2004-02-03
عوفرا بنجيو
لقد تم وصف الانتخابات البرلمانية المؤقتة التي جرت في العراق في الثلاثين من كانون الثاني على انها حدث ثوري ,وعلى انها ستغير وجه العراق وربما كامل الشرق الاوسط. ولكن وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الانتخابات بكافة المقاييس وان الحكم الذي يبشر بان هناك تحول ثوري لا زال في احسن الاحوال حكما غير ناضج. ومع ذلك فان هذه الانتخابات الحرة جرت تحت اعين ومراقبة ما لا يقل عن 300 الف من القوات العراقية والاجنبية ومع الخبرة التاريخية في العراق واثناء الحكم البريطاني للعراق في القرن الماضي اذ انه عندما تم انسحاب التوجيه والاشراف الغربي الذي كان يسود العراق انذاك فسرعان ما انهارت الهياكل الديمقراطية التي كانت موجودة.ان الأهمية الكبرى للانتخابات تكمن في رمزيتها الاخلاقية. وبالنسبة للامريكان وحلفائهم فانها تبرر الجهد الحربي وتضع الارضية الضرورية لانسحابهم من العراق. اما بالنسبة للعراقيين فهي تعني الشرعية الحقيقية للثورة التي حدثت في نيسان 2003 والتي ازالت سيطرة الاقلية السنية على السلطة واصبحت الاقلية الكردية مساوية في الحجم والتأثير للطائفة السنية.
ان الاختبار الحقيقي للتطور الديمقراطي في العراق سيكون بمواجهة 3 مفترقات رئيسية وهي كالتالي:
-عندما يتم تطبيق وفرض السلطة الحقيقية.
-بعد انسحاب قوات التحالف من العراق.
-عندما يتم استبدال الحكومة الجديدة بواسطة الانتخابات وليس عبر الانقلابات العسكرية او التعاقب الوراثي كما هو الحال مع الكثير من الجمهوريات العربية الموجودة.
ان الاختبار الاول سيكون موعده في السنة القادمة والذي سيتضمن المراحل الثلاث التالية:
أ-تعيين البرلمان للجنة الرئاسية والتي بدورها ستقوم بتعيين الحكومة
ب-موضوع شرعية الدستور والاستفتاء المقرر لذلك في تشرين الاولج-انتخاب البرلمان المنتظم في كانون الاولان مقياس النجاح الذي حققته الانتخابات سيكون في الكيفية التي سيقهر بها العقبات الجدية التي قد تظهر. ومنذ القتال الرئيسي في نيسان 2003 فان العراق اصبح بمثابة صالة علنية للصراع على تحديد هوية وشخصية واتجاه الدولة يرافقها ايضا صراعات على السلطة. فالاكراد على سبيل المثال قد هددوا بالانفصال اذا لم يقم البرلمان الجديد والدستور باحترام المطالب الكردية المتمثلة بالتالي:
1.النظام الحكومي الفدرالي.
2.النظام العلماني.
3.ادراج كركوك ضمن الفدرالية الكردية.ولقد اثارت هذه المطالب مقاومة قوية ليس فقط من قبل "طائفة السنة" ولكن ايضا من الشيعة بما ذلك من كان يساند الاكراد. وبالنسبة للشيعة فانه من الصعب ايجاد العوامل المشتركة بعيدا عن تأييدهم للعملية الانتخابية. فهم منقسمون على الاسئلة المتعلقة بمستقبل قيادة العراق, والاتجاه السياسي للدولة ومحتوى الديمقراطية الجديدة.
فعلى سبيل المثال هناك مصادمات ما بين القيادات في الداخل والخارج. وما بين المؤيدين للايرانيين والمؤيدين للعرب، وقبل كل شيء الخلاف ما بين العلمانيين وما بين من ينظر الى العملية الانتخابية على انها اظهار لسلطة الشيعة الدينية واخيرا تاتي النسبة المنخفضة للتصويت بين افراد الطائفة "السنية" والذي قد يؤدي تهميشهم سياسيا مما قد يعزز الاتجاهات الراديكالية فيما بينهم وذلك بغرض تقويض فكرة الديمقراطية.
ان هذا التناقض الموجود سينعكس على سلطة الحكومة المؤقتة الجديدة والاكثر من ذلك سيكون هناك انعكاس على المشروع المقترح للدستور. ان الدستور الاول الذي تم اقتراحه في ربيع 2004 قد اثار الكثير من الانقسامات الخطيرة, وذلك لعدة اسباب:
-التركيب الفدرالي للحكومة.
-الفشل في تحديد الاسلام على انه المصدر الاساسي للتشريع.
-السلطات المعطاة للمحافظات الكردية الثلاث من حيث اعطاءهم حق النقض على قرارات الحكومة كما ان معارضة هذه الانقسامات قد خلقت ارضية خصبة لزيادة المقاومة فيما يسمى "بمثلث السنة" وتفشي ظاهرة العنف ما بين الشيعة التي يقودها مقتدى الصدر.
ومع هذا فانه من الصعب معرفة فيما اذا كانت الجولة الثانية لمناقشة الدستور ستاتي بردود فعل مشابهة، او فيما اذا كان هناك سبب متوقع بانه طالما ان الامريكان موجودين في العراق ويشرفون على عملية الديمقراطية بانه سيكون هناك نقاط للمساومة والذي يستحيل تقديره هو ماذا سيحصل بعد خروج الامريكان.
ومن التحديات الاخرى لعملية الديمقراطية والاكثر وضوحا الارهابيين العراقيين وغير العراقيين والذي يسعون الى بذل كافة الجهود في عرقلة فرض سلطة القانون والنظام وربما ايضا وليس اقل اهمية عن الارهاب هو التهديد القبلي والعناصر الاسلامية في كل قطاع ومخيم في العراق والذين تختلف قيمهم وتبتعد عن الديمقراطية الغربية.كما ان تقويض البنية التحتية الاجتماعية تهدف الى تدمير أي اساس لاية حكومة ديمقراطية واخيرا فان معظم الدول المجاورة متناقضة وبشكل كبير مع نجاح التجربة الديمقراطية في العراق وذلك اما بسبب تاثير ذلك على مواطنين تلك الدول ولخوفهم من سيطرة الشيعة واما بسبب استقلال او شبه استقلال كردستان العراق فعلى سبيل المثال فقد تدخلت تركيا وباشكال مختلفة وذلك في محاولة لاحباط فكرة الحكومة الفدرالية في العراق.
ان العراق حاليا يتارجح ما بين قطبين. القطب الاول هو النموذج اللبناني في تقسيم السلطة تبعا للدين ويسمح بانتخابات ديمقراطية وتغيير الحكومات، اما القطب الثاني فهو النموذج اللبناني ايضا في حربه الاهلية الطويلة والمرهقة. لا يوجد هناك قواعد يمكنها ان تتوقع أي القطبين سيسود في العراق ولكن لا يوجد هناك شك بان عملية الاستقرار ستاخذ وقتا طويلا سواء كان ذلك بوجود او عدم وجود قوات التحالف. على أي الاحوال هناك شيء واضح وهو التغيير الحقيقي والثوري الذي نتج عن الحرب والذي نقل السلطة الى مصلحة الشيعة والاكراد. ونتيجة لذلك فان النظام الجديد الذي سيظهر سيكون ممثلا بصور اكبر للشعب العراقي وبصورة اكبر عما كان عليه ايام حزب البعث.
- المصدر: مركز موشي ديان للدراسات الشرق اوسطية والافريقية .
- ترجمة: مركز القدس للدراسات السياسية .
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة