارث الرئيس بوش وبصورة اكبر من التحرك المحتمل على الدولة الفلسطينية.وحتى لو وضعت هذه القضايا جانبا فان الرئيس بوش عموما يتفادى الاستثمارات الرئيسية في الدبلوماسية الاسرائيلية الفلسطينية محددا دوره الشخصي بالبيانات القوية والمتنمرة,وركزت الجهود الامريكية على معالجة الأزمة اداريا على المدى القصير.
وفي الظروفِ الحاليةِ، فالرئيس بوش قَدْ يَتمنّى تَجَنُّب أيّ خيار سياسيِ إسرائيليِ فلسطينيِّ والذي قد يتطلب ارتباط امريكي جديدَ ومهم. وإذا لم يكن الرئيس بوش مستعدا لتمكين انسحاب إسرائيلي رئيسي او البدء بالمفاوضات المؤقتة,من المحتمل عندها ان تعود اسرائيل الى خيارها "الأصلي" :الانسحاب الأحادي الجانب والأكثر اعتدالا من مستوطنات الضفة الغربية بعد إتمام الحاجز الامني حول الكتل الاستيطانية الرئيسية.على اية حال فالمشكلة مع هذا الخيار بأنه سيعزز الاتجاهات نحو نمو وزيادة الفوضى وتعاظم تأثير حماس في المناطق التي تترك للحكم الفلسطيني.وسيعقد من الجهود التي يبذلها الرئيس بوش على الجبهات الأخرى في الشرق الاوسط,كإيران وسوريا اللتان تحاولان استغلال التدهور في الساحة الفلسطينية في محاولة من هاتين الدولتين لتجنب العزلة والاحتواء الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه عليهما.ان النتائج ستزيد من الصعوبات الفلسطينية,والمزيد من الارهاب ضد الاسرائيليين,وإطفاء الآمال بنتيجة أفضل قد تخدم المصالح الامريكية والإسرائيلية والفلسطينية من خلال الحل التفاوضي القائم على مبدأ الدولتين.
ان التأثير الأمريكي سَيُقرّرُ بقوة فيما اذا تم تطبيق فك الارتباط الاسرائيلي عن الضفة الغربية وبطريقة يمكن لها ان تسهل مفاوضات التسوية اللاحقة,وببساطة مطلقة ان تكون متسقة مع تلك الاحتمالية,او في أسوأ الحالات ان تقوضه.وبنفس الطريقة،فبينما ترفض الولايات المتحدة ان تكون حماس محاورا مناسبا فان الموقف الامريكي نحو السلطة الفلسطينية وتفاعلاته مع القطاعات الأخرى في المجتمع الفلسطيني سيؤثر على إمكانيات الترويج لقيادة فلسطينية بديلة تتمتع بالقدرة والشرعية للتفاوض عمليا مع الجانب الاسرائيلي والقدرة على تطبيق الاتفاقيات.
ان اختيارات إدارة بوشَ المتعلق منها سواء باستخدام نفوذها المتبقي في تحسين الأجواء السلبية الحالية وزيادة الإمكانيات أمام مفاوضات السلام المستقبلية والتي ستقرأ كإشارات للالتزام والإبداع للدبلوماسية الامريكية وبصورة أساسية اكبر التزامنا في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية التي بدأت وتعززت بجهود سبع إدارات امريكية متتالية.بالتأكيد ان اية خطوة امريكية خاطئة ستكون حالها حال الأعمال المتهورة التي قد يقوم بها الإسرائيليون والفلسطينيون والتي قد تجعل من هذا النزاع غير قابل للحل.لذلك يجب تفادي الوصول الى مثل هذه النتيجة بأي ثمن.
-المصدر: مركز سابان لسياسية الشرق الاوسط
Saban Center for Middle East Policy- May 19,2006
- ترجمة: مركز القدس للدراسات السياسية
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة