A+ A-
كلمة عبلة ابو علبة في ورشة عمل تمكين المرأة في قانوني الانتخاب والاحزاب
2005-06-20

عبلة ابو علبة
عضو مكتب سياسي في حزب حشد

يتراوح العنوان المطروح بين قانون الاحزاب المعمول به منذ 1992 ومشروع قانون الاحزاب المطروح منذ عدة اشهرحيث جاء الاول حصيلة تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة انتجت مرحلة جديدة من العلاقات بين نظام الحكم والقوى الاجتماعية المنظمة, اصطلح على تسميتها بمرحلة الانفتاح على الديمقراطية السياسية وبغض النظر عما شاب هذا القانون الا انه يعتبر حدثا ايجابيا غير عادي كونه يشكل اقرارا بالتعددية السياسية وحرية عمل الاحزاب بديلا لقوانين الاحكام العرفية التي عطلت الحياة السياسة مدة زمنية تزيد عن ثلاثين عاما.

ساركز في مداخلتي على وضع المراة في مشروع القانون المطروح حاليا, حيث تضمنت البنود الواردة فيه نصوصا واضحة لصالح تشجيع انخراط المراة في الاحزاب السياسية ولكن قبل ذلك اود ان اتقدم بالملاحظات التالية:

1- ان اية تطويرات على قانون الاحزاب المعمول به حاليا فيما يخص المراة يعتبر غير فعال دون ان يترافق مع هذه التطويرات توسيع مساحات الديمقراطية السياسية بشكل عام, واقصد هنا بالتحديد تعديل قانون انتخابات البرلمان والجمعيات والمؤسسات الاهلية والاجتماعية بشكل عام لذلك فالربط الحاصل في هذه الندوة بين قانون الاحزاب والبرلمان, هو في الاتجاه الصحيح, وسابين في مداخلتي من خلال النصوص الموجودة في مشروع القانون اهمية هذا العامل.

2- من الاهمية بمكان الربط بين تطوير النصوص الخاصة بالمراة في قانون الاحزاب, وتطوير مجمل القوانين الخاصة بعمل المراة وحياتها الاجتماعية والاقتصادية, وفي هذا الصدد اقول انه بين اعوام 96 – 2003 , جرت تعديلات هامة على قوانين نظام الخدمة / 98 / قانون الاحوال المدنية / 2001 / , قانون الضمان الاجتماعي 2001 / قانون ضريبة الدخل 2001 / , قانون الاحوال الشخصية, قانون العقوبات, و قانون الجوازات عام 2003 , ان التطورات التي جاءت في مجمل هذه القوانين لصالح المراة, تعتبر ايضا روافع هامة من اجل مساندة مشاركتها في الحياة العامة والحياة السياسية بشكل خاص مع ان هناك كثير من المقترحات التعديلية لا زالت في الادراج ولم ينظر بها بعد.

3- هناك مفهوم ناقص حول المشاركة السياسية للمراة, وغالبا ما ترد في ادبياتنا السياسية والثقافية وحتى في حياتنا اليومية, وحتى لا احصر هذا الخطا في الادبيات الاردنية, فجميع الادبيات العربية النسوية تقريبا ترتكب نفس الخطأ الشائع عندما تحصر المعيار واداة القياس لتطور المشاركة السياسية للمراة بعدد مشاركة النساء في الوزارات والبرلمانات والسفارات. لا شك ان مثل هذه التطورات تعطي مؤشرات هامة ذات دلالة ايجابية على الارتقاء بالمشاركة السياسية للمراة, ولكنها تبقى ناقصة دون الالتفات الى مشاركة المراة في الاحزاب السياسية, او في الحياة السياسية بشكل عام (في البلدان العربية التي لا توجد فيها احزاب سياسية ).
في الاردن كما تعلمون يوجد الان في مجلس الامة 13 امراة وفي الحكومة تشارك اربعة وزيرات كما لدى الاردن سفيرتان ايضا في الخارج. ان كل هذه الانجازات الهامة حقا جاءت بفعل ارادة سياسية عليا بما في ذلك اعضاء البرلمان الستة اللاتي جئن على اساس نظام الكوتا كما نعلم جميعا. انه لمن الضروري حقا ان نلتفت الى الفئات الاجتماعية الاوسع وضرورة مشاركتها في الاحزاب السياسية بغض النظر عن اطياف هذه الاحزاب وتلاوينها الفكرية والسياسية حتى لا نقع في مطب الهتاف للنخب وتضليل الراي العام حول واقع المراة وحقيقة مشاركتها في الحياة السياسية.

 

ملاحظات على وضع المراة في مشروع قانون الاحزاب

اولا: ان مجمل الملاحظات التي رفعتها احزاب المعارضة الوطنية الى دولة رئيس الوزراء حول المشروع والمتعلقة بالقيود القانونية على الاحزاب واعتبارها واحدا من المؤسسات الرسمية الحكومية هذه الملاحظات, لا شك انها تعيق ايضا حركة المراة وقدرتها على رفع مستوى مشاركتها في الاحزاب, حتى ولو انفردت نصوص واضحة بانصاف المراة وتشجيعها على الانخراط في الحياة الحزبية فالنصوص تتعامل مع الاحزاب كما لو كانت جمعيات خيرية او نوادي ثقافية او فروع تابعة لوزارة الداخلية, وهذا بالطبع لا يتفق مع فلسفة التعددية السياسية واحترام الانظمة الداخلية والهوية الفكرية للاحزاب السياسية.
ثانيا: ورد في نص المشروع وبتكرار مقصود ما يفيد حول العمل بالوسائل الديمقراطية المشروعة:
مادة 3 – أ – ويعمل الحزب بوسائل ديمقراطية مشروعه وسلمية.
مادة 6 – هـ - حول اجراءات تشكيل الهيئات على اساس ديمقراطي.
مادة 15 – ج – يلتزم الحزب باتباع الاساليب الديمقراطية في تشكيل هيئاته القيادية .

ما ورد في هذه النصوص مفيد وجيد ولكن الديمقراطية ايضا هي نظام عمل ديناميكي له الياته وخطابه المميز فالنظام الديمقراطي يجب ان يحكم علاقة الهيئات الحزبية الداخلية بقواعدها من جهة, ومن جهة اخرى يحكم علاقة الحزب بالمجتمع الذي يتحرك في وسطه, وتحديدا الفئات التي تمثل مصالحها ويدافع عنها وينطق باسمها.
هنا تاتي المفارقة الكبيرة حيث توجد كما تعلمون كثير من القوانين المقيدة للحريات ( قانون الاجتماعات العامة مثلا ), كما ان هناك محظورات كثيرة تمنع الاحزاب من التحرك في اوساط الطلبة مثلا والموظفين الحكومين...الخ. اما الخطاب السياسي فقد جرى تقييده ايضا بجملة قوانين واردة في مشروع قانون الاحزاب نفسه.
( يحظر على الحزب التدخل في شؤون الدول والجهات غير الاردنية ......الخ مادة 20 – ب-)

2- ورد في المادة 3 – ب – ما يلي:
( لا يجوز لاي حزب ان يستند او يؤسس على اساس طبقي او طائفي او على اساس التفرقة بسبب الجنس او الاصل او العقيدة ..... الخ) في نفس النص هنا توجد نصوص ايجابية بالنسبة للمراة وتدعو الى المساواة بغض النظر عن الاختلافات, ولكن من غير المفهوم هنا ايراد ( على اساس طبقي ), وكأننا نكرس مفهوم الفروقات الطبقية الواسعة خصوصا في الوقت الحاضر حيث ازدادت الهوة كثيرا بين الاغنياء والفقراء, وتهمشت بسبب هذا التغيير الاقتصادي فئات اجتماعية واسعة واعداد هائلة من النساء المسؤولات عن اعالة اسر.
انني اعتبر ان قطاع المراة بمشاكله والتمييز الواقع عليه من اكثر من زاوية هو شريك موضوعي للفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة, والحزب الديمقراطي ايا كان اسمه وهويته, عليه ان يدافع عن حق هذه الفئات الاجتماعية بالعيش الكريم تماما مثلما عليه ان يدافع عن حقوق الفئات المهمشة والمضطهدة مثل النساء اللاتي يقع على كاهلهن كثير من الاعباء واشكال الظلم والتمييز.
3- ورد في المادة 4 ما يلي:
( للحزب المشاركة في الانتخابات التمثيلية منفردا او ضمن ائتلاف حزبي ).
كما ورد في المادة 10 – أ - / 2 / على الحزب ان ينص وبشكل واضح على التزامه بمبدا التعددية السياسية في الفكر والراي والتنظيم كما ورد في نفس المادة / بند 3 / " وعدم التمييز بين المواطنيين ".
انني اثمن ما ورد في هذين النصين ولكني اعتبر ان الجهة التي يجب ان تلزم نفسها بمضمون المادتين هي الوزارة المعنية او الجهة الرسمية – الحكومة – وليس الاحزاب السياسية, فلا التزام يمكن ان يترتب على الاحزاب عندما تقر بمبدا التعددية بل على العكس لان هذا النص في صالحها بشكل عام.... ولكن الحكومة يترتب عليها الكثير من الالتزامات وخصوصا ما يتعلق باجراء الانتخابات ضمن ائتلاف حزبي, لان هذا يعني بالضرورة تعديل قانون الانتخابات البرلمانية بما يتفق والاقرار بالتعددية السياسية والالتزام بمبدا التمثيل النسبي, وتزداد اهمية هذا التعديل في قانون الانتخاب للبرلمان عندما نقرا نصا في المادة السابعة من مشروع قانون الاحزاب والتي تنص في الفقرة 3 على ما يلي:
( ان لا تقل نسبة المرشحات من الاناث في قائمة الحزب او الائتلاف الحزبي عن 10 % ) فكيف يمكن توفير مناخات واجواء للمرشحات من النساء ضمن القوائم دون اقرار مبدا التمثيل النسبي على اساس القوائم الحزبية ؟!!.
4- في المسودة الاولى للدعم المالي للاحزاب السياسية ورد في المادة 3 / ما يلي:
يتقاضى الحزب دعما ماليا سنويا مقداره عشرة الاف دينار اذا توفرت الشروط التالية: ومن ضمنها ما ورد في فقرة – ب – ان لا تقل نسبة الاناث في الهيئة العامة للحزب وفي هيئاته المنتخبة عن 10 % وان لا تقل نسبة الشباب ايضا عن 10 % . وجرى التاكيد على ذلك بمزيد من الحوافز المالية في المادة 6 حيث نصت على ما يلي: ( يحصل الحزب على دعم مالي اضافي بنسبة 10 % اذا زادت نسبة الاناث في الحزب على 20 % واذا زادت نسبة تمثيلهن في الهيئات المتتخبة على 20 % .!!!!!!!!! )
اولا:
ومع احترامي للدوافع التشجيعية لمشاركة المراة في الاحزاب السياسية وراء هذه النصوص, الا انها لن تؤدي الا الى نتائج مؤقتة وشكليه وغير جوهرية, فالاصل هو ان يلتزم برنامج الحزب بقضية المراة, ويضع اليات قابلة للتطبيق من اجل الدفاع عن مصالحها وتطوير امكانياتها والمساهمة في حل اشكالاتها المعقدة, سواء على الاصعدة القانونية او الاجتماعية وهذه مهمة ليست سهلة وتتطلب نفسا طويلا وعملا جادا ومثابرا من قبل قيادة الحزب اذا ما توفرت الارادة السياسية لذلك.
نعم فالذي يغير نسبة المشاركة الحالية للمراة في هيئات الاحزاب من 7 % الى ما هو افضل هو طبيعة البرامج والخطاب الموجه لها والعمل الجاد بين صفوفها وتنظيمها وتثقيفها وتعبئة طاقاتها... الخ.
اما نص المادة اعلاه فيمكن ان يشكل حافزا لدى بعض القيادات الحزبية لتجميع اعداد من النساء على اسس عائلية مثلا حتى يمكن الفوز بالدعم المالي المطلوب والذي لن تستفيد منه النساء على كل حال!!

في نهاية مداخلتي القصيرة هذه اقترح ما يلي:
1- ان التعديلات الديمقراطية المطلوبه من قبل الاحزاب الاردنية على مشروع قانون الاحزاب, سيكون لها تاثيرا ايجابيا كبيرا على تحسين نسبة مشاركة المراة في الاحزاب السياسية, كما ان تعديل قانوني الاحزاب والبرلمان باتجاه تقدمي ديمقراطي, بعيدا عن كل ما يتعلق بالتمييز هو الاصل في توفير مناخ مواتي للمشاركة الايجابية للمراة في الاحزاب.

2- اقترح في باب الدعم المالي والحوافز التشجيعية المنصوص عليها ان تستبدل بضرورة تخصيص هذه الاموال من اجل اقامة مشاريع لصالح النساء الفقيرات والمهمشات والاخذ بيدهن وعيا وثقافة.

3- ان تستحدث مادة ضمن الشروط على برامج الاحزاب خاصة بضرورة تخصيص برنامج خاص ضمن برنامج الحزب مؤسس على جهد مستقل لرفع شان المراة في العمل السياسي الحزبي, وعدم ترك هذا الموضوع عاما وضمن صيغ تشجيعية فقط.

4- يجب ان نضع نصب اعيننا ونحن نقرهذه القوانيين ونناقشها متطلبات المجتمع الاردني واستحقاقات تطويره وانصاف الفئات الاجتماعية فيه, اكثر من حسابات الضغوط الخارجية فنحن نريد اصلاحا جادا وديمقراطيا فعليا, يعود بالفائدة على مكونات المجتمع الاردني ومؤسساته السياسية والاجتماعية ككل, هكذا فقط يمكن ان تبدو صورة المجتمع الاردني اكثرة اشراقا وفاعلية.

-ورقة عمل قدمت في" مؤتمر تمكين المراة في قانوني الانتخاب والاحزاب"بتنظيم من مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 20/حزيران 2005,الاردن -عمان.