

2004-06-12
الدكتور مراد مرجان
(حزب العدالة والتنمية التركي)، رئيس الوفد المفاوض للمجلس الأوروبي /الجمعية البرلمانية.
1ـ مؤسسات الديمقراطية التركية:
لقد استطاع الراحل مصطفى كمال أتاتورك، أن يؤسس الجمهورية التركية الحديثة في عام 1923، بعد حرب استقلال دموية. وتشكلت الجمهورية على أثر زوال الأمبراطورية العثمانية التي دام حكمها 600 عام، اعتمدت على تشكيل حكومات دينية، وكانت السلطان وحكومته هما أصحاب السلطة والنفوذ في الدولة، وكان يعتمد نجاح العثمانيين في الحكم أساسا على قوة السلطان وطبيعة شخصيته.وتميزت القرون الأربعة الأولى من عمر الدولة العثمانية بالقوة والمنعة والنجاح، إلا أنه أصابها الهزال والتراجع في أدائها مع بداية منتصف القرن الثامن عشر ( عام 1750 م)، ومنذ ذلك الحين بدأت محاولات حثيثة لإدخال الحداثة إلى الأمبراطورية العثمانية، ولكن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل لأسباب عدة. وبما أن جوهر دراستنا ليس عن الأمبراطورية العثمانية، فإنني لن أتعرض لهذه الأسباب.
وفي هذه الحقبة التاريخية الهامة، لا بد من التذكير، بالرغم من فشل كافة المحاولات التحديثية، إلا أنها أدت إلى تفتح عيون النخبة التركية وتوجهها إلى ما يجري في أوروبا من بوادر الحداثة والتقدم، وذلك بهدف نقلها وإدخالها إلى تركيا.
وبالرغم من التاريخ الطويل للحكم الديني التقليدي، الذي مرت به الأمبراطورية العثمانية، إلا أن "أتاتورك" أختار الديمقراطية والنظام العلماني وسلطة القانون، كدعائم أساسية للجمهورية التركية الحديثة، مع أن أمامه كان خيارات أخرى. وأسس أتاتورك أول حزب سياسي "حزب الشعب الجمهوري" .وبالرغم من وجود نظام الحزب الواحد في تركيا، في أيامها الأولى، إلا أنه تم تشكيل حزب سياسي آخر، خلال فترة حكم أتاتورك، مما يدل على أنه كان يسعى إلى بناء ديمقراطية ذات تعددية سياسية.
منذ الأيام الأولى لتأسيس الجمهورية، عبر الشعب عن رغبته في استقلالية النظام القضائي، وفي محاسبة الحكومة المنتخبة من قبل برلمان منتخب. وشكل الدستور، الذي وضعه أتاتورك" أحد أهم دعائم الديمقراطية التركية، إلا أن هذه الديمقراطية الوليدة تعرضت لعدة انتكاسات منذ عام 1923، تمثلت في عدة انقلابات عسكرية، حيث تم على الأثر إدخال تعديلات لبعض مواد الدستور، إلا أنه تمت المحافظة على جوهره من العبث.
2-استعراض قصير للسياسات التركية:
ساد في تركيا تياران سياسيان رئيسيين: تيار الديمقراطية الاجتماعية مثله "حزب الشعب الجمهوري"، الذي أسسه أتاتورك، والتيار المحافظ ومثله " الحزب الديمقراطي"، الذي أسسه جلال بيار وعدنان منديرس، وزملاءهم في عام 1946. وخسر "حزب الشعب الجمهوري" الحاكم السلطة عام 1950، لصالح "الحزب الديمقراطي".
في عام 1960ن جرى انقلاب عسكري أطاح بالحزب الديمقراطي، وعلى الأثر وضع الإنقلابيون دستوراً جديداً، تم على أثره "حل " الحزب الديمقراطي، وتم تأسيس حزب "العدالة" على أنقاضه، وكوريث له. وكان أحد أهم زعمائه سليمان ديميريل، الذي استطاع الوصول إلى السلطة عام 1980. واتبع حزب "العدالة"، السياسة التي انتهجها الحزب الديمقراطي، وركز على اهتماماته على القضايا الداخلية التركية المجتمعية.
أما الخطوط السياسية التي انتهجها حزب الشعب الجمهوري، فقد كانت ممثلة للتيار اليساري الذي قاد الحزب فترة قرن من الزمان، وكان هذا التيار هو المفضل لدى النخبة في تركيا، كانت تعلن دائماً بأنها حامي ركائز ودعائم الجمهورية التركية، الممثلة في العلمانية واقتصاد الدولة ..الخ. وساعد حزب الشعب على إنشاء "اقتصاد شبه السوق"!، وإبقاء الدولة مسيطرة على كافة القطاعات الاقتصادية.
الخط السياسي الآخر، مثله "يمين الوسط"، الذي ركز جل اهتماماته على "العادات والتقاليد والمعتقدات" والذي مثله " الحزب الديمقراطي" وحزب العدالة، وكانا مؤيدان لاقتصاد السوق. ومع ذلك فقد مثلا هؤلاء الحزبان حالة مخيبة لآمال ناخبيهم، أما السبب فيعود إلى عدم قدرتهم على الايفاء بوعودهم والالتزام ببرامجهم الاقتصادية والاجتماعية، التي على أساسها تم وصولهم إلى السلطة. ومن الواضح أن سياسات هذين الحزبين لم تختلف كثيراً عن البرنامج الذي انتهجه حزب الشعب الجمهوري، الذي تحول إلى "الحزب اليعقوبي" بعد رحيل أتاتورك.
وساد الفترة ما بين "1970 ـ 1980" نشاطات إرهابية في تركيا، سواء كان من اليمين" أو "اليسار"، مما تسبب في قيام الجيش بانقلاب عسكري، وقام الانقلابيون بحظر جميع الأحزاب السياسية. وتم وضع دستور جديد والسماح بتشكيل أحزاب جديدة، مثل "حزب الأم"، الذي أسسه "تورغوت أوزال"، ومجموعة من زملائه. والذي شكل ولادة تيار "اليمين الوسط" السياسي. وأجرى هذا الحزب إصلاحات كبيرة في طبيعة النظام الاقتصادي التركي، وقام بمحاولات لإحداث تغييرات في النظام الإجتماعي للدولة. إلا أن حزب " الوطن الأم" لقي نفس مصير أحزاب الوسط، وذلك بعد وفاة مؤسسه "أوزال"، ولم تستطع برامج أحزاب اليمين الوسط تلبية طموحات ناخبيها والوفاء بوعودها لهم.
في عقد السبعينات برز خط سياسي جديد، مثلته أحزاب "التنظيم القومي، الخلاص القومي، وحزب الرفاه الاجتماعي بقيادة نجم الدين أربكان (1970 ـ 2000)، وذلك بعد فشل الحزبيين السائدين في ذلك الوقت. وشكل حزب الرفاه تياراً محافظاً متديناً. وقد فرض الحظر على كافة هذه الأحزاب، أما بفعل الانقلابات العسكرية أو جراء قرارات أصدرتها المحاكم التركية. وتمكن حزب الرفاه من الوصول إلى السلطة، ضمن تحالفات سياسية على فترتين الأولى في عام 1974، والثانية عام 1996، واستمر حكم هذا الحزب نحو عامين. وأثار حزب أربكان والمتحالفين معه، جدلاً واسعاً في صفوف النخبة التركية، الذين أصيبوا بالإحباط، لإحساسهم بإن هذا الحزب، يقود تركيا بعيداً عن "العلمانية" وعن أوروبا.
في الفترة الممتدة ما بين 1950 و1990، كانت الحكومة هي حكومة حزب الأغلبية، ولكن عجز هذه الحكومات عن تلبية احتياجات ورغبات الوطن والمواطن فقد هذه الحكومات وهذه الأحزاب الحاكمة زخمها ودعمها الشعبي. ونتج عن الأحزاب الحاكمة أحزاب جديدة، وفي الكثير من الأحيان كانت هذه الأحزاب تنشق عن نفسها لتشكل أحزاباً جديدة، مما اثر سلباً على قوة وأداء هذه الأحزاب إثناء تداولها للسلطة، مما عكس نفسه على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تركيا.
وفي هذا السياق نستطيع القول بأن "أحزاب اليمين الوسط" قد فقدت ثقة الناخبين، خاصة لجهة برامجهم السياسية التي ابتعدت عن ما نادت به هذه الأحزاب، وتماشت مع "الواقع الراهن"!، يضاف إلى تورط عدد من قياديي هذه الأحزاب في قضايا فساد. وفي الجانب الآخر "فان الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية" قد ابتعدت عن عادات ومعتقدات المواطنين.
حزب العدالة والتنمية ـ التأسيس والأبعاد:
أسس حزب العدالة والتنمية الطبيب رجب أردوغان ومعه 72 من زملائه. وكان أردوغان رئيساً ناجحاً ومتميزاً لبلدية اسطنبول في الفترة الممتدة ما بين 1994 ـ 1998. وقد زج بالسجن قبل أن يكمل فترة رئاسته للبلدية، بسبب من إلقاءه قصيدة، ادعت فيها السلطات أنذاك بأنها تحرض على الكراهية بين أفراد الشعب التركي. إلا أنه وبسبب من شخصيته المميزة ، فقد حاز على مؤازرة فئات واسعة من الشعب التركي، ومنذ ذلك الحين وشعبيته في تزايد مستمر.
بالنسبة لحزب "الرفاه" لم يكن هناك توافقاً بين أعضاء الحزب وقيادته، وعندما حظر نشاط الحزب من قبل المحكمة، تم تشكيل حزب الفضيلة على انقاضه، مما أجج من صيحات عدم الرضا في صفوفه، وقد وجهت انتقادات لبرامجه السياسية، خاصة من قبل بعض أعضاء قياديين هذا الحزب، ودعوا الى ضرورة أن يطور الحزب من برامجه وساسته بما ينسجم ويتماشى مع واقع ما يجري في تركيا والعالم من تغييرات، مطالبين بتوقف الحزب عن استخدام لغة الدين في خطابه السياسي، إلا أن صيحات عدم الرضا لم تلق آذانا صاغية من قبل الجيل القديم المهيمن على الحزب، والمتعصب لأفكاره. وعندما تم حظر "حزب الفضيلة" دفع ببعض قيادات الحزب التي كانت تنتقد سياسة الحزب، الى تشكيل حزب جديد على انقاض حزب الفضيلة بقيادة طيب رجب أردوغان، تحت مسمى "حزب العدالة والتنمية"!.
أما سبب اكتساب حزب العدالة والتنمية لكل هذا الزخم والدعم الشعبي فيعود الى برنامجه السياسي والذي يقول فيه" إن تركيا لديها رغبة كبيرة في إحداث تغييرات واسعة في ظل الصعوبات التي تمر بها، خاصة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي أثرت سلباً على حياة الناس ومستقبلهم. إن تركيا تتلهف وتسعى الى إجراء إصلاحات سياسية فعالة للتغلب على كافة الصعوبات التي تواجهها، ومن أجل إحلال السلام الاجتماعي والأمن، وتقديم الخدمات والرعاية لجموع الشعب التركي وتأمين مستقبله.
فعندما فرغت المفاهيم والقيم من جوهرها وفقدت الكلمات معناها، فإن تركيا احتاجت وبسرعة إلى تفاهمات جديدة، وإلى حركة ديناميكية طموحة وعاقدة العزم على إخراج البلاد من المستنقع الذي وصلت إليه، وباستطاعتها وضع البرامج الطموحة، التي تخط فيها المستقبل التركي بكل وضوح، وبحاجة إلى كادر محلي واقعي مسلحاً بالعلم والمعرفة الحديثة وإلى مشاريع واقعية تفتح آفاقاً جديدة أمام الشعب التركي.
إن الأهداف، المذكورة أنفا، بالإمكان تحقيقها من خلال إرادة ورغبة سياسية واعية وبالبدء بحركة تنمية اقتصادية من أجل تصحيح الآليات الخاطئة في توزيع الدخل والثروة والقضاء على جيوب الفقر، وإنهاء حالة السخط والتذمر، وتحقيق الوحدة واستجماع همم الشعب، وضمان السلام الاجتماعي ومّـْد جسور الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطن.
إن مشاكل تركيا ليست مستعصية على الحل إذا علمنا:
-أن تركيا تملك مسطحاً غنيا وباطناً غنياً بالمصادر الطبيعية.
-أن تركيا تملك شعباً شاباً ومفعم بالحركة والنشاط.
- أن تركيا تملك تاريخاً عريقاً وارثاً ثقافياً.
-ان تركيا تملك جذوراً عميقة وتقاليد حكم راسخة.
- ان تركيا تملك إمكانية ملتزمة وقدره عالية للتنافس العالمي.
-ان تركيا تملك موقعاً جغرافياً استراتيجياً يمكنها من لعب دور مؤثر في المنطقة.
-أن تركيا تملك مركزاً للجذب السياحي لجمال طبيعتها، ونسيجها التاريخي الحضاري.
-أن تركيا تملك ميزات من التضامن الاجتماعي والتعاون المشترك، وهي تعبر عن شخصيتنا الدينية والقومية لقد حققت أمتنا إنجازات ونجاحات في فترات وأوضاع صعبة خلال تاريخها. وعطفاً على ما سبق فنحن لسنا بعاجزين ويجب أن نعمل على تحريك هذه الطاقة الكامنة، وهذا سبب وجود حزبنا في المشهد السياسي، ونحن مصممون على تعبئة كافة الطاقات في تركيا من أجل أن نحقق السعادة والرفاهية لشعبنا وأن نؤسس مكانة تليق في بلدنا.
لقد وسع حزبنا صلاته الاجتماعية من أجل تلبية احتياجات كافة قطاعات الشعب، فحزبنا هو حزب الأمة التي تعيش منذ أكثر من ألف سنة ضمن الفسحة الجغرافية في محبة وصداقة وأخوة، ولديها قدر مشترك من السعادة والأحزان والكرامة.
بأمانته وحيوية كادره ذو المبادئ العالية، وبنظرته السياسية الثاقبة لفتح آفاق أمام بلدنا ، فإن حزبنا يهدف بان يضع حداً لكافة المشاكل والصعوبات التي يعاني منها شعبنا منذ سنوات، فنحن نسعى الى تطوير أدائنا في حل كافة هذه المشاكل والتحديات، واتخاذ القرارات الصائبة وتطوير إمكانات في النظام السياسي، وإزاحة كافة العقبات أمام تطوير وتنمية بلدنا، كي نأتي لتركيا بالنور الذي تستحقه.
إن حزبنا يهدف لإيجاد حلول راسخة لمشاكل بلدنا يتماشى والواقع الدولي الراهن، ويستنهض الماضي والتقاليد، وجعل الخدمة العامة من أهم أهدافه، وقيادة النشاطات السياسية من منطلقات وقيم ديمقراطية معاصرة، أكثر منها منطلقات أيدلوجية.
ولهذا بالتحديد فإن حزبنا وبدون تمييز تبنى جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس والأصول العرقية، والمعتقد، والأفكار . ان مفهوم التعددية يعتبر أحد أهم أهداف حزبنا الأساسية من أجل تطوير الوعي الوطني والمشاركة مع جميع رجالات الوطن في تعزيز الكرامة الوطنية والانتماء للوطن الذي نعيش فيه. ويهتم حزبنا بحرية الفرد ويعتبرها أحد أهم قضاياه، فهو يتبع المثل القائل "إذا لم الجميع أحراراً، فلا أحد حر"!، ولضمان الديمقراطية جعل الفرد في مركز اهتماماته، عبر السعي لحماية حقوقه الأساسية وحريته. كما أن حزبنا أسس أرضية فعالة للحفاظ وحدة وسلامة أراضي تركيا، وعلى العلمانية، والقانون الاجتماعي، والقيام بعملية التطوير والسعي الحثيث باتجاه الديمقراطية، وحماية حرية المعتقد والمساواة في الفرص بين المواطنين. سيسعى حزبنا إلى محاربة الآفات والظواهر التي تدمر المجتمعات والحكومات مثل الانحطاط والفساد والشوائب والاستغلاليين والمحسوبية وعدم المساواة أمام القانون، وعدم المساواة في الفرص والعنصرية والشللية والاستبداد، وحيثما وجدت هذه الظواهر فان حزبنا سيكون مقاتلاً صلباً وعنيداً للقضاء عليها.
ومن أجل التعرف على الناس وعلى مشاكلهم، سيسعى حزبنا إلى مد جسور من الثقة، والتي اختفت من مجتمعنا، فنحن مصممون على أن ينظر الناس إلى مستقبلهم بأمان وأن يشعروا باحترامهم وأن يعاملوا بطريقة سليمة تليق بهم كبشر وبدورهم في بناء المجتمع مهما كان حجم هذا الدور.
إن جماهير الشعب ليست عاجزة والحل يكمن في الشعب نفسه، كما قال أتاتورك العظيم "ان القوة لإنقاذ الأمة تكمن في عزم وتصميم الأمة ذاتها"!!. لدينا مفهوم أن على الحكومات أن تسهل الأمور لا أن تجعلها أكثر صعوبة. ويجب أن تسعى الناس لتجميع الناس وقواهم لا أن تدفعهم بعيداً، وأن توحد لا أن تفرض وأن تحمي الضعيف من الجبروت غير عادل للقوى.
ولكي نصل الى النتائج المرجوة فقد وضع حزبنا برنامجاً سياسيا يضمن النقاط التالية:
-نشر التفاهم المعتمد في أساسه على مفاهيم الحقوق الدولية والحرية لجميع المناطق.
-إنهاء وبشكل تام المشاكل المستعصية التي تواجه تركيا.
-تعبئة وتفعيل قدرة الإنسان التي أهملت لسنوات عدة وجعل تركيا دولة منتجة وأن تنمو بالإنتاج.
القضاء على الهوة في توزيع الدخل مما سيرفع في مستوى الرعاية الاجتماعية لامتنا.
-إشراك المواطنين والمنظمات غير حكومية في الإدارة العامة وخلق تعاون دؤوب بين فئات المجتمع.
- السعي إلى تأكيد وترسيخ مفهوم الشفافية والمسؤولية في جميع مرافق الحياة العامة .
-السعي لتزويد المجتمع بأدوات العصرنة والحداثة والعقلانية، والواقعية وإنجاز الحلول في المناطق مثل وضع حلول للمشاكل الاقتصادية والتركيز على السياسة الخارجية، والثقافة والفنون والتعليم والصحة والزراعة والثروة الحيوانية ، فنحن نعتقد ونؤمن بقوة بأن هذا البرنامج سيعمل على حل مشاكل تركيا وانه سيفتح الطريق أمامها على مصراعيها من أجل التقدم للأمام ونتوقع من هذا البرنامج من أن يشكل بداية جديدة لتركيا.. كل شيء معنا سيكون للأفضل بمشيئة الله!!.
الأحزاب العدالة والتنمية في الحكومة
الانتخابات العامة التي جرت في 3/11/2002 ، حققت نتائج مدهشة، خاصة وأن كافة الأحزاب السياسية التي كانت ممثلة في البرلمان لم تتمكن من الحصول على مقعد واحد.في حين حصل حزب العدالة والتنمية على 34% من أصوات الناخبين والتي تمثل 365 مقعداً برلمانياً من اصل 550 مقعداً. ونال حزب الشعب الجمهوري على 176 مقعداً وهو ما يوازي 19% من الأصوات وبقيت المقاعد ذهبت للمستقلين. حكومة حزب العدالة الأولى شكلت من قبل وزير الخارجية الحالي عبد الله غول، لأن الطيب أردوغان كان محظور عليه أن يعاد انتخابه ، وبعد رفعه من قبل البرلمان اصبح رئيساً للوزراء.
شعبية حزب العدالة والتنمية في تزايد مستمر منذ وصوله للسلطة، ففي الانتخابات المحلية الأخيرة والتي جرت في 28/3/2004، حقق الحزب 42% من الأصوات، وأصبح الآن لدى الحزب 81 فرعاً في المحافظات و300 فرع في البلدات وبعضوية ما يقارب الثلاثة ملايين شخص.
السياسات الداخلية الأساسية للحزب
فيما يتعلق بسياسات الحزب الداخلية، فقد راعت المبادئ والأسس التالية:
إن الديمقراطية والعلمانية وحكم القانون من المبادئ الأساسية للجمهورية ونعتقد بأن تركيا ستزدهر وسينعم المواطنين بحياة أفضل إذا ما سعينا إلى تطبيق المبادئ التي ذكرناها سابقاً.فالانفتاح والشفافية هي مبادئ حيوية وهامة للحكومة لأن القطاع العام يمول علمياً من قبل المواطنين. إن المواطنين ليهم الحق ان يعرفوا أين وكيف يتم صرف أموالهم.
ولحل هذه الإشكالية أحدثنا تغييرات جذرية في الدستور والنظام القضائي لتعزيز الديمقراطية ورفع مستواها وتطوير الشفافية، وذلك في أقصر وقت ممكن. أي أن أي مواطن في تركيا يملك حرية التعبير عن الرأي والمعتقدات والأفكار ويملكون الحق في تشكيل الروابط وأن يعيشوا ضمن إطار ثقافتهم ويجب أن يكون هناك تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو اللغة ولقد قمنا بإجراء التغييرات اللازمة كي يتمتع المواطنين بحريتهم والحصول على حقوقهم كما لو كان ذلك في الدول الديمقراطية المتطورة.
1) نؤمن ونعتقد بعدم ضرورة وجود أحزاب سياسية قائمة على أساس فكرة الدين وينطبق هذا على الأحزاب القومية لأنهم يقيدون قيم المجتمع ان الدين هو قيمة مشتركة في المجتمع ولهذا فهو فوق جميع الاهتمامات السياسية، لذلك يجب أن لا يعمل على استغلال الدين من قبل الأحزاب السياسية والذي يقود إلى خلق حالة من الانشقاق في وسط المجتمع، ولهذا السبب البسيط فنحن نعرف أنفسنا بالديمقراطيين المحافظين وهذا الأسم يستخدم ضمن إطار احترام وتعزيز الثقافة والتقاليد وقيم المجتمع الاجتماعية في الوقت الذي نسعى فيه إلى تحديث وتطوير مستوى المعيشة في المجتمع ونعتقد بأن هذه القيم لا تتعارض أو تتناقض مع نفسها.
2) هدفنا يسعى في حده الأدنى بأن نجعل تركيا في مستوى الدول المتقدمة ومن أجل الوصول لهذا الهدف علينا أن تقوم بإصلاحات بنيوية في القطاع العام والاقتصاد ولهذا يجب أن نعمل على أساس اقتصاد السوق الحر والخصخصة وأن نزيد من فعالية القطاع العام.
3) لقد عانت تركيا من مشاكل حادة في عام 2001 وكان من نتائجها أن تدهورت الحالة الاقتصادية بشكل حاد ومشاكل في توزيع الثروة لقد انتشر الفساد المالي بشكل خطير وخاصة في قطاع البنوك الخاصة والتي تم تفريغ مصادرها المالية من قبل ماليكيها مما كلف الاقتصاد أكثر من (30) بليون (....) يتوجب دفعها للمواطنين، ومع هذا فقد وضعنا برنامجاً يساعد على الاستقرار الاقتصادي ، لقد غيرنا القوانين مما يجعل أصحاب البنوك خاضعين للمساءلة القانونية لسوء التصرف وتعاونا مع صندوق النقد الدولي، لخفض التضخم الى مستويات مرضية، واقتصادنا مستقر الآن. وعززنا سياسة الاستيراد والتصدير وأصبح اقتصادنا ينمو بنسبة 5% سنوياً.
السياسة الخارجية للحزب:
نحن نعيش في حقبة جديدة في السياسات الدولية ويمكن أن نطلق عليها "حقبة نمو العلاقات الإقليمية"! أو حقبة "الاتجاه نحو الوحدة بين الدول"!.
الديمقراطية والحكومة الجيدة:
من المبادئ الأساسية للمجتمع الدولي الآن:
1) نؤمن بأن الدول التي لم تتبن هذه المبادئ ستعاني اقتصاديا واجتماعيا، نستطيع أن نبني مستقبلاً افضل لشعبنا لوطننا عند نسعى وبشكل جاد الى تطبيق هذه السياسات ونحن من كل قلوبنا لمساعدة جميع المجتمعات لإحداث هذه التغييرات في مجتمعاتهم.
2) الظروف الدولية وديناميكية البناء في هذا المجال تسعى لأن نؤسس علاقات مبنية على أساس من التفاهم والعقلانية وأكثر من ذلك مع كل عناصر الكرة الأرضية وبهذا نستطيع أن أن نصل إلى قاعدة جديدة في العلاقات الدولية وهي أن نجير العمل لصالح الطرفين، وعلاقاتنا الدولية تقوم على أساس العمل تحت شعار هذه المبدأ "العمل لصالح جميع الأطراف"!.
3) عدم توفر السلام والاستقرار في منطقتنا يؤثر بشكل مباشر على مجتمعنا لهذا يجب على تركيا أن تكون فعالة في الصراع من أجل أن تؤمن الاستقرار في المنطقة.
4) ان التحديث في تركيا مشروع طويل الأمد وقد اصبح ذلك جزء هام من السياسة الفعالة للدولة وجزء هام من تركيبة مؤسسات الدولة. وعندما لا يشكل التحديث خطراً على تقاليد المجتمع وعقيدته فإن على الناس أن تسعى لتطبيقه للنهوض بالمجتمع . ومن النتائج الطبيعية للتحديث في تركيا انضمامها للاتحاد الأوروبي وأكثر من 75% من المجتمع التركي تؤيد الانضمام للاتحاد ولذلك فإن حكومتنا تسعى بكل جهودها لإجراء الإصلاحات الضرورية من أجل بدء محادثات الانضمام.
وفيما يتعلق بالديمقراطية بالشرق الأوسط أود أن اقتبس ما قاله رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بهذا الخصوص" أنا لا اقر الرأي القائل بان الثقافة الإسلامية والديمقراطية لا يمكن لهما أن يتعايشن وكسياسي متعلق بالإسلام ومؤمن شخصياً به ، ولكن اعتبر أن السياسة كأداة مسيطرة خارج إطار الدين، اعتقد بأن هناك صدعاً في وجهة نظر مثل هذه. وفيما يتعلق بالديمقراطية في الشرق الأوسط أنها نتيجة يجب الحصول عليها، لذلك فالسؤال ليس موضوع هل الديمقراطية ممكنة أم لا؟، ولكن كيفية تلبية ما تريده الشعوب في الشرق الأوسط وبكلمات أخرى كيف يمكن الوصول الى الديمقراطية في المنطقة".
- ورقة عمل قدمت لمؤتمر "الاحزاب السياسية في العالم العربي ...الوراقع الراهن وآفاق المستقبل" الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 12-13/حزيران 2004,الاردن -عمان.
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة