2022-01-16
الكاتب : الدكتور الزبير عروس، أستاذ علم الاجتماع السياسي والديني في جامعة الجزائر
"عدو الحقيقة ليس الجهل بل اليقين المطلق"
ملخص:
موضوع الدراسة هو مقارنة سوسيوـ تاريخية لأصناف الثوران الشعبي المستمر الذي عرفته الجزائر و الذي ارتقى إلى مرحلة أعلى مع الهبة الشعبية التي عرفتها في شهر فبراير سنة 2019 ، هبة لم تصل مراحلها الى تحقيق عمق التغيير الذي يبرر تصنيفها ضمن الثورات الديمقراطية بالرغم من منهجها السلمي ، المشاركة الجماهيرية المتنوعة من حيث المكون الاجتماعي والانتماء الثقافي و السياسي ، لفهم هذا المآل يتطلب الأمر معالجة تتعمد خطواتها الاستمرارية التاريخية للحركات الاجتماعية التي عرفتها الجزائر منذ الثمانينيات مع محاولة إبراز خصائص قياداتها الافتراضية المستقلة وتلك المنظمة المتدافعة إيديولوجيا على مستوى كتل الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني ثنائية الانتماء.
الكلمات المفتاحية:
الثوران ـ الحراك" ـ الثورة الديمقراطية ـ الهبة الشعبية ـ الحركات الاجتماعية الجديدة ـ الريع ـ الأوليغارشية ـ الرسكلة السياسية
مـقدمـــــة:
الهزات الشعبية المستمرة التي عرفتها الجزائر منذ سنة 1963 و التي أخذت مرحلتها الأعلى مع الهبة الشعبية مع بداية سنة 2019 ، هبة يتطلب أمر معالجتها خطوات تاريخية و مقاربة سوسيو أنثروبوجية و إعتماذ إعتماد مصطلح " الثوران révolt" عند الحديث عن أصنافها من الناحية التاريخية و فهوم"الهبة Sursaut " الذي نوظفه في هذه الدراسة كمفهوم مركزي سوسيولوجي بعد نقله من تخومه الأنثروبولوجية و تجريده من شحنته الكلونيالية ، و عليه الحركة المكثفة من حيث المشاركة الجماهيرية و الانتشار الأفقي العميق و الأفقي الموسع ، تطرح جملة من الأسئلة الجورية و منها سؤال الإستثناء تاريخي مقارنة مع الحركات الإحتجاجية التي عرفتها الجزائر من سنة 1963؟ وثاني سؤال يتعلق بجملة من العوامل و الأسباب الداخلية ذات العلاقة بالطبيعة الهيكلية للنظام السياسي التي أدى تضخمها على مستوى الحياة الاجتماعية والممارسة السياسية إلى احتباس متعدد الأوجه وصل إلى درجة الضغط المفرط على المستوى المادي و المعنوي على الفرد و الجماعة ، إفراط الى تنشيط"الفعل المفجر" الذي أشعلته كتلته السوسيولوجية جديدة غير منسجمة على مستوى السلمية الاجتماعية و الانتماء الثقافي و السياسي ليأخذ هذا الفعل المفجر شكل الهبة الشعبية بمفهومها السوسيو أنثروبولوجي.
يمكن القول هذه الهبة ما هي في الحقيقة التاريخية إلا إستمرار طبيعي و مرحلة أعلى من مرحل الثوران الشعبي "révolt Popular " الذي عرفته الجزائر مند البدايات الأولى لاستقلاها و من ثم يمكن التأكيد على أن هذه الهبة الشعبية ليست طارئة على المستوى الداخلي و لا هي معزولة من ناحية الديناميكية التاريخية بل تدخل ضمن منطق التأثر و التأثير المتبادل مع الهزات الشعبية الخارجية exogène التي عرفتها و لا تزال دول الأنظمة التسلطية مع الفارق أن موجة الثوران الشعبي و الهبة الشعبية تحديدا ما هي إلا نتيجة موضوعية لجملة أو ضاع الواقع السياسي ا لإجتماعي الذي آلت إليه حال الجزائر، في ذا الوقت لا يمكن تصنيف هذه الهبة الشعبية ا أو "نمذجتها " في إطار حقبة "الثورات الديمقراطية" التي غيرت أسس أركان الأنظمة و عدلت نسق قيمها السياسية و التي غيرت في ذات الوقت آليات إنتاج و إعادة إنتاج رموز نخبها السياسية ، أي أن موجة الثوران الشعبي بالرغم من إستمرايتها التاريخية ومرحلتها الأعلى في الحالة الجزائرية لم تؤدي ال تغيير الطبيعة الهيكلية للنظام أو تعطيل على الأقل ايات استمراره ، بل يمكن القول أنه من غير الناجع منهجيا وصف موجات الثورات الشعبي المستمر في الجزائر ب"الثورة] دون الأخذ بالاعتبار طبيعة نخب القوى السياسية و الاجتماعية البديل التي عوضت سابقتها و التي هي من ذات الطبيعة مثل سابقتها لها نفس الخبرة وفن السياسة التي تمكنها من إعادة إنتاج ورسكلة أسس النظام بوسائل و أدوات تقنية ديمقراطية على تنوعها.
هنا تجدر الإشارة أن تحول الثوران الشعبي إلى ثورة حقيقية وعميقة تخوف ويتخوف منها حتى نخب دعاة التغيير على إختلاف توجهاتهم الإيديولوجية و أناية تطلعات قيادتهم السياسية ، حجة هذه النخب القول بضرورة المحافظة على الثوابت الوطنية ومرجعيتها التاريخية و كذا الخصوصية الثقافية في بعدها اللغويي و الديني إلى جانب ذريعة ضرورة تجنب الفوضى وهاجس التلويح بخطر التدخل ألأجنبي الذي يعطي الذريعة لبقاء الجيش على رأس السلطة "حماية للوطن" و من ثم تكريس نظام حكم العسكر الذي يصعب التخلصن بل هذا النخب على ثلاثية إنقسماتها الإديولوجية الوطينة ، الإسلامية و الديمقراطية في الحالة الجزائرية باركت وسوغت لدستوري وقوانين لا تختلف من حيث روح الدلالة عن الدساتير و الترسانة القانونية للأنظمة الدكتاتورية المعطلة للحريات العامة و الفردية بحجة الخوف على قيم الانتماء الحضاري و مبادئ الدين العقائدية و الأحكام ألفقهية ذات الأصول الاجتهادية التي توصف عادة بالمرجعية الدينية الوطنية ، هذا الموقف يجعل بعض اتجاهات المعارضة في خط معاكس لمطالب التغيير التي نادي و ينادي بها شباب الهبة الشعبية في الجزائر و شعاره العميق الدلالة : " مدنية مشي عسكرية" و شعار" الجزائر حرة ديمقراطية " شعران يعتبران جوهر التحول الديمقراطي المنشود بمفهومه الواسع و الذي بدونه لا يمكن الحديث عن ثورة ديمقراطية حقيقية بالمطلق.
ـ الهبة الشعبية وجوهر أسبابها :
خطيئة العهدة الخامسة تعتبر السبب الدافع الأول و ليس الوحيد المفجر للهبة الشعبية بداية سنة 2019 كتلة اجتماعية متراصة وجدانيا كانت تعتبر متناقضة من حيث المطالب الفئوية و الثقافية و التي كان يتحكم في توجهاتها الولاء السياسي الحزبي و التدافع الإيديولوجي الى جانب خصوصية المطالب من الناحية الجغرافية ، مطال أهل الجنوب ليست متطابقة و إن كانت متشابكة مع مطالب أهل الشمال على تنوعها.
تبقى ألأسباب الجوهرية لهذه الهبة الشعبية الشاملة و التي قادتها الفئته العمرية النشطة ، تكمن في طبيعة سياسة الاقتصاد الريعي التي أعتمدها نظام ما بعد مرحلة الاستقلال ، سياسة مكّنت لاحقا فئة قليلة من ألأليغارشيا Oligarchy الزبائنية من الهيمنة علي مقدرات البلاد في تحالف مع النخب السياسية الحزبية، البيروقراطية و العسكرية ، هذه الثلاثية سيرت هذا النموذج الاقتصادي وفق منطق الولاء و المٌحبات مما أدى إلى إقصاء الفئات الاجتماعية ألأكثر نشاطا خاصة فئة الشباب و منهم على وجه التحديد الشريحة العمرية مابين 25 و30 و التي تمثل من 50 إلى 60٪ و أكثر من مجموع سكان الجزائر ، هذا الاقتصاد الريعي مهما كانت قطاعاته يتعارض في الحقيقة ومنطق روح الإنماء الاستيعابي لليد العاملة و من سماته أنه اقتصاد غير منتج للثروة ،فهو اقتصاد ريعي مغلق في وجه الفئة النشطة من الشباب المتخرج حديثا ،إنها الفئة التي شاركت في الهبة الشعبية في الجزائر تحديدا بالمبادرة و القيادة و التي كانت في حالة بطالة دائمة أو دفعت إلى النشاطات الاقتصادية مهمشة غير رسمية و أصبحت تمثل جوهر البنية الفئوية لاقتصاد الشارع هذه الفئة جعلت مجال نضالها غير المنضم هو الشارع بالرغم من مخاطره الأمنية و انحرافاته غير المدروسة، بالرغم من هذا الاحتراز الذي تم تجاوزه أثناء مسيرات الهبة الشعبية السلمية لمدة سنتين ، سلمية تعتبر من أهم الميزات الفارقة فيتاريخ الحركات الاحتجاجية السابقة و منها تجربة أحداث أكتوبر وتوابعها في فترة التسعينيات لذا كان الانسجام و التضافر من أبرز نضال مكونات فئة نشطاء الهبة الشعبية ، فئةمتعددة المملح السوسيولوجي و ا كان خيارها الواعي توظيف قيم ثقافة النصرة الجماعية الراسخة وجدانيا في التاريخ الاجتماعي الجزائري ،هذا المعطي هو الذي يبرر وصف الثوران الشعبي الذي عرفته الجزائر سنة 2019 "بالهبة الشعبية" الذي اعتدناها كمفهوم مركزي في هذه الورقة.
الهبة الشعبية في الجزائر و الحركات الاجتماعية التقليدية ،محاولة تنظير :
الهبة الشعبية التي عرفتها الجزائر ليس إستثناء تاريخي ، فهي نتيجة تفاعلية لجملة من العوامل و الأسباب الداخلية على مستوى الحياة الإجتماعية والممارسة السياسية إلى و التي أدت إلى احتباس متعدد الأوجه وصل إلى درجة الضغط المفرط قاد إلى تنشّيط "فعلها المفجر" أشعلته كتلته السوسيولوجية جديدة غير منسجمة على مستوى السلمية الاجتماعية ـ الانتماء الثقافي و السياسي كما أسلفنا القول ، لتصبح العناصر المتفردة من هذا الكتلة السوسيولوجية رمز لقيادتها الخفية clandestin من ناحية التوجيه و التأطير الميداني المتعدد الانتماء التنظيمي ، وسائلها تكنولوجية وسائط التواصل الاجتماعي التي مكّنت عناصرها المتفردة و الموزعة جغرافيا على مستوى التراب الوطني من التخلص من هيمنة أطر تنظيمات أحزاب المعارضة السياسية التقليدية المكلسنة و نخبها المتدافعة على مستوى ثنائية توجهاتها الأيديولوجية ، إنها القوة النشطة الجديدة التي خرجت من كمونها و التي تعتبر من اهم خصائص الهبة الشعبية ، إنها القوى الحية التي أصبحت بحكم التكوين و الواقع الإعلامي الجديد ، تعتبر من أكثر الشرائح الاجتماعية وعيا بحالة الوطن و قضاياها الكبرى الاجتماعية، الاقتصادية و الثقافية ، هذا لا ينفي مركزية السبب الأول المفجر قرار خطيئة العهدة الخامسة للرئيس الذي كان عاجز ا صحيا مما أدى الإحباط و الشعور بالإهانة من طرف جميع شرائح المجتمع التي تحول الة كتلة سيولوجية واحد ثائري و عازمة على الإستمرار و التواتر الزمني و الإنتشار الجغرافي الى جانب القدرة على توليد المطالب المتعددة و الموحدة للجماعة المنتفضة، هبة شعبية يمكن تصنيفها من الناحية السياسية ضمن حركات التغيير الجديدة لأنها تمثل حدث غير مسبوق في تاريخ الجزائر الاجتماعي و السياسي مقارنة مع الحركات المطلبية الاجتماعية و الثقافية التي عرفتا الجزائر ما بعد فترة مركزية حكم السبعينيات و بداية حكم اللبرالية القائمة على اقتصاد الريع مع بداية سنة 1980 و التي عرفت جملة الحركات الاجتماعية توصف بالتقليدية لأن خاصيتها الأبرز ثنائية المطالب ،الأولى من هذا الحركات كانت انتفاضة "الربيع القبائلي" ذات المطلب الثقافي20 فبراير من سنة 1980 التي قادها شباب الجامعات المنطوي تحت الحركة الثقافية البربرية ثم انتفاضة طلبة المرحلة التعليم الثانوي في مدينة قسنطينة سنة 1986 و المتعلقة بتعديل المناهج الدراسية و الثالثة انتفاضة أكتوبر 1988 التي فرضها البؤس الاجتماعي المثكّل و نزاع نخب النظام ، تحول إلى صراع معلن حول مطلب الإصلاح السياسي و اتجاهاته الأيديولوجية و نموذجه الاقتصادي ، هذه الانتفاضة الغير مؤطرة Soulèvement أجبرت نخب نظام الحزب الواحد على القيام بإصلاحات سياسية جذرية و الانتقال إلى التعددية الحزبية المفرطة التي أدت عكس ما كان مخطط لها و أدخلت الجزائر في عنف التسعينيات و مآسيه الإنسانية و أثاره الاقتصادية المدمرة التي زادت من البؤس الاجتماعي و الاحتقان السياسي و التي أوصلت إلى حركة أفريل سنة 2002 التي إمتزج فيها المطلب الثقافي اللغوي بالمطلب السياسي الديمقراطي و ولكن كانت نتيجة الإفراط في مطابها و فعلها الميداني الغير مدروس الرجوع إلى عصر الأحادية في إطار من التعددية الشكلية التي أعتمدت بعد دستور 1989 . ، لكن هذا التراجع لم يعطل الحركات الاحتجاجية التي زادت وترتها بالرغم من البحبوحة المالية نتيجة إرتفاع أسعار البترول ، هذه البحبوحة المالية ضخمت من ظاهرة الفساد المعمم الذي تحول إلى ممارسة سياسية منحرفة مورست من طرف زمر النظام التي اصبحت توصف في الخطاب السياسي الجزائري ب"العصابة" و التي عملت منذ سنة 1999 و لمدة عشرين سنة على تعطيل كل المؤسسات الدستورية والسطو على صلاحياتها وجعلها في خدمة قوى الفساد، من خلال منظومة دستورية مكرِّسة لحكم الفرد الواحد، وتحويل السلطتين التشريعية والقضائية إلى أجهزة وأدوات في خدمة أذرع الفساد مع العمل الممنهج على تعطيل أدوات الرقابة و المحاسبة، ممارسات أدت إلى أزمة أخلاقية تمثلت في التفكيك الممنهج للنسيج الاجتماعي تجسد في سلوكيات اللامبالاة ، الفساد المععم و الممارسات الزبائنية الإقصائية التي عمقت الفوارق الاجتماعية نتيجة و سحْق الفئات الأكثر هشاشة مع بروز طبقة من المنتفعين من الريع التي هيمت على الممارسة السياسية و سلطة القرارو الوظيفة الإدارية الإدارية بتوظيف سطوة المال الفاسد الذي مكّن رموز الأليغارشية من التحكم بفاعلية في مفاصل الدولة و صناعة القرار السياسيي و الاقتصادي ، هذه الفئة الهادفة على مجالات نشاطها دون سابق تجربة ، غزت الساحة السياسية بواسطة الانتخابات الممولة من طرف " أل" شكارة" * هي التي مكّنت أسماء العشرات من رجال الأعمال الذين ينتمون بحكم المصلحة الى رباعية أحزاب الموالاة و هي: حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الديمقراطي ، الحركة الشعبية ، حزب أمل الجزائر " تاج" أن يكون لها الغلبة على مستوى الممارسة البرلمانية.
فكانت النتيجة احتكار رجال أعمال المال الفاسد مجلات الاستثمار ألريعي و بنو مؤسساتهم الاسمية الضخمة من إفراط مخرجاته النقدية ، مخرجات وفرت لهم الإمكانيات لتأسيس القنوات التليفزيونية الإعلام المكتوب الخاص لمصلحتهم إلى جانب المواقع ألإخبارية التي جعلوا من منصاتها وسيلة في خدمة نشاطاتهم الاقتصادية و تبرير ممارستهم الفاسدة.
كما مكنتهم الشكارة ـ "أكياس مادة السميد الكبير الحجم و المعبأة بالأوراق النقدية" ـ من شراء تصدر القائم الانتخابية بالرشوة والعمولات الغير شرعية ، بل و مكنتهم من الدخول في شراكة مع بعض صناع القرار فتشكلت ما أصبح يعرف ب " العصابة " و هي فئة الفساد التي عملت في الخفاء على تعطيل و تغييب و وظيفة الدولة نتيجة تغلغلهم و تمكنهم من مؤسساتها الدستورية ومنها تحديدا البرلمان بغرفتيه، هذه الممارسات كان من نتائجها على مستوى هرم السلطة بروز مؤشرات الصراع بين مكونات ثقل النظام و هي قيادة الجيش و رئاسة الجمهورية ممثلة في شقيق الرئيس و مستشاره الشخصي. تجسدت سنة 2017 في إقالة رئيس الوزراء على حينه من الحكومة بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه منصبه ـ" هو رئيس الجمهورية الحالي" ـ الذي دخل في صراع مع رموز الأليغارشية الجديدة الظهور القديمة المنبت فكان العزل مصيره من حيث المنصب لكن هذا العزل عضّد مكانته مع قيادة الأركان و التي ظهرت في شكلها الرمزي لاحقا في اعلاقة الصداقة البارزة مع قائد أركان الجيش على حينه.
و كذا من المؤشرات على بداية النهاية تكمن جزء منها في إلقرارات التي أتخذت منتصف سنة 2016 بإعادة هيكلة الجهاز الأمني الداخلي و الخارجي و إلحاق بعض من فروعه و مدرياته بمؤسسة قيادة الأركان للجيش و هي نتيجة لما سبقها أي بعد إقالة الفريق تفيق "محمد مدين" المدعو" رب الدزاير " في 13 سبتمبر/ 2015. من على رئاسة مديرية الأمن و الاستعلام و الذي كانت له السلطة المطلقة على جميع مكونات المجتمع التنظيمية السياسية ومنظمات المجتمع المدني و كذا الفروع النقابية للإتحاد العام للعمل ،إقالة أرجعها هو شخصيا أثناء محاكمته كونه كان أول مسئول قاد حملة واسعة ضد الفساد الذي استفحل في البلاد و مكّن الأليغاشية من مفاصل الدولة. و آخر هذه المؤشرات جملة القرارات السياسية و الإجراءات الاقتصادية التي اتخذت سنة 2018 و التي كانت في صالح ومنافع بالأساس الأليغارشية الجديدة على حساب مصلحة الاقتصاد الوطني و منها قرار طبع الأموال ، هذه الفئة المنتفعة من عناصر أوليغاشية اللحظة كانت قد استفادت و انتفعت إلى حد الثمالة النقدية قبل هذا من قانون خصخصة الشركات العمومية التي بيعت بالدينار الرمزي لمجموعة من رجال الأعمال الجدد في الفترة الممتدة ما بين سنة 2000 و سنة 2005 نتج عن سياسة الخصخصة هذه ، تسريح مكثف للعمال و غلق عدد معتبر من المؤسسات العمومية التي حولت إلى مستودعات لنشاط رجال الأعمال الجدد كما كشفت عليه محكمات القرن الغير مسبوقة في تاريخ الجزائر و أخيرا خطيئة العهدة الخامسة للرئيس المغيبو التي كانت بداية الترويج لها مع بداية شهر ديسمبر 2018 مما زاد في الاحتقان و الشعور بالإهانة الجماعية على مستوى الشعور الشعبي بالرغم من محاولة تأجيل الانتخابات الرئاسية و من ثم تمديد العهدة الرابعة للرئيس المغيب بحكم ظروفه الصحية لكن تم ترشيحه رسميا لعهدة خامسة في 18 جانفي 2019 ثم استدعاء الهيئة الناخبة فكان مما أدي بداية الهبة الشعبية في مدينة خراطة التاريخية يوم 16 فبراير لتمتد مباشرة لمنطقة الأوراس و مدينة خنشلة تحديدا في 19 فيفي 2019 لتعم لاحقا كل عموم الوطن ابتدأ من 22 فبراير 2019 لتصبح ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة رمز لتلاحم مكوناتها المتنوعة و المنسجمة في ذات الوقت على مستوى ربوع الوطن و لمدة سنة كاملة لم يعطل فعلها النضالي المتسلسل إلا جائحة القرن التي فرفضت على مكونات نشطائها ضرورة تسكين مسيرتها لا توقفيها وعيا إلى حين و هو موقف يبرر وصفها و تصنيفها ضمن الحركات الاجتماعية الجديدة ـ تصنيف يستمد وجاهته من طبيعة الشعارات السياسية التي رفعت و مثلت وحدة إجماع بين جميع الكتل السوسيولوجية المتناقضة من حيث الانتماء الثنائي المتدافع أيديولوجيا و و الثنائي الحزبي المتصارع سياسيا في شكل تنازع بين قيادتها في محاولة للتربع على مشيخة الهبة الشعبية.
فعلا هي هبة شعبية ه تمثل حالة استثناء في التاريخ الاجتماعي و السياسي للجزائر من حيث التزامن و الاتساع الجغرافي الممتد بسلمية أفقيا و عموديا على مستوى الرقعة الجغرافية للجزائر الى جانب بعدها المتمدن و المتسامح حتى أصبحت توصف بثورة الإبتسامة تمثلا مع ملازمهتا التونسية و إلى حد ما المصرية مع الاختلاف من ناحية مصدر أسلوب النضال و طبيعة المآل إنها الهبة الشعبية التي رفع فيها شعار له دلالة صلابة الموقف من أجل تحقيق مطالب الشعبية الهادفة إلى بناء جزائر المواطنة ، العدل و الإنصاف ، نص هذا الشعار : " عام و حنا خارجين و مراناش حابسين " أي بعد سنة لن نتوقف. هذا الموقف الصلب تم التحفظ نتيجة الوضع المستجد و الناتج عن ظهور انتشار وباء الجائحة ، بداية التحفظ صدر عن مجموعة البديل الديمقراطي التي دعت بتاريخ 25 مارس 2020 إلى ضرورة الحذر و اعتماد أساليب سلمية تتناسب و الوضع المستجد عكس ما ذهبت إليه بعض من قيادات التيارات ذات التوجهات الإسلامية التي عاكست بوادر حالة الوعي المستجد و المسئول ، وعي جسده الشعار الذي رفع في الجمعة السادسة بعد الخمسين و نصه : "توقيف المسيرات للحماية ضد انتشار الكورونة النظام لا يحمينا ، الحـرك ديـالـنا ونديـرو ارايـنا " بمعنى نحن أصحاب الرأيو والقرار،هذا الموقف المسئول أبدته شخصيات مناضلة و بعض من تنظيمات المجتمع المدني بتاريخ 13 / مارس 2020 شعار وعضدته بالمساندة المعنوية و الرأي العلمي مجموعة من أطباء وصيادلة الحراك و التي دعت إلى ضرورة تجنب التجمعات والمظاهرات وتعليق المسيرات الشعبية وتفادي كل أماكن الاكتظاظ ، هذه الدعوة ساندتها دعوة الفعاليات الطلابية التي أكدت في البيان بتاريخ 17 مارس2020 التزامها بموقفها الثابت من مطالب الهبة الشعبية و في ذات الوقت دعت بمسئولية أخلاقية عالية تعليق المشاركة في مسيرات الجمعة والثلاثاء و كانت الدعوة على تعدد أطرافها اعتماد أساليب مبتكرة للنضال مرحليا حماية للأنفس و تغليبا للمصلحة الوطنية و من ثم إقامةً الحجّة على السلطة وقطع الطريق على الحملة التي تحاول تحميل الهبة الشعبية مسؤولية انتشار و وباء الجائحة إنه الوعي المسئول المفند للرأي القائل أن مسيرات الجمعة لا راعي لها و أن الهبة الشعبية تنقصها القيادة التوجيهية .
المراجع:
1 ـ أنظر عبد الإله بلقزيز، يوسف الصواني الثورة و الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي، نحو خطة طريق،. مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت ، الطبعة: الأولى/ 2012.
2ـالعياشي عنصر ، الربيع العربي- في الذكرى الخامسة لاختطافه،
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=504047
3 ـ بارتلومي نوفوتارسكي ، كيفية بناء الديمقراطيات الجديدة و كيفية حمايتها من التآكل و ألانحراف حوار وارسو للديمقراطية 2012. صص3-4.
http://www.ue.wroc.pl/p/wydzialy/ne/nowotarski/KSI_KA__TUNIS.pdf
https://ar.wikipedia.org/wik -4
Philippe Lucas et Jean-Claude Vatin L'Algérie des anthropologuese. Éditeur -5
La Découverte(F.Maspéro) 1982
6 ـ الزبير عروس، "مستقبل الإصلاح في الجزائر،" في: أحمد يوسف أحمد [وآخرون]، مستقبل التغيير في الوطن العربي: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2016)، ص 867 – 888.
7 ـ La jeunesse algérienne Vécu, représentations et aspirations N.A. Benhaddad – K. Boucherf N.E. Hammouda – H. Souaber (eds) CREAD – Alger2018
Philippe Lucas et Jean-Claude Vatin L'Algérie des anthropologues , La
Découverte(F.Maspéro) 1982 -8
9 ـ كيت ناش، السوسيولوجية المعاصرة، ترجمة جيدر حاج إسماعيل صص 207 -209 ، المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة ألأولى ، بيروت 2013.
El Watan Mars 2011 -10
11 ـ العياشي عنصر ، الحركات الاحتجاجية في الجزائر، الأبعاد و الدلالات، الجزائر نيوز ففيري 2011.
12 ـ علي هارون : خيبة الإنطلاق أو فتنة صيف 62 19 ترجمة الصادق عماري ، دار القصبة للنشر الجزائر ، 2012.
13- الزبير عروس (حوار)، "الهبة الشعبية في الجزائر: الخلفيات والوقائع والآفاق،" ، أجرى الحوار: فارس أبي صعب، المستقبل العربي، العدد 486 ((آب/ أغسطس 2019)، ص 11 – 23.
14- Naoufel Brahimi El Mili Histoire secrète de la chute
de Bouteflika l 'Archipel 2020
15- 2012 علي هارون مرجع سابق
16 ـ بوحنية قوي "أزمة الحراك الداخلي في الأجزاب الجزائرية، قرأة نقدية " في : علي خليفة الكواري [واخرون] مفهوم الأحزاب الديمقراطية وواقع الحال في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ، 2011، ص319.
_________________________________________________________________
*ورقة عمل قدمت في المؤتمر "الشبـاب والمشـاركة السيـاسيـة الصيغ، الأشكال، والتحديات"، والذي نظمه مركز القدس للدراسات يومي 15 و 16 كانون ثاني/ يناير 2022 في الاردن-عمّان.
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة