A+ A-
الإسـلام السياسـي والتحديات المعاصرة
2003-05-10

يدور جدل مستمر بين العاملين في الحركات الإسلامية حول مسائل في العمل السياسي، ويتركز الخلاف حول المشاركة في المجالس التشريعية وحول تولي المناصب القيادية في الدول العربية والإسلامية التي يتواجدون فيها.والتساؤل المطروح هل هذا العمل مشروع أم لا؟
وهل هذا طريق موصل لتحقيق أهداف مشروعهم الإسلامي؟
ولعل من الأسباب المباشرة في نشوء مثل هذه التساؤلات يعود إلى تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي ونشوء أوضاع شاذة بعد سقوط الخلافة عام سبعة وعشرين وتسع ماية وألف هذه الخلافة التي استمرت ثلاثة عشر قرناً، فأدى سقوطها إلى تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات وأقاليم كلها واقعة تحت سلطان الأجنبي من الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والهولنديين والروس وحكومات تأتمر بأمر هذا الأجنبي وتم من خلالها استبدال جميع القوانين والنظم المعمول بها في الدولة الإسلامية بنظم لا تمت إلى الواقع بصلة ثم تبع ذلك تغيير في مناهج التعليم تخرج على أساسها أجيال لا تؤمن بفكر عروبي ولا إسلامي بل إنها كانت تعاديه وتحولت مع ذلك كل مقدرات البلاد وثرواتها إلى جيوب وخزائن المستعمرين.
هذا الوضع الشاذ جعل أبناء الأمة المخلصين يجاهدون ويكافحون لإخراج الأجنبي الذين لم يخرج إلا بعد أن ترك واقعاً مغايراً وشاذاً للدين والوطن لا زالت الأمة تعاني منه حتى هذه الأيام ولقد كان من خطط المستعمرين منذ وطئت أقدامهم بلاد العرب والمسلمين أن يواصلوا احتلالهم وينفذوا مخططاتهم خصوصاً في الحيلولة دون رجوع العرب والمسلمين إلى أصالتهم وفكرهم الأصيل.
وبناء على ما تقدم من نشوء الأوضاع الشاذة اختلف العاملون في الحركات الإسلامية المسيسة منها أو التي ترى الكياسة في ترك السياسة. اختلف هؤلاء في الحكم على الحكومات الموجودة والحكام القائمين وهل هم كفار أم مسلمون يجوز حكمهم وتجوز قيادتهم وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد من فكرة عامة عن ماهية الإسلام الذي جاء به محمد عليه السلام وهل السياسة جزء منه.
فنقول: يخطئ من يظن أن الإسلام مجرد نظام عبادي يؤدي فيه المسلم عبادات الصوم والصلاة والحج والزكاة وغيرها.
فالحقيقة التي نؤمن بها من خلال الفهم لدين الله كما جاء به رسول الله عليه السلام إنّ مجرد الانتساب للإسلام يرتب على صاحبه مساراً اجتماعياً يستوعب فكرة وجوده فوق مسرح الحياة وبعد الممات.
فلو كان الإسلام مجرد نظام عبادي وروحي وشعائري لا علاقة له بالحركة الاجتماعية لأصبح نيل الجنة أمراً ميسوراً يتأتى لكل قاعد فحسبه أن يؤدي الصلوات ويصوم رمضان وهكذا يصبح من أهل الجنة ولكن الأمر في دين الله أبعد من ذلك بكثير إذ إنه مثلما يفرض على المسلم الشعائر العبادية يفرض عليه تحركاً اجتماعياً نابضاً بالحركة والتبدل، ولهذا كانت فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشورى والبيعة للحاكم والحكم وقتال الفئة الباغية وتدوير المال بين الناس. هذه الحركة الاجتماعية التي فرضها الله على الناس كما فرض الصلاة، بل أعتبر الرسول عليه السلام أن العبادات على أهميتها لا تجير صاحبها إذا لم يكن سلوكه متوافقاً مع عباداته. بل إن الرسول عليه السلام لخّص رسالته بأعمال اجتماعية وقيم سلوكية حين قال (الدين المعاملة) و (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق).
هذه الحركة الاجتماعية المطلوبة كما هي العبادات تحتاج إلى وعي واستنارة وإطلاع وتحصيل معرفي وحوار بناء يؤدي بالتالي إلى حركة في الحياة راشدة ولهذا كان على المسلم الراشد أن يعي مسار حركته الاجتماعية في هذه الحياة ليوصله هذا المسار في النهاية إلى مرضاة الله.
إن على المسلم الذي يعزم على التمسك بدينه في الظروف والأحوال المعاصرة أن يعي أن هناك عدة مشاكل تؤثر على اندماجه السياسي في مجتمعه الذي يعيش. ويصبح يسبب هذه المشاكل مخيراً بين الالتزام بدينه وما يترتب عليه من نظام حياتي أو الاغتراب عن مجتمعه وما ينتج عنه من مرارة وعزلة اجتماعية موحشة وهذه الحالة تضعه أمام خيارات خطيرة تؤثر على سلوكه الاجتماعي واندماجه السياسي ولكي يحل هذه المشكلة لابد أن يجتاز خيارات ثلاث:
الأول: الانسحاب من حركة الحياة واعتزال المجتمع ورجمه بشتى النعوت وتشكيل موقف اجتماعي سلبي يضعه في شرنقة لا تمت للواقع بصلة يصبح بعدها مفتقراً إلى اللغة المشتركة مع أبناء مجتمعه وهذا مما يزيد في عزلته.الثاني: أن يتظاهر أنه مندمج مع مجتمعه بينما هو ضمنياً يرفض كل مؤسساته مما يوقعه فـي حالـة صراع داخلي ينتهي في بعض الحالات إلى التطرف والغلو وتنعكس آثار هذا الموقف على كل القضايا الاجتماعية والسياسية وأن لا جدوى من أيـة مشاركـة فـي عمل سياسي.الثالث: الثورة على النظام الاجتماعي وإعلان نزعة تمردية في كل فرصة سانحةهذه الخيارات الثلاث على المسلم المعاصر أن يجتازها إلى كثير من الرشاد والتوجيه.ومن الخطورة بمكان تجاهل هذه المشكلة الآخذة بالتوالد نتيجة الفشل المتتابع والهزائم والتراجعات للنظام العربي العام.وفي تقديري أن أهم سلاح ينبغي أن يتزود به المسلم إزاء هذه الحالة ولاجتياز هذه المحاور هو الوعي السياسي فطريق الوعي السياسي بإمكانه ترشيد مسار المسلم المعاصر ونزع فتيل الأزمة من تركيبه الداخلي وإفهامه أنه يمكن ان يكون إضافة نوعية وإيجابية لمجتمعة، وأن بأمكانه أيضاً أن يسهم إسهاما كبير لمحيطة الاجتماعي وأن عليه أن يبذل جهداً كبيراً لفهم الإطار العام للواقع الذي يعيشه ويجد نفسه فيه . خصوصاً إذا توفرت له في مجتمعة أجواء سياسية تسمح له ان يعلن عن نفسه ويسعى لتحقيق أهدافه في ظل الدساتير والقوانين العاملة أقول : ان مثل هذه الأنظمة الحاكمة يجب التمسك بها والحرص عليها لان بديلها أنظمة حكم الاستيداد العسكري التي تجبر التنظيمات السياسية على النزول تحت الأرض وتسبب من العسر والمشقة على الوطن والمواطن ما لا يطاق .
وعلية فأن المفروض ان تستفيد التنظيمات الإسلامية من هامش الحرية المسموح به عن قبل هذه الأنظمة .
وواقع السيرة النبوية يدل على جواز ذلك في أنظمة كافرة فكيف ومعظم أنظمتنا العربية تعلن أنها عربية إسلامية ويؤيد ما اسلفت فعل النبي علية السلام مع كفار مكه حين منعوه من تبليغ دعوته بعد عودته من الطائف .
فقد ورد في الحديث أن عائشة رضى لله عنها سألت رسول الله بعد معركة أحد قائلة : ( هل آتى عليك يوم أشد من يوم أحد : قال لقد لقيت من قومك ما كان اشد منه يوم أحد يوم عرضت نفسى على ابن عبد ياليل فلم يجبنى إلى ما طلبت ) ويؤيد هذا أيضا ان الرسول طلب الحماية بعد ذلك من الأخنس بن شريق وسهيل بن عمرو فأبيا ان يجييراه ثم عرض نفسه على المطعم بن عدي وهو من زعماء مكة فأجاره على ان يتوقف عن الدعوة الى دينه مؤقتاً ودخل الرسول مكة بجوار المطعم وحفظ رسول الله ذلك له فقال لأصحابه في اسرى بدر من قريش، لوكان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني بهؤلاء الأسرى لأطلقتهم له .
وحتى ان حسان بن ثابت رثى المطعم بن عدى بعد موته على كفره فقال في ذلك :
فلو كان مجدٌ مخلد اليوم واحداً من الناس ....... نحمي مجده اليوم مطعماً أجرت رسول الله منهم فأصبحوا .......... عبادك مالبى محل محل وأحرما فإذا كان هذا الموقف مقبولا في وقت ضعف المسلمين وغياب دولتهم فهو جائز في كل وقت ضعفٍ مثل هذا الذي كانوا فيه .
ولقد حصل مثل هذا في عهد النبوة ايضاً حينما لجأ طائفة من المسلمين الى بلاد الحبشة فرار بدينهم حينما علموا انه ملك لا يظلم عنده أحد .
فإذا كانت هذا الحالات مقبولة في حال وجود انظمة عادلة غير مسلمة فهى من باب أولى في ظل انظمة تقول في دستورها ان دين الدوله الاسلام وتمتد اصول حاكمها الى بيت النبوة الشريف .
إن انكار فضل مثل هذه الأنظمة لا يصدر الا عن جاحد ولولا سماح مثل هذه الأنظمة للجمعيات والمؤسسات والتنظيمات الإسلامية القيام بنشاطاتها لما استطاعت هذه التنظيمات الإسلامية تجديد شباب هذا الدين ولما قامت بتربيه شباب المسلمين في مساجد الدولة ومؤسساتها العامة .
أقول بعد هذا الاستطراد بالشواهد والادله على جواز العمل السياسي من واقع السيرة النبوية لكي نبرهن على ان الرسول مارس العمل السياسي والدعوة من خلال فهمه لواقعه الاجتماعي وحسن التعامل معه .
أعود مرة أخرى لواقعنا المعاصر فأقول ان مهمة المسلم المعاصر بلورة رؤية إسلامية متكاملة تعالج الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري، وحتى يقدم هذه الرؤية عليه ان يخرج من شرنقته ويفهم محيطه الاجتماعي والتيارات التي تؤثر في حركته الاجتماعية ، وإشعاره أنه يحتاج إلى الوعي العام بواقعه وبالأخص الواقع السياسي .
فالتوعية السياسية والارشاد هو القادر على توظيف طاقة المسلم المعاصر في مسار اجتماعي ايجابي بدل التفريط به عبر تأزيم العلاقة بينه وبين مجتمعه ومحيطة الاجتماعي .
ان انخراط المسلم في العمل السياسي الراشد هو الذي يخدم اهدافه في تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد مجتمعه ، فالله سبحانه لم ينزل الكتب ويبعث بالرسل الا لإقامة العدل بين الناس كل الناس لأنه اذا ظهر العدل واستقرت وجهته في حياة الناس بأي طريق فان ذلك من أهداف ومقاصد شريعة الله .
فلا يقال للسياسة العادلة عن أي طريق جاءت انها مخالفة لشرع الله تعالى لإن شرع الله يدعو إلى التعايش العادل بين الناس وان اختلفوا في الدين لقولة تعالى :
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"
إذاً فتحقيق العدالة والمساواة بين افراد المجتمع وحسن التعايش مطلب سياسي من صميم الدين ولهذا فإن ابتعاد المتدينين عن العمل السياسي يتناقض مع المقولة التي يرددونها حول شمول الإسلام للسياسة. فالسياسة عملياً هي القيادة وابتعاد المسلم عن السياسة معناه تخليه طوعاً عن المشاركة بالقياده فلماذا يثور على من تولى القيادة ولا يلوم نفسه لتخليه عن المشاركة فيها، خصوصاً وأن القوى المعادية للإسلام ترغب رغبة أكيدة لجعل المسلم يتخلى عن السياسة لأن تخليه عن المشاركة السياسية يعطي تلك القوى السلاح الماضي لمحاصرة الإسلام وحربه وعزله عن المجتمعات التي تؤمن به.
ومن هنا فأننا نقول: أن العمل السياسي والمشاركة السياسية هما الوسيلة الناجحة لإخراج المسلم المعاصر من محاور الاغتراب الاجتماعي والعزلة السياسية.
وعلى المسلم المعاصر أن يدرك أيضاً أن التزاحم على أبواب المساجد والإقبال على الكتاب الإسلامي في المعارض وحتى الدعم الجماهيري المادي والمعنوي المقدم للحركات الإسلامية كل هذا إذا لم تضبطه أهداف عامة واضحة وصريحة، وإذا لم يتمحور حول قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية تعيشها الجماهير وتنكوي بنارها فلن يكون كل ذلك أكثر من طيف مرّ وانقضى، فالناس عموماً سئموا المواعظ والخطب وباتوا لا يتفاعلون معها ومن الأمانة أن نعترف بذلك ونستنبط أساليب جديدة للعمل الإسلامي. إن روعة الرسل عليهم السلام أنهم كانوا أصحاب مواقف سياسية واجتماعية وأنهم كانوا أصحاب فعل سياسي مباشر وصريح فهم لم يكتفوا بالكلام عن الظلم والطغيان بل وقفوا إلى جانب المظلومين والمضطهدين فكانت وقفتهم أبلغ من كل النظريات والخطب التي تتحدث عن القول ورفع الظلم وتحقيق المساواة، هذه الروعة التاريخية للرسل عليهم السلام ، من قدرتهم على تحديد موقفهم بحزم من كل قضايا الناس المطروحة في زمانهم وكانوا يتعاملون مع القضايا وهي ساخنة وكانت مواقفهم منحازة دائماً لصلح المضطهدين والمستضعفين لذلك آمن بهم الناس وأحبوهم واحتضنوهم وتابعوهم.
وإذا كان العالم العربي والإسلامي اليوم يعاني من ثلاث قضايا ساخنة فعلى العاملين بالساحة السياسية الإسلامية عامة والمشتغلين بالتنظيمات السياسية خاصة أن يحددوا موقفهم منها. وهي:
1. الطغيان السياسي.
2. سؤ توزيع الثروة.
3. التحلل الاجتماعي.
هذه القضايا الثلاث متشابكة ومرتبطة بعضها مع بعض فالطغيان السياسي لا يمكن أن يستمر إلا من خلال سؤ توزيع الثروة، وسؤ توزيع الثروة بكل ما يحمله من دلالات سياسية ومن مناخات اجتماعية مريضة، يشكل بدوره حافزا للتحلل الاجتماعي، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحل واحدة من هذه القضايا الثلاث دون أن يمس القضيتين الباقيتين.لذلك لا بد للمسلم المسيس وهو يتحدث عن التحلل الاجتماعي أن يعي الإطار السياسي والاقتصادي وأن يباشر بالطرح الشمولي لها، لأنه من الملاحظ أن جمهور الوعاظ والخطباء تحدثوا كثيراً عن مشكلة التحلل الاجتماعي غير أنهم أهملوا السياق السياسي والاقتصادي لها.
ولهذا على الإسلاميين ، أن يبلوروا موقفاً شمولياً إزاء هذه القضايا من خلال شمولية الإسلام التي يؤكدها وعّاظهم وخطباؤهم.
مراجع البحث

اسم المؤلف

اسم الكتاب

د. ؟ عبد القادر حامد

أصول الفكر السياسي في القرآن المكي

أحمد بن يوسف

الإسلام السياسي وتحولات الفكر المعاصر

أحمد بن يوسف

السياسي مفاهيم ومواقف

عبد الرحمن عبد الخالق

فصول في السياسة الشرعية

عبد الرحمن عبد الخالق

لمسلمون والعمل السياسي

د. محمد عمارة

الإسلام والسياسة

مركز دراسات الشرق الاوسط

التوجيهات الغربية نحوالإسلام السياسي

ورقة عمل قدمت لندوة"الاحزاب السياسية الاردنية ...الواقع والطموح " التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 10-11/ايار