A+ A-
مذكرة خطية حول النقابات والمجتمع المدني
2003-05-24
تحية واحتراما،نشأ في السنوات الأخيرة وضع أثار وما زال يثير القلق الشديد على مصير ومستقبل النقابات المهنية العريقة في تأسيسها والتي يزيد عمر بعضها على خمسين عاما مثل نقابة المحامين.
وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النقابات المهنية وتعالت الأصوات المنادية بإقتصار دورها على المهنة، ويرجع منشأ القلق إلى السببين التاليين:
السبب الأول : طلب دولة رئيس الوزراء بكتابه رقم 3/11/1/15035 تاريخ 24/11/2002 من الديوان الخاص بتفسير القوانين بيان فيما إذا كانت النصوص الواردة في قانون أي نقابة تسمح لأعضاءها ممارسة أي نشاط سياسي تحت أي مسمى وفيما إذا كان تشكيل لجنة مقاومة التطبيع يستند إلى نص قانوني يجيز تشكيل مثل هذه اللجنة وفيما إذا كان مجلس النقباء يستند وجوده إلى سند قانوني .السبب الثاني : تشكيل اللجنة المكلفة بدراسة أوضاع النقابات ومؤسسات المجتمع المدني المنبثقة عن المبادرة الملكية السامية (هيئة الأردن أولا) وذلك (( للخروج بتصور واضح ينظم علاقة النقابات ببعضها البعض، وعلاقات النقابات بالدولة والمجتمع، من خلال مراجعة شاملة للقوانين ذات العلاقة وبما يكفل احترام الأدوار المناطه بها والمرجوة منها )) .ومما لا شك فيه أن ما ذهب إليه بعض أعضاء لجنة النقابات ومؤسسات المجتمع المدني حول دستورية إلزامية العضوية في النقابات المهنية ومخالفة إلزامية العضوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى التشكيك في دستورية النصوص القانونية المتعلقة بالموارد المالية لهذه النقابات لن يساهم في تبديد مخاوف النقابيين في المملكة بل على العكس من ذلك فإن من شأن هذه الطروحات تأجيج هذه المخاوف وترسيخ قناعة النقابيين حول أعمال هذه اللجنة وأهدافها .
وفي عجالة سريعة نرجو أن نوضح لكم رأينا حول بعض الآراء المثارة من قبل بعض أعضاء هذه اللجنة الموقرة وفي نفس الوقت طرح تصور حول كيفية إصلاح بعض الجوانب المتعلقة بالنقابات وعملها والتي نرى انه أصبح يتحتم علينا مراجعتها وإعادة النظر بها وذلك بهدف مواكبة آخر المستجدات والنهوض بقوانين النقابات المهنية لمواجهة التحديات التي أصبحت تعصف بالمهن المختلفة في وطننا الغالي.
أولا : إن قوانين النقابات المهنية تتفق مع أحكام الدستور ولا تخالفها للأسباب التالية :
أ - ان تأليف النقابات حق من حقوق الأردنيين المنصوص عليها في الفقرتين (2، 3) من المادة (16) من مواد الفصل الثاني من الدستور التالي نصها :
المادة 16/2 من الدستور" للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على ان تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور" .المادة 16/3 من الدستور" ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها ".المادة 23(2)(و) من الدستور" تحمي الدولة العمل وتضع له تشريعا يقوم على المبادىء التالية :
و- تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون. ومن المعروف أن معظم مواد الدستور الأردني مأخوذة من الدستور المصري لسنة 1923 وان مصدر المادة (16) من الدستور الأردني هو المادة (21) من الدستور المصري لسنة 1923 .
وقد اعتبر الفقه الدستوري في جمهورية مصر العربية ان حق تأليف النقابات هو حق دستوري ناشئ عن التفسير المستقر لكلمة جمعيات إذ أن كلمة جمعية تشمل النقابات وتنسحب على جميع الجمعيات الدائمة والتي ينتظم أفرادها لتحقيق أهداف معينة قد تكون ثقافية أو اجتماعية أو مهنية أو سياسية .

وتأييدا لما تقدم نشير إلى ما جاء في كتاب شرح القانون الدستوري للدكتور مصطفى كامل طبعة 1952 صفحة 396 تحت بحث تكوين الجمعيات :
(( ولا نكون مجازفين إذا قلنا ان الدول جميعا قد اعترفت في الوقت الحاضر للأفراد بحق تكوين الجمعيات الأمر الذي أدى إلى تكوين النقابات وازدياد سلطاتها )).
ونشير إلى كتاب الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام للدكتور عبدالحليم حسن العلي صفحة 115 (( ويقصد بحرية تأليف الجمعيات ان لا يحول بين الأفراد وبين الاشتراك في الجمعيات وإنشاء النقابات والمنظمات المختلفة سواء أكانت علمية أو اجتماعية أو مهنية أو غيرها )).
ب- إن قوانين النقابات المهنية تتفق مع حكم المادة 45/1 من الدستور لقد أجازت المادة 45/1 من الدستور أن تتولى هيئات أخرى صلاحيات إدارية مما يدخل في نطاق شؤون الدولة الداخلية التي تدخل ضمن صلاحيات مجلس الوزراء باستثناء ما يعهد به من تلك الشؤون بموجب الدستور أو بموجب أي تشريع آخر إلى أي شخص أو هيئة أخرى .فلقد نصت المادة 45/1 من الدستور على ما يلي : (( يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر إلى أي شخص أو هيئة أخر )) .ولما كان الدستور الأردني قد نص بصراحة على أن من حق المشرع أن ينيط بهيئات أخرى أي أمر من الأمور الإدارية التي يتولاها مجلس الوزراء . ولما كانت إدارة المرافق العامة هي من أعمال الإدارة، ولما كان أصحاب المهن الحرة هم الأقدر على تولي وإدارة شؤونهم المهنية الداخلية، فمن الجائز تأليف نقابات مهنية تتولى التنظيم الداخلي لشؤون المهن المختلفة .
ونشير في هذا الخصوص إلى قرار ديوان تفسير القوانين رقم (11) لسنة 1969 المنشـور علـى الصفحــة (628) من عدد الجريدة الرسمية رقــم 2178 تاريــخ 16/6/1969 والذي جاء فيه ما يلي بخصوص تفسير عبارة (المؤسسة شبه الحكومية) :
(( وباستعراض نصوص هذا القانون فيما يتعلق بالنقطتين الأولى والثانية انه لا يوجد في هذه النصوص تعريف للمؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية، ولهذا فلا بد من الاسترشاد بما استقر عليه الفقه الإداري بهذا الصدد. وبالرجوع للمصادر الفقهية يتبين ان المؤسسات الحكومية قد عرفت بأنها المصالح الإدارية التي أنشئت بقانون بقصد المساهمة في تأدية وظائف الدولة واما المؤسسة شبه الحكومية فهي:
1- المؤسسة العامة غير الحكومية التي تنشأ بقانون وتمنح الشخصية المعنوية للقيام بنوع معين من الخدمات العامة وتحقيق غرض أو أغراض محدودة تحت إشراف الدولة ورقابتها كالبلديات والمجالس القروية .2- الهيئات التي تنشأ بقانون لتقوم على رعاية مصالح طوائف معينة من ذوي المهن وتمثل مصالح هذه الطوائف ولها على أفرادها سلطات مستمدة من القانون وهي سلطة لائحية لتنظيم أعمالهم وشؤونهم وسلطة إصدار قرارات إدارية في هذه الشؤون ثم سلطة فرض رسوم عليهم كالغرف التجارية والصناعية والزراعية ونقابات أصحاب المهن الحرة كمهنة المحاماة والطب والهندسة وما ماثل ذلك. وقد سميت مثل هذه المؤسسات والهيئات مؤسسات شبه حكومية لأنها تشبه من بعض الوجوه الهيئات الحكومية )) * . - كتاب حقوق الأفراد إزاء المرافق العامة والمشروعات العامة للدكتور محمد وفا مهنا صفحة (43-45) حيث جاء فيه ما يلي :(( مرافق التوجيه المهني: هذه هي المرافق التي يكون موضوع نشاطها رقابة وتوجيه النشاط المهني وهي مرافق يعهد بإدارتها إلى هيئة مهنية يخولها القانون بعض حقوق السلطة وامتيازاتها ويختار أعضاءها من الأفراد المشتغلين بالمهنة التي ينشأ المرفق لرقابتها. ومن اظهر أمثلة هذا النوع من المرافق النقابات المهنية المختلفة كنقابة المهن الهندسية ونقابة المهن التعليمية ونقابة الأطباء والغرف التجارية والصناعية. وتنشأ هذه النقابات أو الغرف لتحقيق غرض محدد هو توجيه المهنة توجيها سليما ورقابتها وإخضاعها لسلطة النقابة التنظيمية. ولتحقيق هذا الغرض تلزم القوانين التي تصدر بإنشاء هذه النقابات جميع أفراد المهنة بالإنضمام للنقابة وتمنح النقابة بعض الحقوق والإمتيازات وتخولها سلطة وضع القواعد اللازمة لتنظيم المهنة وفرض الجزاءات على من يخالف هذه القواعد ومراقبة دخول أفراد هذه المهنة – اشتراكهم في عضوية النقابة )) .
** إلا انه من الملاحظ ان اجتهاد محكمة العدل العليا استقر على ان النقابات المهنية ليست من أشخاص الإدارة العامة أو القانون العام (عدل عليا 491/2001 تاريخ 4/7/2002 - عدل عليا رقم 489/2001 تاريخ 27/5/2002 - عدل عليا رقم 421/2000 تاريخ 8/1/2001 - عدل عليا رقم 402/2000 تاريخ 8/1/2001).
- كتاب القانون الإداري للطماوي الجزء الثاني طبعة (73) صفحة 54 (( هذا وقد أصدر مجلس الدولة المصري في هذا الصدد أحكاما تأخذ بالمبادئ السابقة التي أقرها مجلس الدولة الفرنسي بالنسبة لبعض النقابات المصرية: مثل نقابة المحامين ونقابة المهن الهندسية كما ان المحكمة الإدارية العليا قد أيدت هذا القضاء بحكمها الصادر في 12/ابريل 1958 حيث تقول: ان تنظيم المهن الحرة كالطب والمحاماة والهندسة، وهي مرافق عامة ما يدخل في صميم اختصاص الدولة بوصفها قوامة على المصالح والمرافق العامة. فإذا رأت الدولة ان تتخلى عن هذا الأمر لأعضاء المهنة أنفسهم لأنهم أقدر عليه مع تخويلهم نصيبا من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقا للصالح العام فإن ذلك لا يغير من التكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة )) وقد جاء تأسيس النقابات المهنية بمقتضى قوانينها الخاصة التي مرت عبر القنوات التشريعية نتيجة إدراك الدولة بأهمية إستقلال هذه النقابات وفصل إدارة شؤون المهن المختلفة عن الدوائر الحكومية وبالتالي فإننا نرى ان أي تراجع عن نهج الدولة المذكور الذي تكرس عبر الحكومات المتعاقبة من شأنه ان يزعزع استقرار هذه النقابات وسوف يلحق بمصداقيتها محليا وعربيا أضرارا بالغة .
أضف إلى ما تقدم، فإن الادعاء بعدم دستورية الإلزامية في عضوية النقابات المهنية وبمخالفة هذه الإلزامية بمبادئ حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو المادة (22) من اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 هو ادعاء يجانب الصواب والحقيقة .
لا خلاف ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص على عدم جواز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية إلا ان ذلك لا يعني إطلاقا ان مبدأ إلزامية العضوية في النقابات المهنية مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ ان تنظيم المهن الحرة مثل الطب والمحاماة والهندسة ورقابة هذه المهن يستدعي الإلزامية وبعكس ذلك سوف يتعذر تنظيم هذه المهن ورقابتها من خلال النقابات التي أنشأها القانون أصلا لهذه الغاية .
ويتعين علينا عدم الخلط بين المنظمات الطوعية التي تقدم خدمات وتدافع عن مصالح أعضائها مثل اتحادات العمال وبين النقابات المهنية التي أنشأت أصلا بهدف تنظيم المهن الحرة ورقابتها.
فلا يجوز مثلا إرغام عامل بان ينضم إلى اتحاد عمالي، ولا يجوز إرغام مريض السكري على الانضمام إلى جمعية مرضى السكري مثلما لا يجوز إرغام موظف بنك على الانضمام إلى نقابة عمال المصارف، اما بالنسبة للمحامي والطبيب والمهندس فإن الوضع مختلف كليا إذ ان مستلزمات تنظيم هذه المهن تستدعى ان يتوفر في هؤلاء الأشخاص شروطا معينة لممارسة هذه المهن، وقد أوكل القانون للنقابات المهنية مهمة التحقق من توفر الشروط اللازمة لممارسة هؤلاء لهذه المهن المختلفة.
فلو كان صحيحا ان مبدأ الإلزامية يتعارض فعلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لما كانت دولا عديدة قد أجازت مبدأ الإلزامية في تشريعاتها.

ثانيا : إن ممارسة النقابات لنشاطات سياسية لا تخرج عن مجرد التعبير عن رأي هذه النقابات ومجالسها المنتخبة إزاء قضايا الوطن والأمة لا يخالف أحكام الدستور أو القانون .لا خلاف بأن قوانين النقابات المهنية المختلفة قد شرعت لتنظيم مزاولة المهن المختلفة ولتنظيم شؤونها. ولا خلاف بأن هذه التشريعات لم تتضمن نصوصا تجيز لهذه النقابات ممارسة العمل السياسي بأشكاله المختلفة. إلا أننا نرى بأن تشريعات النقابات المهنية لم تمنع النقابات المهنية من ممارسة النشاطات التي يقصد منها التعبير عن رأيها إزاء قضايا الوطن والأمةولما كان الأصل في الأمور الإباحة، ولما كان الدستور الأردني قد الزم الدولة بأن تكفل حرية الرأي وأجاز لكل أردني ان يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون، ولما كان الدستور أجاز للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون، فإننا نرى أن تعبير النقابات المهنية عن رأيها إزاء قضايا الوطن والأمة هو حق دستوري لا يجوز أصلا الخوض فيه إذا كنا نؤمن فعلا بالديمقراطية والتعددية.

فمن غير المتصور كيف يمكن منع النقابات المهنية من التعبير عن رأيها إزاء قضايا الوطن والأمة . بإعتقادنا ان نشاطات النقابات المهنية التي تهدف إلى مجرد التعبير عن رأيها حول قضايا الوطن والأمة هي نشاطات مشروعة ولا يجوز بأي حال من الأحوال حظرها إذ أن من شأن ذلك المساس بالبنيان الديمقراطي للدولة والمجتمع الأردني.
فالمجتمع الديمقراطي هو الذي يسمح بتعدد الآراء شريطة احترام الرأي الآخر والالتزام بالمصلحة العامة واحترام الدستور والقانون . وفي هذا الخصوص نود أن نلفت انتباه اللجنة الموقرة إلى سابقة لها دلالات بالغة حول مشروعية النشاطات التي تنظمها النقابات المهنية وحول الأسلوب الذي انتهجته الدولة عبر حكوماتها المتعاقبة مع هذه النقابات .
فلقد سبق لمجلس الوزراء الموقر وأن أجاز بمقتضى القانون المؤقت رقم 38/1982 المعدل لقانون خدمة الضباط في القوات المسلحة الأردنية، لضباط القوات المسلحة الانتساب إلى أية نقابة مهنية لغايات الاشتراك في صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي وفي أي صندوق آخر للإستفادة من الحقوق التي تمنح للمشتركين فيها وذلك شريطة ان لا يشترك الضابط طيلة مدة خدمته في القوات المسلحة في أي عمل أو نشاط للنقابة باستثناء أوجه النشاط الأكاديمي التي يوافق رئيس هيئة الأركان على اشتراكه فيها .
فلقد نصت المادة (3) من القانون المؤقت المذكور على ما يلي :(( يلغى نص الفقرة (س) من المادة 30 من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي:
س- بالرغم مما ورد في أي تشريع آخر يجوز للضباط بموافقة القائد العام الانتساب إلى أي نقابة لغايات الاشتراك في صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي وفي أي صندوق آخر مماثل للإستفادة من الحقوق التي تمنح للمشتركين فيها ودفع الرسوم والاشتراكات المقررة للنقابة ولتلك الصناديق على ان لا يجوز للضابط طيلة مدة خدمته في القوات المسلحة الاشتراك في أي عمل أو نشاط آخر للنقابة باستثناء أوجه النشاط الأكاديمي التي يوافق القائد العام على اشتراكه فيها )) .
يستفاد مما تقدم ان ممارسة النقابات لنشاطات قد تخرج عن أهدافها وغاياتها كان أمرا طبيعيا في تلك الحقبة الهامة من تاريخ الوطن .
ويستفاد أيضا مما تقدم انه لو كانت قوانين النقابات تمنع فعلا هذه النقابات من ممارسة أي نشاط آخر يخرج عن غاياتها لما كان مجلس الوزراء قد منع بموجب القانون المؤقت ضباط القوات المسلحة من الاشتراك في نشاطات النقابات المختلفة .
وبديهي ان منع ضباط القوات المسلحة المنتسبين إلى النقابات المهنية من ممارسات النشاطات الأخرى التي تقوم بها هذه النقابات هو أمر تقتضيه المصلحة العامة للوطن بدليل ان الدستور حصر مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته .
أضف إلى جميع ما تقدم، فلقد شاهدنا خلال الأسابيع الماضية على محطات التلفزة ملايين المتظاهرين في دول أوروبا والولايات المتحدة تخرج إلى الشوارع للتعبير عن رأيها إزاء الحرب المرتقبة على العراق الشقيق، ولقد كانت الجهات المبادرة في تنظيم هذه المظاهرات مؤسسات المجتمع المدني في تلك الدول وفي مقدمتها النقابات المهنية واتحادات العمال والأحزاب السياسية، وقد نظمت هذه الهيئات والنقابات ندوات في مختلف أنحاء هذه الدول. ولم تشهد هذه النشاطات ما يهدد الصالح العام أو النظام العام ولم يدع أي مسؤول في هذه الدول ان هذه النشاطات والندوات تهدد الصالح العام. بل على العكس من ذلك فلقد سمعنا كبار المسؤولين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة يؤكدون على أهمية التعبير عن الرأي من خلال مؤسسات المجتمع المدني حتى لو كان هذا الرأي يختلف كليا عن رأي حكوماتهم، لقد أكدت هذه الأحداث والنشاطات التي قادتها مؤسسات المجتمع المدني على مدى متانة البنيان الديمقراطي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ومما لا شك فيه ان السماح بتعدد الآراء والحوار الحر واحترام الرأي الآخر والالتزام بأحكام الدستور والقانون هو السبيل الوحيد لترسيخ البنيان الديمقراطي في المجتمع الأردني.
ثالثا : النظم الانتخابية القائمة في النقابات المهنية
إن النظام الانتخابي المعمول به في النقابات المهنية هو نظام الانتخاب المباشر بمعنى ان انتخاب النقيب ومجلس النقابة يتم بشكل مباشر من قبل عضو الهيئة العامة وبغير وسيط أو مندوب. ومما لا شك فيه ان أسلوب الانتخاب المباشر يمكن الناخب من إختيار النقيب وأعضاء المجلس بنفسه ويحقق هدف الديمقراطية من خلال مشاركة اكبر عدد من الناخبين . إلا ان البعض يرى انه لا بد من إصلاح النظام الانتخابي القائم من خلال تبنى ما يسمى بـ "الهيئة الوسيطة"، بمعنى ان يتم انتخاب مجالس النقابات المهنية على درجتين بحيث ينتخب الناخب مندوبين/ منتدبين (Delegates) ويتولى المندوبون انتخاب النقيب والمجلس. إذ يرى البعض أن تدني نسبة المشاركة في الانتخابات النقابية قد نتج عنه " اغتصاب النقابات " من قبل بعض " الأطياف السياسية " التي أصبحت " تتناوب على قيادة النقابات الأمر الـذي مكن الأحزاب السياسية من استغلال هذا الوضع لتغطية ضعف دورهـا الشعبي ".
وعلى الرغم من أننا لا نتفق مع الرأي المذكور إلا أننا وبالمقابل لا نوافق على استغلال النقابات المهنية لمصلحة أي حزب أو تنظيم إذ أنه لا يجوز زج هذه النقابات في أي صراع حزبي أو سياسي، وعلى أي حال فإننا نعتقد بأن غياب قوانين عصرية تنظم الانتخابات العامة والعمل الحزبي هو الذي مكن بعض "الأطياف السياسية" من استغلال هذه النقابات المهنية ومجالسها في صراعاتها السياسية مع الحكومة .
وبالتالي فإننا نرى ان "الهيئة الوسيطة" التي يتم انتخابها على الوجه المبين أعلاه قد لا تنجح في منع استغلال النقابات المهنية ومجالسها في الصراعات الحزبية أو السياسية إذ ان وجود تنظيم حزبي قوي داخل النقابات سوف يعني ان الحزب سوف يرشح المندوبين الذين يمثلونه أو الأقرب إليه سياسيا، وبمجرد انتخاب هؤلاء المندوبين فإنه سوف يتعين عليهم انتخاب مرشح الحزب الذي يمثلونه بمعنى ان الناخب سوف يكون في حقيقة الأمر هو الذي اختار مرشحه والغى أي تقدير للمندوب وبالتالي للهيئة الوسيطة .
أضف إلى ذلك فإنه لا توجد لدينا أية دراسات تؤكد ان المجالس التي يتم انتخابها بالطريق غير المباشر ومن خلال الهيئات الوسيطة تكون اكثر كفاءة أو اعتدالا من تلك التي يتم انتخابها مباشرة.
على أي حال وفي حال ارتأت اللجنة الموقرة ان السبيل الأمثل لإصلاح الوضع القائم لن يتم إلا من خلال إحداث ما يسمى بـ "الهيئة الوسيطة" فإنه قد يكون من المفيد الاستئناس بالنظام الانتخابي المعمول به في نقابة المحامين السويديين . فمن الرجوع إلى ميثاق نقابة المحامين السويديين ((The Charter of the Swedish Bar Association والتي يبلغ عدد أعضاءها حوالـي (3125) محاميا مزاولا نجد أن إدارة شؤون النقابة تتم من خلال مندوبين/ منتدبين (Delegates) يتم انتخابهم من قبل أعضاء الهيئة العامة وذلك بهدف تشكيل ما يسمى بـ هيئة المنتدبين ((Delegates of the Swedish Bar Association وتنتخب هذه الهيئة كل سنتين رئيسا (Chairman) ونائبا للرئيس (Deputy Chairman) ومجلسا للنقابة يدعى (Council of the Swedish Bar Association) وتنتخب أيضا مجلسا تأديبيا يدعى (Disciplinary Committee of the Swedish Bar Association) علما بأن نقابة المحامين السويدية مقسمة إلى خمسة أقسام/ فروع (Departments) الشمالية والجنوبية والوسطى والشرقية والغربية والعاصمة ستوكهولم . وينتخب كل قسم فرع عددا من المندوبين (Delegates) على أساس عدد أعضاء المحامين المزاولين في منطقة القسم/الفرع، فوفقا للميثاق النافذ حاليا لكل فرع حق تعيين مندوب (Delegate) لكل خمسين محاميا من أعضاء القسم وعلى ان لا يقل عدد المندوبين لكل فرع عن ستة مندوبين (Delegates) . كما ينتخب الفرع لكل مندوب نائب (Deputy) لكي ينوب عنه في حال غيابه . وعلى الرغم من أن ميثاق النقابة قد شدد على أهمية ان تكون فروع الأقاليم المختلفة ممثلة في عضوية مجلس النقابة (Council) إلا ان ميثاق النقابة لم يضمن مثل هذا التمثيل للأقسام أو الفروع المختلفة وإنما إشترط ان يكون كل قسم/ فرع ممثلا بستة مندوبين على الأقل في اجتماع هيئة المنتدبين (Meeting of Delegates) .
فلقد نصت المادة (2) من الميثاق المذكور على ما يلي :

The members' right to participate in the handling of the Association's general matters shall be exercised by delegates, elected by the members and called Delegates of the Swedish Bar Association. An ordinary Meeting of Delegates is held annually.
The Delegates shall elect a council for the Association, called the Council of the Swedish Bar Association, and the members of a committee called the Disciplinary Committee of the Swedish Bar Association.
The Association shall be divided into Departments, each with its Council. The members' right to participate in the handling of each department's special concerns shall be exercised at Department MeetingsThe General Meetings of Lawyers is regulated in S 25.ونصت المادة (5) من الميثاق على ما يلي :
The Council of the Association shall consist of a chairman, a vice chairman, and nine other members plus nine deputies.
The chairman, vice chairman, and the other members and deputies shall be elected in the order mentioned at the ordinary Meeting of Delegates for a period of two years, starting from July 1 immediately following the meeting. Every other year the chairman, vice chairman and four other members as well as four deputies are appointed; every other year five members and five deputies. Upon the election of other members than the chairman and vice chairman,and also when electing deputies, the desirability of the various national regions being represented on the Council shall be taken into consideration.
Anyone who at the end of his latest period of appointment will have been a member or deputy of the Council for six consecutive years without having been chairman or vice chairman during this period may not within two years of that time be appointed again for any office on the Council other than chairman or vice chairman.If a member or deputy of the Council is elected as a member of the Disciplinary Committee and accepts this post, he shall resign from the Council.
ونصت المادة (29) من الميثاق على ما يلي :Based on the number of its members on 1 January of the year in question, each department shall appoint one member of the Association's Meeting of Delegates for every started fiftieth of the whole number of Association members at the same date. Every department shall, however, appoint at least six members.
The department shall elect the same number of deputies as members.
The members of the Meeting of Delegates and their deputies shall be elected for one year at a time, counted from the following May 1. Anyone who at the end of his latest period of appointment will have been a member of the Meeting of Delegates for six years in succession may not within two years be appointed as member or deputy of the Meeting.
A member or deputy of the Council of the Association may not be elected member or deputy of the Meeting of Delegates. If a member or a deputy of the Meeting of Delegates who has been appointed by a department is elected as a member or deputy of the Council and accepts must he resign from his membership of the Meeting of Delegates.
علاوة على ما تقدم، ولما كانت التجربة النقابية علمتنا ان اجتماع الهيئة العامة العادي الأول لا يتحقق به النصاب القانوني في معظم الأحيان فيكون الاجتماع الثاني الذي تدعى إليه الهيئة العامة قانونيا بمن حضر، ولما كان الحضور بالاجتماع الثاني يكون في الغالب من نفر قليل لا يمثل غالبية المهنيين، ومن أجل ضمان مشاركة اكبر عدد ممكن من المهنيين في الانتخابات النقابية سواء كان ذلك من خلال الانتخاب المباشر مثلما هو عليه الوضع الان أو من خلال الانتخاب غير المباشر بواسطة الهيئة الوسيطة (Meeting of Delegates) .
لذلك فإننا نقترح ما يلي :

أ
- تعديل النصوص المتعلقة بالنصاب القانوني لاجتماعات الهيئة العامة التي تدعي إليه بهدف انتخاب النقيب والمجلس بحيث لا تصح اجتماعات الهيئات العامة للنقابات إلا بحضور ما لا يقل عن 75% من أعضاء الهيئة العامة، أما في حال إقرار النظام الانتخابي القائم على الانتخاب غير المباشر فعندئذ لا يصح اجتماع الهيئة العامة إلا بحضور 75% من أعضاء الفرع أو الإقليم . ولا يصح الاجتماع الذي يعقده المندوبين Meeting of Delegates بهدف انتخاب النقيب ومجلس النقابة إلا بحضور جميع المندوبين أو من ينوب عنهم (Deputies) .ب- فرض غرامات مالية على كل عضو يتخلف عن حضور الاجتماع الذي تدعى إليه الهيئة العامة للنقابة بهدف انتخاب نقيب ومجلس للنقابة من خلال انتخابات مباشرة، أما في حال الانتخاب غير المباشر من خلال هيئة وسيطة فعندئذ تفرض الغرامة على كل عضو يتخلف عن حضور الاجتماع الذي تدعى إليه الهيئة العامة للفرع بهدف انتخاب المندوبين (Delegates) .باعتقادنا ان فرض الغرامات المالية في حال تخلف عضو الهيئة العامة عن حضور الاجتماعات الموضحة أعلاه سوف يساعد كثيرا في إظهار إرادة أغلبية الهيئة العامة وسوف يمنع الأقلية من السيطرة على النقابات ومجالسها .
رابعاً : السلطات التأديبية للنقابات المهنية
أ - في تشكيل وعضوية المجالس التأديبية
لما نشأت مؤخرا بعض التجاوزات في تشكيل المجالس التأديبية المختصة بالنظر في المخالفات المهنية والمسلكية فإننا نرى انه أصبح يتحتم علينا التوصية بإعادة النظر في النصوص القانونية المتعلقة بكيفية تشكيل المجالس التأديبية التي تنظر في الشكاوى الناشئة عن المخالفات المهنية والمسلكية التي يرتكبها أرباب المهن .
فمن غير الوارد مثلا الإبقاء على صلاحية مجلس نقابة المحامين اختيار أعضاء المجالس التأديبية التي تنظر في الشكاوي المقدمة ضد المحامين (المادة 65 من قانون نقابة المحامين) ومن غير الوارد ان يترك لنقيب الأطباء صلاحية اختيار طبيبين لعضوية المجلس التأديبي علاوة على الطبيبين اللذين يختارهما وزير الصحة لعضوية هذا المجلس. ومن غير الوارد أيضا ان يكون نقيب الأطباء أو نائبه رئيسا للمجلس التأديبي الذي ينظر بالشكاوى المقدمة ضد أطباء القطاع الخاص (المادة 46 من قانون نقابة الأطباء الأردنية رقم 13 لسنة 1973 وتعديلاته)، ومن غير الوارد ان يكون مجلس نقابة المهندسين هو الذي يمارس أعمال المجلس التأديبي (المادة 71 من قانون نقابة المهندسين رقم (15) لسنة 1972) . صحيح ان قرارات المجالس التأديبية تخضع بالنتيجة لرقابة محكمة العدل العليا إلا أننا نرى ان الوضع الحالي لا يؤدي بالضرورة إلى إنشاء مجالس تأديبية قوية .

على أي حال ولكي لا يساء استغلال الوضع الحالي من قبل البعض الذين قد يغلبون العلاقات الشخصية أو المصالح الفئوية على مصلحة المهنة، فإننا نرى ان الأسلوب الأمثل لمعالجة الوضع الراهن قد يكون من خلال تعديل النصوص التشريعية المذكورة وبحيث تنتخب المجالس التأديبية مباشرة من الهيئة العامة أو الهيئة الوسيطة (Meeting of Delegates).
أضف إلى ما تقدم، ولما كان للمواطن بصفته المستهلك للخدمات التي يقدمها أرباب المهن الحرة مصلحة أكيدة في حسن سير أعمال المجالس التأديبية، ولما كانت مصلحة أرباب المهن تقتضي أيضا توفير الضمانات اللازمة للمواطن لكي يكون مطمئنا على سلامة وصحة الإجراءات المتبعة من قبل هذه المجالس التأديبية، فإننا نوصي بأن يكون المواطن ممثلا من خلال جمعية حماية المستهلك بصفة مراقب لأعمال المجالس التأديبية.
ولا نرى ما يستدعي ان يكون القضاء ممثلا في عضوية المجالس التأديبية للنقابات إذ أن القرارات الصادرة عن المجالس التأديبية تخضع بالنتيجة للرقابة القضائية من خلال محكمة العدل العليا .
ولا نرى أيضا ما يستدعي بأن تكون الحكومة ممثلة في عضوية هذه المجالس التأديبية لنقابة المحامين إذ أن الحكومة تمارس أصلا دورها الرقابي من خلال رئيس النيابة العامة الذي يحق له يطعن في القرارات الصادرة عن المجالس التأديبية .
(علما بأن وزير الصحة هو الذي يشكل مجلس التأديب الأعلى - المرجع الاستئنافي للقرارات التي تصدر عن مجالس التأديب في نقابتي الأطباء والصيادلة) . ونشير في هذا الخصوص على سبيل الاستئناس إلى ما هو معمول به في نقابة المحامين السويدية.
فلقد نصت المادة (12) من ميثاق نقابة المحامين السويدية على ما يلي :
The Association's Disciplinary Committee shall consist of a chairman, a vice chairman and seven other members. The chairman, the vice chairman and five other members shall be elected in the above order at the ordinary Meeting of Delegates for a period of four years from and including the following 1 July.
Elections shall take place every other year, so that one year, the chairman and four members shall be elected, the other year, the vice chairman and three members.
The remaining two members of the Committee (public representatives) shall be appointed by the government, one at a time every other year for a term of four years, commencing 1 July. The public representatives shall be selected outside the category of persons who, under Chapter 4&6 of the Code of Procedure are excluded from eligibility as [lay Judges] Anyone who at the end of the latest period of appointment will have been a member of the Disciplinary Committee for eight consecutive years without having been chairman or vice chairman during this period may not within two years of that time be appointed to an office of the Committee other than that of chairman or vice chairman .
A member of Disciplinary Committee who is elected as a member or a deputy of the Council and accepts the post shall resign from the committee.
ب- الرقابة على صلاحية المجالس في حفظ الشكاوي :
أما فيما يتعلق بصلاحية مجالس النقابات بحفظ الشكاوي المقدمة ضد أرباب المهن في الحالات التي لا ترى فيها مسوغا لإحالة هذه الشكاوي على المجلس التأديبي ومع مراعاة ما سيتم ذكره لاحقا بخصوص صلاحية نقيب المحامين بحفظ الشكاوي، فإننا نوصي بضرورة الإبقاء على الوضع القانوني الراهن إذ ان إحالة جميع الشكاوي على المجالس التأديبية بصرف النظر عن طبيعتها من شأنه ان يرهق المجالس التأديبية ويعطل أعمالها فضلا عن أن الكيدية تسود العديد من الشكاوي وأن مجلس النقابة هو الأقدر والأعرف بكيفية التعامل مع هذه الشكاوي . إلا أننا نرى انه يتعين إخضاع الحالات التي يتقرر فيها عدم إحالة الشكوى على مجلس تأديبي، للرقابة القضائية وبحيث يتاح المجال للمتظلم بالطعن في مثل هذه القرارات أمام محكمة العدل العليا .
فعلى سبيل المثال نرى انه يتعين إخضاع صلاحية مجلس نقابة الأطباء بمقتضى المادة (49) من قانون نقابة الأطباء بحفظ الشكوى الواردة إليه ابتداء في الحالات التي لا تتوفر لديه القناعة بوجود قضية ضد الطبيب لرقابة محكمة العدل العليا. ويتعين أيضا إخضاع صلاحية مجلس نقابة الأطباء بمقتضى المادة (49) من القانون بحفظ الشكوى وعدم إحالتها على مجلس تأديبي في ضوء التحقيق الأولى الذي يجريه الطبيب/ الأطباء لرقابة محكمة العدل العليا وبحيث يتاح المجال للمتظلم بأن يطعن بالقرار المذكور .
أمـا فيمـا يتعلق بصلاحية نقيب المحامين الضمنية بحفظ الشكاوى بمقتضى المـادة 68(ب) من قانون نقابة المحامين فإننا نوصي بتعديل النص المذكور وبحيث تصبح هذه الصلاحية من حق المجلس وذلك على غرار النص الوارد في قانون نقابة الأطباء وعلى ان تخضع هذه الصلاحية لرقابة محكمة العدل العليا .
فمن الرجوع إلى نص المادة 68(ب) من قانون نقابة المحامين نجد إنها نصت علــى ما يلي:
(( تقدم الشكاوي إلى النقيب، وعلى النقيب ان يطلب إلى المحامي المشكو منه الإجابة على الشكوى خلال خمسة عشر يوما وللنقيب بقرار من مجلس النقابة بعد ذلك إذا وجد أسبابا تدعو لمتابعة الشكوى ان يحيل هذه الشكوى إلى المجلس التأديبي للتحقيق )) .
يتضح مما تقدم ان النص أجاز ضمنا لنقيب المحامين ان لا يشعر أصلا مجلس النقابة بوجود الشكوى إذا ارتأى انه لا يوجد ما يبرر عرضها على المجلس .
وعلى الرغم من ان التجربة أثبتت ان الغالبية العظمى من الشكاوي تعرض على مجلس النقابة لكي يتخذ القرار المناسب بشأنها إلا أننا نرى وكما سبق بيانه انه يتعين تعديل هذا النص لكي لا يساء استغلاله من قبل أي نقيب .
جـ- الفصل في الشكاوي التأديبية حيث ان الفصل في الشكاوي التأديبية يستغرق وقتا طويلا، وحيث انه لا يوجد هناك أي مبرر مهما كان لتأخير الفصل في الشكاوي التأديبية، وحيث ان سمعة المهن الحرة ومصداقية أربابها تقتضي سرعة الفصل في الشكاوي التأديبية المقدمة من المواطنين، فإننا نوصي بضرورة سن نصوص تشريعية تلزم مجالس التأديب بالفصل في الشكاوي التأديبية خلال مدة لا تتجاوز سنة من تاريخ تقديم الشكوى على أقصى تقدير. وفي حال تجاوز هذه المدة فعندئذ تستحق غرامة تأخير جزائية عن كل يوم تأخير وبحيث تتحمل النقابة ذات العلاقة هذه الغرامة من أموالها الخاصة .
د - الغرامات الجزائيةلما خلت القوانين السارية من نصوص تجيز فرض الغرامات الجزائية على من يرتكب مخالفة مهنية أو مسلكية وتثبت إدانته بقرار قطعي من المرجع المختص . فإننا نوصي بفرض غرامات جزائية علاوة على العقوبات التأديبية المنصوص عليها في القوانين السارية وبحيث تحدد قيمتها على أساس حجم المخالفة المرتكبة.
أضف إلى ما تقدم ولما كان المستهلك هو المتضرر من المخالفات المهنية والمسلكية فإننا نوصي بأن تحول حصيلة الغرامات الجزائية للمساهمة في أتعاب المحاماة التي يتكبدها المتظلم عند مراجعة القضاء للمطالبة بالتعويضات المدنية كالعطل والضرر المادي والمعنوي الذي لحق به نتيجة المخالفات المهنية إذ أن هذا الموضوع يخرج عن اختصاص المجالس التأديبية ويتعين على المتظلم مراجعة القضاء سندا لأحكام المسؤولية التقصيرية والفعل الضار المنصوص عليها في القانون المدني الأردني .
خامساً : الرقابة المالية على أموال النقابات
خلافا لما ذهب إليه البعض فإن النقابات المهنية لم تشهد سرقات أو إختلاسات أو مخالفات مالية جسيمة مثلما شهدته بعض الشركات المساهمة العامة أو المحدودة المسؤولية. وعلى أي حال وعلى الرغم من أن النقابات المهنية والقائمين عليها يخضعون للتشريعات المعمول بها وفي مقدمتها قانون العقوبات، فإننا نؤيـد تشديد الرقابة المالية من داخل هذه النقابات وذلك من خلال هيئاتهـا العمومية أو هيئاتها المنتخبة ونقترح أيضا تحديد الشروط المرجعية (Terms of Reference) لعمل مدقق الحسابات الذي تختاره الهيئات العمومية لهذه النقابات بهدف تدقيق حساباتها وان يلزم المدقق بتقديم تقرير نصف سنوي إضافة إلى التقرير السنوي . ولا نرى انه من الجائز من الناحية القانونية بأن تتم الرقابة من خلال ديوان المحاسبة إذ ان اختصاص ديوان المحاسبة ينحصر في مراقبة ايرادات الدولة ونفقاتها وطرق صرفها (المادة 19 من الدستور) . أضف إلى ذلك فإن إخضاع النقابات لمراقبة ديوان المحاسبة سوف يمس بإستقلال النقابات المهنية .
الخلاصـة :

حيث ان النقابات المهنية هي مؤسسات قانونية عمرها يساوي عمر الدستور الأردني وتستمد وجودها من القانون وتمارس نشاطها وفقا لأحكام القانون العام للدولة إذ أن لهذه النقابات قوانين وأنظمة وأعراف سارت عليها فترة طويلة،وحيث ان أرباب المهن الحرة هم الأقدر على إدارة شؤون مهنهم،وحيث انه يستحيل على هذه اللجنة ان تقوم بمراجعة شاملة لقوانين النقابات المهنية في عجالة مدتها شهرين،فإنه لا يجوز استحداث أو تعديل القوانين الناظمة لشؤون النقابات المهنية دون الرجوع الى الهيئات العامة لهذه النقابات .
وبالتالي فإننا نوصي بضرورة التروي وبالنتيجة عرض التوصيات التي قد يتم التوصل إليها على الهيئات العمومية للنقابات بهدف بحثها واتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.
ورقة قدمت الى" مؤتمر النقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن" بتنظيم من مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 24-25/ مايو 2003,الاردن -عمان.