A+ A-
إيران من الداخل: تفاعلات الاتفاق النووي وتبعاته على إدارة الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية
2019-02-10

الكاتب : د. محمد السعيد إدريس، مستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 لا بُدّ من إضاءات سريعة قبل الشروع بالإجابة عن تساؤلات الاتفاق النووي مع إيران، وتفاعلات الداخل إزاء العقوبات المفروضة وانعكاساتها على الخيارات السياسية لطهران في إدراة الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أولاً، إن أزمة البرنامج النووي الإيراني جزء من أزمة ممتدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، منذ عام 1979 وما قبل ذلك، ولذا تتطلب دراسة العلاقة بين الطرفين الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأزمة بينهما التي تأتي في سياق الصراع.

ثانياً، لا يمكن الفصل أبداً بين مسار أزمة البرنامج النووي الإيراني، ومسار الصراع العربي - الإسرائيلي، فأزمة البرنامج النووي لها أزمة موازية بنفس الوقت، وهي الصراع العربي - الصهيوني.

ثالثاً، أن هناك شخصنة للصراعات، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية في عصر  الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أدارت الأزمة مع إيران بمنطق مختلف تماماً عن منطق إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب.

كان الرئيس أوباما يحاول خلال سنوات ولايته أن يتفاهم مع نتنياهو حول أولوية الملفات، فيما إذا كان الاهتمام أولى بملف القضية الفلسطينية أم ملف إيران، وقد تمسّك أوباما بملف القضية الفلسطينية، صحيح أنه لم ينجز فيه كثيراً، لكنه رفض الانجرار إلى صراع حاد مع إيران على نحو ما كان يريد نتنياهو، إذ كان يريد الأخير ضربة عسكرية أمريكية لإيران، أو ضربة إسرائيلية بغطاء ودعم أمريكي. وهو ما لم يلق استجابة عند اوباما.

كان اوباما يملك رؤية للتعامل مع إيران، من خلال دعم التيار الإصلاحي داخلها، واستدراجه إلى سلوك سياسي مقبول في العلاقات الدولية، ولذلك دعم مشروع التفاوض حول البرنامج النووي.

عندما أُقرّ البرنامج النووي في يوليو 2015، عرض القادة الخليجيون على اوباما في لقاء جمعهم به، في كامب ديفيد وفي واشنطن، تحالفاً على غرار "الناتو" مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة إيران، فرفض أوباما هذا العرض، ورفضه مجدداً في ختام زيارته الأخيرة عام 2016، وقدم رؤى كانت شديدة الانحياز إلى إيران والشعب الإيراني، بل وتغزّل في لقاء مهم جداً بالشعب الإيراني، ودعم الاتفاق النووي، لكن الأمر اختلف تماماً مع مجيء الرئيس دونالد ترامب، الذي تطابق مشروعه تماماً مع المشروع الإسرائيلي، حتى بدا الأمر، وكأن نتنياهو هو مَن يدير البيت الأبيض وليس ترامب.

رابعاً، لا يمكن الفصل بين البرنامج النووي الإيراني وبين المشروع السياسي في إيران، ربما ينظر العرب لمشروع إيران السياسي بعين الريبة نظراً لتدخلاتها في الشؤون العربية، وهو ما يرفضونه ويعتبرونه عدواناً على الأمة العربية ومصالحها، ولكن هناك خلطاً حاصلاً بين البرنامج النووي لإيران، وبين دورها الإقليمي.

فإيران دولة مُوقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وهذا يتيح لها وفقاً للمعاهدة، أن تتمتع ببعض الحقوق، كأن تحصل على برنامج نووي سلمي. وقد دعّمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموقف الإيراني وأيدت التزام طهران بكل ما يتعلق بالقيود المفروضة على برنامجها النووي، مؤكدة على أن إيران لم تخرج عن هذا الاتفاق.

وبالرغم من أن إيران فعلت ما يجب فعله وفقاً للمعاهدة، إلا أن العرب لم يُميّزوا بين مشروعها النووي وبين سياساتها في الدول العربية، وعلى إثر ذلك، بدأت الأزمة في الخليج حيال البرنامج النووي الإيراني ومفاعل بوشهر ومخاطره البيئية على المنطقة.

كان الانخراط الخليجي في بواكير الأزمة قد بدأ في حدود ضيقة جداً، وهي المسألة المتعلقة بالآثار البيئية لمفاعل بوشهر الإيراني النووي، ولم يكن الحديث حينها حول البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم.

إلا أن زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة في الخليج في 2008، غيّرت الوجهة، وكرّست رؤية تمثلت في أن إيران هي عدوٌ للعرب، وأن إسرائيل صديقة.

وهذا يدعونا إذا ما أردنا أن نفهم مسار أزمة البرنامج النووي الإيراني، أن نحاول قدر الإمكان عزلها عن الصراعات الإقليمية، لأن الخلط بين الدور الإقليمي لإيران وبين مشروعها النووي، لن يُمكّننا من فهم حقيقة البرنامج النووي، الذي يعد مشكلة من وجهة نظر إسرائيلية، بالرغم من أن إسرائيل هي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة، التي تمتلك قدرات نووية بحماية أمريكية وأوروبية، كما أنها تمتلك صواريخ بالستية هائلة القدرات، لكن أحداً لا يتأتى على ذكر ذلك أو الاعتراض عليه. ولذا لا يمكن الفصل أبداً بين أزمة البرنامج النووي الإيراني وبين أزمة الصراع العربي - الإسرائيلي، وهذه مسألة أساسية.

  •  إيران من الداخل: تفاعلات الاتفاق النووي وتبعاته على إدارة الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية

ثمة إرث إيراني تاريخي، فإيران هي وريثة الامبراطورية الفارسية التي امتدت حتى وصلت مصر، وهو الأمر الذي ما زال منعكساً على سلوكها السياسي.

يقوم النظام في إيران على دعامتين: المصلحة الإيرانية، ثم المفهوم الإسلامي، ولذلك إذا نظرنا إلى المجتمع السياسي الإيراني، فسنجد ألوانَ طيف ممتدة من أقصى المصلحة، صفر إسلام، وأقصى الإسلام، صفر مصلحة، ثم التوازن في الوسط بين ما هو مصلحة وطنية وما هو إسلامي كنظام سياسي.

في إيران معارضتان، معارضة شرعية، هي ابنة النظام، إذ عندما يحكم الإصلاحيون تصبح المعارضة محافظة، كما كان في عهد محمد خاتمي، وعندما يحكم المحافظون تصبح المعارضة إصلاحية، إذاً هي معارضة متبادلة داخل النظام السياسي الإيراني، وهذه هي التي يجب أن نتحدث عنها.

أما النوع الثاني من المعارضة، فهي المعارضة من خارج النظام، مثل: مجاهدي خلق، أو بعض المعارضات الليبرالية التي تنتمي لمرحلة ما قبل الشاه، فهؤلاء من خارج النظام. ويبدو رهان بعض الأطراف على هذه المعارضة –بتصوّري- رهاناً فاشلاً، لأنها معارضة بلا جذور حقيقية في المجتمع السياسي في إيران. فمثلاً، يُوصف مجاهدو خلق بأنهم "منافقون" أو "خونة" أو غيرها من المسميات.

ولذلك، إذا ما أردنا دراسة المعارضة الإيرانية واستشراف مستقبلها، لا بُدَ من التمييز بين معارضتين، معارضة داخلية للنظام، ولا يبدو أن التنافس بينها بسيطاً، بل تؤشر الاتهامات المتبادلة بينها، على أن هناك صراعاً داخلياً على السلطة في إيران.

وقد تبين هذا مع الثورة الخضراء في العام 2009، وما تبعها من تورط المرشد الأعلى في دعم أحمدي نجاد في انتخاباته الثانية، ضد مير حسين موسوي. إذ بدأت المعارضة تتأصل، وبدا الفرز السياسي في أوجه بين الإصلاحيين وبين المعتدلين، بين حسن روحاني وبين هاشمي رفسنجاني، زعيم المعتدلين.

أما المعارضة الخارجية، فهي تعمل بالارتزاق، وتبتزّ الممولين، إذ استخدمهم العراق في فترة من الفترات، والآن يُستخدمون من دول خليجية ويعقدون المؤتمرات المعارضة في باريس ضدّ النظام الإيراني، لكن ذلك لن يُسقطه. كما أن الرهان على الضغوط والأزمة الاقتصادية في إسقاط النظام يبدو في غير محله.

بالعودة إلى معارضة النظام من داخله، عندما بدأ الرئيس روحاني مع وزيره البارز محمد جواد ظريف بالتفاوض مع الدول 5+1، وجّه المحافظون بأطيافهم، تقليديين وثوريين، اتهامات شديدة للمسار التفاوضي مع الغرب. وأعربوا بزعامة المرشد علي خامنئي عن تخوفاتهم من التفاوض مع الغرب حول الملف النووي.

لم يلبث وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن نجح في إنجاز مهمة الاتفاق النووي، وأثنى عليه الرئيس الأمريكي أوباما، لكن ظريف قوبل باتهامات داخلية، وصلت لحدّ اعتباره مع روحاني ممن اندرجوا في دائرة الخيانة.

كان من تلك الاتهامات، انتقادات رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق آملي لاريجاني، شقيق علي لاريجاني، رئيس المجلس التشريعي الإيراني، مع شقيقهم الأكبر، محمد جواد لاريجاني، أحد منظري الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد تزامنت تلك الانتقادات مع الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس القيادة الإيرانية في العام 2016.

في الأثناء، ونظراً لإنجاز الاتفاق النووي، بدأت حكومة حسن روحاني بالانفتاح على الغرب، حيث زار فرنسا وإيطاليا، واستقبلت طهران الوفود الأوروبية والباكستانية والصينية، وعُقدت الصفقات الاقتصادية، كما بدأت حكومة روحاني بمشروع إصلاح اقتصادي مستفيدة من الموارد التي جاءت نتيجة لرفع العقوبات.

غير أن ذلك، لم يكن ليمنع المرشد الأعلى من أن يُحذّر تحذيراً شديداً من خطورة الانفتاح على الغرب، إذ إن الانفتاح الاقتصادي سيؤدي إلى انفتاح سياسي وإعلامي، ما يُشكل برأيه خطراً على عقيدة النظام السياسي في البلاد.

استمر الانقسام الداخلي حيال الاتفاق حتى بعد توقيعه، واحتفظ كل طرف بوجهة نظره، وظلّ المحافظون والحرس الثوري علاوة على المرشد الأعلى على موقفهم باعتبار الاتفاق خيانة للمشروع الثوري الإيراني، وكانوا يتخوفون من أن يؤدي الانفتاح الاقتصادي إلى تغلغل ثقافي غربي يطال جوهر النظام الثوري في إيران.

انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، وعقب انسحابها وقبيل إعلانها عن حزمة العقوبات على إيران، اندلعت مواجهات شعبية احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي، رافضةً السياسات الاقتصادية للحكومة، كان ذلك بالتزامن أيضاً مع دعوات من المرشد الأعلى إلى اقتصاد مقاوم. 

لم تقتصر الاحتجاجات على الوضع الاقتصادي، بل تطورت إلى رفض بعض التوجهات السياسية الرسمية، واتهامات شعبية باستشراء الفساد في هيكل النظام السياسي، وانتقادات لمَن أثرَوا كثيراً من داخل النظام.

لكن، إلى أين يمكن أن يقود هذا الانقسام الداخلي، خصوصاً بعد إلغاء الاتفاق من جانب الولايات المتحدة الأميركية؟ من وجهة نظري، فإن هذا الانقسام في المواقف في ظل أزمة خارجية يمكن أن يؤدي إلى إحدى نتيجتين، إما التماسك والتوحّد الداخلي، أو التشرذم والانفراط.

لكن في الحالة الإيرانية، ثمة شعور إيراني بمختلف التوجهات، محافظين وإصلاحيين، بأن بلادهم تواجه خطراً وعدواناً خارجياً نظراً لمواقفها ومكانتها في الإقليم، ولذلك لن يؤدي هذا الانقسام –من وجهة نظري- إلى انفراط، بل سيؤدي إلى توحّد داخلي إزاء الأزمة التي يعتبرونها تهديداً لبلادهم.

ولذلك، فإن التحليلات التي تتناول الاحتجاجات الشعبية الإيرانية على أنها مقدمة لسقوط النظام، هي تحليلات رغائبية، إذ إن هناك فرقاً بين الواقع وبين التمني، لأن المعارضة من داخل النظام لا تسعى لتقويض النظام أو الإطاحة به، خصوصاً وأن المحافظين والإصلاحيين على حدّ سواء يتناوبون على السلطة والمعارضة في البلاد. أما المعارضة الخارجية التي تسعى لإسقاط النظام، فإنها لا تمتلك جذوراً حقيقية في المجتمع السياسي الإيراني، ولا تبدو قادرة على ذلك.

إذن، تسعى المعارضة الداخلية لاستعادة دورها في السلطة، أو إجراء إصلاحات من داخل النظام، حتى وإن بدت انتقاداتها عنيفة، إذ سبق لهاشمي رفسنجاني أن طالب بما أسماه بولاية جماعية بدلاً من ولاية الفقيه في العام 2009، وجدّد دعوته إليها في العام 2016، وهذا فيما يبدو موقف جريء خصوصاً أنه موقف ضد المرشد الأعلى مباشرة، لكن هذه المواقف الجرئية لا تعدو عن كونها دعواتٍ لإصلاح النظام الإيراني، لا إسقاطه.

  •  رهانات الأطراف حيال الوضع في إيران

على أي حال، يبدو أننا الآن إزاء رهانين، رهان أمريكي حول الوضع الداخلي في إيران، ورهان إيراني ذاتي.

يستند الرهان الأمريكي على الجيل الإيراني الجديد، إذ يعتقد الأمريكيون بأن الشباب الإيراني، ممن هم ثلاثون عاماً فما دون، متأثرٌ بثقافة العولمة والانفتاح في ظل ثورة الاتصالات، وأن هذا الجيل الشاب، الذي لم يشهد مرحلة مظالم وفساد حكم الشاه، لم يعد ابناً للثورة ولا لنظامها.

كما أن هذا الجيل يشاهد حالياً الفجوة التي تتسع بين الفقراء والأغنياء، ويرى الفجوة كذلك بين رموز النظام وبين الشعب الإيراني المسحوق حقيقة. ولذا يعتمد الرهان الأمريكي على أن هناك جيلاً إيرانياً يتخلق الآن، وسيعمل على إسقاط النظام من داخله.

أما الرهان الآخر، فهو رهان إيراني داخلي، قوامه الشباب الإيراني الذي يأمل باستعادة هيبة النظام الثوري وتخليصه من كل شوائب تجربة الأربعين عاماً الماضية، ولا شك أن هذا الشباب يشعر بأن هناك استهدافاً أمريكياً لبلاده، فالرئيس ترامب مثلاً، اختار 4/نوفمبر موعداً لتنفيذ العقوبات، وهو موعد متعمَّد، لأنه ذكرى سيطرة الشباب الإيراني على السفارة الأمريكية في طهران. ولذا قد يستعيد الشباب الإيراني خطابه الثوري في مواجهة الولايات المتحدة، لكن وفق رؤيته التي تبتعد عن شوائب تجربة مَن كانوا في السلطة.

يبقى أن السؤال الراهن: أيُّ الرهانين سينجح؟

  •  مسارات إدارة الأزمة إيرانياً: خيارات الدبلوماسية والتصعيد

تمتلك إيران مسارين لإدارة الأزمة، المسار الدبلوماسي، والمسار التصعيدي، أي مسار: تسخين الأزمة.

يراهن الإيرانيون في المسار الدبلوماسي على أمور كثيرة، إذ يراهنون على انقسام الغرب حول الموقف من البرنامج النووي، وموقفهم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ويراهنون على صراعات الرئيس ترامب مع روسيا والصين، ويراهنون على سلوكياته السياسية المستفزة لدول فرض عليها العقوبات، كمجموعة الدول الصناعية مثل كندا ودول أوروبية أخرى. ربما يُعوّل الإيرانيون على أن مسار العقوبات سيوحّد هؤلاء ضد إدارة الرئيس الأمريكي ترامب.

يراهن الإيرانيون كذلك على التحولات داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، من خلال انتخابات الكونغرس الأخيرة ووصول الديمقراطيين إلى مجلس النواب الأمريكي، وربما يراهنون على خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ومجيء رئيس ديمقراطي يغيّر الموقف تجاههم.

يبدو أن إيران، لن تنسحب من الاتفاق النووي، لأنها تراهن على الموقف الدولي، وتعوّل عليه في رفض العقوبات الأمريكية ضدها. ولا يبدو أنها ستلجأ إلى مسار التصعيد، ما لم تضطر إليه.

أما إذا ما فشل المسار الدبلوماسي، ستلجأ إيران آنذاك إلى التصعيد، وهذا ما يتضح من خلال تصريحات مسؤوليها السياسيين والعسكريين، من أن منع إيران من تصدير نفطها مثلاً، سيقابل بمنع تصدير نفط الخليج. ويبدو أن مسار التصعيد سيكون اضطرارياً، في حال فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة لأربع سنوات مجدداً.

يبقى أن قرار إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي سيظل وارداً، لكن ذلك مرتبط بمحددات. ويبدو أن العامين القادمين حتى لحظة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، سيشهدان دبلوماسية إيرانية نشطة لاحتواء الأزمة قدر المستطاع، ومحاولة توحيد الموقف الدولي ضد العقوبات الأمريكية، كما ستعمل إيران بالتزامن على احتواء أزمتها الداخلية.

يعتمد التزام الإيرانيين بالمسار الدبلوماسي على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، داخلياً، يلزم الإيرانيين أن يدرسوا أسباب الأزمة والاحتجاجات الشعبية بشكل حقيقي، وأن يُقدّموا إصلاحات بمسحة ديمقراطية، وأن يُعطوا الأقليات حقوقها، إذ كان واضحاً أن حركة الاحتجاج التي اندلعت، كانت تتمركز في مناطق الأقليات. ولذا على إيران أن تُقبل على شعبها بمصالحة.

أمر آخر في غاية الأهمية، وهو أن إيران كانت قادرة في مرحلة سابقة، على أن تجابه العقوبات الأمريكية مُطوّلاً، بعدة عوامل، واحد من هذه العوامل، هو أنها كانت تتمتع بعلاقات غير متوترة عموماً مع محيطها الإقليمي، وتحديداً مع دول الخليج، فالإمارات – دبي، ساهمت بشكل ما أو بآخر بتخفيف حدّة العقوبات والحصار المفروض على إيران آنذاك.

لكن إيران الآن، فقدت جوارها الإقليمي، ولن تستطيع –بتصوّري- أن تصمد بجدية أمام العقوبات، ما لم تعمل على طرح مبادرة إقليمية حقيقية للحوار مع دول الجوار، وهو ما يتطلب تنفيس بعض الأزمات الإقليمية، سواء في اليمن أو في البحرين أو سوريا، كبادرة لحسن النوايا ومقدمة لإعادة الحوار، الذي سيعمل -بلا شك- على التخفيف من وطأة الأزمة التي ستفرضها العقوبات على إيران."


-ورقة عمل قدمها الدكتور محمد السعيد إدريس وهو مستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في ورشة عمل "أثر التأزم في العلاقات الأمريكية الإيرانية على أمن واستقرار الشرق الأوسط" والتي نظمها مركز القدس للدراسات خلال الفترة 19- 20 تشرين ثاني/ نوفمبر  2018، في لبنان- بيروت.