A+ A-
المرأة ومؤسسات المجتمع المدني
2003-05-24

أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة
أيتها السيدات ... أيها السادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛

فلقد آثرت أن أكون بينكم اليوم، برغم انشغالات المرشح في انتخابات لم يعد يفصلنا عنها سوى ثلاثة أسابيع، لمناقشة واقع نقاباتنا المهنية ومؤسسات مجتمعنا المدني للأهمية القصوى التي تتمتع بها هذه المؤسسات المدنية في مسيرة بناء أردننا الحديث، فهي قواعد ارتكاز ورقابة تحسن مسارنا الديمقراطي، وروافع كبرى للتنمية، وحاضنة رئيسية للطبقة الوسطى والنخب الواعية في المجتمع، وهي فوق هذا وذاك، الممثل والمعبر عن قوى العمل من رجال ونساء وشباب.
إن أهمية هذا الملتقى الوطني، تكمن في موضوعه وتوقيت انعقاده عشية الانتخابات النيابية ، هذا الاستحقاق الدستوري الذي يجب أن نعمل لضمان احترامه ، والتأكد من إجراء الانتخابات بكل النزاهة والشفافية ، ووفقا لقوانين انتخابية تقدمية وعصرية.
وكما تعلمون أيها الأخوة، فإن هذه الانتخابات تتم للمرة الأولى وفقا لقانون انتخابي نص على تخصيص ستة مقاعد للنساء في المجلس النيابي الرابع عشر ... الأمر الذي نعتبره خطوة للأمام بكل وندرك ما يحيط بها من ملاحظات وما تثيره من تساؤلات، على أننا كنساء نشطات في حقل العمل العام، ندرك تمام الإدراك، إنها ضرورية لغرض تمكين المرأة وتجذير ثقافة المشاركة ... وندرك أيضا، أنها خطوة مؤقتة وانتقالية، على أمل أن يتمكن مجتمعنا في قادم الأيام، من إيصال المرأة للبرلمان دونما حاجة للكوتا النسائية.
إن العراقيل التي حالت في السابق دون وصول سيدات كفؤات لقبة البرلمان، هي ذاتها العراقيل التي تحول دون تمكين المرأة من المشاركة في العمل العام ... فمشاركة المرأة في مؤسسات المجتمع المدني ، من أحزاب سياسية ونقابات مهنية وعمالية ومنظمات عمل طوعية مختلفة، ما زالت تصطدم بالموروث الثقافي الاجتماعي التقليدي الذي كبل المرأة وحال دون حصولها على حقوقها كاملة كمواطنة تقف على قدم المساواة مع الرجل أمام القانون ... وترتب على ذلك أن الصورة النمطية للمرأة قد تكرست في أذهان شرائح واسعة من مجتمنا بدلا عن الصوة المتوازنة لها ، بل لعل الأكثر سوءا هو تسرب هذه النظرة السلبية للمرأة إلى المرأة ذاتها ... حيث ما زالت قطاعات من نسائنا يفضلن الاستنكاف عن العمل العام ، ويؤثرن عليه البقاء على هامش المشاركة.
إن أثر هذه العوامل ما زال قائما، برغم التقدم الملموس الذي طرأ على دور المرأة ومكانتها في مجتمعنا، بفعل توفر الإرادة السياسية لتمكين المرأة من جهة والاستعداد العالي الذي أظهره كثير من الأردنيين والأردنيات لتفعيل مشاركة المرأة وتطويرها من جهة ثانية.
إن نظرة إلى واقع المرأة في مؤسسات مجتمعنا المدني تشير إلى أن العوامل السابقة ما زالت تفعل فعلها حتى داخل هذه المؤسسات، فمشاركة المرأة فيها خصوصا في مؤسساتها القيادية ، ضعيفة نسبيا، ولا تنسجم مع الإنجاز المتقدم الذي حققته نساء الأردن في حقل التعليم.
إن ما يزيد عن نصف طلبة الجامعات الأردنية الحكومية والأهلية ( 54 بالمائة على وجه التحديد ) هم من الطالبات ، وأن هذه النسبة ترتفع قليلا عندما يتعلق الأمر بالتفوق والإبداع ... ومع ذلك نجد النساء الملتحقات بسوق العمل أقل من ذلك بكثير ، ونجد النساء في النقابات المهنية على سبيل المثال، أقل من هذه النسبة بكثير وهي تراوح ما بين 20 – 22 بالمائة من إجمالي عدد المنتسبين للنقابات المهنية... وأن مشاركتهن في الهيئات القيادية لهذه المؤسسات تكاد تكون ضئيلة للغاية .. إنه وضع غير متوازن.
ففي نقابة المهندسين الأردنيين مثلا، كبرى نقاباتنا المهنية والذي تجاوز عدد المنتسبين إليها الخمسين ألف مهندس ومهندسة، لا تزيد نسبة النساء في هيئتها العمومية عن 12 بالمائة ... وفي نقابة المحامين عن 16 بالمائة ... وفي نقابة الأطباء عن 19 بالمائة ...وتتفاوت هذه النسبة صعودا وهبوطا في النقابات الأخرى، لتبلغ ذروتها ( 65 بالمائة) في نقابة الممرضين والممرضات وتنخفض إلى أدنى نسبة ( 2 بالمائة ) في جميعة مدققي الحسابات.
وحال النساء في أحزابنا السياسية ليس أفضل من ذلك بكثير ، فقليلة هي الأحزاب التي تضم نساء في هيئاتها القيادية ... كما أن نسبة النساء من بين أعضاء الحزب متواضعة وفقا لمختلف التقديرات، حيث لا توجد إحصاءات دقيقة في هذا الشأن ، والأهم من هذا وذاك أن كثير من الأحزاب السياسية لم تضع حتى الآن، البرامج الكفيلة بالتوسع في ميادين العمل النسائي، وحفز النساء على المشاركة.

لقد كفل الدستور الأردني في مادتيه السادسة والثانية والعشرين، حق المرأة في العمل والتعليم للمرأة ضمن حدود إمكانياتها وضمن حق المواطن، رجلا كان أم إمرأة في تولي المناصب العامة، وجاء الميثاق الوطني الأول والخامس ليؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينهما في الحقوق والواجبات، ونص على أن المرأة شريكة للرجل في تنمية المجتمع الأردني وتطويره مما يقتضي تأكيد حقها الدستوري والقانوني في المساواة والتعليم والتثقيف والتوجيه والتدريب والعمل وتمكينها من المشاركة في بناء المجتمع، وأخيرا جاءت وثيقة الهيئة الوطنية للأردن أولا، لتقترح آليات ووسائل عملية لتمكين المرأة وتعزيز دورها العام، فكان إقرار الكوتا النسائية من ضمن مقترحات أخرى، خطوة هامة على هذا الطريق.
والمطلوب اليوم، من مؤسسات المجتمع المدني أن تفعل دورها ونشاطها من أجل ترجمة حصيلة هذه التوجهات والقواسم المشتركة والأفكار النبيلة إلى خطوات عملية ملموسة ، فلا يعقل أن تكون المرأة قد تقلدت المناصب الرسمية والحكومية في العديد من دول العالم الثالث قبل ربع قرن أو يزيد، فيما حضورها ما يزال ثانويا في كثير من مؤسسات مجتمعنا المدني.
أيتها الأخوات ... أيها الأخوة :
إن الحديث عن مشاركة المرأة في مؤسسات مجتمعنا المدني، لا يكتمل من دون وقفة ولو سريعة أمام منظمات العمل النسوي في الأردن، والتي تضم على اختلاف أغراضها واتجاهاتها ووظائفها ما يزيد عن المائة والعشرين ألف ناشطة مهمتهن النهوض بمشاركة المرأة وتمكينها ... فهذه المنظمات باتت اليوم واحدة من ركائز العمل الوطني العام ... ودورها التنموي يتعدى هموم المرأة إلى هموم الأسرة والشباب والطفولة والشيخوخة ... وهي تلعب دورا تنمويا بالغ الأهمية، وتسهم في تنمية وتطوير المجتمعات المحلية ، خصوصا في المناطق الأقل حظا، داخل المدن وفي الأرياف والبوادي ...
وتلعب المنظمات النسائية الأردنية المختلفة، ومنها المؤسسة التي أتشرف برئاستها، ملتقى سيدات الأعمال والمهن، دورا مهما أيضا في تأهيل النساء على العمل والانتاج ... وتمكين الناشطات منهن على القيام بأدوارهن في العمل العام ... وتقدم هذه المنظمات صورة مشرقة لبلادنا في على المستويين القومي والدولي ، من خلال الحضور والإسهام النشط في كافة المؤتمرات الإقليمية والدولية.
ولعبت نساء الأردن دورا متميزا، في التعبير عن موقف الشعب الأردني المندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والمتضامن مع نساء فلسطين ورجالاتها، وهم يقفون جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف في معركة الحرية والاستقلال.
ووقفت المرأة الأردنية إلى جانب نساء العراق اللواتي تعرضن لأبشع أنواع المعاناة من الحروب والحصار الطويل، وكانت المرأة الأردنية صوت الأردن وضميره ، في التعبير عن حق الشعب العراقي في الحرية والاستقلال والسيادة والعيش اللائق الكريم .
كما وقفت نساء الأردن إلى جانب القضايا العادلة لشعوب شقيقة وصديقة، وتبنت مواثيق ومعاهدات دولية، وأسهت في صياغتها، تكفل حقوق النساء والأطفال والأسرة، وتقاوم التمييز بمختلف اشكاله ، وتدعو للعدالة والسلم الدولي وبيئة عالمية أفضل تحت مظلة الشرعية الدولية.
وأخيرا، فإنني إذ أشكر مركز القدس للدراسات السياسية على الفرصة التي يوفرها لنا اليوم للبحث في موضوع بالغ الأهمية لنا وللأردنيين جميعا، رجالا ونساء، فإنني أتطلع وإياكم لمستقبل أفضل لبلادنا تسهم في صنعه النساء، جنبا إلى جنب مع الرجال.
وفقكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورقة عمل قدمت لمؤتمر "النقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الاردن " الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 24-25/ايار2003 الاردن -عمان.