2005-06-08
الدكتور بي. آر . كوماراسوامي
ان العديد مِنْ الزعماءِ المسلمينِ التقوا ويَلتقونَ مَع الزعيم الاسرائيلي المثير للكثير من الجدل آريل شارون ناهيك عن استخدام العديد من الأوصاف المثيرة في حقه مثل:" جندي عظيم وقائد شجاع " وهذه الكلمات هي ما جاءت بالضبط على لسان الرئيس الباكستاني برويز مشرف في مقابلة أجراها مع الصحيفة الألمانية الأسبوعية دير شبيغل،وهذه الكلمات من المديح كانت اكثر من مجرد تعبير عن الاحترام من جنرال لآخر.
وكون هذه الكلمات التي تعبر عن الإعجاب العام بشخص شارون صادرة عن زعيم دولة لم تعترف بالدولة اليهودية رسميا، فهي دلالة اخرى على الانفتاح الباكستاني اتجاه اسرائيل.ولم تكن على أي حال المرة الاولى التي يثير فيها مشرف مثل هذه الضوضاء العلنية حول التصريحات المؤيدة لإسرائيل، حيث لمح العديد من مختلف القادة السياسيين وعلى فترات دورية ان باكستان تعيد التدقيق في سياستها نحو اسرائيل وان هذه القضية يجب تناولها "بعقل مفتوح".وكانت اغلب هذه التصريحات الصادرة عن مشرف والمؤيدة لإسرائيل تقال إما للجمهور الغربي أَو عشية الاجتماع بالزعماءِ الأمريكانِ.
ان غياب أي عداوة ثنائية بين البلدين قد روجت ايضا لنظرة عقلانية جديدة، فعلى سبيل المثال وفي شهر حزيران 2003 قام الجنرال برويز مشرف في هذا السياق بتذكير الباكستانيين بما يلي: "يجب علينا ان لا نرد بانفعال على هذه القضية، كما يجب ان نعطي اعتبارات جدية لهذا الموضوع، إنها قضية حساسة. لقد خضنا ثلاثة حروب مع الهند ومع هذا لا زال هناك علاقات دبلوماسية بين بلدينا. مضيفا بان باكستان لم تقاتل ولم تشن الحرب ضد اسرائيل.
وكما في الماضي، أعلنتْ القيادةَ الباكستانيةَ دعمَها الغيرَ محدود للقضيّةِ الفلسطينيّةِ والتي غالبا ما تشعر بالراحة عند شجبها العدو الصهيونيِ الذي أوجد له مؤخرا صداقة مع الهند. وقد أحدثت السنوات الاولى من مرحلة تطبيع العلاقات الهندية الاسرائيلية في شهر كانون الثاني من عام 1992 ضجة إعلامية مكثفة في باكستان حول المؤامرة الهندوسية اليهودية، والهندية الاسرائيلية، وحتى انهم وصفوها بمؤامرة البراهمة مع الصهيونية، وقد وصلت الهجمة الإعلامية ذروتها مع زيارة شارون الرسمية للهند في شهر أيلول من عام 2003.
وان التعاون الأمني العسكري المتنامي بين الهند وإسرائيل قد جذب انتباها وقلقا كبيرين في باكستان وقد أدى ذلك الى تصوير العلاقات الهندية الاسرائيلية على أنها مؤامرة لا تستهدف باكستان فقط وانما العالم الاسلامي الكبير. ان الصمت العام المطول في اسرائيل قد رسخ وجهة النظر القائلة بان باكستان دولة معادية لإسرائيل هذا ان لم تكن معادية بصورة خطيرة لليهود.
وفي وقت من الأوقات أطلقَ الزعماء الباكستانيين حملة فاشلة في الولايات المتّحدةِ لإغراق وإفشال صفقة البليون دولار المتعلقة بصفقة طائرة التجسس "فالكون" بين الهند وإسرائيل.انظر في هذا السياق: "الروابط الهندية الاسرائيلية: التغيير ما بَعْدَ عرفات ".التاريخ المشترك على الرغم مِنْ الخطاب العامِ، حيث يَشترك كلا البلدين في التراث التاريخي المشترك ومخططات بناءِ الدولة، حيث تم تصوير كلا الدولتين من الناحية الأولية كوطن الاقليات الدينية الوطنية: اسرائيل لليهود، وباكستان لمسلمي الهند البريطانية.
في الوقت الذي قادت فيه قياداتهم العلمانية كفاحها الوطني، وسرعان ما تصرفت العناصر الدينية بشكل عقلاني وبالتدريج لكي تكون جزءا من الدولة التي عارضوها بشكل عنيف في البداية.
وتجدر الإشارة الى السياسيين الباكستانيين الذين كانوا وعلى فترات منتظمة يتهمون عناصر المعارضة بالعمالة لإسرائيل والصهيونية، كما ان الخطابات المعادية لإسرائيل كانت تشكل عنصرا مكملا للعديد من الحملات الانتخابية في باكستان.
هَلْ يمكن القول ان إسرائيل وباكستان شركاء غرباء في السرير مرتبطين سويا بزواج المنفعة؟ او هل هم حلفاء طبيعيين لامتلاكهم العديد من القضايا المشتركة واكثر مما تراه العين؟ ان المعطيات المتوفرة والمواد الأرشيفية تشير إلى أنه وعلى الرغم من المواقف العامة، فقد كان هناك ومنذ البداية شكل من اشكال التعامل ما بين الدولتين.
وتعود بعض هذه الاتصالات الى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة والتقسيم، فقد عمل كلا البلدين على عدد من القضايا، فمنذ أواخر الأربعينات كان كبار الزعماء الباكستانيين يجتمعون ويتفاعلون او يجدون طريقهم لتسوية النزاع مع الدولة اليهودية.
ولو تسلم مؤسس باكستان محمد علي جناح الطلب الاسرائيلي الرسمي للاعتراف الدبلوماسي، حيث ان وزير خارجية باكستان الاول "مير ظفر الله" قد عزف لحنا مختلفا بعد وقت قصير من تسلمه لمهام مكتبه، إذ عارض تقسيم فلسطين بشكل عنيف ورأى في ذلك الفعل انه غير شرعي وظلم للعرب، وعندما ظهرت اسرائيل للوجود بدأ بتبني موقفا اكثر واقعية وحث العرب ليكونوا واقعيين في نظرتهم للأمور.
وبرزت في وقت من الأوقات تخمينات وتوقعات تفيد بان باكستان لن تعترف بالهند وتعترف بإسرائيل، حتى لو جاء ذلك من باب إحراج جارتها الهند.وجاء إعلان " خان " في القاهرة الداعي لاعادة النظر في الموقف العربي تجاه اسرائيل، حيث قادت هذه الدعوة الى لقاء عالي المستوى في نيسان 1952 بينه وبين "آبا إيبان" الذي كان يشغل آنذاك منصب السفير الاسرائيلي في واشنطن، وقاد هذا اللقاء الى اجتماع آخر في كانون الثاني التالي.
وأثناء أزمةِ السويس بقيت باكستان البلد الرئيسي الوحيد من العالم الثالث التي تبنت موقفا مؤيدا للغرب، ومعارضا للقائد المصري عبد الناصر، وفي الأحاديث والنقاشات الخاصة أبدى الدبلوماسيين الباكستانيين سعادتهم في طريقة التعامل مع عبد الناصر.
وكان احد الأمثلة على ذلك عندما قام المفوض السامي الباكستاني في أتاواـ كنداـ ميرزا عثمان علي بتهنئة نظيره الاسرائيلي على "الأداء الرائع لجيشكم البديع والصغير الذي تمثل في دوره في هزيمة المصريين" كما أبدى اسفه للتدخل الفرنسي والبريطاني، حيث كانت القوات الاسرائيلية ستكمل زحفها باتجاه القاهرة.ودون شك ان صداقة عبد الناصر مَع رئيسِ الوزراء الهنديِ جواهر لال نهرو وجرأته في ذِكْر كشمير وأهميتها للهند كأهمية سيناء لمصر لَمْ تَجدْ وقعا جيدا في باكستان.
وإذا كان دعمها لمصر لم يكن يتجاوز اكثر من حدود الدعم المعنوي خلال حرب حزيران، فقد كان هناك طيارون باكستانيين يساعدون سوريا وبشكل فاعل أثناء حرب أكتوبر في عام 1973.ولم يكن راضيا عن مقارنة الإسلام في باكستان بالصهيونية في اسرائيل، وفي إحدى المرات قام بحث منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف بالدولة اليهودية.على أية حال، ان أكثر مساهماتِه القيمة إلى إسرائيل جاءت في اجتماع القمَّة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في عام 1984 في الدار البيضاء.
حيث كان هناك قرار الرّئيسِ أنور السادات بالانفصال عن العالمِ العربيِ وعقد سلام منفصل مع اسرائيل من خلال اتفاقيات كامب ديفيد، الامر الذي قاد الى عزلة مصر في الشرق الاوسط، وقبل ذلك جاء تعليق عضويتها في الجامعة العربية، علما أنها كانت من الأعضاء المؤسسين للجامعة، ونقل مقر الجامعة من مصر الى تونس.
ولا شك ان هذا التحرك قد قوض وبشكل ملحوظ جهود السلام والحق الضرر بالمصالح الامريكية في المنطقة، وقد مهد ذلك الطريق أمام ضياء الحق لان يجادل وبنجاح كبير في قمة منظمة المؤتمر الاسلامي بأن عزلة مصر لا تخدم المصالح الإسلامية ولا القضية الفلسطينية واستطاع وبمهارة تأمين عودة مصر الى صفوف الدول الإسلامية، وقد أدى هذا التحرك الى العودة التدريجية للقاهرة الى جامعة الدول العربيةالضغوط المتعارضةومع نهاية الحرب الباردةِ، والتطبيع الهندي الاسرائيلي وإعادة الديمقراطيةِ في باكستان يمكن القول ان ما ذكر جميعا قد أدى الى ظهور نظرة أكثر شفافية نحو إسرائيل.
وبالرغم من أنَّ باكستان لَمْ تناقض او تغير موقفها التقليديَ، فقد خرج موضوع التطبيع من السر الى العلانية ونوقش بشكل صاخب.وعندما كانت كل من بنازير بوتو ونواز شريف في السلطة أشاروا الى رغبتهم في التعامل مع اسرائيل، وناقشوا انه في ظل بعض الظروف المعينة سيكون لديهم الرغبة في تغيير سياستهم واقامة علاقات دبلوماسية معها.ان جُهود بوتو في آبِ 1994 لزيَاْرَة السّلطة الوطنية الفلسطينيّةِ الناشئة حديثاً في قطاع غزة وبدون التَعَامُل مع إسرائيل انتهت الى مهزلة مع نظيرِها الإسرائيليِ إسحاق رابين محذرا إياها بقوله "ان السيدة مِنْ باكستان يَجِبُ أَنْ يتم تعليمها بَعْض الأخلاق".
وعلى الرغم من ذلك، وبعد أسابيع قليلة، كانت باكستان حاضرة في مراسمِ تَوْقيع معاهدةِ السلام الإسرائيليةِ الأردنيةِ في وادي عربه.وفي نفس الوقت كان القرار الهندي في يناير/كانون الثّاني 1992 بإقامة علاقات دبلوماسيةِ مَع اسرائيل عاملا محرضا لتكثيف الجُهود الباكستانية فقط.ونَسبَ بَعْض المعلّقين الإعلاميِين وحتى رجالِ الدين التعاونَ الهندي الإسرائيلي المتعلّق بَالأمنَ إلى الاستياء الإسرائيليِ من باكستان بسبب غيابِ العلاقاتِ بينهما.وانطلاقا من الإحساس بالأهميةِ الدبلوماسيةِ لمثل هذه البياناتِ، تكلمت السفيرة الباكستانية في واشنطن عابدة حسين وبشكل علني لمصلحة الحوار مع اسرائيل، وفي الحقيقة قام زميلها في بعثة الأمم المتحدة بحضور حفل استقبال دبلوماسي أقامه السفير الاسرائيلي في نيويورك.
وبعد اغتيال رابين في نوفمبر/تشرين الثّاني 1995، أصدرتْ باكستان بياناً رسمياً يُدينُ "كافة الأعمال الإرهابية" مع إشارة بوتو الى الموازاة بين اغتيال رابين وشَنْق أبّيها مِن قِبل ضياء الحق.وفي مقابلةِ لها مع صحيفة يديعوت أحرنوتِ اليوميةِ الإسرائيليةِ في يناير/كانون الثّاني 1996، نَسبتْ قدرةَ باكستان على تعديل موقفها نحو إسرائيل إلى التقدّمِ في عمليةِ السلام وموقف البلدانِ العربيةِ الرئيسية.وحتى أنها شَكرتْ إسرائيل وأصدقائها في الولايات المتّحدةِ لمساعدتِهم في تجهيزِ طائرات أف -16 المقاتلة إلى باكستان وإلى الرَفْع الجزئيِ للانتشار النوويِ المتعلق بحظرِ التسلح الذي فرض على إسلام آباد.
وعندما عَبرتْ باكستان الحَدّ النووي في أيار 1998 مما أدّى لظهور نغمات مختلفة في كلا البلدين، كما شعروا بالحاجة الى ضرورة الوصول الى تفاهم حول المسألة النووية وتجنب التهديدات والازمات الغير ضرورية.ولقد تم طمأنة اسرائيل بان باكستان ستكون لاعبا مسئولا وأنها لن تقوم بنقل التقنية النووية الى "بلدان وكيانات العالم الثالث".ان الاستخدام المتكرر لتعبير " كيان " يُرى في اسرائيل على انه محاولة لتهدئة مخاوفها حول الكيان الفلسطيني المستقبلي، وقد سلمت هذه الضمانات سرا وعبر المحاورين الأمريكيين.وحتى ان الوزراء الباكستانيين ظهروا على التلفزيون الاسرائيلي لتكرار التزام بلادِهم ضدّ نقلِ الأسلحةِ النوويةِ.
من جهتها، بَدأتَ إسرائيل برُؤية باكستان النووية وبشكل أساسي في سياق جنوب آسيا واكدت بأنها ليست لديها نوايا وتوترات عدائية تجاه باكستان، كما ان الإستراتيجيين الإسرائيليون البارزون كَانوا على ثقة بأنَّ باكستان لا تُساهمَ في الانتشار النوويِ في الشرق الأوسطِ. وناقشوا بان القنبلة النووية الباكستانية في احسن الاحوال هي قنبلة صينية وليست إسلامية .وفي هذه الأثناء فقد كشفت الصحافة الإسرائيلية النقاب بأنه على الرغم من غياب الاعتراف الدبلوماسي الرسمي في ذروة المعارضة للوجود السوفييتي في أفغانستان، فان اسرائيل حافظت على " تمثيل دائم " في العاصمة إسلام آباد.
على الرغم مِنْ المعارضة العلنيةِ والخطاباتِ الحماسية، إلا أن الزعماء الباكستانيون تَبنّوا موقفا واقعيا تجاه إسرائيل.وطالما ان عملية السلام بقيت في السياق،فان لدى باكستان الحافز لإقامة العلاقاتِ الجيدةِ، وعلى وجه الخصوص عندما يرى في الشرق الاوسط دائرته الانتخابية الأساسية.وتَحتلُّ إسرائيل ايضا مكان مهما في علاقاتِ باكستان بالولايات المتّحدةِ، حيث أنها في الغالب تستفيد من نظرتها نحو إسرائيل.
علاوة على ذلك فان التخوّف الإسرائيلي من برنامجها النووي حافز إضافي الى باكستان لتحقيق بعض التفاهم الواسع مع الدولة اليهودية،وحتى لو كان التطبيع الكامل ليس وشيكا.
الخاتمة
ان موت ياسر عرفات والتقليل من العنفِ الإسرائيليِ الفلسطينيِّ يُوفّرانِ فرصةً لباكستان، حتى بيان مشرّف حول شارون جاءَ بعد أيام من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى باكستان ودعوته لوفد باكستاني عالي المستوى الى زيارة مناطق السلطة الفلسطينية، ومرورا بأمثلة للبلدان الأخرى التي قامت بزيارة مناطق السلطة فلا بد لمثل هذه الزيارة من التنسيق مع اسرائيل.وفي نفس الوقت، لا يمكن التقليل من تقدير الرأي العامِ المحليِ المعارض لإسرائيل، وعلى الرغم من النداءات الداعية للأعمال الانتقامية.
وإجمالا كانت المؤسسة الدينية المحافظة تتصدر قائمة الخطابات المعادية لإسرائيل، حيث شهدت باكستان وبشكل دوري اجتماعات معادية لإسرائيل بصورة تفوق اغلب البلدان العربية. ومنذ حالة التطبيع الهندي الاسرائيلي، تقوم باكستان ومنذ وقت طويل بعمل جلبة مؤيدة لإسرائيل، تمثل في البيانات الدورية العامة التي تتحدث حول الحاجة الى إعادة النظر في العلاقات وغياب اي تحرك ملموس في هذا الاتجاه يؤكد المعضلة الأساسية التي تواجه باكستان. بينما الرد والجو الشعبي العام معادي لإسرائيل، تتطلب الحسابات السياسية القاسية التعايش مع اسرائيل
- المصدر The Power and Interest News Report
http://www.pinr.com
حقوق النشر محفوظة@ مركز القدس للدراسات السياسية. كل الحقوق محفوظة