2004-11-20
د.خلدون الناصر
أمين عام حزب العهد
عرف الأردن المشاركة السياسية منذ نشأة الدولة، واستمرت الحياة البرلمانية في الأردن، لتضطلع بدورها في الدولة الأردنية، وكان الشعب ممثلا بنوابه مشاركا في الحياة السياسية، وهذا ما درجت عليه النظم السياسية المعاصرة والديمقراطية كمفهوم سياسي التزمت به المجتمعات المتمدنة كافة ، كغايات كلية، وأهداف مباشرة تسعى إليها. ولتحقيق ذلك كان لزاما على الفكر السياسي أن يستحدث آليات وأدوات تتلاءم وتطور المجتمعات، التي اتسمت بالتقدم والتعقيد للوصول إلى تلك الغايات والأهداف .
ومن الوسائل التي ابتكرها الفكر السياسي للمشاركة السياسية، الانتخاب، كطريقة لمباشرة الديمقراطية، والمشاركة السياسية من أفراد الشعب كافة. ومن ثم فإن الضرورة تقتضي مراجعة النظم الانتخابية كأدوات لممارسة الديمقراطية، كلما تطلب الأمر ذلك باعتبار أنها وسائل وإجراءات للوصول إلى هدف تطويرها وتهذيبها وتبسيطها، وهذا أمر مرغوب ومطلوب دائما ، لكي تتحقق الغايات الكلية بأبسط وأيسر الطرائق.
ومن هنا تكمن أهمية البحث في إعادة النظر بقانون الانتخاب، والذي يشارك فيه حزب العهد بكل إخلاص وموضوعية؛ متوخيا تحقيق الأهداف النبيلة. والحزب إذ يعتبر موضوع الحوار من المواضيع المهمة التي أثارت، وما زالت نقاشا واسعا وجدلا موصولا منذ انتخابات عام 1993، وحتى الآن .
ويمكن رد النقاش والجدال الواسع إلى أسس موضوعية، واختلاف النظم الانتخابية في المجتمعات المعاصرة، تبعا لاختلاف فكرها السياسي، ومعطيات مجتمعاتها (السياسية، والاجتماعية والاقتصادية)، ولا نعتقد أن هناك نظاماً انتخابياً يخلو من النقد، ويجمع حوله أفراد المجتمع كافة.
والحزب حيث تبنى منذ تأسيسه مبدأ الحوار الوطني الشامل، والذي تشترك فيه أطياف العمل السياسي كافة في المواضيع العامة، للوصول إلى قواسم مشتركة لخدمة الصالح العام، وبناء دولة ديمقراطية عصرية، تواكب التقدم العالمي، وتساير المستجدات على الساحتين الوطنية والدولية. غير انه عندما جرت الانتخابات (93 / 98 / 2001) حصلت بعض الفئات على أكثر مما كانت تطمح إليه أو تتوقعه من مقاعد بمقياس وزنها الحقيقي في الشارع الأردني. همها قائم على محاولة الحد من جذوة الهجوم والنقد لقوانين الصوت الواحد المؤقتة والأنظمة، والتعليمات الملحقة بها رغم ما فيه من قصور، وما يمكن أن يوجه إليه من نقد. حيث تأسست على عدم تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين، وكانت في جوهرها تشكل مجموعة من المخالفات الدستورية.
لهذه الاعتبارات أيَّد الحزب الرأي الذي ينادي بتعديل قانون الانتخاب لمجلس النواب؛ تحقيقا لمبدأ المساواة، كما أن الإبقاء على النظام الانتخابي القائم سيؤدي إلى عزل وحرمان قوى سياسية واجتماعية مهمة على الساحة الوطنية؛ مما يتطلب اعتماد نظام انتخابي ملائم للحياة السياسية في الأردن .
وتفعيلا للحوار الوطني حول قانون انتخاب عصري ومتطور، فإن الحزب يقر بوجود نظم انتخابية مختلفة. وأيا كانت النظم الانتخابية، فإن الغاية المنشودة دائما هي الوصول إلى مشاركة واسعة، وفاعلة من أفراد المجتمع كافة في الحياة السياسية.
وإذا كان النقاش والجدل قد عاد من جديد حول نظام الانتخاب ذاته ، فإن الحزب يمكن أن يعرض موقفه من هذه النظم الانتخابية إن دعت الحاجة ، ولكنه يبين ما يطمح إلى تعديله في قانون الانتخاب؛ ليواكب التطورات التي يشهدها الأردن؛ ويرتقي العمل السياسي بقانون انتخاب حديث وملائم لظروف الأردن ، وعليه فإننا سنعرض في هذه الورقة للعنصرين التاليين:
الأول: ملاحظاتنا على قانون الانتخاب المؤقت الحالي رقم 34 لسنة 2001 م، وتعديلاته مما تقدم تبين لنا أن هناك ملاحظات كافية لاستبعاد نظام الانتخاب بموجب القانون المؤقت المشار إليه ، ويتفق معنا من حيث المبدأ العديد من المشرعين.
بالإضافة إلى تقييم موضوعي لأداء المجالس التي وصلت إلى البرلمان منذ انتخابات عام 1993م. فإننا لا نرى العودة إليه لما ينطوي عليه من عيوب، وعليه فيجب تطويره، ليواكب النظم الانتخابية الحديثة تلافيا لعيوبه. ونعتقد أن الأخذ بنظام الانتخاب المختلط كفيل بتحقيق التوازن في مجتمعنا، ومراعاة ظروف التنظيم السياسي الحديث في الدولة الأردنية. إننا ومن خلال دراستنا لمختلف نصوص قانون الانتخاب الحالي نرى ضرورة إجراء تعديلات جوهرية تضمن تحقيق ما يلي:
أولا - زيادة عدد مقاعد النواب؛ ليتناسب مع زيادة عدد السكان؛ وإقامة الموازنة عند توزيع المقاعد على اعتبارين اثنين ومتباينين هما:
1 – الكم الديمغرافي .
2 - الحيز الجغرافي لمناطق المملكة .
ثانيا ـ نرى أن تكون إجراءات الانتخاب بسيطة وميسرة، وغير معقدة، ولا تؤدي إلى عرقلة الممارسة الديمقراطية أو تحول دون مشاركة أي من المواطنين في عملية الانتخاب، أو تسهل التزوير والتلاعب، ويتحقق ذلك بما يلي:
أ – تبسيط إجراءات إعداد جداول الناخبين وضبطها حسب قيود دائرة الأحوال المدنية، لتتولى تنظيم البيانات الخاصة بالمواطنين، وهي قادرة على ذلك بدقة اكبر، وبذلك يمكن تلافي الأخطاء المادية التي تقع عادة في جداول الناخبين، وان تكون جداول الناخبين لكل دائرة انتخابية تتضمن أسماء الناخبين المقيمين فيها عادة، ويكون له فيها سكن.
ب – الإعلان عن جداول الناخبين بأكثر من وسيلة.
ج – منح مهلة كافية للمعترضين على جداول الانتخاب، وبخاصة أن المواطنين –غالبا- لا يتابعون عملية الإعلان عن الجداول إلا بعد نشرها بمدة لاحقة. وبالمقابل لا بد من سرعة البت في الاعتراضات من خلال تشكيل لجان قضائية كافية للنظر في هذه الاعتراضات بصورة معقولة وموضوعية.
د – توسيع الرقابة القضائية على القرارات الإدارية المتعلقة بالاعتراضات، وأن تكون على درجتين ، فيكون الطعن لدى محكمة البداية، و إمكانية الطعن بقرار محكمة البداية لدى محكمة العدل العليا، ويكون قرارا قطعيا.
هـ - اعتماد الرقم الوطني في دفتر العائلة الصادر عن دائرة الأحوال المدنية كمرجع لاثبات شخصية الناخب، ولممارسة حقه في الانتخاب، وهو من الدقة بحيث يمكن الركون إليه باطمئنان فيما إذا استعملت الأجهزة والمعدات والبرامج المحصنة.
ثالثا – إعادة النظر في موضوع وقف مشاركة أفراد القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية الأخرى في ممارسة حقهم الانتخابي، إذ يرى حزبنا أن صفة المواطنة وما يلازمها من حقوق في ممارسة حق الانتخاب تنطبق على هذه الشريحة المهمة من المواطنين، ولا نرى ما يذهب إليه البعض عندما يدعى أن إيقاف حق العسكريين في الانتخاب مرده الى إبعادهم عن السياسية. بيد أننا نرد على ذلك من خلال وجوب التمييز بين الانخراط بالعمل الحزبي والسياسي، وهذا أمر غير مرغوب؛ لأن في ذلك إقحام للجيش في ممارسة السياسة، وهذا هو المحظور. أما ممارسة حق الانتخاب فهذا عمل مختلف عن العمل الحزبي والالتزام بفكر سياسي معين. أما الإدعاء بتأثير القادة العسكريين في الأفراد عند الإدلاء بأصواتهم، فهذا غير وارد؛ لأن الاقتراع سري ومباشر، كما أن المستوى العلمي والثقافي الذي وصل إليه أفراد القوات المسلحة وضباطها، والأجهزة الأمنية يحول دون اللجوء إلى وسائل للتأثير في الناخبين.
رابعا ـ الشروط الواجب توافرها للترشيح لمجلس النواب: ـ
أ – نرى من الضرورة أن يكون المرشح لمجلس النواب أردنيا كما عرفه الدستور، وأن لا يكون مزدوج الجنسية.
ب – أن لا يكون منتميا إلى تنظيم غير مشروع ، والتنظيم غير المشروع: هو كل حزب أو تنظيم تتنافى مبادئه وأهدافه وغاياته مع أحكام الدستور. ونرى أن اشتراط ذلك يتلاءم وفتح المجال للتنظيم الحزبي المعترف به في إطار شرعية الدولة الأردنية، ونظامها الدستوري.
ج – لا ريب أن الجهاز الحكومي يستوعب أكثر الفعاليات في المجتمع الأردني، وللإفادة من هذه الكفاءات في مجلس النواب، وهو بحاجة إليها، فإننا نرى أن يتاح المجال أمام الموظف الذي ينوي الترشيح لمجلس النواب الحصول على إجازة بدون راتب تمتد طيلة الانتخابات، ولحين ظهور النتائج، وفي حال فوزه يعتبر مستقيلا حكما من وظيفته.
خامساـ إعادة النظر في موضوع تخصيص المقاعد على أسس عرقية أو دينية مستقبلا. كما يلاحظ أن المشرع الأردني وفي قوانين الانتخاب المتعاقبة اخذ بتخصيص المقاعد لفئات معينة في المجتمع على أسس دينية أو عرقية أو قبلية أو نوعية. (ومما يلاحظ أن المشرع المصري خصص عدد من المقاعد للنساء بمقتضى قانون 21 لسنة 1979؛ ليضمن تمثيل النساء في البرلمان غير أن هذا القانون واجه نقداً شديداً من الاتجاهات السياسية والقانونية في مصر كافة؛ لمخالفته أحكام الدستور، وهذا ما حدا بالمشرع المصري إلى إلغائه بمقتضى قانون 188 لسنة 1986) ورغم أن تخصيص المقاعد على النحو المتقدم يتعارض مع نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من الدستور الأردني، والتي نصت على: أن "الاردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين" كما أنه يعمق الفجوة بين فئات المجتمع الواحد، ويحول دون اندماج هذه الفئات بعضها ببعض، كما يجذر الطائفية والعرقية، وينمي العصبية والقبلية والعشائرية، والتفريق بين الرجل والمرأة في المجتمع، كما أنه يعتبر انتقاصاً لمبدأ الديمقراطية وافتئاتاً عليها.
فإننا نرى استبعاد هذا التخصيص، ليتجذر العمل الحزبي الذي من شانه لو أعطي فرصة المشاركة الحقيقية لأزال الظروف كافة التي أدت إلى هذا التخصيص.
الثاني: قانون الانتخاب الذي نطمح إليه أن محاولات حزب العهد لتوسيع دائرة الرؤية وتخصيب التجربة السياسية والحزبية، وحتى تتبلور صيغة نهائية لكيفية مشاركة الأحزاب الأردنية في الانتخابات النيابية، فإننا نرى أن يتضمن القانون مبادئ أساسية من الواجب مراعاتها، ليكون لدينا قانون انتخاب عصري متقدم.
أولا ـ عدالة تمثيل القوى السياسية في البناء السياسي والاجتماعي للدولة .
ثانياـ الحرص على مراجعة النظام الانتخابي، لكي يكفل إنجاح تجربة التعددية السياسية وتمكين الأحزاب السياسية من أن تشارك في الانتخابات، وبالتالي في تركيبة المجلس النيابي.وحرصا على الإفادة من تجارب الآخرين، فإننا نطمح إلى قانون انتخاب متطور رسخته تجارب الآخرين، واستفادت منه العديد من الدول، وهذا القانون يقوم على نظام الانتخاب المختلط (المزدوج)، ويبنى هذا النظام على أساس الأخذ بنظامي الانتخاب الفردي وبالقائمة الحزبية .
الأول ـ ويتم اختيار (100) عضو بواسطة نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية النسبية، ومن جولة واحدة بعد أن تقسم المملكة إلى دوائر انتخابية صغيرة. الثاني ـ ويتم اختيار (40) أربعين عضوا عن طريق نظام الانتخاب بالقائمة مع التمثيل النسبي، ويكون ذلك على مستوى المملكة أو الإقليـم، إذ تتوزع محافظات المملكة على ثلاثة أقاليم (4 محافظات لكل إقليم)، أو المحافظة. وعليه فإن الأمر يتطلب وضع قيود تفرض على تمثيل الأحزاب السياسية، فيشترط لتمثيل الحزب في المجلس النيابي حصول الحزب على (3 %) من أصوات الناخبين الصحيحة على مستوى المملكة، أو (2 %) على مستوى الإقليم، أو (1 %) على مستوى المحافظة . ويهدف هذا إلى الحد من ظاهرة تعدد الأحزاب، وعدم الاستقرار السياسي، ولهذا النظام جملة من المزايا المهمة، والتي أدت إلى استقرار تطبيقه ونجاحه، منها:ـ
1. إن النظام المختلط والذي يأخذ بالنظامين التقليديين نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية، ونظام الانتخاب بالقائمة، يؤدي إلى الاستفادة من المزايا التي يحققها كل منهما، كما انه يعمل على تلافي عيوبهما.
2. يؤدي الانتخاب الفردي بالأغلبية إلى منح الناخب الحرية في المفاضلة بين المرشحين؛ ليختار أفضلهم على المستويات كافة وبالتالي يؤدي إلى اقتناع الناخب بمشاركته السياسية من خلال اختيار من يمثله في دائرته.
3. يحقق النظام المختلط المزية الأساسية للتمثيل النسبي، وهي إقامة العدالة بحصول كل حزب على عدد من المقاعد النيابية مساو لأصوات ناخبيه، كما يؤدي إلى الحد من التعدد الكبير للأحزاب السياسية، وهذا ما يدفع الأحزاب السياسية إلى الاندماج، أو التحالف، لكي تمارس دورا فاعلا داخل هذه الأحزاب.
4. الارتقاء بالعمل السياسي في الأردن من خلال تجذير العمل الحزبي، وتحفيز الأحزاب السياسية الأردنية، لتتبوأ مكانها في العمل العام من خلال تبني برامج محددة تعرض على الناخبين، ويلتزم بها الحزب عند فوزه.
5. يحرك هذا النظام الأغلبية الصامتة، التي تتعامل مع الاقتراع حتى الآن بسلبية، إذ يجد الناخب فرصة حقيقية؛ لممارسة حقه بصوتين، وللأخذ بهذا النظام نرى: ـ
أولا – زيادة عدد النواب ليصل إلى (140) نائبا.
ثانيا ـ تقسيم المملكة إلى (100) دائرة انتخابية.
ثالثا – دعم الدولة المالي للأحزاب السياسية المتمثلة بالبرلمان بنسبة حصولها على عدد الأصوات الانتخابية.
أما كيفية توزيع المقاعد النيابية على القوائم الحزبية، فيعتمد على الأخذ بالقاسم الانتخابي، وهو ناتج قسمة مجموع عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد النيابية المقررة، ولهذا معادلة حسابية متعارف عليها. وبناء عليه فإن حزب العهد قادر على استكمال الحوار والنقاش، وبيان الرأي في كل أو بعض ما أسفرت عنه اللقاءات الحوارية حول هذا القانون، والتي سبق ان نوقشت مع العديد من الفعاليات في مركز القدس للدراسات السياسية خلال الشهرين الماضيين، للخروج بالتوصيات الملائمة.
- ورقة عمل قدمت لمؤتمر " انتخابات 2007" نحو قانون انتخاب عصري" بتنظيم مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 20-21/ تشرين الثاني 2004 ,الاردن -عمان.
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة